لا تناقض بين الكلمتين …
الألفاظ أوعية المعاني، وتحتمل دلالات متعددة بتعدد قصد المتكلم، ولكل لغة نظامها، على مستوى الحقيقة وعلى مستوى المجاز.
انشغل بعض الناس هذه الأيام بكلمة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) وكلمة (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله).
وأخذ الاختلاف بُعدا فئويا، اتسع شيئا فشيئا، إذا طرح الموضوع في مكان ما سبب توترا وتشنجا وتعصبا؛ لأن فلانا رأيه هذا وفلانا رأيه ذاك.
أليس هذا الموضوع موضوعاً تخصصياً، لا يجوز التهريج فيه. وما الضير في أن يختلف العلماء في فهم قول المعصوم، أليس هذه طبيعة الاجتهاد في فهم النصوص، وعليه يختلفون في المسائل الفقهية المختلفة.
يبدو أن البعض – من غير العلماء – أخذ كلمة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) ليقول إنها كلمة خاطئة في مقابل قول المعصوم، فانبرى يسقط قائلها ويخرجه عن الدين والمذهب.
لماذا كل هذه العصبية؟
قل فهمك إذا كان لك علم ودراية بكل أريحية وبلا تعصب، فنحن كلنا نحب الحسين ونحب عاشوراء ونحب كربلاء، ولا مزايدة لطرف على طرف في هذا الحب.
لا داعي للتجشنج، دعونا نفهم بعضنا، فأهل البيت أمراء الكلام، وفقهاء أهل البيت – رحم الله الماضين منهم وأطال في عمر الباقين – أدق الناس فهما لكلامهم، وقد يُدلي طالب العلم بدلوه، والمتخصص في اللغة العربية بدلوه، في فهم كلمة المعصوم؛ لأن لها دائرة معينة ليس لها علاقة بحكم شرعي، أما إذا وجد لها فقيه علاقة بحكم شرعي، فنحن مقلدون، لا يجوز أن نتناحر – نحن العوام – في اختلاف فهم مراجعنا، فهي – حينئذٍ – كباقي النصوص الشرعية، التي يختلف في فهمها الفقهاء، هل فيها مجاز أو حقيقة، هل فيها إطلاق أو تقييد، هل فيها إجمال أو تفصيل، الخ مما يعمل فيها الفقهاء علم النحو أو علم البلاغة أو علم الأصول.
ثم إن الكلمة الواردة عن المعصومين – عليهم السلام – (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) فيها أسلوب تشبيه منفي، وأسلوب التشبيه له أربعة عناصر، المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
والنفي أتى هنا لينفي وجود المشبه به (يوم) بلا النافية للجنس، ويثبت (يومك)، ولكن العبارة لا يفهم منها نفي وجه الشبه، لأن الشبه منتفٍ أصلا، إلا أنه يمكن للمتكلم أن يقيد به – بذكر الوجه – مطلق أوجه الشبه. ويمكن للمتلقي بقرائن منفصلة أن يفهم منها – أو يقدر – أوجه شبه مختلفة.
كأن يفهم منها (لا يوم كيومك في الحزن مثلا) أو في الفجيعة، أو … الخ.
ولما أن يقول الله سبحانه وتعالى (وذكرههم بأيام الله) بصيغة الجمع، أين سيكون يوم الحسين – عليه السلام – ؟
ثم، هل هناك تناقض بين الكلمتين؟
ألا يمكن الجمع بينهما؟
ألا يمكن أن تكون كلمة (كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء) هي وجه شبه – متصل بالنفي- محتمل؟
بمعنى أنه لا يوم كيومك يا أبا عبد الله؛ فيومك ملأ أيام الدنيا فصار كل يوم عاشوراء، وكربلاؤك ملأت الأمكنة فصارت كل أرض كربلاء.
فهو يوم واحد لا مثيل له في الدنيا له كل هذا التأثير.
فأين يكمن التناقض عندئذٍ؟؟