الجزء السادس
المهمة الصعبة والإنجازات الثقافية
ثمة علاقة إيجابية أو سلبية في علم المنطق وسائر العلوم ببين المقدمات والنتائج، فالتكوين الثقافي يؤدي إلى صنع نتائج من جنسه سلباً أو إيجاباً، وبقدر نوعية التكوين وحركته في الذات تكون النتائج في صور عديدة من الانجازات، وليس ابن معراج بدعاً في هذه القاعدة العامة، فقد حظي رحمه الله بشيء من العناية والتوجيه والرعاية من والده ومن بعض العلماء، واعتمد على نفسه في تربيتها، وفي تحصيله المعرفي وتعلمه الذاتي فأدى ذلك إلى صنع نتائج إيجابية لم تأخذ حظها من الإعلان عنها بين أجيالنا الحاضرة كما يجب أن تكون، وما يزال بعض هذه النتائج مخطوطاً في طي النسيان، وقد خدم هذا النوع من النتائج مجتمع عصره، وفي الفترة التي كان الناس يحتاجونها وحفظت في الوقت ذاته تراث علماء وشعراء، أما بعضها الآخر فقد طبع في حياته وأصبح اليوم بأيدي الناس يتداولونه في منفعتهم.
وسنعالج في هذه الحلقة – إنْ شاء الله تعالى – بعض الآثار الثقافية التي أسميناها ب ” الانجازات الثقافية ” التي هي كما نعتقد تعبير حي عن نجاح ابن معراج في التغلب على المهمة الصعبة التي أشرنا إليها في بداية الدراسة ومدخلها، وهي التي كانت حصيلة كفاح مع نفسه ومجتمعه وقوى مؤثرة في حياته تحيط به من كل حدب وصوب.
من آثار التكوين الثقافي لابن معراج:
بمنطق التربية في أي عصر كان ” تكوين الشخصية ” لأي كائن آدمي هو دائماً نتاج تفاعل القدرة العقلية وتأثيرات البيئة الروحية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية المختلفة هو نقطة البداية في نمو الشخصية وتصاعد خبراتها، وأن تحقق الانجازات في أي مجال للشخصية هو الهدف الدنيوي المؤقت الذي ترنو إليه في دورة الحياة النمائية للكائن الإنساني، وبين البداية والنهاية خط مستقيم يربط بينهما، وبمقدار جهده وجهد غيره يرتسم على الخط حجم الانجاز تبعاً لنوع التكوين الثقافي ونوعيته وحجمه وتأثيراته الوظيفية في تربية الشخصية الإنسانية.
وثمة علاقة بين التكوين الثقافي لابن معراج وعوامل هيأت شخصيته لأدوار ثقافية ساعدته على انجاز المهمة الصعبة، حيث ترتب عن تكوينه الثقافي نضج شخصيته، وبرز ذلك في مشاهد عديدة نذكر منها نضاله السياسي ومشاركته في أنشطة جهادية ضد قوى الاحتلال البريطاني وأعوانه المحليين خدمة لوطنه وبخاصة في منتصف الخمسينات من القرن العشرين عندما انخرط في أنشطة هيئة الاتحاد الوطني لمقاومة الاحتلال البريطاني وأعوانه، كما تجلى أثر هذا التكوين في تكوين العلاقة الشخصية الحميمة التي جمعته والخطيب الحاج عطية الجمري البحراني، ودور الحاج أحمد في تعزيز العلاقة مع الخطيب الملا عطية بن علي الجمري البحراني وتشجيعه، فاكتسب الملا عطية شهرته الواسعة تدريجياً بعد انطلاقته من تجربته في قريتي الدراز والنويدرات[1].
ومما ينبغي الإشارة إليه أن الحاج أحمد بن معراج قد نظم الشعر بما يعبر عن همومه الرثائية والروحية، وما أعرفه أن له ديواناً في الشعر غير منشور بعد مضي أكثر من أربعين عاماً من وفاته في يناير 1970م، وقد استفرغ في بعض قصائد ديوانه همومه وحبه لآل البيت عليهم السلام، وأكثر من ذلك أنه عزز اهتمامه بالشعر من خلال ما قام به من جمع مختارات من شعر صديقه بن فايز كما جاء على الغلاف الخارجي لديوانه، وكما يشير إلى ذلك بعض علماء التراجم البحرانيين المعاصرين، وانعكس أيضاً تكوينه الثقافي في عملية الفرز التي كان ابن معراج يقوم بها في اختيار خطباء مأتمه أو حسينيته المعروفة اليوم بمأتم آل معراج أو المأتم الوسطي، حيث عرفنا من بعض المعمرين أن اختياره لبعض الخطباء الذين يقرأون مجالس العزاء الحسيني يمر بغربلة ليست هينة.
وكذلك نلحظ تكوينه الثقافي من مداخلاته معهم حين يعرضون لروايات يراها محل تحفظ، فيحاور هؤلاء الخطباء حتى يصل إلى نهايات تريحه أو تصحح بالنسبة إليه اتجاهاً خاطئاً لديهم، ومن مراسلاته مع علماء الذين حول إشكاليات تمر على ذهنه فيكتب لهم راجياً منهم إجابته على تلك الإشكاليات كما في المسائل التي تضمنها كتيب (الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية) التي كتبه الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي السيهاتي في الرد على تساؤلات الحاج بن معراج عليهما رحمة ربهما.
حكاية ((شجرة النسب)): شجرة النسب.. عمل ثقافي إبداعي مفقود؟
تردد بين الناس ومن عاصروا الحاج أحمد ابن معراج أن من أعماله الثقافية المفقودة شجرة النسب لعوائل أهالي قرية النويدرات، وأنا كنت أسمع في فترة سابقة بوجود هذه الشجرة التي أضحت سجلاً تاريخياً واجتماعياً بسبب كثرة تداول القول فيها بين الناس الذين أدركوا حياة ابن معراج وفهموا منه الكثير، وحين نسأل بعضهم عن هذه الشجرة يُرَدُّ علينا بأنها مفقودة، ويذكر بعض العارفين بالأمور من أهالي قرية النويدرات أنه عليه الرحمة ورضوان ربه قد حدد في هذه الشجرة العوائل الساكنة في النويدرات أو من العوائل النازحة إليها، وتتبع بخبرته الشخصية، ودرايته بتاريخ نسبها في تسلسل يمتد من الأجداد فالآباء إلى الأبناء والأعمام والأخوال.
وإذا صح ما ذكره بعض المسنين والمعمرين من أهالي ((قرية النويدرات)) بأن الوجيه المرحوم الحاج أحمد بن معراج بن حسن بن علي بن مال الله النويدري البحراني قد أنجز هذا العمل الثقافي في حياته الشريفة، وهو – كما نرى – فعل ثقافي إبداعي غير مسبوق في مجتمعنا النويدري البحراني، ثم ضاع هذا الأثر وفقد أثناء السنوات المتأخرة من حياته، وربما ضاع في أواخر حياته كما يرى آخرون، ولحظة مرضه الأخير فإن خسارتنا اليوم جسيمة لأنّ أثراً ثقافياً واجتماعياً وقرابياً قد ضاع، وضاع معه لسوء الحظ جزء من التاريخ العائلي لقريتنا النويدرات، فخسرنا معرفة تاريخية عن مكونات كيانها العائلي وتراثها الاجتماعي، وسمع المتأخرون بهذه الشجرة عما تقدم عليهم ممن نسميهم اليوم بالمعمرين.
وبتقصي الحقيقة وتعقبها تبين لنا أن الحاج أحمد بن معراج عليه شآبيب رحمة ربه وفيوضاتها قد أملى فعلياً شجرة النسب على ابن أخيه الأستاذ جاسم بن مدن بن معراج قبل (48) عاماً ميلادياً، وكانت عملية الإملاء تتم على فترات غير منتظمة كما أخبرني الأستاذ نفسه في مقابلة شخصية مباشرة عقدت في اليوم الثامن من محرم 1432ه الموافق 14 / ديسمبر 2010م، حيث يتم كتابة شجرة النسب بمقتضى توافر الوقت عند الحاج أحمد وابن أخيه، لهذا السبب استمرت فترة كتابة المادة الثقافية للشجرة حوالي ثلاث سنوات.
وقد أكد لنا الأستاذ جاسم بن مدن بن معراج بأن هذه الشجرة قد فقدت فعلياً سنة 1965م أثناء انتقاله من بيته القديم إلى بيته الجديد في المدخل الأيسر لقرية النويدرات وهي تحمل كماً كبيراً من المعلومات عن عوائل نويدرية، ويعني هذا أن تاريخ فقدانها كان منذ (45) عاماً ميلادياً، فخسرنا لسوء حظنا وثيقة تاريخية ثقافية مهمة عن تاريخ عوائل قريتنا وارتباطهم النسبي مع بعض.
ويقول الأستاذ جاسم أن شجرة النسب أكدت أمرين أساسيين هما:
1. أن كثيراً من عوائل قرية النويدرات متصلة النسب ومتشابكة، وبينها قرابة وصلة رحم من قريب أو من بعيد.
2. أن نسب بعض العوائل متداخل مع أقارب لهم حتى في خارج البحرين كاتصال نسب عوائل النويدرات بعوائل في البصرة.
ويقول الأستاذ جاسم أنه بإملاء عمه عليه جمع كماً من المعلومات عن شجرة أنساب عائلات النويدرات، وقد تشعبت تدريجياً مادتها الثقافية كلما أضيفت لها من خلال كتابات متفرقة وغير منتظمة كان ابن معراج العم يمليها على ابن أخيه، ويؤكد أبو كريم (أقصد الأستاذ جاسم) بأنه يكتب اسم كل عائلة على حدة وبتسلسل منتظم يسير من الأصل فالفروع، فمثلاً يكتب اسم رب عائلة فلانية، ثم يذكر الحاج أحمد بن معراج بعد ذلك أسماء أبنائه، ويذكر أسماء الأبناء فأبنائهم لاحقاً، وهكذا يسير من الجد فالأبناء ومَنْ يأتي بعدهم سلالياً، وقد تتفرع العائلة الكبرى لعوائل أصغر.
ويستخدم الأستاذ جاسم بن مدن بن معراج أثناء كتابة شجرة النسب الرسومات المتدرجة، وقد امتلأت ورقة الشجرة – كما قال – بهذه الرسومات التي تشبه اليوم ما يسمى بـ ” خريطة المعرفة ” في أحد مظاهرها بالنحو التالي:
اضغط على الصورة لمشاهدتها بحجم أكبر
ثم يذكر أسماء الأبناء والعوائل المتفرعة عنها، ومنها عائلة آل مال الله، وآل إسماعيل، وآل مدن، وآل هلال، وآل درباس، وبن خاتم، وآل حسن بن علي بن بطي، وآل كاظم وآل رمضان، وآل كسي وآل عيد وآل المعلم وعائلة هلال وغيرهم كثير، وهكذا يتسلسل النسب التنازلي، وتم ذلك كله بطريقة الإملاء والمراجعة الدقيقة.
ويمكن للقارئ الكريم الاطلاع في قسم الوثائق على نموذج لنسب عائلة آل معراج وهي من عوائل قرية النويدرات.
مكتبته المنزلية:
تاريخ المكتبة في حياة الإنسان بعيد وعميق يصعب تحديده بدقة، وهي بمختلف أشكالها سواء في البيت وفي خارجه، مملوكة للفرد أو مؤسسة ثقافية – تربوية مليئة بنوع معين من الكتب أو متنوعة المصادر هي في نهاية الأمر إرث إنساني وأحد مظاهر الحياة الثقافية للفرد والمجتمع على حد سواء، فتجميع مجموعة كتب ومخطوطات لدى الشخص معيَّن وتملكه لها هو بمثابة اتجاه إيجابي لديه نحو المعرفة وبخاصة إذا كان الاتجاه الاجتماعي لا يعزز الاتجاه الشخصي كثيراً، وهو علامة على تميز لدى هذا الشخص في الاهتمام بشيء لا يظهر المجتمع عناية كافية به.
ومع أن مجتمعنا النويدري في القرن الرابع عشر الهجري كان لا يعادي الثقافة كما لحظنا ذلك من تراثه الثقافي الذي قمنا بدراسة بعض جوانبه في كتابنا ((الظاهرة الثقافية في المجتمع النويدري))، وإنما كان مستوى الاهتمام بها ليس كما ينبغي بالنسبة لبعض الأفراد الذين لم تتح لهم فرص تعليم أو تنمية ثقافية مقبولة، وتلك مشكلة اجتماعية بالتأكيد في عالمنا العربي حتى اللحظة الحاضرة، فما تزال العناية بالمجال الثقافي أقل من عناية الناس بجوانب أخرى، ولكن عناية الحاج أحمد بن معراج بالثقافة وأدواتها المتاحة آنذاك هي إحدى طرائقه في تجاوز المهمة الصعبة التي وجد نفسه في مواجهتها تحت تأثير مسئولياته الدينية والثقافية والاجتماعية والشخصية.
ومن هنا نرى أنَّ من آثاره الثقافية كذلك تكوينه على امتداد سنوات طويلة من عمره لمكتبة منزلية في عصر كانت الأمية تشكل مشكلة اجتماعية كبرى لأنها تسود قطاعاً واسعاً وكبيراً من المجتمع النويدري باستثناء القلائل من أفراده، بل وتعتبر مكتبته في نظرنا أول مكتبة منزلية تؤسس آنذاك في بيوتات قرية النويدرات، وهي بجانب مكتبة الشيخ منصور بن الشيخ محمد بن سلمان الستري، وربما عدد قليل تمثل آنذاك علامة ثقافية بارزة عززت اهتمامهما بالعلم والنشاط الثقافي في مرحلة كانت فيها الاهتمامات الثقافية ليست بالنحو المطلوب في مجتمعه النويدري.
وقد جمع المرحوم الحاج أحمد بن معراج بن حسن بن علي بن مال الله النويدري البحراني في مكتبته المنزلية الخاصة – وعلى امتداد حياته الكريمة – كتباً دينية وتاريخية وأدبية كبعض كتب التفسير القرآني وكتب الحديث، ودواوين الشعر وبخاصة ما يخص الشعر الرثائي والأدب العربي، وكذلك تتضمن مكتبته بعض المخطوطات اليدوية التي نسخها بخط يده، وهي كتب لمجموعة من علماء الإمامية البحرانيين أو من غيرهم، أو كتب قد اقتناها الحاج أحمد بن معراج وأدخلها في حوزته الشخصية منذ لحظة شرائها، ثم أعاد نسخ بعضها، وبعض الكراسات التي يحتفظ بها لتدوين خواطره الشخصية أو بعض ما كان ينظمه من أبيات شعرية، وبهذا يمكن اعتباره مؤسساً للمكتبة المنزلية في قرية النويدرات، ونميل إلى الاعتقاد بأنَّ العمر التاريخي لهذه المكتبة الآن بعد مماته حوالي قرن هجري كامل توزعت سنواته بين ستين عاماً في القرن 14، وأربعين عاماً في القرن الخامس عشر الهجري بعد وفاته رضوان الله ورحمته.
مشاركته في تمثيل أحداث واقعة الطف بالقرية:
حدثت واقعة الطف كما هو متفق عليه بين جملة المؤرخين في يوم العاشر من محرم عام 61 من الهجرية النبوية الشريفة، وتركت هذه الواقعة جرحاً غائراً في وجدان المسلمين وبخاصة أتباع أهل البيت عليهم السلام، وترتب عليها مأساة إنسانية حادة وظهور ثورات تاريخية للثأر من قتلة الحسين، وقد ظل الشيعة بعد وقوعها يندبون بالرثاء إمامهم الحسين وأهل بيته وأنصاره الميامين، وتفننوا على مدار تاريخهم في أشكال التعبير عن عمق حزنهم بالفاجعة الكبرى التي لحقت بالمسلمين، وجسدوا ضمن تعبيراتهم الوجدانية والذهنية واقعة الطف بالكتابة والشعر والخطابة ونقل الروايات التاريخية وتمثيل أحداثها، وعرف التمثيل الذي هو نشاط مسرحي متأخر في تاريخ الشيعة بـ ” الشبيه ” كما يسمى في البحرين، وقد امتد هذا السلوك المسرحي إلى بيئات شيعية حظيت بقدر من الحرية الدينية وبخاصة في البحرين، ويبدو أنه كان سلوكاً متوارثاً منذ كانت البحرين تحت حكم الفقهاء والإدارة المحلية للعلماء.
يتم تمثيل أحداث واقعة الطف في يوم العاشر من محرم وهو اليوم الذي تمت فيه الواقعة بأحداثها المفجعة، حيث يختار محبو أهل البيت وشيعتهم أماكن الفضاء الواسع كمسرح لتمثيلها، وتجري كما يقول بعض المعمرين استعدادات سابقة للتمثيل أو ما يسميه الشيعة البحرانيون بـ ” التشبيه ” وما تزال هذه التسمية عالقة بأذهانهم حتى اليوم، وينصب الممثلون خياماً متعددة لمعسكر الحسين وقيادة المعسكر الأموي، ويأتون بالنوق والجمال والخيول وأسلحة القتال والملابس المناسبة، ويتوزع الممثلون في أدوار تاريخية من وحي الواقعة بتقمص أدوار شخصيات بارزة تمثل شخصيات قيادية في المعسكرين ومقاتلين آخرين، ثم يبدءون في تمثيل المعركة بالقتال والمبارزة الفردية والحملات الجماعية على معسكر الحسين، ثم حرق الخيام والاعتداء على آل رسول الله بعد عملية الاستشهاد الفاجع، ويكون ذلك ما بعد الظهر حتى عصر يوم العاشر من محرم، وينتهي كل شيء ليعود الممثلون والأهالي بعد ذلك إلى المواكب الحسينية لإقامة العزاء على مصاب أهل البيت عليهم السلام.
ويذكر لنا المعمرون مجموعة أسماء ممن يشارك في تمثيل أحداث واقعة الكف ومنهم الحاج أحمد بن معراج الذي تسند إليه شخصية قيادية في أحد المعسكرين، وكذلك منهم الحاج محمد بن عبد الله بن حسن بن مال الله والحاج طاهر بن مدن بن عبد الله بن مدن، والحاج يوسف بن حاج حسين آل شيخ حسين، وعبد الله علي لمعبر، والحاج عبد الحسين بن علي الجردابي، والحاج يوسف الصميخ، والحاج علي بن أحمد القطيفي وآخرون من أهالي القرية رحمهم الله جميعاً.
إن عملية تمثيل أحداث الواقعة هي في حقيقتها نشاط معرفي – مهاري تم تناقله من مصدر روائي متوارث تاريخياً قد وصفت ما جرى في اليوم العاشر عام 61هـ وما أعقبه من أسر وتعذيب ومعاناة، كما أن عملية التمثيل يشبه ما نسميه بنشاط مسرحي أو تمثيلي، وهذا العمل الثقافي يحتاج لمهارات معرفية ووجدانية للتعبير عن أحداث الواقعة وتجسيده في أشكال سلوكية مؤثرة في الناس، فالتمثيل أو بتسميته المحلية ” التشبيه ” نشاك ثقافي – وجداني يراد به التفاعل مع قضية يحياها محبو أهل البيت وأتباعهم ويعبرون فيها عن وجدانهم الروحي وشديد حزنهم العميق بنا جرى على الحسين وأسرته وأنصاره من قبل الجيش الأموي الغاشم.
دوره الفاعل في إقامة مآتم العزاء بالمظاعن أو المآتم المتنقلة المؤقتة:
كان النويدريون في القرن الهجري الرابع عشر وما قبله كذلك يعيشون على فترتين في بيوت داخل القرية ذاتها خلال فصل الشتاء، وفي بيوت صيفية بمظاعنهم بقرية بربورة والبداري بالقرب من سند وفي ثباثة والريحانية، وفي الأرض التي تربط بين نخيل النويدرات وبربورة وسند، حيث تحملهم ظروف حرارة الصيف على التنقل للأراضي المزروعة والسكن فيها موسم الصيف بأكمله ثم يعودوا بعد انقضائه إلى ديارهم داخل النويدرات، وفي كلا الموسمين لا يتوقف الناس من أهالي النويدرات عن نشاطهم الثقافي، عوضاً عن استمرار أنشطتهم في مجالات الحياة الأخرى.
وهنا سنعرض بإيجاز لدور ثقافي ووجداني واجتماعي عرفه مجتمعنا النويدري في فترة سابقة من تطوره الاجتماعي وتاريخه الثقافي وهو ما كان يقوم به الناس تحت توجيه رجالات ذات نفوذ من إقامة فعاليات ” العزاء ” على مصائب أهل البيت من جور الظالمين، حيث أبلغنا بعض المعمرين ومنهم والدنا الحاج يعقوب بن يوسف مدن بمراسيم العزاء الحسيني في مظاعن الناس إبان فترة أشهر الصيف سواء في قرية ” بربورة ” أو في المنطقة الواقعة بين النويدرات وبربورة أو بين القريتين وقرية سند الواقعة في شمالهما.
ويمكننا في سياق هذا الواقع التاريخي أن نشير إلى ما يمكن أن نسميه بـظاهرة ” المآتم المتنقلة ” الموسمية التي تشغل وقت المؤمنين وتستجيب لحاجاتهم الروحية والوجدانية والاجتماعية، فأينما رحل أتباع أهل البيت عليهم السلام من أهالي البحرين عقدوا لمصابهم مجالس العزاء والمراثي الحسينية أو أقاموا من جهة أخرى جلسات الأفراح بمواليدهم[2] وتناولوا سيرتهم وفكرهم.
حدثني والدي الحاج يعقوب بن يوسف بن مدن حينما كنت أبحث وأنقب في التاريخ الثقافي لقرية ” بربورة[3] ” الشامخة التي أراد الاقصائيون تدمير تاريخها أن الحاج أحمد بن معراج كان ممن كان يتولى مهمة عقد مآتم العزاء على مصائب آل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام خلال فترة أشهر الصيف في المظاعن التي يرحل إليها أهالي النويدرات كعادة الناس من أهل البحرين وبخاصة في القرى، وفي صدارتها الرحيل المؤقت لأهالي النويدرات إلى مظاعن قرية ((بربورة)) طلباً لبرودة الجو وتخفيفاً للحرارة واستجماماً وترويحاً عن أنفسهم من ضغط الحياة الداخلية للقرية ومتاعبها، وهذا العمل ليس وجدانياً محضاً، وإنَّما له آثاره الثقافية لأنه طريق لبث فكر أهل البيت ونشر تعاليمهم بين محبيهم وبين الآخرين كذلك.
وهكذا كان يفعل أبناء النويدرات وبربورة عند رحيلهم المؤقت لبربورة في فترة المقيظ، حيث ألفوا في فترة ” مقيظهم ” تنظيم فعاليات رثائية على مصائب أهل البيت عليهم السلام، فيستدعون – كمجموعة واحدة – بالتوافق بينهم أحد الخطباء واستقدامه للإقامة بينهم لمدة زمنية كأسبوع أو عشرة أيام من أجل إقامة موسم رثائي كاستقدام المرحومين الحاج عطية بن علي بن عبد الرسول الجمري وابنه الملاَّ الحاج يوسف، ويمكثان بين الناس مدة ” الموسم ” الذي عادة ما يكون مفتوحاً في الغالب بمدة محددة، حيث تظل مدة الإقامة مربوطة بعدد الراغبين من أفراد المجموعة في المشاركة بتكليف الخطيب أو المنشد بعدد من المجالس الخطابية، فقد تتآزر مجموعة عددها اثني عشر شخصاً على دعم مشروع فعالية موسم ((العزاء))، وبذلك تكون المدة 12 يوماً، وهذا على سبيل المثال، ربما تزيد أو تنقص بعدد المتعهدين بدعم زمن الموسم العزائي والرثائي الحسيني.
وعادة ما يتوزع موسم ” إقامة العزاء ” على الإمـام الحسين وأهل بيته وأصحابه على أيام مختارة، وكذلك تتوزع أيَّام العزاء على مصائب آل البيت الكريم عليهم أفضل الصلاة والسلام جميعاً وفق برنامج زمني يتفق عليه بين القائمين عليه إمَّا على قراءة حسينية ليلاً كل يوم أو لطميات أو الاستماع للجلوات بحسب الطلب، ويتحمل أحد أفراد المجموعة باتفاق بينهم أيضاً تكاليف كل ليلة على حدة من ” قيمة وجبة عشاء المجموعة وتغذيتها، وأجر الخطيب أو المنشد للجلوة ” الذي لا يتجاوز المائتين أو الثلاثمائة فلس، وهو مبلغ آنذاك ليس قليلاً، ولكنه من أجل أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام يرخص كل شيء.
كل ذلك يتم بقيـادة وتوجيهات ابن معراج عميد أسرة آل معراج وكل من ينتسب إليها من عوائل آل مال الله وآل مدن وآل سند وغيرها إما بالمصاهرة أو بصلة الدم نتيجة التوالد القرابي، وننوه هنا بأن مثل هذه الفعاليات تقام كذلك عن طريق أطراف آخرين من أبناء النويدرات في مظاعنهم بقرية ((بربورة)) أو في قرية سند أو في أراضي غرب النويدرات وشمالها سواء كانوا من العاديين أو من ذوي النفوذ الاجتماعي، وبالتالي فإنَّ المآتم المؤقتة المتنقلة هي من وحي العقل الديني – التاريخي المؤسس على حب أهل البيت وعشقهم الذي وجدت في تاريخ أهالي البحرين وبخاصة أتباع أهل البيت بعد دخول بلادهم البحرين في الإيمان بدين الإسلام ورسالته في السنة ((السابعة أو الثامنة)) من القرن الهجري الأول.
إنجازات ثقافية بارزة:
ونتوقف كذلك عند جوانب أخرى من سيرته الذاتية نكتبها بقلمنا عن انجازات ثقافية بارزة لابن معراج رحمه الله، وسنتناول بعض الإشارات التفصيلية أو الإضافية في النقاط التالية التي تمثل آثار تكوينه الثقافي، وهي كما يأتي:
– كتيب ((الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية)).
– شعره وجمعه في ديوان.
– دوره في جمع شعر بن فايز في ديوان رثاء حسيني.
– دوره في اكتشاف خطيب البحرين وشاعرها الكبير الملا الحاج عطية الجمري.
– دوره في عمليات النسخ للمخطوطات وكتب العلماء في القرن الرابع عشر الهجري وبخاصة في فترة الستينات.
– جهاده ونشاطه السياسي.
أولاً: وثيقة الكتيب المطبوع (الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية):
ويركز الموضوع الأساسي لهذا الكتيب المطبوع على إثارة ثلاث مسائل دينية وجهها آنذاك المرحوم الحاج أحمد بن معراج بن حسن بن علي بن مال الله النويدري البحراني كما يصف نفسه في بعض ما نسخه من مخطوطات لفضيلة العلامة الشيخ عبد المجيد[4] بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر السيهاتي مسكناً والبحراني أصلاً، وتدور هذه المسائل الثلاث حول:
– خيانة الأمانة و ما يتصل بها من مضامين في نصوص أو آيات قرآنية.
– وكذلك يدور موضوع المسألة الثانية حول ضرورة تسليم المؤمنين لحكم الله فيما شجر بينهم من اختلافات.
– أما المسألة الثالثة التي وردت في الكتيب المذكور فموضوعها يتصل بفريضة ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) كناموس في الشريعة الإسلامية على حد تعبير ابن معراج، وهذا ما أكده القرآن الكريم والسنة النبوية معاً.
وبنيت الأسئلة المثارة جميعها على مضمون عقائدي وأخلاقي وروحي، وتناول الكتيب هذه المسائل من مدخله في الصفحة الثالثة حتى الصفحة التاسعة والثلاثين.. أي ما يعادل ثلثي صفحات الكتيب المسمى بـ ” الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية “.
وبعد انتهاء الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر السيهاتي رحمه الله سبحانه وتعالى من كتابة إجاباته على المسائل الثلاث أدخل على صفحات الكتيب تسع مسائل أخرى وإجاباته عليها، وهي مسائل أسماها الشيخ عبد المجيد ((المسائل القروية)) من الصفحة التاسعة والثلاثين حتى الحادية والستين، وقد أسمى الكتاب بعد الفراغ منه بـ ” الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية ” لأنَّ تساؤلات الحاج أحمد بن معراج هي المحور الأساسي للكتيب المذكور ومادته الثقافية، وابن معراج رحمه الله تعالى من أهالي النويدرات وأعيانها.
أما الشيخ عبد المجيد فكان يسكن سيهات بمحافظة القطيف في شرق المملكة العربية السعودية، وقد أجاب عنها الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر السيهاتي عليه فيوضات رحمة الله في عدد من الصفحات المتتابعة من الحجم الصغير، حيث قال الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي السيهاتي البحراني في مدخل كتيبه ما نصه:
“وردت عليَّ ثلاث مسائل من بلاد نويدرات من البحرين من أحد الصالحين، وطلب مني الجواب راجياً أن يتحصل فيها على الطريق الواضح فلبيت دعوته مستعيناً بالله وإن كنت قليل البضاعة وكثير الإضاعة، ولكن لا يسقط الميسور بالمعسور”. الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية ص 3
وكما ترى فقد انطوى هذا الكتيب في عنوانه على توضيح مباشر ومجمل لمادة المراسلة العلمية التي تضمنها الكتيب بين شخصين بحرانيين أحدهما من الصالحين يسكن قرية النويدرات بمملكة البحرين على حد تعبير الشيخ عبد المجيد السيهاتي البحراني وهو الحاج أحمد بن معراج، والآخر من أصل بحراني يسكن مدينة ((سيهات)) بمحافظة القطيف بالمملكة العربية السعودية، فالإجابات التي شغلت مساحة كبيرة منه هي ردود الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي، وسيهات منطقة سكنه بمحافظة القطيف الكائنة في شرق المملكة العربية السعودية، وقريبة من بلادنا البحرين.
أمَّا مجموعة الأسئلة فهي – كما في المادة الثقافية للكتيب – نتاج عقل ومحصلة تفكير وإثارات الحاج أحمد بن معراج في قضايا وإشكاليات أراد لها جواباً، وأمَّا قرية النويدرات التي وردت في عنوان الكتيب المذكور والصفحة الأولى من مقدمته فهي محل ولادته ومقر سكنه، وهو من أعيانها في تلك الفترة، لذلك اختار الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي السيهاتي رحمه الله سبحانه وتعالى عنوان كتيبه هكذا باسم ((الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية)) للتعبير عن مصدر الأسئلة والإجابات عنها وعن منطقتي سكنه وسكن السائل بن معراج، وبالتالي كانت تسمية الكتيب موفقة إلى حد كبير، ونعتقد أنها وثيقة ثقافية مهمة في التاريخ الثقافي لقرية النويدرات، وهو صادر عن مكتبة الآداب بالنجف الأشرف في العراق.
وقد شاهدت شخصياً هذا الكتيِّب ورأيته بنفسي وتصفحته منذ زمن بعيد ومبكر من حياتي في المكتبة المنزلية للمرحوم الحاج أحمد بن معراج بن حسن، ثم عاودت الاطلاع عليه بعد فترة أكثر من مرة في سن الشباب، وبقي هذا الكتيب في ذاكرتي، وبعيداً عن عيني زمناً طويلاً ولأكثر من أربعين عاماً بعد وفاة الحاج أحمد بن معراج في الثلاثين من شهر يناير عام 1970م، ولكن مع ذلك ظلت ذاكرتي تختزن اسم الكتيب وعنوانه المثير وإنْ كنت لم أدرك مادته الثقافية، وحين بدأت أكتب فصول هذا الكتاب وحلقاته تذكرته، وطلبته من ابنه الوحيد الأستاذ علي بن أحمد معراج بن حسن، وطالعته من جديد للتأكد من موضوعه ومادته الثقافية بعد مضي أكثر من أربعين عاماً، ولسوء الحظ لم يؤرخ هذا الكتيب بتاريخ محدد لكنه بكل تأكيد أبعد من أربعين عاماً، وربما تجاوز هذا التاريخ، فالأربعون عاماً هي الحد الأدنى لوجوده أو ” عمر ” الكتيب، فابن معراج قد توفي قبل واحد وأربعين عاماً، وصدر الكتيب قبل هذا التاريخ، ووجهت الأسئلة للشيخ عبد المجيد السيهاتي من قبل بن معراج في تاريخ أبعد لم يحدده الكتيب، ولا يستبعد أن تاريخ الأسئلة والأجوبة وعمر الكتيب بعد صدوره قد اقترب من خمس وأربعين عاماً وربَّما أكثر.
ربما تكون هذه المراسلة العلمية مثالاً لعلاقة ثقافية ثنائية، ولكننا كباحثين لا نفهمها في سياق منعزل عن الحالة الثقافية والروحية للمجتمع النويدري القائم آنذاك على هدي تعاليم دينية وتجارب شخصية في مجال الفكر والمعرفة، فالشيخ عبد المجيد السيهاتي والحاج أحمد بن معراج صديقان، وهما بلا شك من نخبة اجتماعية مميزة في تلك الفترة، وينتميان لطبقة ثقافية واحدة في مجتمع يتفاعل مع بعض مكوناته تحت وهج الحس الديني والشعور الوطني، وبذلك فإن المراسلة كجزء من التاريخ الثقافي لهذا المجتمع تعبر في أحد مؤشراتها على الوعي الفكري حتى في هذا النطاق.
وخلاصة القول أن الكتيب المذكور بعنوانه الواضـح، ومسماه الهادف المركز يمثل في حقيقته وثيقة ثقافية مكتوبة نعتز بها لأنها بالنسبة إلينا ذات أهمية بالغة في حياتنا الحاضرة، ومعبرة عن نموذج من الحالة الثقافية من تاريخ المجتمع النويدري لأنه يكشف عن حالة ” حراك ثقافي ” لهذا المجتمع حتى في داخل أوساط النخبة الاجتماعية والروحية المثقفة التي تبوأت مكانتها الاجتماعية، أما بعد مضي السائل والمجيب إلى رحمة ربهما فإنهما تركا لنا هذا الكتيب نفخر به لأنه أحد حلقات التاريخ الثقافي للنويدرات، ونعتبره اليوم كحالة ثقافية تنطوي على دلالة ومعاني رمزية معبِّرة.
ولقد ذكرنا مسبقاً أن هذا الكتيب غير محدد بتاريخ لسوء الحظ أو أننا لم نتمكن من رؤية التاريخ لسبب ما، ومطبوع في مكتبة الآداب النجفية في فترة تزيد عن أربعين عاماً من يومنا هذا الذي نحن فيه السابع من شهر نوفمبر نهاية 2010م، والموافق (29) من شهر ذي القعدة 1431هـ، والمادة الثقافية للكتيب عبارة عن مراسلة علمية أشار إليها الشيخ عبد المجيد السيهاتي – البحراني في مدخل الكتيب، وتمت بين سائل من بلدة النويدرات ومجيب بحراني آخر سكن سيهات بالمملكة العربية السعودية هو الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي، وهو كتيب يتكون من (61) صفحة من الحجم الصغير، وكان نصيب الإجابة على المسائل الثلاث التي أثارها بن معراج حوالي (39) صفحة.
ودار ثلثا صفحات الكتيب المذكور حول المسائل الثلاث التي وجهها الحاج أحمد بن معراج بن حسن بن علي بن مال الله النويدري البحراني للشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي السيهاتي مسكناً والبحراني أصلاً وطلب منه الإجابة عليها كما ورد ذلك في مقدمة الكتيب، وتفضل الشيخ عبد المجيد في كتابة الإجابة عليها وجمعها كمادة ثقافية في كتيب مستقل أسماه الشيخ عبد المجيد بالعنوان المتقدم ((الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية)).
واخترنا من هذا الكتيب ثلاث صفحات كان من بينها:
– غلافه الرئيسي ويظهر عنوان الكتيب في صفحته الخارجية.
– وكذلك الصفحة الثانية من هذا الكتيب، ويظهر عليها فقط اسـم المطبعة النجفية بالعراق التي طبع فيها كتيب ((الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية)) في ستينات القرن العشرين، واسم المكتبة الذي طبعته ((مكتبة الآداب)).
– وفي الصفحة الثالثة التي هي بداية الكتيب يذكر فيها المصنف المجيب على الأسئلة اسم النويدرات بقوله: “فقد وردت عليَّ ثلاث مسائل من البحرين من بلاد نويدرات من أحد الصالحين”.
– ما خطه بن معراج من مسائل راجياً من الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي الإجابة عليها وهي كما يأتي:
نص المسألة الأولى:
قال الحاج أحمد بن معراج سائلاً الشيخ عبد المجيد:
“لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم، فالله جل جلاله جعل حقاً له وحقاً لرسوله، وحقاً ثالثاً للأمانة، فما الأمانة؟ وما المراد بها حتى يكون لها توقيع فيقرن فرضها بحقه وحق رسوله؟ وما كيفية الخيانة التي أشار إليها الباري جلت عظمته؟، أفيدونا جعلكم الله من المرشدين”.
واستغرقت الإجابة من ص 4 – 18 من كتيِّب (الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية).
نص المسألة الثانية:
وأما المسألة الثانية التي أثارها ابن معراج فقد جاءت في الكتيب كما يأتي:
قال فيها ابن معراج وفقه الله لمراضيه السؤال الثاني:
“قوله جلاَّ وعلا، فلا وربك لا يؤمنون، بمعنى نفي ثم أردف عليها حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدون في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليماً، وإن قلتم لا يسلم إلاَّ يثبت الإيمان إلاَّ بالتسليم لقولهم (ع) لا يكون مسلماً حتى تكون لأئمتك مسلِّماً، فما قولكم فيمن وعى الحكم الشرعي، فهل هذا داخل في أعداد المؤمنين أو في أعداد قوله لا يؤمنون، وإنْ قلتم لا يؤمنون، فهل تجوز شهادته أو ترتقي كلمته أو ترتفع منزلته، أفيدونا بالجواب، أفادكم الله من مخزون علومه”.
واستغرقت الإجابة على المسألة من ص 19 – 26 من الكتيب المذكور
نص المسألة الثالثة:
وعلى لسان السائل الحاج أحمد بن معراج قال الشيخ عبد المجيد السيهاتي قال سدده الله لتسديداته:
“أن القرآن يهتف صباحاً وعشية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ هما ناموس الشريعة الغراء، وقال النبي (ص) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضتان واجبتان، فعلى من تجب هذه الفرائض أولاً وثانياً وآخراً، وهل يجبان عيناً أو تخيُّراً أو احتياطاً أو كفاية، أرجوكم الجواب”.
وأجاب الشيخ عبد المجيد على المسألة الثالثة في كتيبه من ص 27 – 38.
[1] انظر عباس ملا عطية، ومحمد جمعة بادي، الجمرات الودية في المودة الجمرية، ص 35- 36
[2] انظر كتابنا (بربورة وشهادة التاريخ.. دراسة في الأدلة التاريخية والوثائق الثبوتية).
[3] تعرضت هذه القرية التاريخية التليدة والأصيلة بعد اندثارها إلى حملة شعواء ظالمة حاولت تغيير هويتها التاريخية وإحلال اسم قبيح وسيء الصيت محل اسمها التاريخي باختراع اسمها الجديد ” هورة سند “، ولكن من سنن الله في خلقه أن جعل للظلم والظالمين نهاية، وهي بمثابة عقوبة إلهية عادلة، فمن يظلم الناس لسبب ما لن ينساه رب العباد لأن الجميع خلقه، وهم متساوون في ميزان عدله المطلق، فقد أزاح أهالي النويدرات والمعامير في ” ثورة انتخابية ” غير مألوفة للدائرة الثامنة من المحافظة الوسطى بالبحرين أقطاب الظلم وأطاحوا بأبطال الهورة وتركوهم يعضون أنامل أيديهم وأطاحوا بآمالهم وانتصروا على غرورهم وتجاوزهم لهم بغير وجه حق، فقد لجأ الناس إلى الوثائق التاريخية المكتوبة، والاعتصام والكتابة والتأليف عن تاريخ القرية ومناشدة المسئولين في وزارة الإسكان فلم ينفع هذا كله حتى جاءت انتخابات سنة 2010 م فأطاحوا بأقطاب الهورة المفتعلة في ثورة تصويت انتخابي يوم الثلاثين من اكتوبر سنة 2010، وقد صعقتهم النتيجة وأذهلتهم حتى كادوا يجنون، فارتفع صراخهم وكثرت هلوستهم، وشككوا في النتيجة، وأعادوا العد ولم ينفع ذلك.. فلا ينفع سوى الصحيح، كما كتبنا دراستنا ” بربورة قرية مندثرة ” الذي نشرته مشكورة جريدة ” الوسط ” بتاريخ 13 يوليو سنة 2009 في عددها (2502).
[4] هو العالم الفاضل الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر المسمى بأبي المكارم، وهو من أسرة بحرانية أصيلة هاجر بعضها للعيش في سيهات وبعض قرى القطيف لأداء مهامهم العبادية وإرشاد الناس هناك، وقد عاد بعضهم لبلادهم الأم، وبقي آخرون، أما العالم الجليل الفاضل الشيخ عبد المجيد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر آل المكارم السيهاتي فقد سكن لفترة مؤقتة في قرية المعامير ولسنوات عديدة في عقد الستينات من القرن العشرين، ويتصل نسبه الكريم بابن عمه صاحب معتمد السائل الشيخ عبد الله الستري، وتزوج بنت العلامة الشيخ محمد بن سلمان الستري والد الشيخ منصور الستري وأخيه الشيخ محمد رضا، وأنجب من زوجته الأولى بنت الشيخ محمد بن سلمان ابنه الأكبر الشيخ محمد علي الذي صلى على جثمان أبيه وهو ممن درس معنا في مدرسة المعامير الابتدائية بعقد الستينات، وقد ولد الشيخ عبد المجيد في سيهات سنة 1344هـ، وتوفي في ليلة الأحد 26 رمضان سنة 1423هـ، وله كذلك أولاد آخرين من زوجات أخريات، وقد أسهم رحمه الله تعالى في ميدان التثقيف الديني وتوعية الناس بأحكام الدين، ثم غادر البحرين وانتقل مرة أخرى إلى منطقة سيهات بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وقد توفي فيها كما ذكرنا رحمه الله، وأقيمت مجالس العزاء والفاتحة على روحه الطاهرة في بعض قرى البحرين خاصة في النويدرات والمعامير وقرى سترة التي عرفته جيِّداً في السنوات الماضية، وقد تتلمذ على يد مجموعة من العلماء والمشايخ منهم العلامة الشيخ منصور بن الشيخ محمد الستري البحراني، وكذلك الشيخ ابراهيم أو البوخمسين الإحسائي وغيرهما، وترك وراءه مجموعة من المصنفات نذكر منها الكتيب المذكور ” الأجوبة السيهاتية في المسائل النويدرية ” رد فيه على أسئلة بن معراج قبل أكثر من أربعين عاماً.