رثاء الأكبر للأستاذ محمد مكي أبو الحسن

الأستاذ مكي محمد

رثاء علي الأكبر على لسان والدته

ما الموت إلا راحة المتوكل
والناس عن سطوته في معزل

مالي تعاديني النوائب كلها
وتعودني وكأنني في معقل

كم وقعة نزلت عليَّ كأنها
سيل الجبال محملاً بالجندل

يمضي الزمان وتنقضي أعوامه
وقصير عمرك بالردى لم يحفل

مالي حسبت وخانني سهم الردى
وسنون عمرك في حساب مجمل

مالي ظننت يقودني الحب الذي
كسرت جوانحه فعال الجحفل

يا واحداً في حسنه متفرداً
بشمائل أزهارها لم تذبل

لك صولةٌ حصدت رؤوساً للعدى
بل فيك نخوة فارس لا يجتلي

بطل يرى الموت الشريف على القنا
وبضرب هامات القروم البزَّل

عملا جليلا لا يعادل صرخة
ومصيبة من ذات قلب معول

ملأ البسيطة بالعدى وحسامه
بيمينه مثل الدمار الموغل

كم ضيغم أمسى الحمام نصيبه
ودماغه يغلي بنار المرجل

ضاق الخناق على العدى فتراجعوا
وخيولهم من خوفها لم تصهل

فرأى الهصور بأن يودِّع أمَّه
والأم قد فرحت بليث مقبل

لجأت إلى الرحمن في فسطاطها
تدعو وتقسم بالكتاب المنزل

فتسللت في أذنها كلماته
ودموعها غسلت ثياب القسطل

دارت به حرم تودِّع بدرها
وبدا الخسوف لبدرها المتهلل

قال الشهيد دعوا شبيه المصطفى
فأحيط بين مودِّع ومقبِّل

ركب المطهَّم في عزيمة حيدر
وشجاعة من حمزة المستبسل

فتخاله أسداً جسوراً غاضباً
صبَّ الحمام على النعاج الجفَّل

حمي الوطيس وضاق من حملاته
فتظنه مثل الهصور المشبل

والأرض تحسبها تميد بأهلها
فقدت توازنها لخطب معصل

وتضيَّق الوادي الفسيح بأهله
وجرى العدى مثل الذئاب العسَّل

خوف الإبادة من هصور غاضب
يردي الكتائب في رمال الجرول

حتى إذا غدر الزمان بفارس
وجرى القضاء وقد أناخ بكلكل

شرب الحِمام وقد غدا متخضِّباً
ومبضَّعاً بسيوفهم والأنصل

أما وقد سلب الحمام ذخيرتي
ومضى الحبيب إلى النبيِّ المرسل

يشكو الذين تجمَّعوا بشراسة
وضلالة وبكلِّ حقدٍ معضل

حُمل العزيز على الرِّداء وروحه
صعدت إلى العيش الرغيد الأفضل

ما إن رأت عيناي جسمك نازفاً
ومقطِّعا بين الرماح الذبَّل

ذاب الفؤاد لهول منظرك الذي
قلب النهار إلى ظلام أليل

يا ثاوياً في لحده ومصابه
متجدِّد في قلب أم ثاكل

ما كنت أعرف قبل يومك عولة
و الثكل يعرف بالنحيب المعتلي

ما كنت أشرب شربة معسولة
والجسم منك مفصَّل بالمنصل

فلطالما تبكي عليك مدامعي
بغزارة مثل الغمام المسبل

ماذا أقول وقد فقدتك يافعاً
فلأبكينَّك بالعيون الهمَّل

هيهات ينساك الفؤاد وإنما
أرثي فضائل ناسك متبتَّل

جمع الفضائل والمحاسن كلَّها
فرقت به بكمالها المتجلل

نسب رفيع لا ينال نظيره
ومقام عزِّ في رزانة يذبل

حلمٌ تقوَّض في فيافي كربلا
ومضى الشهيد إلى الرعيل الأول

قمر منير ما استتم كماله
خسفت به يد ظالم ومضلَّل

غدر الزمان بعزَّة لك قد بدت
و الغدر فيك أصابني في المقتل

نلتَ الشهادة في مقام شامخ
بكرامة خُتمت بأكرم منزل

حسْبُ الشهيد بأن يظلَّ مخلَّداً
والناس بين إقامة وترحّل

نلتَ المراد وأنت نور ساطع
وتركتني في وسط قفرٍ ممحل

جاورتَ حوراً في قصورك نُعِّمت
وتركتَ أعدائي تحيط بمحملي

شتَّان بين مآثر لك قد مضت
وتريّث يرنو إلى مستقبلي

وإذا الرجال تقدَّمت شهداؤهم
قدَّمتُ للرحمن رأسك يا علي

وإذا جوارك في الورى لم يكتمل
فجوار روحك ثَمَّ خير مؤمَّل

شارك برأيك: