طوعة …
عِندما نقرأ التاريخ المرتبط بِكربلاء، لابد لنا من الوقوف عند بعض المنعطفات المِفصلية والأحداث التاريخية في مسيرة عاشوراء وما قبلها، تحديدًا عند سفارة مسلم ابن عقيل للإمامة والوجاهة الدينية الأصيلة المتمثلة في الحسين (ع) والموقف الفدائي الجريء للعنصر النسائي المتمثل في السيدة الجليلة طوعة. طوعة التي سطرت أروع مشاهد التضحية في زمن الخُذلان لِسبط النبي المجاهد الشهيد (ص).
في كوفة الذِلة والخنوع، كان الارتباط بالحسين (ع) يعني الموت، بينما التخلي عنه يعني المال والجاه والسلطة والرفاهية الدنيوية بجميع أشكالها. فكل من والى عليًا (ع) وارتبط بأبنائه بعد ذلك حُكِم عليه بالبؤس والشقاء. وفي هذا السياق، وفي ظل تضييق الخناق على سفير الحُسين (ع) من قبل جلاوزة الزمرة المنافقة، تظهر لنا امرأة صامدة مقاومة باعت الدنيا وما فيها، واشترت بثمنها الخُلد والجنة مع محمد وآل محمد.
إن طوعة المتيمة بمحمد وآل محمد والموالية لِعلي في زمن الجبن والخوف، انبرت يومًا من خلف الباب، وسقت مُسلمًا الماء، وآوته في الدار، وسهرت على راحته وخدمته، زاهدة بالدنيا وراغبة في الجنة عبر نصرتها وخدمتها له.
وهنا، يجب أن نبصر نحن من جهتنا معنى الخِدمة الحُسينية من خلال عيون طوعة التي رأت في الإيواء والذود عن حياض رسول الله واجب عين وتكليفًا رساليًا وجهاد تبيين للأمم القادمة رغم جميع الأخطار المُحدقة وصعوبة الزمان ووعورة المكان. كما وندرك من خلالها كيف تكون الخدمة الخالصة لله وكيف يكون التقرب السليم والواعي لمحمد وآل محمد. أيضا نتعلم منها كيف أن أبسط الأشياء، من موقف صادق في المأتم الحسيني إلى خدمة خالصة لوجه تعالى، تورث عظمةً وخلودًا سرمدي.
إن خدمة الحسين والسعي لتحقيق أهدافه بِبصيرة عالية، يكون بالضرورة من خلال موالته وموالاة خواصه والتبري من أعدائه وهذا ما اختارت قوله هذه السيدة الجليلة للعالم على مدى العصور والأزمان؛ لأن الدين، يا سادة، حب وبغض، فتضحية وفداء.
رحم الله طوعة، فقد أبلت بلاءً حسناً
-اللهم تقبل مني هذا القليل ❤️
#علي_خاتـم