الرحلة الخامسة: (في الإسعاف) بقلم الأستاذ رياض سند

الأستاذ رياض سند
الأستاذ رياض سند

(لقد استيقظ، لقد استيقظ)، كانت هذه الكلمات التي سمعتها بعد سباتٍ عميق، وفتحتُ عيني فوجدتُ كل ما حولي صورة سالبة (نجتف)، ثم تدريجياً بدأتْ تتلون الموجودات من حولي.

لا تصدقوا الأفلام والمسلسلات عن رؤية الضوء فقط وبعدها مشاهدة ضوء المصباح، فهذا خيال لا أساس له.

بعد أن عرفتُ بأني مستلقي على السرير في سيارة الإسعاف، أردتُ أن أختبر الحالة الصحية لجسدي، ولله الحمد فجميع عظامي وأضلاعي بين الرض والكسر.

لا ليس صحيحاً، فلم أتعرض لحادث سيارة أو السقوط من علوٍ شاهق كما تبارد لأذهانكم، ولكن أصابتي حدثت أثناء التدرب في دورة تدريبة، أجل وما الغريب في الأمر.

حسناً فلتسمعوا………

شاركتُ مع صديقي في إحدى الدورات وتعجبتُ من رداءة الطاولات والكراسي المهترئة والغير الصالحة للإستعمال على الرغم من جمال القاعة وفخامتها.

الذي شجعني للذهاب للدورة صديقي الذي أوصفه بكلمة واحدة (ممل)، لا أعرف كيف تصادقتُ معه، فهو زميل الدراسة منذ الإبتدائي، ربما هذه الصداقة أكبر خطأ فعلته وما زلتُ نادماً عليه. ربما يكون اسمه شافعاً له لكي يكون صديقي فاسمه (شادي). انتظروا انسوا الأمر، فهو لا يصلح لشيء بدأً من اسمه مروراً بشخصيته.

كان المدرب في غاية الروعة من حيث الأداء ونقل المعلومة ونقلنا بسلاسة لما يُريد. كنتُ قد غيرتُ رأي المبدئي الذي كونتهُ، وبدأتُ أشكر صديقي – شادي – للمشاركة بهذه الدورة – العجيبة -.

ولكن دوام الحال من المحُال، فقد ارتسمتْ بوجه المدرب إبتسامة شريرة، تثخفي بين ثناياها مصائب جمة.

فقد بدأ المدرب بسرد القصة التالية:

المدرب: هذه القصة من الفلكلور الياباني…..
“قرأتُ ذات مرة قصةً حول ثلاثة أشقاء قذفهم الموج على جزيرة ما، كانت الجزيرة جميلة وتنمو عليها أشجار جوز الهند وتنوء أشجارها بالفاكهة، ويتوسط كل ذلك جبل مرتفع وضخم. وفي الليلة التي وصلوا فيها هناك، تراءى لهم شخص في احلامهم وقال:
(سوف تجدون بعد مسافة قليلة من هذا الشاطئ ثلاثة صخور مستديرة وكبيرة. أريد من كل منكم أن يدفع أن يدفع صخرته لأبعد مسافة يستطيعها. حيثما تتوقفون عن دفع الصخرة سيكون هو مكانكم الذي ستعيشون فيه. كلما ارتفعت لأعلى سوف يمكنك من خلال بيتك رؤية المزيد من العالم. الأمر كله يعود إليكم فيما يخص المدى الذي تريدون ان تدفعوا صخرتكم إليه).

وجد الأشقاء الثلاثة صخورا ثلاث على الشاطئ وبدأوا يدفعونها، ولأن الصخور كانت ضخمة وثقيلة، قفد كانت دحرجتها امراً صعبا ً، توقف الأخ الأصغر أولا وقال أنه يناسبه فهو قريب من الشاطئ، ويمكنني أن اصطاد سمكاً منه وفيه كل ما احتاجه لمواصلة العيش هنا. واصل الشقيقان مسيرهما وبعد مدة من الزمن توقف الأخ الأوسط وقال هذا المكان يكفيني ففيه الكثير من الفاكهة وفيه كل ما احتاجه لمواصلة العيش، لا يهمني إن كنتُ لا أستطيع رؤية الكثير من لعالممن هنا، أما الأخ الأكبر فواصل المسير واستمر شهوراً بالكاد يأكل أو يشرب حتى وصل لأعلى الجبل وهناك توقف ونظر للعالم وقال هنا سأعيش حيث لا تنمو الحشائش ولا تصل له الطيور وإذا أراد ان يشرب الماء عليع ان يلعق الثلوج وللحصول على الطعام لم يكن أمامه إلا أن يأكل الطحالب…..”

وهكذا انتهت القصة، قال المدرب !!!!

بعد الإنتهاء من القصة طلب منا عن طريق المناقشة كعمل مجموعات معرفة من كان منهم على حق ويا ريته لم يفعل…

فقد بدأ – شادي – بمدح الأخ الأكبر وذمّ الأخ الأصغر واستحقره وحجمّ عمله. مما حدا بأحد اعضاء المجموعة بالرد عليه بكلام أشد منه وقعاً.وتعالتْ الأصوات في المجموعة بين مؤيد لهذا وناقمٍ على ذاك، في الحقيقة لم تكن مناقشة ولا أسلوباً للحوار، ولكنها فوضى فلا يسمع أحدٌ منا الآخر. ولم يكن هذا واقع مجموعتنا فحسب ولكن جميع تصرف جميع المجموعات.

نظرتُ للمدرب وما زالت إبتسامته الشريرة نفسها. كلامنا لبعضنا مستفز ومُغضب، وتمنيتُ من – شادي – إحضاره وإسماعه كلامه يغضبه.

بعد خمس عشرة دقيقة، عفوا ربع ساعة بالتحديد ابتعد المدرب، وانزوى بمكانٍ بعيد.

وبعدها مباشرةً بدات الطاولات والكراسي بالتطاير فعرفتُ سبب اختيار هذه النوعية ولكن بعد فوات الأوان، فأول ضربة حصلتُ عليها من صديق عمري – شادي – بكرسيه، فهو لا يفرق بين الصديق والعدو أثناء غضبه.

كانت المعلومات سابقاً تقول بأن المغناطيس يجذب الحديد وتم تصحيح هذه المعلومة فجسمي هو الذي يجذب الحديد فلم يبقى كرسي أو طاولة إلا وأصابتني. ولم اعرف ما حصل لي حتى سمعت هذه الجملة (لقد استيقظ، لقد استيقظ) لقد نقلتنا مجموعة اسعافات للمستشفى وكان لي نصيب الأسد من الإصابات، فأنا دائما متفوق على أقراني ولي النصيب الأوفر من كل شي!!

بعد خروجي من المستشفى، قررتُ الذهاب لنفس الدورة لمعرفة من على حق من الاشقاء الثلاثة!!!

عندما وصلتُ للقاعة، استغليتُ – شادي- أشد استغلال فكنتُ أطلب منه كل خمس دقائق إحضار الشاي، أو الحليب، أو الكوفي وفي مرات عدة إحضار علبة محارم الورق على الرغم من وجودها على طاولتي.

عندما تكلم المدرب كنتُ انتظر وقت القصة وقبل الشروع بسردها ظهرت نفس الإبتسامة الشريرة وتكررت هذه الإبتسامة بعد الإنتهاء من القصة، وبدأت المناقشات وتعالت الأصوات. فأخذتُ هاتفي واتصلتُ: “ألو، الإسعاف.. أرجو الحضور بعد خمس عشر دقيقة وشكرا”

المتصل: الذي لا يتعلم من خطأه.

شارك برأيك: