لمواجهة «الحرب الناعمة».. بصيرة عمّار واستقامة وثبات مالك بقلم هادي محمد علي

هادي محمد علي

ما هي الحرب الناعمة؟ قبل أن نعرف ما هي الحرب الناعمة، يجب أنّ نعرف أنّها حربٌ  تعتمد على (القوّة الناعمة) التي عُرِّفت بأنّها: القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكريّة والصلبة. ونفهم من هذا أنّ في مقابل القوّة الناعمة هناك (قوّة صلبة)، وهي الإرغام ومحاولة تحقيق الأهداف بالوسائل العسكريّة العنيفة. إذن الحرب الناعمة لا تقوم على العنف والإرغام واستخدام الأساليب الفجّة الغليظة، وبالتالي فإنّ ميدانها ليس ساحة معركة محدودة وإنّما ميدانها الفكر والثقافة والعقل البشريّ، فهي تهدف للسيطرة على عقل الآخر وعاطفته لتغيير أفكاره ومبادئه وثقافته واستبدالها بثقافةٍ أخرى، وكلّ ذلك لا يتم إلّا بالجذب والاستمالة العاطفيّة التي تظهر بصورةٍ بعيدةٍ عن العدائيّة.

إنّ القوى والدول المُتسلِّطة الطامحة في السيطرة على مقدّرات العالم واقتصاده وثرواته، قد دأبت منذ القدم على استعمار الدول المستضعفة واحتلالها بالقوّة العسكريّة وإخضاعها بالترهيب والتهديد تحت وطأة السلاح وأزيز الرصاص، لنهب ثرواتها وامتصاص خيراتها، واستمرّ ذلك حُقبًا طويلة عانت فيها الشعوب المستضعفة أيّما معاناة، حتى استطاعت أن تتخلّص أخيرًا من إصر تلك القوّة الاستبداديّة التي لم ترحل عن هذه البلدان إلّا بعد أن قدّمت الشعوب فواتير الدّم والتضحيات الجسيمة الضخمة. وبعد أن فشل الاستعمار والاحتلال والحرب الصلبة في الاستمرار بنهب ثروات الشعوب ومقدراتها، اتّجهت مراكز الاستخبارات العالميّة في الدول الاستكباريّة إلى (الحرب الناعمة) ووظّفوا في خدمتها الأموال الطائلة والجهود المضنية، واستقطبوا لها كبار علماء النفس وعلماء الاجتماع في العالم وسخّروا كلّ إمكانيّاتهم لهذه الحرب العظمى التي أُريد لها تحقيق ما لم يتحقّق بالحرب الصلبة.

ما يُميِّز الحرب الناعمة هو أنّها حربٌ ثقافيّة فكريّة هوجاء قائمة على التأثير في صميم اللاشعور، بحيث أنّ من يخضع لها لا يشعر بها أبدًا، بل يتماهى معها وقد يلهث وراء تحقيق أهدافها الكارثيّة على نفسه دون أن يعلم. فهي – كما قلنا- لا تواجه أعداءها بالعدائيّة بل تواجههم بأحسن الصور وألطفها.

اليوم من يقود هذه الحرب الناعمة، أو كما يسمّيها البعض بالحرب الباردة أو الثقافيّة، هي الإدارة الأمريكيّة والصهيونيّة العالميّة واستخبارات الدول الاستكباريّة الكبرى، وتعينهم على ذلك الحكومات العربيّة المرتهنة للغرب، ووسيلتهم الناجعة في سبيل ذلك ما يمتلكونه من قوّةٍ إعلاميّةٍ هائلة ومؤثِّرة في الوقت نفسه، فالجميع يعلم كيف صارت الثقافات المستوردة من الغرب تُدمِّر الأُسر وتقضي على مظاهر التديُّن وتحارب المضامين والمفاهيم الإسلاميّة.

لذلك فإنّ عنوان هذا المقال هو جملةٌ مقتطعةٌ من كلمةٍ أطلقها سماحة وليّ أمر المسلمين الإمام السيّد علي الخامنئيّ، عبر رسالةٍ وجّهها للطلبة الجامعيِّين وتلاها أحد ممثِّليه في ملتقى الجهاد الأكبر بمدينة مشهد المُقدّسة في شهر فبراير من العام الماضي (2014). حيث قال: «إنّكم الضُبّاط الشباب في ساحة الحرب الناعمة التي تستلزم بصيرةً كبصيرة عمّار بن ياسر، وثبات واستقامة مالك الأشتر، جهِّزوا أنفسكم بكلِّ وجودكم لهذه الساحة». هي كلمةٌ أطلقها سماحته في مكانها الدقيق والصحيح؛ فمن يرجع إلى التاريخ الإسلاميّ ويطّلع على مواقف هذين الصحابيين الجليلين في الـ 25 سنة التي اغتُصبت فيها الخلافة من أمير المؤمنين (ع)، وكذلك في السنوات القليلة التي استلم فيها زمام الخلافة الظاهريّة، يرى كم كانا – وغيرهما من أصحابه الأجلّاء- يمتلكان من البصيرة الثاقبة التي لم يمتلكها غالبيّة الخواص آنذاك، وكيف كان ثباتهما واستقامتهما على مواقفهما في الدفاع عن إمامهما الشرعيّ رغم الفتن العظيمة والانحرافات والالتباسات الفكريّة الكبيرة التي وقع فيها الكثير من الخواص والعوام، ورغم التهديد والعنف الممارس عليهما وعلى جميع من وقف مع الحقّ وانتصر لأمير المؤمنين.

فيجب علينا جميعًا أن نمتلك شيئًا من بصيرة عمّار وثبات واستقامة مالك، لنواجه هذه الحرب الناعمة التي باتت تُهدِّد كياننا كمجتمعٍ إسلاميّ أيّما تهديد.

شارك برأيك: