الله نور السماوات والأرض – بحث عن الإمام الحجة للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين

أعوذ بالله السميع العليم، من شر نفسي الأمارة بالسوء، ومن شر الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين


قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 35).

النور في الأصل: أسم للضياء الذي مصدره الشمس أو السراج أو أي مصدر مادي آخر.

ومن خصائص النور:
أنـه ظاهر بنفسه مظهر لغيره. فصاحب البصر السليم لا يحتـاج لغير النور لكي يرى النور نفسه، ويحتاج إلى النور لكي يرى غيره من الأشياء. وعلى أساس هذه العناية أو الملاك تم التوسع في استخدام اللفظ، فيطلق لفظ النور على كل ما يبين الأشياء.. ليشمل: الدليل والبرهان والكتب السماوية والأنبياء والأوصياء والعلماء والقيم الأخلاقية الرفيعة وغير ذلك، فكلها أنوار بحسب هذه العناية. وهذا ما اعتمده علماء التفسير في تفسير الآية الشريفة المباركة التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة الشريفة المباركة.. وتوصلوا إلى معاني عديدة لها منها:

المعنى الأول:
أن كل شيء في الوجود يحتاج في وجوده ومعرفته إلى الله الأحد الصمد، وهو لا يحتاج في وجوده ومعرفته إلى شيء سواه. فلو فرضنا وجود عقل محض لم يرى شيئا من الموجودات، فإنه بمجرد أن يعي وجوده، يعلم بداهة بفقره وحاجته في وجوده وصفاته وأفعاله إلى موجود غير محتاج في شيء من وجوده إلى غيره، ويقطع بوجوده بدون الحاجة للعلم بوجود غيره من الموجودات، وأنه واحد أحد صمد، ولا يمكنه أن يقر لأي شيء غيره بالوجود إلا من خلال وجوده، فالعلم بوجوده والضروري من أسمائه وصفاته والتعلق به والشوق إليه سبحانه مترتب بصورة ضرورية عقلا على مجرد العلم بالوجود.. ولهذا: سمي واجب الوجود.

قال الإمام الحسين (عليه السلام):
“كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهِر لك ؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك ؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً” (دعاء عرفة).

فقول الله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} يعني أن ووجود السماوات والأرض نور، في مقابل الظلمة وهو العدم، وأنها مفتقرة في وجودها إلى الله (جل جلاله) فهو خالقها ومخرجها من الظلمة إلى النور، أي من العدم إلى الوجود، فهو نور السماوات والأرض أي موجدهما ومنورهما.. وعليه فهو: نور النور، ومنور النور، ونورا على نور.

المعنى الثاني:
أن الله قد تجلى بكماله وجماله وجلاله في خلق السماوات والأرض، وأصبحتا بما فيهما من الكمال والعظمة والجمال والجلال والنظام الدقيق المحكم دالين على أسمائه الحسنى وصفاته العليا، علما بأن الذات الأحدية بدون الأسماء والصفات غيب محض لا يمكن معرفتها لأي أحد كان..

وبذلك: أصبحت تلك العظمة والجمال والكمال والنظام الدقيق المحكم في السماوات والأرض نور الله (ذي الجلال والإكرام) وأصبح هو نورها الذي منحها الوجود والنظام الدقيق المحكم والكمال والجمال.. ولهـذا مثيل في نظامنا اللغوي فيقال: فلان نور البلد: إذا كان له فضل، وعليه يقوم نظام البلد، وإليه يرجع الفضل في تدبير أمرها وترتيب شؤونها.. ويقال: بني الأمر أو الشيء الفلاني على نور: إذا كان بناؤه متقنا وعلى نظام دقيق محكم.

المعنى الثالث:
أن الله (جل جلاله) هو هادي السماوات والأرض وكل من فيها على اختلاف خصائصه ومراتب وجوده إلى كماله وغاية وجوده. فالسماوات والأرض محكومة في وجودها وعملها بسنن كونية ثابتة تصل من خلالها إلى كمالها وغاية وجودها. وأيضا هو هادي سكان السماوات والأرض من الملائكة والجن والإنسان والحيوان والنبات كل إلى كماله وغاية وجوده بما يناسب خصائصه ومرتبة وجوده.

والذي أريد الوقوف عنده في البحث هو الإنسان..

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70).

أيها الأحبة الأعزاء: إن كرامة الإنسان تقوم على ركيزتين أساسيتين.. وهما: العقل وحرية الاختيار، وعلى أساسهما تتحدد مكانة الإنسان في الوجود ودوره في الحياة، وقد تكفل الله (جل جلاله) بهداية الإنسان إلى كماله وغاية وجوده من خلال الأنبياء والأوصياء والكتب السماوية المنزلة، وخاطب من خلالهم عقل الإنسان وفطرته ووجدانه وضميره، وترك له حرية الاختيار وتقرير المصير.. وهذا ما يتناسب مع كرامته وخاصيته ومرتبته الوجودية.

أيها الأحبة الأعزاء:
إن كرامة الإنسان لا تكون إلا مع الهدى والفضيلة ومكارم الأخلاق.
والهدى والفضيلة ومكارم الأخلاق لا تكون إلا إذا كان الإنسان مع الله تبارك وتعالى.
ولا يكون الإنسان مع الله تبارك وتعالى إلا إذا كان مع أئمة الهدى من الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول الأمناء بحق وحقيقة على الدين ومصالح العباد الجوهرية والحيوية.

وفي الدعاء المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام): “اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك. اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك. اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني”.

فالهداية وكل ما يتصل بها من الفطرة والعقل والرسل والكتب السماوية وما ينتج عنها من فكر صحيح وقيم رفيعة وسلوك مستقيم ومواقف صائبة وبناء إيجابي وتعمير للحياة، هو نور الله (ذي الجلال والإكرام) الذي يحيي الإنسان به الحياة الإنسانية الطيبة الرفيعة، ويدله على الحق والصراط المستقيم والنهج القويم في الحياة، ويحفظ له كرامته، ويعطيه الطمأنينة، ويجني به في الدنيا والآخرة ثمار عمره وعمله في الحياة، ويوصله إلى كماله وسعادته وغاية وجوده.. وبدون الهداية الإلهية الربانية: لن تكون الحياة إلا ظلاما وظلما وتخبطا وحيرة وفجورا وفسادا وقلقا واضطرابا، على مستوى الفكـر والأدب والفـن والقانون ونظام الحياة والمواقف. فالفكر والأدب والفن لا يستقيم إلا بنور الله، والأخلاق لا تصلح إلا بنور الله، والحب والسلام والعدل لا ينتشر إلا بنور الله، والقانون والنظام لا يستقيم ولا يطبق إلا بنور الله، والمواقف لا تصمد إلا بنور الله.. كما يدل على ذلك العقل والنقل والتجربة. في مقابل الضلال وما يتصل به من الشياطين والهوى والشهوات والطواغيت (أئمة الضلال) والظالمين والمستبدين والمستكبرين والقيم الهابطة والسلوك المنحرف التي تمثل الظلام الحقيقي في وجود الإنسان، وبها يبتعد عن الحق والصراط المستقيم والنهج القويم في الحياة، وبها يفقد الطمأنينة، وبها تهدر كرامته، وينسلخ من إنسانيته، ويخسر عمره وثمار عمله في الحياة الدنيا والآخرة، ويكون له الخزي والعار في الدنيا والعذاب والشقاء الأبدي في الآخرة.. وعليه نصل إلى النتائج التالية:

النتيجة الأولى:
لا يمكن أن يهتدي الإنسان إلى الحق والصراط المستقيم والنهج القويم في الحياة، ويحصل على الطمأنينة، وتصان كرامته، ويحصل على التوازن في حياته، ويجني ثمار عمره وعمله في الحياة، ويحيى الحياة الإنسانية الكريمة الطيبة في الدنيا والآخرة، ويصل إلى كماله الوجودي وسعادته الأبدية بدون الإيمان الحقيقي والاهتداء بنور الله المتمثل في الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول والكتب السماوية المنزلة.

النتيجة الثانية:
أن الذين يمتلكون الهداية وحقيقة الإيمان، مهديون إلى نور ربهم بنور من نوره (الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول والكتاب السماوية) يسلك بهم الطريق إلى حسن العاقبة وأحسن الجزاء. والذين لا يملكون الهداية وحقيقة الإيمان، فهم في الظلمات يعمهون، يقودهم الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء والطواغيت والمستبدون والمستكبرون إلى الهلاك وسوء العاقبة والشقاء الأبدي.

قـال الله تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النّـُوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّـورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 25).

فعلينا أن نختار في أية جهة نكون !!
هل نكون في جهة النور أم في جهة الظلام ؟!
وهل نكون في جهة الفضيلة والكمال والسعادة الأبدية الخالدة أم نكون في جهة الرذيلة والنقص والهلاك والشقاء الأبدي الخالد ؟!

وهل نكون في جهة أولياء الرحمن وحزب الله المفلحون أم أن نكون في جهة أولياء الشيطان وحزبه الخاسرون ؟!

أيها الأحبة الأعزاء:
اسمحوا لي بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة المباركة أن انتقل بسرعة لأفتح الباب على مسألة في غاية الأهمية ذات صلة بالموضوع نحتاج إلى الوقوف عليها والتأمل فيها بتمعن، ونشرف من خلالها على قضية الإمام الحجة القائم المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

أيها الأحبة الأعزاء:
إنه على ضوء المعنى الثالث الذي بينته للآية الشريفة المباركة التي هي موضوع البحث، وفيه أن الله (جل جلاله) هو المصدر الوحيد للهداية في الأرض والسماء. وعلى ضوء ما يحكم به العقل المستنير ويقره النص من ضرورة انتشار نور الهداية في العالم كله، وإطفائه ظلمة كل ضلال على وجه الأرض، حتى يبلغ غايته النهائية المقررة له في الحياة.. فإنه يترتب على ذلك: أن لا يوجد إبليس والشياطين في الوجود بدون أن يوجد جبرائيل والملائكة عليهم السلام. وأن لا يوجد نمرود وفرعون وأبو جهل ويزيد بدون أن يوجد إبراهيم وموسى ومحمد والإمام الحسين (عليهم جميعا الصلاة والسلام) وأن لا توجد أمريكا والكيان الصهيوني والشاه وقوى الضلال بدون أن يوجد الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله وحزب الله المظفر وقوى النور والهداية. وأن لا يوجد النظام الدولي الاستكباري الظالم بدون أن يوجد الإمام القائم المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) الذي يقيم دولة العدل الإلهي العالمية، ويعيد التوازن والنظام والاستقرار إلى العالم. فهو نـور الله التـام بعد جده الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وآخر أنوار الهداية التامة من الأوصياء العظام، وقد شاء الله (جل جلاله) أن يتم على يديه المباركتين إظهار نوره: نور الهداية الربانية على وجه الأرض، ويحكم به العالم.

أيها الأحبة الأعزاء:
وإني أرى: بأن مؤشرات تهتك النظام الدولي الإستكباري الظالم وعدم قدرته على الاستمرار قد بدأت في الظهور عيانا للمراقبين الواعين، وأن نهايته التي ستثلج قلوب المؤمنين والمستضعفين في الأرض لن تكون بعيدة بإذن الله الواحد القهار !!

قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف: 8 – 9).

وقال الله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 127).

والخلاصة:
أن الإنسان ـ وفق هذا الطرح ـ لا يمكن أن يتركه ربه محاصرا بقوى الضلال والظلم والطغيان والاستبداد والاستكبار والفساد، بدون أن يملك خيار مقاومتها والخروج والانتصار عليها. فلا بد أن يتيح له الرب الجليل الفرصة الواقعية للرفض والمقاومة والخروج والانتصار عليها بالجهاد والمواقف السياسية الصلبة الصادقة، ويترك له حرية الاختيار وتقرير المصير: الرفض والمقاومة والسعي للتغير والإصلاح أو القبول بالذل وبالأمر الواقع المفروض عليه والتعايش معه، ويتحمل المسؤولية عن سلوكه ومواقفه في الدنيا والآخرة.

ومن جهة ثانية:
فإن الإنسانية تسير نحو الهداية الكاملة وانبساط نورها الكامل على وجه الأرض، وأن ذلك يرتبط بالمواقف التي يتخذها الناس بشأن المناصرة والمحاربة لقوى الهدى والضلال أو السلبية والصمت والتفرج على الأحداث.. وعليه فأننا مطالبون بأن نحدد مواقفنا ونختار بدقة ووضوح:

الوقوف إلى صف إبليس والشياطين!!
أم الوقوف إلى صف جبرائيل والملائكة (عليه السلام)؟
والوقوف إلى صف نمرود وفرعون وأبي جهل ويزيد؟
أم الوقوف إلى صف إبراهيم وموسى ومحمد والإمام الحسين (عليه السلام)؟
والوقوف إلى صف أمريكا الباغية، والكيان الصهيوني الغاصب، والشاه المستبد الظالم؟
أم الوقوف إلى صف الإمام الخميني العظيم، والسيد حسن نصر الله وحزب الله المؤيد؟
والوقوف إلى صف النظام الدولي الاستكباري الظالم؟
أم الوقوف إلى صف الإمام الحجة (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)؟
وهل نتحمل مسؤولية الانتماء ونكون فاعلين في معسكر الهداية الذي ننتمي إليه؟!
أم نكون سلبيين ونقف متفرجين أمام الأحداث والصراع بين المعسكرين؟!

أيها الأحبة الأعزاء:
لا تتعجبوا حينما أطالب نفسي وأطالبكم بتحديد المعسكر الذي نقف إلى صفه وننتمي إليه والدور الذي نقوم به فيه.. وذلك للسببين التاليين:

السبب الأول:
أنكم ترون بأم أعينكم أناسا يقفون بصلافة ووقاحة إلى صف معسكر إبليس والشياطين، ويقفون إلى صف معسكر نمرود وفرعون وأبي جهل ويزيد، وإلى صف الشيطان الدموي أمريكا وإلى صف الكيان الصهيوني الغاصب والشاه المستبد الظالم.. هذه حقيقة ماثلة أمام أعيننا تاريخيا وفي الوقت المعاصر وعلى ضوئها: نحن مطلوبون بأن نحدد المعسكر الذي ننتمي إليه بوضوح ودقة.

السبب الثاني:
البعض يقول: أنه يقـف إلى صف معسكر جبرائيل والملائكة وإبراهيم وموس ومحمد والإمام الحسين والإمام الخميني والسيد حسن نصر الله وحزب الله والإمام الحجة القائـم المهدي (عليه جميعا السلام) ولكنه يتصرف في الحياة بفكر وقيم وسلوك المعسكر الآخر، فيمارس الظلم أو يعين الظالمين أو يسكت عنهم.. ولا فرق: فهم شركاء ثلاثة، بأي فلسفة قالوا، ولأي عنوان استندوا !! يريدون أن يخدعوا الله ويكذبوا عليه، وهو خادعهم، وهم الأخسرون أعمالا !!

قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ. يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ. فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (البقرة: 8 – 10).

أيها الأحبة الأعزاء:
علينا أن نعلم ونتأكد: بأن الانتماء الصادق إلى معسكر الهدى والفضيلة لا يكون إلا بالفكر والقول والعمل الصالح وبالمواقف المعبرة بحق وحقيقة عن صدق الانتماء، وهذا ما ينبغي علينا أن نعلمه خاصة ونحن نحتفل بذكرى مولد النور الإمام الحجة القائم المهدي المنتظر (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملأت ظلما وجورا، ونتطلع بشوق كبير إلى ظهوره الميمون المبارك. فإن الانتظار الايجابي الصحيح المفلح لا يكون إلا بالسلوك المستقيم والايجابية في المواقف في مناصرة معسكر الهداية والنور، ومحاربة معسكر الضلال والظلم والظلام وعدم مهادنته.. وعليه فإننا مطالبون بالتالي:

أولا: أن نحدد موقفنا بوضوح لا لبس فيه من المعسكرين وإلى أي منهما ننتمي.. فنختار بحسب البيان السابق: إما الحياة الإنسانية المستضيئة بنور الله المتمثل في الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين والفقهاء العدول والكتب السماوية المنزلة، ثم الاستظلال بظل الله يوم لا ظل إلا ظله. وإما الموت المعنوي والدخول في ظلمات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والطواغيت (أئمة الضلال) والمستبدين وقوى الاستكبار العالمي والاصطلاء بالعار والخزي في الدنيا ونار جهنم في الآخرة.

ثانيا: أن نلتزم فكرا وقولا وعملا وبالمواقف الصادقة المعبرة عن صدق الانتماء بمعسكر الهداية الذي ننتمي إليه، وأن نكون فاعلين فيه بقوة ونشاط من أجل تحقيق أهدافه العظيمة في الحياة، وأن لا نقف بأي حال من الأحوال متفرجين في الأحداث والصراع بين المعسكرين ـ إذا كنا واعين وصادقين ونعرف حقيقة وقيمة الانتماء ـ فإن هذا هو ما يفرضه صدق الانتماء ويفرضه المفهوم الايجابي الصحيح المفلح للانتظار.

وعلى ضوء ما سبق علينا أن ننتبه إلى الحقائق المهمة التالية ونأخذ بها..

الحقيقة الأولى:
أن حياتنـا الإنسانية الطيبة الكريمة والمعنوية النظيفة، لا يمكن أن توجد وتنمو وتترعرع في بيئة صحية سليمة، إلا إذا استضأنا بنور شمس الهداية الربانية المشرقة على وجه الأرض، التي تتمثل في الأنبياء والأوصياء والفقهاء العدول والكتب السماوية المقدسة.. وما لم نفعل: فإن مصيرنا إلى الموت المعنوي والانحطاط الأخلاقي والروحي والحيرة والضياع في دروب الحياة المظلمة القاتمة.

قال الله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 122).

الحقيقة الثانية: أن عدم الاستضاءة بنور الله في الحياة الدنيا والدخول في ظلمات معسكر الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء والطواغيت والمستبدين والمستكبرين، يعنى أن يكون الإنسان في الآخرة أعمى وما له من نور. فلا يتوقع أحد بأن يدخل في الدنيا في معسكر الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء والطواغيت والمستبدين والمستكبرين: بفكره وسلوكه ومواقفه المناصرة أو المهادنة، ثم يروم بعد ذلك الأمن والنجاة والفوز في الآخرة بالجنة.. هيهات.. هيهات.. ما إلى ذلك من سبيل.

قال الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسراء: 72).

الحقيقة الثالثة:
أن الله (عز وجل) قد أظهر نور الهداية في الأرض مع بعثة أول نبي وإنزال أول كتاب سماوي، وأنه يتم نور الهداية تدريجيا مع تسلسل بعث الأنبياء والأوصياء وتتابع إنزال الكتب السماوية إلى الأرض. وأن آخر الأنبياء وخاتمهم وأكملهم هو الرسول الأعظم الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآخر الكتب وأكملها وأتمها هو القرآن الكريم، وآخر الأوصياء هو الإمام الحجة القائم المهدي (عليه السلام) وعلى يديه (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يتم إظهار نور الهداية الربانية بالكامل على العالم.

الحقيقة الرابعة:
أن الانتظار الحقيقي لولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا يكون إلا بحقيقة الإيمان، والعمل الصالح، والمواقف الايجابية الصادقة، والانحياز الكامل والفاعل إلى أولياء الله وحزبه المفلحين: فكرا وقولا وعملا وبالمواقف الفاعلة التي تخدم قضيته (عليه السلام) وتزيد في اشتعال نور الهداية والعدالة في الأرض. والبراءة التامة من الشيطان والطواغيت (أئمة الضلال) والمستبدين وقوى الاستكبار العالمي ومحاربتهم والوقوف في وجوههم على كافة الأصعدة والمستويات، للحيلولة دون تحقيقهم لأهدافهم الخبيثة، وعدم مهادنتهم والسماح لهم بتثبيت وجودهم وتهديدهم لقوى الخير والهداية وإطفاء الأنوار الربانية في الأرض.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 54 ـ 56).

وقال الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256).

وفي الختام:
أيها الأحبة الأعزاء: كونوا قلبا وقالبا مع الحق والعدل ومعسكر الهداية والنور، واستضيئوا بنور الله جبار السماوات والأرض ونور الولاية والكتب السماوية المنزلة، واخرجوا بالكامل من ظلمات الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء والظالمين والطواغيت والمستبدين والمستكبرين والمفسدين في الأرض، وكونوا فاعلين بقوة ومؤثرين ومضحين في معسكر الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين، لتكونوا بحق وحقيقة من جند الله الغالبين وحزبه المفلحين، وتستظلوا بظل الله يوم لا ظل إلا ظله، واحذروا من الظلم على أي مستوى وعلى أي شكل كان: احذروا ظلم الزوجة والأولاد، واحذروا ظلم الضعفاء في السوق والمصنع والمكتب، واحذروا ظلم الذين يعملون تحت أيديكم من خدم أو عمال أو موظفين، واحذروا معاونة الظالمين أي كانوا وعلى أي مستوى كان، واحذروا السكوت على الظلم والظالمين، وأبرؤوا من الظالمين والطواغيت والمستبدين والمستكبرين والمفسدين في الأرض، ولا تأخذكم في الله تعالى لومة لائم.. وأعلموا بأننا ما لم نفعل ذلك: فلسنا من المستضيئين بنور الله: نـور الهداية والولاية والكتاب، ولسنا على خط الولايـة وخط الإمام الحجة القائم المنتظر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ولسنا من المنتظرين له بحق وحقيقة !!

 أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

شارك برأيك: