ليس الآن بقلم الأستاذ رياض سند

الأستاذ رياض سند
الأستاذ رياض سند

تتحرك الكاميرا في اتجاهات مختلفة لالتقاط لقطات جميلة مميزة لحفل الزفاف المقام في صالة الافراح بأوامر من غرفة التحكم.

الكاميرا (1) تسلط الضوء على الجموع الغفيرة من المدعويين ، ترصد ملابسهم ( الموحتشمة ) وهمزاتهم على بعضهم البعض فالطاولة رقم 5 تغمز على الطاولة رقم 17 والطاولة 20 تضحك من الطاولة 24 والطاولة 67 تهمس على الطاولة 5 وهكذا. تركوا الحفل وتجاذبوا النظرات والغمزات والهمسات والضحكات ووووو.

وبينما كانت الكاميرا (1) مشدودة في ما يدور بين المدعوين بدأت الكاميرا (2) بالتركيز على صاحبة الحدث حيث بدأت تقترب من وجه العروس (منى).

إنها تقترب أكثر – الكاميرا (2) – تقترب وتقترب وكم كانت الدهشة من رؤية علامات الحزن والوجوم على ملامح العروس (منى). فهل هي في مراسيم زفاف أم مراسيم جنازة !!!  هكذا فكرت الكاميرا (2)؟؟؟؟!!!

يا ترى لماذا هذا الحزن وما سببه؟؟؟!!!  ارتسمت علامات الدهشة على كاميرات صالة الأفراح!!!!

تهامست الكاميرات فيما بينها لمعرفة حزن العروس. وابتدأت مغامرتهم…

أخذت الكاميرا (1) بمراقبة عيني منى -العروس- لعلها تجد ضالتها فوجدتها تتجه ناحية أخيها سعد، ودموع عينيها تنهمر، فاتجهت الكاميرا (1) بسرعة باتجاه سعد الذي لم تسعه الفرحة والسرور وقد ملئت ابتسامته وجهه بالكامل. ركزت الكاميرا (1) اكثر فاكثر على وجه سعد فلاحظت حركة شفتيه.. يا ترى ماذا يقول؟؟!! ركزت الكاميرا (1) بتمعن أكثر واستطاعت قراءة ما يقول:
“أخيرا، سأحقق جميع أحلامي من هذه الزيجة، سأحصل على النقود من دون تعب يا لها من صفقة رائعة مربحة مريحة من دون عناء…”

انصدمت الكاميرا (1) من موقف سعد ونظرت للكاميرا (2) التي مازلت مركزة على وجه منى ولكن في لحظة ما وجدتها تدير وجهها ناحية أمها (تهاني) التي كانت سعيدة جدا لدرجة كادت تقفز من كرسيها وهي تنظر بخيلاء للمدعوين وركزت الكاميرا (2) بتمعن لعلها تقرأ شفتي تهاني ، وكان لها ما أرادت….
“أخيرا، سأكون سيدة مجتمع، سيأتي الناس في طلبي وسأملي شروطي وأكون من الأثرياء… هههههه” قهقهت تهاني بشدة.

تسمرت الكاميرا (2) مكانها وكأنها تعطلت عن العمل، هل هذا من عمل بني آدم!! هل هذه المشاعر التي يتشدق بها بني الإنسان علينا نحن الآلآت!! هل انقلبت المعادلة وتجرد الإنسان من إنسانيته وأصبحنا -الالات- من يحمل المشاعر.

تحركت الكاميرا (3) لشق الصمت الذي عم المكان على الرغم من ضجيج الموسيقى التى هزت المكان.

لقد حان دوري الان، وبدأت تركز في عيني منى، فكانت لها لمحة تجاه والدها هشام. فتحركت الكاميرا (3) بسرعة تجاه الأب…

كان الاب في غاية التفاخر، فهو يرى ان أبواب المستقبل فتحت له وها هو يتمتم
“اخيرا، اخيرا، اخيرا”

لم تحرك الكاميرا (3) ناظيرها عن مشهد الاب، توقفت جميع الكاميرات عن العمل مدهوشة من الموقف التي رأته، لم تعرف الكاميرات كيف يساعدن منى وكيف يزلن منها هذا الحزن…

أيعقل أن يكون قلب الإنسان كالحجر، لا ينطق ولا يرتل ترتيله الذي فُطِر عليه، لابد أن خللا ما قد أصاب الإنسان.

وفي لحظة السبات تلك خرج صراخ من الكاميرا(4) يطلب من الكاميرات النظر لمنى.

لقد تغير لونها وبدأت بالتعرق وشعرت بانقطاع نفسها، مع بداية ذهاب بصرها، حينها أيقنت بقرب نهايتها.

بدأت الكاميرات بالبكاء رأفةً لحالها وغضباً من أهلها. وفي تلك اللحظة شعر أهلها بها، وتغيرت ملامحهم وبدأو بالبكاء وقفزوا من أماكنهم تجاة منى وقد ترورقت اعينهم دموعا، حينها شعرت منى بدفء العائلة وبينما كانت تتجرع مرارة الموت لاحت من ثنايا وجها ابتسامة مغطاة بسيل دموعها.

وصلت عائلتها لها صارخة في وقت واحد: “لاااااااااا،  ليس الآن”

 

 

شارك برأيك: