غديريات (4) رواية أخرى للشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

قــبــيـلـك فــي خـمٍّ أتـيـتـك فـاديــا
أنـا لـك فـاد مـنـذ أن كـنــتُ جـاثـيــا

قـبـيـلـي تـكـويـنـا ومنذ كنتُ نطفـة
تـخـيــرنـي الـكـرار أغــدو مــوالــيــا

إذا الــنــاس مـا لـبـتّــك إلا وأحـمــدٌ
يـنـادي عـلـيـهـا لـم أجـئـك تـنـاديــا

أنـا جـئـت إلـهامـا على هدي فطرة
بـأنَّ عـلـيـاًّ قـد ولـى الـكـون داحـيـا

فكلُّ الألى نادوا عليهم .. بـكبـتهـم
سرى حنث يقعي إذ الركبُ ماشيـا

يــنــادون بــالأقــدار فــلــتــتـبـدلـي
وبـالـوحـي لا تـنـزلْ فمـا كنت داعيا

وبـلّــغَ عـنـك الـمـصـطـفـى أمـر بـه
وإنْ لم يبلِّغْ .. أصبـحَ الـوحي لاغـيـا

فـفـي وعـيـنـا طقس الغدير بيـومـه
وبـخـبـخـة لا تـفـضـحـنَّ الـمـجـافيـا

ومـا بـعـده لا وحي بـالـنـصِّ مـنـزلٌ
ولا مــن وصـيٍّ قــد تـنـصّـب بـاديــا

هـو الـحـكـم دين الأغلبية .. قهرها
بـسـيـف ولـلأقـوى فقد صار راسيـا

وكـل طـقـوس الأنـبـيـاء بـعــبــئــهـا
عـلينـا إلى الـتـأويـل أسسن نـاديـا

فـمـا كان بـالـتـأويـل يـصلـح حـالـنـا
رسمنا عليه الشرع بالختم مـاضيـا

ومــا كـان لا يـجـدي لـفـعــل تــأوُّلٍ
أضـعـنـاه بـالإثـبـات والـضــدِّ نـافـيــا

ونـزحـم فيه الـفضـل مـن نظراء قـد
صـنـعـنــا فـلا تـدري غـوِّيـا وهـاديــا

فــمـن كـنــت مـولاه عـلـي ولــيُّــه
نـنـاسـخـهـا فـي الأرذليـن تـساويـا

نُـعـدِّدُ صــنــف الأولــيــاء تـكــدُّســا
لـكـي لا يـبـــان الـفـضـل إلا تـواريــا

ونـأخـذ نحن الحكم من حجر أهـلـه
إذا مـا غــدا فــيــه الـتـنـازع دامـيــا

* * *

ألــيــس مــآلات الـغــديــر روايــتـي
ومـا كــان يُـروى لـلـتـكـاذبِ راويــا؟!

نعـم .. نـصَّـب الله الأمـيــر بـحـفـلـة
بـهـا بـهـرج الأصحـاب للحفل زاهـيـا

ونـادى رســول الله مـن شـبــح بــه
نكوص عـتـاة القـوم أمسى مـؤاتـيـا

“فمن كنتُ مولاه” ولـلـنـاس وجـهـة
يـولُّــونـهـا أخــرى ومــا كـان راضـيــا

ولـكـنّــه الإتــمــام يــحـتـاج جـهـــره
ولــو رفض الـغـاوون يـبـقـى مـنـاديـا

“فمن كنت مولاه” علي أيِّنـا الصدى
سيأتي لكي يغدو على العهد باقيـا

* * *

وفيـتُ لـكـم مـولاي والوحي حـجـة
ومـثـل عـلـيٍّ يـجـعـل الـحـر وافـيــا

وفيتُ بلا وحي وفـي الأمر بـالـوفــا
فـيـكـفـي لـه اسـم وقـد كان كافيا

وفـيــت لأنّـي قــبــل مـلـزم بـيـعـة
محبٌّ فلن أغدو إلى الحب عـاصـيـا

أُحـبُّـك فـي تـقـلـيـد حـب عـرفـتــه
فصرت بهذا العرف في الناس هاويـا

كـذلـك حـب الـمـعـجـزات يـقـودنـي
لـمـثـلـك بـالإعـجـاز مـن كان قاليا؟!

وعــنــدي حـبٌّ ثـالــث فـي عـنـاده
أنـا أرتـضـي فـيـه الـتـعـشُّـقَ غاويـا

فـكـيـف وحـبـي فـيـك أصل هـدايـة
سأحـضـر بالشيطان هـديـا مـباهيـا

وقـد شـئـتُ تـفـنـيـد الـروايـة .. أوَّلا
بـنـا نـخبـهـا .. فليصبح النص ثـانـيـا

سـتـقـرأ إيـضـاحـا وفـضـح مـكـيــدة
فـلا لـمجـاز الـوحي إنْ كان كـاسيـا

نـريـدُ عراة بـخـبـخـوا كـسـوة الــولا
بـمـئـزرهم شدُّوا الـكـسـاء تـمـاديـا

ولـيـس لـهــم مـن مـئـزر مـتـهـتِّــك
سوى ضغـنـة قد أبقت الحق عـاريـا

أنـا سوف أروي فـالـزمـونـي تـبـلّـغـاً
نـويـتُ لهـذا الـوحـيِ أصـبـحُ ساعيـا

ولا عصمة عـنـدي ولا وحـيُ مُـجْـبِـرٍ
سوى نـيـتـي أجـرٌ بـهـا صـرتُ نـاويـا

أريــد مــع الـتـبـلـيــغ فــرز تـفـحُّــصٍ
يـكـشِّــف مــولــى صـادقـا ومـعـاديـا

فلا يـتـجلّـى الرفض إن تنطق السما
ولا يـصـبـح الـمـضـرور للـوحـي راعيـا

يــبــخــبـخ تـأويـلا ومـا كـان قــاصــدا
فمن شاء رفضا أصبح الخصم قـاضـيـا

فـــذا لــيــس عــيــد لـلـغـديـر روايــة
ولــيــس بــخــمٍّ مــا أردنــا تــلاقــيــا

نـــريـــدُ عــلــيــاًّ لا بــظـل مـنــصَّــبٍ
وصـلـبُ الـنـوايــا فـيـه زدن مــخـازيــا

نـريـدُ من الـتـنـصـيـب يغدو حـقـيـقـة
لـكـي لا بـيـوم الـعـيـد نـغـدو بـواكـيـا

لــذلــك تــم الأمــر .. إبـعـاد بــخـبــخ
ومـن بـخـبــخــوهـا لا يـجـئـن تــوازيـا

وحـفــر الـنــوايـا قـبـل إعـلان بـيــعــة
فـمـن جـاءهـا يـأتـي عـلـيـا مـصـافـيـا

كـفـانـا جـفـاء الـدهـر للمرتضى على
ولاء لـــه مــذ تـــم أصــبـــح صــاديـــا

كـأنَّ الــغـديـر الـعـذب لـم يـروِ أهـلــه
ولا كـن فــي يــوم الــمــودة جـــاريــا

تقول: فـآخِـي الناس في يـوم عـيـده
كـفـرتُ وأأبـــى أنْ أكــون مــؤاخــيـــا

فـكـم مـن أخ آخـيـتــه يـطـعـن الــولا
ويـسـلــبــنــي روح الــمـودة عــاديــا

أنــا لا أُآخــي غــيــر إلــفــي بــحـبـه
وإنْ لم يـكـن رحـمـي جـمعنـا مَوالِـيَـا

ولـسـتُ لـتـجـريـب الـمـودة أرتـضــي
مـقـامــرة أن يــصـبـح الـفـظُّ حـانــيــا

فأقـسـى بـلاء جـمـع حـمـل بـذئـبــه
وقـولا لـــذاك الـذئــب لا تـــكُ ضـاريــا

وتـصـبـيـر حـمـل أنّـه لـيـس طُـعـمــة
لـغـفـلـتـنـا لـمــا احـتـرفـنـا الـتـذاكـيـا

عــلــيٌّ ولـيٌّ الله يــعــلــنــهــا الــذي
بـهـا مؤمنٌ لا يـسـتـطــيـب الـتعـامـيـا

ومـن غـصَّ فـيـهـا كـلـمـة بـعـد نطقها
سـيـبـلـعـهـا حُـنـقـا ويـبـدي التناسيـا

فـذلـك مـن أهل الـغـضـاضـة والـجـفـا
وفـي طـمـره الأحـقـاد مـا كـان خافيـا

سـيـطـفـو عـلـى ذاك الـغـدير جـفـاؤه
فـلا تُـسـمـعْ الـجـافـي عـلـيـاًّ تـنـاديـا

وقـلْ غاب حـسـان ابن ثـابـت يـومـهـا
فـمـا الـشـعـر من صوت به كان عاليـا

وحـسـان في يوم الـكريهة قـد نسى
تــرنُّــمـه بــاســم الــولــي مـغـالـيــا

وخـذ شـكَّ شعري فـهـو شكُّ حقيقة
بـفــرز نــوايـا فــي الــغــديـر تـرائــيــا

تـولـيـتــه بـالـشـك فـي حـبِّ غـيــره
فـأصـبــح شـكـي لـلـولايــة حـامــيــا

وآمــنـتُ بـالـكـرار أعـمـى على هوى
فـأبــصــرتُ جـنـاتــي وأبـصــرتُ نـاريـا

ولو كـنـتُ بـيـن الـبـيـن أخـتـار كـوثـرا
وكـفّـاه تـرويـنـي فـأنهي الـمسـاعيـا

فــذا وسـط بــيـن الـحـلـول وشـاهـدٌ
على الـحـبِّ والإرواء والـعـيـش هانيـا

شارك برأيك: