نعيش اليوم في زمن كثُرت فيه الديانات وتنوّعت المعتقدات بين الروحيّة منها والأخرى الفلّسفية التي تقومُ على استدلالاتٍ فكرية وعقلية خلافًا لما مضَى من العصور حيثُ كانت المعتقدات الموجودة آنَذاك لا تخرُج -في العادة- عن إطار الجهل والتقليد، فكان من السهل بمكان إثبات -نظريًا- زَيف تلك المعتقدات وبطلَانها لو لا العصبيّة التي تفرّخت في عقول القوم، أمّا أصحاب معتقدات هذا العصر -بعيدًا عن من يعتقد بعقيدة إرضاءً لنفسه وتذللًا لشهواته كما هو حال الكثير من الملحدين- فإن بعضهم يتّبعها عن فهمٍ منه وواقعية يراها في عقله تُصوِّر منهجه بالحق والصِراط المستقيم.
في مقامِ الحديث فإن المقصود هو من يؤمن بمعتقده إيمانًا مطلقًا وليسَ من تبيّن له الحق فرفضَه من نفسه لسببٍ أو آخر، ومن هَؤلاء بعض (الملحدون – النصارى – اليهود – البوذيون – مختلف الأديان والمعتقدات)، ولعلّ المِثال الأقرب للذّهن هو بعض المنتمِين لتنظيم “داعش” الإرهابي حيثُ يرون أنفسهم على الحقِ عن إعتقادٍ مترسّخ في عقولِهم فهم مستعدون لتقديم أغلَى ما لديهم -أنفسهم- في سَبيلِ معتقداتهم ولا شيء آخر.
إنّ الفهم الخاطِئ أحد أبرز العوامل التي تؤدي بالفرد إلى المناهج الباطِلة والمعتقدات المنحرفة حتى عن حُسن نيّة، ويكون هذا الفهم خطيرًا جدًا إذا ما ارتبط بعقائِد مُنحرفة لا ترَى الصواب في غيرها وأنّ الحيَاة لها فقط فيؤدي ذلك لتهلكة الفرد والمجتمع، ويَنشَئ هذا الفهم لعدة أمور أهمّها:
– خلَل في استخدامِ الآلات التي تؤدي لمعرفة الحق: وهو نابع من كونِه خلل منهجي في طريقة الوصول للحق كما هُم أصحاب المنهجِ التجريبي “الذي بنى أساسه على التجربة الإنسانية، فالإنسان في نظر أصحاب هذا المذهب لا يتمكن من معرفة الحقائق مهما كانت واضحة ألا من خلال إخضاعها للتجارب الحسية المادية، لذلك تجدهم لا يعترفون بالمعرفة الفطرية ولا بالمعارف البديهية الضرورية” (١).
– اضطرابات نفسيّة وعقليّة: تلعبُ هذه الاضطرابات في التأثيرِ على صياغة شخصيّة الفرد السوية فضلًا عن معتقداته وأفكاره، فالمريض النفسيّ لا يستطيع أن يَتَأقلم مع الواقِع “وهنا تبرز متاعب المريض وآلامه وعدم تلاؤمه وصراعاته مع مجتمعه، ونتيجة ذلك نرى المريض يفتش عن حلّ للتلاؤم والتكيف، فنجد ذلك في محاولات توفيقية كأن يهرب مثلاً إلى النوم، أو كالنكوص إلى الطفولة، أو الإنهزام، أو إلى مثل هذه الحلول السلبية” (٢).
– غَسِيل الأدمِغة: وهذا ما تستخدِمه معظم المافيات ودول الإستكبار كما يستغل أصحاب المناهج التكفِيرية بسَاطة الكثِير من فئاتِ المجتمع فيملؤون عقولَهم بالمعتقدات المنحرِفة ويشحنونهم بالعصبية المقيتة حتى لا يرى الفرد منهم حقًا غير الذي هو عليه.
وفي سِياقِ العنوان فإن الفهم الخاطئ للمعتقد لا يقتصر على المناهج الباطلة فقط، وإنما يعُم كذلك حتى بالنّسبة للمنهج القويم والحق، نظرًا للطريقة التي فهم الفرد فيها منهجه، فلو كانت حجة اتّباع هذا الفرد للمنهج القويم قائِمة على تقليد المجتمع لسَقَط في أقرب إشكال يواجهُه، وكذا من تربى على أن العقيدة جزاء وعقاب فقط ولم يُؤسس لفهم رصين وثابت لمنهجِه، وهذا ما يقع فيه الكثير ممن يسافر إلى بلاد ذات خلفية فكرية منحرفة -في نظره- فيرى أنّ هؤلاء النّاس يعيشون في رغد وعافية وهم من المفترض أن يكونوا عكس ذلك نظرًا لثقافة الترغيب والترهيب التي نشئ عليها هذا المسافر، والإشكالات حول الفهم الخاطئ للعقيدة كثيرة يطول المقام لذكرها.
ختامًا، ارتباط الفهم الخاطئ بالمعتقد الباطل هو الحالة الشاذة وإلّا من أراد الحق فعلًا وسعى إليه فإن الله سيوفقه بكل تأكيد، كما أن المسئولية كبيرة على عاتق علماء الدين والمثقفين في تشكيل الفهم الصحيح للعقيدة الصحيحة.
المصادر:
١- http://www.alnoor.se/article.asp?id=126888#sthash.UqMPOQ6g.dpuf
٢- http://arabpsycho.blogspot.de/2010/10/blog-post.html?m=1