غديريات (2) أنْ أُسقى للشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

حــــقــــا أريــــدك لا قـــيـــدا ولا عــتــقــا
أنـــتَ الـتـجـلِّـي إذا مـا أطــلـب الــحــقــا

آيــســتُ مــن وهــم أصــحــابٍ مــعــبّــأةٍ
بـمـا يــزيــد عــلـيـهـم نــاقــصــا يــبـقــى

إذ إنّــك الـفـيـض لا بـعـض الــرتــــوش ولا
هــوامــشٌ لــطـفــيــلــيَّــاتــنــا الـغـرقــى

أفضْ على قَدْرِ فـهـمـي .. لستُ متَّسِعـاً
لــفــيــض مــعـنــاك بــل أحـتـاجــه رفـقـا

وانظـم لـمـعـنـاك .. فوضى الفهم تقتلني
فالفيضُ في الكأسِ حتما يسكرُ الحمقـى

ومــا يـــزيـــد عـــلـــى كـــأس تــدفُّــقُــه
مـن فـهـم مـعـنـاك لا نــمـتـــصُّــه دفــقــا

الـبـحـرُ والـمــددُ الـقـدســيُّ مــن كــلــم
مـا كان قَدْرَكَ مـعـنـى .. يـطـلـبُ الـشَّـقَـا

مـا بـالـنـا فــي زُهُــوِّ الـكـأسِ مـمـتـلــئــاً
إذا تــفــايـــض فَـــاغَــرْنــا لــــه شِـــدْقَـــا

يـا أمّـــة الــزهــو لا يــدري بــحــيــدرهـــا
إلا الإلـــــهُ وطـــــه ثُـــــلِّـــــثـــــوا زَقّــــــا

فـلـتـطـلـبـوه هـويــنـى الـفـهـم لا عـنـتــا
ولا تـــبــجُّــــحَ مـــن قَــــدْراً لـــه عـــقَّــــا

عـقـاًّ لــحــيــدرةَ الــمــعــنــى تـشـبُّــعُــه
كـأن إسـفـنـجـةَ الـمـعـنـى حَــوَتْ حَـلْـقَـا

ولــيــس تَـــقْـــدِرُ إلاَّ الامـــتــصـاصَ إلــى
الأنـخـابِ حيث تـخـافُ الـطـفـوَ والـشـرقـا

فالامـــتـــلاء عـــصــــاراتٍ بـــزبـــدَتِـــهــــا
لابـدَّ تُـفــرغُ فــي الـذرواتِ كـي تُـسـقـى

* * *

يـا مــالــئ الـكـأس امــلأ حـــبَّ حــيــدرة
مـن ثَـمَّ أفـرغــه وامـــلأ .. هــكـذا تـرقــى

ولا تــكـن شـبـقـــا فــالــفــيــض ذو مــدد
ولا انـقـطـاع لــه كــي تـطـلـبَ الـسـبْـقَــا

عـلـيُّ فــي نـهـم الـعـشـاق تــصــفــيَـــةً
وأنْ تـــكــــونَ إذا شُـــرِّبـــتـــه الأنــــقـــى

عـلـيُّ مـحــتـبــسٌ فــيــه الـغـديــرُ إلـــى
أن يــعــرف الــوارد الآتــي لــه الـصــدقــــا

كــم بـخـبـخـوه فـهـل مـن ورده شـربــوا؟!
أم عـكَّـرُوه بــمــا أحــنــوا لـــه عُــنْــقـــا؟!

إنَّ الـغـديــر اخــتــيـــار الــورد لـيــس بـــه
جـبـر بــأنْ يـتـهـنّــى الـمـرء أو يــشــقــى

أمَّـــا بــــكـــوثــــره فــــالاخــــتـــيـــار لـــه
يَــسـقِـي يـمـنــعُ .. وِردٌ أحــدثَ الــفـرقـــا

إذ يــفــرقُ الــكــوثـــرُ الــمُــأْتــمِّ حــيـــدرةٍ
عـمَّـنْ تــخـلّـفَ مَــسـكَ الـعـروة الـوثـقــى

ولــيــس بــخــبــخــة الــمـاضـــي مـجـرَّدةً
بـحـنـثـهــا إِنَّـهــا فــي وجــهــنــا تُــلــقَــىْ

لِـيُــعــرَفَ الــحــانــثُ الآنــيُّ مــن شـبـــق
بــسـيــرة الأمــس يــرجـو جــمـعَــهُ رِبْــقـا

حـشـرٌ لأسـلافِـهِــمْ بــالــيـــومِ مـــتـــصـلٌ
ونــاســخ الأصـــلِ فــي رحــم لــهــم دقّــا

ذات الــهـــداة عـلـى ذات الـعـتــاة عــلــى
ذات الـوصـيِّ عـلـى خـصـم لــوى نُــطْــقَــا

هــذا يــبـايــع حــدَّ الــمــوتِ مــنــتــفــضــاً
يــقـــول فـي بـيـعـتـي زهـقــاً أنــا زهــقــا

وذاك يــحــنــثُ ســـيّـــافـــا لــعـــاشــقــه
والـسـيـفُ مـن حـنــثٍ لا يــقـبـلُ الـعشقـا

الـسـيـــف رأس مــجــون فــي تــنــطُّــعِــه
يـراقـصُ الـرأس قَـطـفـاً يــشــبــه الــعِـذْقــا

أجـنـى مــن الـقـتـل مـا يـخـزي لـصـاحـبــه
ونــحــن مـثــل قـطـيــف فـي الـجـنـى رقّــا

لــنـــا بـــقــلــب عــلــيٍّ رحــمــة خــذلــت
أرجــوزة الــســيــف لــمــا أحـدثَ الــخـرقــا

بــل نــحــن نــخـتــرق الـسـيّـاف طـعـنـتـنـا
عـشـق وأَغْـمــادُنــا مــن ســيـفِـهـا أتـقـى

* * *

هـنــا الـغـديـــر لــه صـعـب الـمـسـيـر ومــا
قـدْ سـهَّـل الـريَّ كـي نـسـتـوقفَ الـخـلـقـا

وكــي نــقــول: تــعــالــوا فــي مـبــاهــلــة
لا نــحــن أهــلٌ لــهــا إذ نـطـلـب الـصـعـقـا

إنَّ الــغــديـــر شـــراب الــعــاطـشـيــن لــه
مــا كــان مُـــتــرفَ شُــربٍ سَــائــغٍ مَــذْقــا

مــا كــان مـــجّـــةَ مـــحـــتـــال تُـــلــوِّثُــــهُ
أو حـمــلَ مــاءٍ عـلــى ظــهــر لــنــا لـصـقـا

هــذا الــغــديــر تـــؤدات الــطــريــق عـلــى
أطــــلال لــقــيـــا ومـــاءٌ خــطــوُنــا بَـــرْقـــا

أبـــرقْ فـــإنَّ عــلــيـــاًّ فـــي مــشــاهــــدة
يــراك والــخــطــو مــنــكـم مُـهــرقٌ دَلْـــقــا

مــسـتــنـــزلَ الــمــاءِ هـــذا مــاؤُكــم أثـــرا
كـحـافـر الـسـقـي دلَّ الـنـاس واستسقـى

والــخـــطـــو يـــعـــرف صــحــراءً وخــابــيـــةً
لــكــنــه إنْ مـشـى لا يــعــرف الــخــنــقـــا

بــل يــعــرف الـــدرب مــوصــولا لــغــايــتـــه
وغــايــتــي حــيــدر مـــن كــفــه أُســقـــى

* * *

مـا الــسـقـيُّ فـعـل ادعـاء فـي مـفــاضـلــةٍ
حــتــى نــعــايــرَ مـــن لا يــعـرف الـلَّـحْــقــا

حـــتــى الــولايـــة لــيـــســـت مـائــزا وأرى
أهــواء مــســتــزلــم قـد وسَّــعَــتْ فَــتْــقَــا

الــسـقــي تــخــلـيــةٌ مـــن أجـــلِ تــرويـــةٍ
لا يـــبــطــرُ الــمــاءُ فــيــهــا مُـكـثِــراً هـرقــا

ولا يـطـيـلُ عــلــى مُــسْـتَـوحِـشٍ عَــطِــشٍ
زمَّ الــطــريــــقِ فــيــنــحـــو دونــــه رَهْــقــا

لا لــلـــتــفــاخــــر فـــــي حـــجِّ الــــولاء إذا
مـا أصـبـح الـسـقـيُ حــجــاًّ فـالــولا أبـقـى

ادخـل بــعـهــد عــلــيٍّ فــالــسـقـايــة مــن
تـفـصـالــه وهــي قــد تـغــدو لـنــا مـحــقـــا

لــبــعـض إيــمــانــنــا الــمــزهــو تُــذْهِــبُـــهُ
بــحــافــر الـسـعـي مـكـذوبـا غـدت سـحـقـا

يــا ربِّ إنَّ عــــدوِّي فــــي الــــولا كَــــلِــــفٌ
خـسـائـري مـنـه مـــا أحـصـيـتـهــا سَـلْـقَـــا

فــلا تـــدعْــنـــي عــدوَّ الـــذات مـــن نَـــزَقٍ
وبــالـــولاء افـــتـــتـــانــا احــصـــد الــحــرقــا

مــولاي طــهِّـــرْ ولائــي مـــن أنـــاي فـفــي
أنــاي قــلــبــي لــلــكــرار مــا اســتــبــقــى

إنِّــي أســــاقِـــيــــه لا فــــخــــراً ولا دعـــــةٍ
بــل كـــي أراه صـــراطــــا عــــرَّف الــحــقَّـــا

شارك برأيك: