أنا والدموع دخلتُ منزلها القديمْ
وبكلِّ زاويةٍ يحاصرني الحنينْ
وتتطايرت من حولي أحلى الذكرياتْ
صورٌ بذاكرتي تقيمْ
أخطو على أثر الطفولة والصبا
ويلفني من عطرِها دفءٌ حميمْ
أتفقدُ الأشياءَ أمسحُ بؤسها
وأضمها ضمَّ اليتيمْ
لكأنها بثتْ عصارة سؤلها
أين البصيرةُ أين ملجأنا الرحيم؟
أين الصبورة حين تجتمع الشدائد صيّرتها كالهشيم؟
أين ابتسامتها التي تخفي تصدّع قلبها؟
أين القنوعة من تقلّدت القناعةُ زهدَها؟
أين التي تنمو الصغار بحضنها؟
أين الحنونة من يبلّسم عطفَها وجعَ السقيمْ؟
هذا مصلاها عليه تقاطرتْ أذكارها
وفرائضٌ تشتاق همسَ أذانها
ونزيف مسبحة تحن إلى حرير أناملٍ يغفو
على خرزاتها الصوتُ الرخيم
وهناك منديلٌ تنفس كربلاءَ بدمعها
وأنينُ ملفعها الذي نسج المحرمُ حزنه
وبقايا أثواب مشبعة بآهات المآتم حين تندبُ يا حسين
وهنا تعثرت الطفولة تقتفي أطلالها بين الأديم
كي تنبشَ الماضي وتستسقي الجوى من طهرها
من طلة الإصباح وجه بهائها
لما نمازحها يسامحنا الصدر الكظيم
أما المساء حكاية من بسملات حديثها
نأوي لعش سكونها
لتلمنا بين احتضان جناحها
نتوسد الكف الكريم
أُمّية تتلو الأمومةُ فضلَها
و جميلها بعث الحياة من الرميم
تجثو بعنيني ليلةُ ظلماء حين تيبستْ أغصانها
وتساقطت وردا يؤبنها النسيم
الياسمينةُ سُجيت فوق ابيضاض نقائها
ونهارنا قد طال لحظة دفنها
تصلي القلوبَ بشمسها
لغروب شمس الخيرِ
شيّعها النعيم