في رثاء الأطلال للشاعر سلمان عبد الحسين

عاشورائيات (1 – 3)
معارضتي الثالثة

القصيدة الخالدة لدعبل الخزاعي

تَــجَــاوَبْــنَ بِــالأرنـــانِ والــزَفَــرَاتِ
نـوائـحُ عُـجـمُ الـلـفـظ والـنـطـقـاتِ


في رثاء الأطلال
الشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

أهـاجَـتْـكَ دمـعـاً صـولـةُ الــعَــبَــرَاتِ
عـلــى ألــفِ مــقــتــولٍ وألـفِ رفــاةِ

وأنـت مـدارُ الـحـزنِ فـي كُـلِّ صـولـةٍ
هَـيَـاجُــكَ يــبـقـى دَاخِـلَ الـغُـرُفَــاتِ

هـيـاجُـكَ مَـربُـوضٌ كَـخـيـلٍ مَـرُوضَـةٍ
وقـلـبُـكَ مَـقْــبُــوضٌ مِـنَ الــخَـلَــوَاتِ

وعـيـنُـك إنْ هَـلَّـتْ لـهـا أَسـرُ دَمَعْـةٍ
تُـعـمِّـشُـهـا خَـوفــاً مِــنَ الـهَـمِــلاتِ

وأنـتَ عـلـى الأطلالِ شِـعـرُكَ كَـادحٌ
ومــازالَ يَــشـكُـو عـثـرةَ الـكَـلِـمَــاتِ

فلو كـنـتَ قيسَ ابن الـمُـلَـوَّحِ وَاصِـلاً
ديـارَ حَـبِـيْـبٍ كُـنـتَ فِــيْ الـنَّـكَــرِاتِ

وَلَمْ يَعْرفْ الناسُ امْتِهَانَكَ فِيْ الهَوَىْ
وَكُـنْـتَ اخْـتَـلاجـاً دَاخِـلَ الـخَـلَـجَـاتِ

إذا مـرَّ قـومٌ عـنـدَ قَـبْـرِكَ عَــاشِــقــاً
يَـدُوسُـونَ فَـوقَ الـضـمِّ والــقُــبُــلاتِ

وَمِـنْ نَفَسِ القيضِ الذي أَنتَ لَـهْـبُـهُ
لَــهُــمْ أبــردُ الأنــفــاسِ لــلــزفــراتِ

* * *

سـلامٌ عـلـى أنـفـاسِ دُعْـبُـلَ إِنَّـهــا
لـهـا الـوِتْـرُ مِـنْ أطـلالِـهــا والـوَتِـراتِ

لها قَـوسُ أحـزانِ الـضغـائـنِ تنتشي
بــتــقــريــعِ طــاغٍ أو بـنـعــيِ هُــدَاةِ

ومــا فَـتِـئَـتْ ذكــراً لأبــيــاتِ أَحْـمَــدٍ
وأطـلالِـهِــم فـي أشـرفِ الـعَـتَـبَــاتِ

“ديـارُ عَـلِـيٍّ والـحُـسـيــنِ وجَـعَـفْــرٍ
وحــمــزةَ والـسـجَّـادِ ذي الـثَّـفَـنَـاتِ”

لهذي أحـاكـي .. لا برى الله رايـتـي
إلـيـهـم أقــامــتْ أَعْـظَــمَ الـنُـدُبَــاتِ

وقالتْ أنـيـخُـوا ها هنا مظعنُ الهدى
ولا تَـبْـعُـدُوا عـن مَـهـبـطِ الـصــلــواتِ

فلسـتُ بشعري من أعارضُ شاعـراً
قَصيدةَ “رُوحِ القُدْسِ” في الـنَّـفَـثَـاتِ

ولـكـنَّــنِـي أقـفـو خُــطــاهُ تَــشـعُّــرا
بـمـشـعـرِ شِعرٍ حَـامـلِ الـخـشـبـاتِ

يـريـدُ الـذي صَـلـبـاً عـلـيـهـا يُـرِيْـحُـهُ
هِـجَـــاءُ ظَــلُــومٍ واحــتــسـابُ وفــاةِ

وشِعْـرُ الـرِّضـا فِـي حـبِّ آل مُـحـمَّـدٍ
تَـــوَدُّدَ مَـــدمِــيٍّ مِــنَ الــطَّــعَــنَــاتِ

فـهـذا الذي قَدْ قامَ بـالـشـعـرِ قَـومـةً
قُـبَـيْـلَ قِـيـامِ الــسَّـيْــفِ بِـالـصَــوَلاتِ

وهذا الـذي عـنـدَ الـرِّضَـا كـان نَـعـيُـهُ
حسينـاً فـمـا لـلـنـعـيِ يـعـقـبُ آتـي

قـصـيـدتُـه مـن حُـرمــةِ الآل حُـظــوةً
ولستُ هـتـيـكَ الـشـعـرِ لـلـحُـرُمَـاتِ

إذا شـئـتُ مِنْ إرث الـتعـارضِ مـوقعـاً
تَــشَــبَّـهْـتُـهُ ظِــلاًّ إلـى الــمَـلَـكَــاتِ

لأنَّ بـــهـــا رَوْحٌ مـــن الله نَـــفْــخُـــهُ
وما كنتُ أدري هل يُـضيئُ بِـذاتِـي؟!

ولـي شرفٌ سعـيـاً لـشغـرِ قَـصِـيْـدَةٍ
بدعبلَ تَـمَّـتْ وَهْـيَ فـي الـنَّـفَـحَـاتِ

شُــغُــورَ تَـــوازٍ لا شُـغُــورَ تَــقَــحُّـــمٍ
على خطِّ سـيـرِ الـفـتـحِ لـلـجَـبَـهَـاتِ

وعـشـقُ اقـتـرانٍ لا افـتـعـالُ تَـقَــارُنٍ
فـمـن وهـدتـي أرنـو إلـى الـهَضَـبَـاتِ

أنـا كَمُجِدِّ الـسـيـرِ في الـدربِ لا أرى
وقـــوفـــيَ إلاَّ أعــظــمُ الــكَـــبَــــوَاتِ

وفـي الأُفـقِ وعـدٌ بـالـلُّـحُــوقِ مَـدارُهُ
هتافُ حُـسَـيْـنِ في جَـمِـيـعِ جِهَاتِـي

ومن وقـفـةِ الأطلالِ استَـلُّ وُجْـهَـتِـيْ
إلـى كــربـــلا .. وحَّــدْتُ دربَ دَواتِــي

وحـبَّـرتُ بـالـدمـعِ الـمُـغــذِّ مـحـابِــرِي
وأذكـيـتُ لـلــثــأرِ الـعـظـيــمِ قـنـاتِــي

* * *

“مـدارسُ آيــاتٍ خــلــتْ مِــن تِـــلاوةٍ”
ولـم تـخـلُ مِـنِّـي فَهْيَ مِـنْ صَبَـوَاتِـيْ

أراها الـحـنـيـنَ الصَّعْـبَ يـفـتـحُ كـربـلا
لـسـبــر غَـرِيْــبٍ والـحــنـيــنُ مُـؤَاتِـي

بأنْ يـجـعـل الدنـيـا على أهبـة الـلـقـا
لـمـا فـي فُـتُـوحِ الـطَّـفِّ مـن شُـرُفَـاتِ

هُـنَـا طَـلَـلٌ سَـمَّــيْــتَــهُ بَــيْــتَ جَــدِّهِ
وأبــيــاتُـــهُ مَــفــتُــوحَــةُ الــمَــدَيَـــاتِ

وَبَـيـتُ أبـيـهِ الـمَـلـعـبُ الـغَـضُّ واقـفـاً
بـمـخـيـالِ يـومِ الـطَّـفِّ فـي الـوَقَـفَـاتِ

هُنـا المَسرحُ الطفلُ .. المدينةُ .. مَكَّةٌ
بِــأَبَــيَــاتِــهــا مَـــنْـــقُــولَـــةً لِـــفَـــلاةِ

إلى الـطـفِّ من صـحـراءَ تسكنُ أمسَهُ
فـتـصـبـحُ مــن أبــيــاتِــهِ الـــرَّحِــبَـــاتِ

وَتُـخْـصِـبُ نَـخـلاً ظِـلُّـهُ فوقَ جِـسْـمِـهِ
عَفِـيـراً يُـغَـطِّـي الجِسمَ بِـالـسَّعَـفَـاتِ

حـسيـنُ الـبـدايـاتِ الـتـي حُلوُ ذِكْرِهـا
نـهــايـــاتُــهـــا مـجـدولــةُ الــوَصَـــلاتِ

على الـتـربِ مِنْ مُـلـقـىً عـفـيـرٍ لأنَّـهُ
بــبــيــتِ عـلـيٍّ مَـحـضَــنُ الـحُـجُــرَاتِ

عـلـى حِـجـرِ أُمٍّ مـثـلَ فـاطـمَ فَـطـمُـهُ
وفـي حِــجْــرِ شُـمْــرٍ نَــحْــرُهُ لِــتِــراتِ

وصــدرٌ لَـــهُ لَــصْــقــاً بِــصْـدرِ مُـحَـمَّــدٍ
لـضـــمٍّ وتــقــبـــيـــلٍ وعُــمْــقِ صِــلاتِ

يَـكُـونُ لَـصِـيـقَ الـتُّـربِ فـي حَـرِّ كـربـلا
عـن الضـمِّ .. رضُّ الـخـيـلِ بـالـجـلـبـاتِ

ونـحـرٌ لـه .. قـد حَـدَّتْ الـنـحــرَ لـثـمــةٌ
وقـد قَـطـعُـوا مـن مَـكـمـنِ الـلَّـثَــمَـــاتِ

وثــغــرٌ لــهُ يـكـسـو لــمــبــسـمِ جَــدِّهِ
سـتـنْـكَـثُـهُ الــقُـضــبـانُ بِـالــضَّــحَـكَـاتِ

طُـقُـوسٌ بِــأبــيــاتِ الـرسـالــةِ أُبْـدِلَــتْ
لـطـقـسٍ طـفـوفــيٍّ عـلـى الـجَـمَــراتِ

حـمـى في رُبُـوعِ الـطَّـفِّ إذ كـانَ وادعـاً
بِـبَـيـتِ عـلـي .. طــقــسُ مُـنْــقَــلَـبَـاتِ

فــلا غــروَ إن كـــانَ الــعــتـــابُ تَــزَيُّــلاً
عــتــابٌ عــلــى الأطــلالِ والــعَــرَصَـاتِ

وإتــرابُ كـــفِّ مِـــنْ رُسُـــومٍ بَـــهِــيَّـــةٍ
قُـبــيــلَ رُسُــومِ الـطَّــفِ مُـنْـقَــبِــضَــاتِ

مـن الـطَّـلَـلِ الـمَـحْـكِـيِّ فـي أَمِّ أَهْـلِـهِ
إلـى الــطـلــل الـمـدمــيِّ بــثُّ شِكَــاةِ

وبـدء الـنــواعــي الـسـاكـنـات ديـارهــا
ولـكـنَّـهــا فــي الــنـعــيِ مُـنْــتَــقِــلاتِ

“أفاطم قـومـي يـا ابـنـة الخيـر واندبي”
أسى قَـبْــرِكَ الــمَــخْــفِــيِّ لِـلْـفَـلَـذاتِ

فـأنــتِ بــلا قَـــبْـــرٍ لَــهُ يَــعْــرِفُ الـورى
تَــدُلِّـــيْــنَ عــنــهُــمْ أمَّـــةَ الــعــبــراتِ

ونـعـيُـكِ مَـسْـمُــوعٌ بـأقـصـى خُـفُـوتِــهِ
أنــيــنٌ لِــكَــسـرِ الـضِّــلــعِ رَجْــعُ حُـداةِ

إذا لـم تـكـنْ تـدري الـنـواعـي بـكـربــلا
فَـنَـعْــيُـكِ تَـرسـيــمٌ لِــخَــطــوِ مُــشَــاةِ

حــداكِ وركـبــانُ الـفـجـيــعــةِ أَتْــرَعَــتْ
دروبـاً لِـصُـبــحِ الـعَــشــرِ مُــنْـبَــلِــجَــاتِ

بِـكُـلِّ زمــانٍ .. لـلـحــدا طَــعْــمُ كــربــلا
ومــزنٌ إلــى الــزهـــراءِ مُـــنْـــهَــمِــرَاتِ

فـمـا لجفـاف الـدمـع في خـضـل السما
وريــانُّ تُــربِ الـــطَّــــفِّ بَــالــوَطَـــفَـــاتِ

* * *

أفـاطــم أسـرار الـجــســوم تــعــبَّـقــتْ
مـن الأهـلِ قـبـل الـقـتـل في الـغُـرُبَـاتِ

حـسـيـن الـذي ألـوى عـلـى قـبـر جَـدِّهِ
تــضــمَّــخَ مــن عِــطــرٍ وَفَـــوْحِ هِــبَــاتِ

فـكــل مـكــانٍ حــلَّ فــيـــه مـــعـــطَّـــرٌ
وجــنّــة خُــلْـــدٍ مِـــنْ خُـــلُـــودِ حَــيَــاةِ

ألا فـانـظـري بـالـفـخـرِ صـحـراءَ نـيـنـوى
زَكَــتْ تــربـــة تُــنْــحــى لـفـرضِ صَـلاةِ

رواحـلــهـــا أهـــل الــغــدو وقــصــدهــا
مـقـامـا غـدا مــن أعــظـــم الــقُــرُبَــاتِ

فـقـومـي مـن الـقـبـرِ الـخَـفِـيِّ لـقـبــرِهِ
فــأنــتِ تـــمـــامُ الــفــيــضِ والـبــركـاتِ

وزوريـه مـن قـبـل الــمـقــام تـحـسـسـا
لـتــربــتـــه والــجــســـم كــالـعــقـبــاتِ

سـتــلـقـيـنَ أشـلاءَ الـجُـسُـومِ عَـلائِـمـاً
ولــم تُــمــحَ فــي الأيَّـــامِ والــسـنــواتِ

صـروحٌ هـنــا عــن كُــلِّ شٌـلـوٍ وطَـعـنــةٍ
وَعـنْ سـجــدةٍ طـالــتْ كــحــبــل نـجـاةِ

وعـن مـصـرعٍ فـي الـنَّـخـبِ قد كـان أوَّلاً
إذا اسـتـنـطـقـوا قـد جـادَ بـالـنُّــطُـقَــاتِ

شـريـعـةُ عـبَّـاسِ الـتــي شَـرَعَـتْ لـنــا
مـقـاصـدَ يــوم الـــطـــفِّ مُـنــغَــلِــقَــاتِ

وقـبـرُ حُـسـيـنٍ حـيـثُ في الطُّولِ أكـبـرٌ
وَقَـدْ قِـيـسَ طُـولُ الـحُــزنِ بــالــتُّــربَــاتِ

وفي الـجـنـبِ من قلبِ الحُسينِ رضيعه
فـمـنـحـرُهُ فـي الــقَــلــبِ سَـهُــم رمـاةِ

هـنـا الـقـلـبُ مَـثْـلُـوثٌ بِـسـهـمٍ مُـثَـلَّـثٍ
وسَــهْــمٌ لِــنَــحْــرٍ غَــيــضُ نَـهْــرِ فُــراتِ

أفــاطــمُ قـولـي والـمـشــاهــدُ بَـــضَّـــةٌ
وعـاشـرُ تَــصــويــرٌ عــلــى الـشــفــراتِ

ألـيـسـتْ رُسُومُ الـطـفِّ إذ هِـيَ مَـصَـرَعٌ
بــعــهــدِ قِــبَــابِ الـيـومِ مُـرتَــسِـمَـاتِ؟!

بلى .. فجسومُ الوصلِ طَـوَّحْـنَ أَنْـفُـسـاً
وأطــلالَ ذكــرى غَــيـــرِ مُـــنْـــدَرِسَـــاتِ

فــدعــبــل مــن قـيــس لــه كـان دثـــره
إذا جـــــادَ لــلأطـــــلالِ بــالــــدعـــــواتِ

هـو الـحـفـز والـتـثـويـر لـلــركـن جـامــدا
لـيـخـلـي إلى الـفـرسـان فـي الـوثـبـاتِ

لـــيـــرفـــــع ثـــــارات لآل مـــحــــمَّـــــدٍ
مــن الــقــبــر لـلـمـهــمــوم بــالـكُـرُبَـاتِ

يـسـائـل عـن أصـحـابــه طـلــل الأسـى
ويـبـقـى كَـمَـهْـجُــوسٍ مـن الــطُّــرُقـَـاتِ

ومـا قــرَّ إلاَّ فـي الـضـريــح مــســلِّــمـــًا
يُـتَـرِّبُ عـنــد الـــقــبـــرِ لـلــقَـــبَـــضَـــاتِ

ومُـغْـمِـدُ سـيـفِ الـثـأر حـتـى تَـعَـطَّـلَــتْ
مَــطَــالِــعُــهُ .. فَـالــثــأرُ كَــالــتَّـــرِكَــــاتِ

أنـا دعـبـلٌ والـيـومَ طــابَ تَـــشَــابُــهِــي
بـه مـن جـسـورِ الـقـولِ فـي الــصَّـدَمَـاتِ

أيـا طـلـلا مـا حـرّك الـــيـــوم جـــانـــحـــاً
حـسيـنٌ تـريـبُ الـعـشـقِ في الـنـبضـاتِ

فـإنْ لــم يــلاقـــي نــادبـــيـــه بــتــربـــه
سـيــنـدبـهــم لـلــوعـــدِ بــالــشـبــهــاتِ

فـلا طـلـل يـحـمـي الـفـتـى مـن غـوائـلٍ
ولَــكِـنَّـــهُ قَـــبْــــرٌ مِـــنَ الــــصَّـــحَـــــوَاتِ

إذا شـاء يــصــحــو نــدبــة طــاب ثــأرهــا
مــن الـقــبـــرِ بـالــرايـــاتِ مــنــبــعــثــاتِ

تُــدَعْــبِــلُــهُ تَــــائِــــيَّــــةٌ بِـــطُـــلُــولِــهــا
وفـي خـشـبـاتِ الـشـعــرِ صـلــبُ ثــبــاتِ

شارك برأيك: