سعيُكَ .. مؤشّرُ نجاحك! بقلم الاستاذ عبدالاله قمبر

سعيُكَ .. مؤشّرُ نجاحك!

قال الله سبحانه وتعالى في محكمِ كتابه العزيز:

(وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ . وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ سَوۡفَ يُرَىٰ)(سورة النّجم – 39 – 40)

السعي في الأصل معناه “السير السريع” الذي لا يصلُ إلى مرحلة الركض، إلا أنّه يُستعمل غالبًا في الجدّ والمثابرة؛ لأن الإنسان يؤدي حركات سريعة في جدّه ومثابرته سواءً ذلك في الخير أو الشر!

فالسعيُ حركةٌ ونهوض جادّين، والحركةُ سلوكٌ يقابله السكون! فلا نتائج ترجى من السكون إلا الانحدار والتراجع، وربما كانت هذه هي النتيجة الحتمية والمضمونة لمعنى السكون!

و”السعي” يستخدمه الأشرار والمخادعون لنيل المكاسب والمصالح الفردية والفئوية، بأي طريقةٍ كانتْ، وأي أسلوب كان! فالدافعُ هو تحقيق مصلحة ذاتية شيطانية، بطرق ملتوية، للحصول على نتائج ظاهرها الكسب والرّبح وباطنها الخسارة والتكبّر والغرور والأنانية وتدمير المجتمع ومنافعه!

كما يستعمله – السعي – المصلحون والطامحون والمثابرون لنيل المكاسب والمصالح الخيّرة، ولكن باستراتيجيات صالحةٍ أيضًا، ودوافع تنطلقُ من رضا الله سبحانه، ونتائجُ تبدأ بسعادة الفرد وتنتهي بفلاح المجتمع وتقدّمه.

والسعي مطلوبٌ وإنْ لم تكن النتائج كما نرغب!!، فالله سبحانه في كلّ الأحوال يثيبنا إذا كانت النوايا حسنة والدوافع صادقة، وأنّ ما نُخفقُ في تحقيقه أثناء السعي الأول، لن يكون إخفاقًا في السعي الثاني أو الثالث أو حتّى الرّابع والألف، فمآل سعينا الطيب إلى النّجاح والفلاح! فالألطاف الإلهية لا تغيبُ ولن تغيب عن الساعين، قال تعالى: (والّذِينَ جَٰهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِين)( سورة العنكبوت – 69)

وقال سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)(سورة الطلاق – 2 – 3)

فالتقوى، خشيةٌ من الله سبحانه تُنزلُ على أصحابها الرِّزق الوفير من حيثُ لا يتوقعون، فيباركُ الله مسعاهم، وينجحُ حركتهم وعملهم، وأنّ التوكل مع السعي يستلزمُ أن يكفيك اللهُ المكنونَ من المخاطر، والمجهولَ من النكبات أثناء حركتك!

ومع ذلك؛ فإنّه كلما تحسّنت مناهجُ سعينا وأساليبها، وتأسست على أسسٍ رصينةٍ، كالعلم والمعرفة والإرادة الصّلبة والمثابرة والجدّ، كانت النتائجُ محمودةً ومقبولةً ومرضية، وكلما أهملنا الأسلوب الأنجع والمسارات الفُضلى كلما تراجعنا عن تحقيق أهدافنا الخيرة ومقاصدنا النيّرة! وهي روح الإسلام الذي دعانا – وفي أكثر من موضعٍ – للإتقان والإجادة واختيار الأفضل، قال تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗ)(سورة الإسراء –53) ، فالفعلُ “أحسن” في اللغة صيغةُ تفضيلٍ، فالله سبحانهُ لا يأمرنا بالإحسان فحسب، بل أن نقدّم أفضلَ الإحسان، وهو لا يأمرنا عزّ شأنهُ بالعمل فحسبْ، بل السعي وما يحوي من معنى الجدّ والمثابرة (وهو أفضلُ العمل).

فالمؤمنُ الساعي سبّاقٌ لنيل رضا ربه، والعمل لآخرته بكلِّ تحدٍّ ومنافسةٍ، قال تعالى (وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُون)(سورة المطففين – الآية 26)، وقال تعالى (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ)(سورة آل عمران –133)، ذلك أنّ الهدفَ أثناء سعيه “واضحٌ ومحددٌ” وهو طلب مرضاةِ خالقه، كما أنّ العبادات كلّها “قابلة للقياس” والمتابعة، وأنّ هذا السعي يأتي وفقَ باقةِ أعمالٍ “يمكنهُ تحقيقها” قال تعالى (لا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ)(سورة البقرة –286)، و هي “ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقيمته” التي كرّمه الله سبحانه وتعالى بها في الدنيا والآخرة، ولها “زمنٌ محدد” ممتدٌ امتداد بقائك في هذه الحياة الدنيا، وإنْ قيلَ إنَّ امتدادها إلى عالم البرزخ أيضًا.

ومن هنا، نجدُ أنّ كلَّ ما تصبو إلى تحقيقه (الهدف) يحتاجُ إلى سعي، وأنّ هذا الهدف يجب أن يتصف بصفاتٍ رئيسة وهي:

  • أن يكون هدفًا واضحًا يمكنك أن تعبر عنه – لو طُلب منك ذلك – بأسلوبٍ سهل!
  • أن يكون قابلًا للقياس، بحيثُ أستطيعُ أن أعرف مدى تقدمي فيه، فمن أراد أن يقطع خمسة كيلو مترات، يعرفُ كم المسافة التي قطعها بعد عشر دقائق.
  • وأن لا يكون الهدف مستحيلاً! فالتّدرجُ أسلوبٌ ضروريٌ للارتقاء والتقدم!
  • وأن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقيمنا وتطلعاتنا وشخصياتنا المحترمة.
  • وأن تكون له فترة زمنية واضحة!

بهذا الأسلوب فقط يمكن أن نترقى بشكل جيد، ونصل إلى مراتب رائعة في سعينا.  

وتذكّر دائمًا: “أنّك لن تسرقَ إنجازات غيرك أو فشلهم. فكلُّ ما أنت فيه الآن هو نتاجُ عملك! وكلُّ ما ستصيرُ إليه هو نتاجُ سعيك!”

قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(سورة الرعد –11)

وقال تعالى: (فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ . وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ)(سورة الزلزلة –8 -9)

شارك برأيك: