العلماء والأسر العلمية في قرية العكر للاستاذ يوسف مدن

يوسف مدن

منذ صغرنا ونحن نسمع بعض الناس يتحدثون بكلام غير موضوعي عن قرية ((العكر)) كمنطقة فقيرة في تاريخها الثقافي، وقد بقي البعض من بني جلدتنا لزمن ليس بقصير يكرر هذه النغمة النشاز بلغة استعلائية حتى أصبحت لديهم من المسلمات التاريخية التي لا تقبل الشك، ولم يسلم من هذا الاعتقاد التعسفي والظالم إلاَّ قليل من الناس كانوا يعتقدون بمنطق التاريخ وقواعد العلم الصحيح بأن ((قرية العكر)) كسائر القرى البحرانية العامرة والبائدة قد أسهمت – بقدر معيَّن من قدراتها الذاتية – في حركة النهضة الثقافية والروحية لعلماء البحرين خلال قرونها الهجرية الأربعة المتأخرة من القرن الحادي عشر حتى القرن الرابع عشر.

فهذا الاعتقاد سرى – ببالغ الأسف – في العقل الشعبي الجمعي وهيمن عليه حتى زمن قريب من عصرنا، وما تزال بصماته محفورة في الذاكرة الاجتماعية اليومية لدى البعض من الناس، ولكن نذكِّر هؤلاء بأنه يكفي هذه القرية فخراً أنها أنتجت عملاقاً في عالم الثقافة والدين والطموح العلمي هو الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن أحمد سرحان، وكذلك أنجبت من العلماء وذوي المعرفة من تقدم على وجوده من أبنائها الذين شاركوا في التنمية الثقافية والروحية للمجتمعات المحلية التي سكنوا فيها.

وظل جدل بعض الناس في هذه القضية يراوح مكانه بأن قرية العكر حتى مع إنجاب هذا العالم الجليل وغيره من العلماء ما تزال فقيرة في تاريخها الثقافي والمعرفي، وهذا حكم ظالم بكل مقاييسه، فالمجتمعات الإنسانية في أي عصر أو مكان لا تسير دائماً في حركتها على وتيرة واحدة، بل تتأرجح بين مؤشرات التقدم ونتوءات التراجع غير الطبيعية بحسب ظروف وعوامل ذاتية أو خارجية تؤثر في المسيرة الثقافية والاجتماعية والروحية للمجتمعات البشـرية حضرية كانت أو قروية.

ومع ذلك فمن حق هذه القرية وتاريخها الثقافي أن تسترد بعض جوانبه المضيئة حتى وإنْ دفنته زوايا النسيان لفترة مؤقتة طالت أو قصرت في عمود الزمان، وغيَّبته عن الوعي الإنساني منغصات خارجة عن إرادتها أو بسبب ظروف ذاتية خاصة بالمجتمع القروي للعكر، فالإضاءة الثقافية بطبيعتها الذهنية والتاريخية لا يمكن طمسها للأبد، وسوف تظل مختزنة في تراثها التاريخي حتى تتهيأ القرية للعودة إلى ذاتها، ولحظة إعادتها بيد الجادين من الباحثين كانوا من أهل هذه القرية أو من خارجها، ويمكن عن طريق جهودهم استعادة ومضاتها المغيَّبة عن وعينا وأذهان الأجيال الحاضرة، ووضعها من جديد في مسارها التاريخي.

ومما لا شك فيه أنه من حق كل الناس بلا استثناء الاعتقاد بشيء معيَّن وفق وقائع محددة يعرفونها عن قضية ما، ولكن من حق غيرهم كذلك الدعوة إلى استبدال القناعات وتغييرها متى توافرت لديهم وقائع جديدة قائمة على البراهين والأدلة التي تنسف الاعتقادات الباطلة وتكشف عن الحقائق المغيبة بأسانيد ثبوتية موثقة، وهذا ما حدث لي بالطبع مع جوانب مضيئة من التراث الثقافي لقرية العكر، فقد أسبغ الله علينا بقراءة بعض كتب التراجم ومخطوطات الناسخين من أهالي النويدرات والعكر فوجدت في طيَّاتها تاريخاً مختلفاً عما هو سائد في اعتقادات بعض الناس، فبدأت في الجمع والرصد والتحليل حتى استطعت بحمده سبحانه وتعالى إعداد مسودة هذا البحث وآمالي أن يعيد هذا الجهد الحق لأهله، وأن يرسم بسمة الثقة والأمل على شفاههم.

والتاريخ الإنساني كما نعرفه لا يصنعه الجهلاء ولا ينسفه المستخفون بالعلم وحقائقه الباهرة حتى لو كانت بالغلبة وقوة البطش.. لكنَّه عصيُّ على النسيان لأنه يختزن في داخله وقائع راسخة وروافد الخير وإضاءاته المتجددة القادرة على استثارة التحدي العقلي لدى الإنسان واستثمار معطياته المدونة في أدبيات مصادر التاريخ، وبحثنا هذا الذي بين يديك هو حوار مع التاريخ وأدبياته ليس لإعادة الحق إلى نصابه فحسب، بل من أجل أن تكون لغة العلم وحقائقه أثبت، وأقوى من لغة الجهل والناكرين لوقائع التاريخ، وحتى يخمد المثبطون عن إساءاتهم للتاريخ ومن صنعوه بإرادتهم الحديدية في ظروف صعبة.

والعكر كـ “بربورة” قريتان تاريخيتان متجاورتان ومتداخلتان في حدودهما منذ زمن بعيد ولا نعرف بداياته الأولى، فهما كما تدل على ذلك الخرائط الجغرافية والتاريخية البريطانية تقعان بالقرب من الساحل الشرقي لجزيرة البحرين الأم، وهو شريط تستقر عليه مجموعة قرى بحرانية ومنها الكورة والجبيلات، وجد علي، وجرداب، وسند، وناصفة، وبربورة، والنويدرات، والمعامير، والعكر، ثم قرى وشبافة (شباثة)، وسلبا، وأبي جرجور، وعسكر وأبي جرجور حتى قرية ((جو)) في الجنوب الشرقي للجزيرة الأم، وفي هذا الصدد يقول مؤرخنا وأديبنا الكبير الشيخ محمد علي التاجر البحراني عن الموقع الجغرافي لـ (قرية العكر) مدار بحثنا أنها إحدى قرى الساحل الشرقي المذكور والمواجه مباشرة لجزيرة سترة من جهتها الغربية: ”وقريبة منه وهي ذات نخيل باسقة ومياه غزيرة، وبها مزارع البطيخ الأصفر الجيد، ويزرع الحنطة وأهلها فلاحون، وغربيها قرية بربورة، وهي ذات بساتين من النخيل الباسقة وعيون الماء الداقثة، وشرقيها آثار قديمة وأهلها فلاحون“.


قرية العكر في مصادر جغرافية وتاريخية

أشار عدد من الجغرافيين والمؤرخين الأجانب والبحرانيين للقرية المذكورة في مصادرهم، فالمؤرخ والجغرافي البريطاني لوريمر يذكر القرية في سفره (دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة)الصادر في 24 ديسمبر سنة 1908م، ويشير للبلدة التاريخية أثناء زيارته لها في عام 1904م، وجاء ترتيبها في كتابه المذكور تحت عنوان فرعي باسم (المدن والقرى) وفي الرقم السادس من ترتيب القرى المذكورة، ولكن المترجمين للكتاب كتب اسمها بحرف ((القاف)) بدلاً من الحرف الأصلي ((الكاف)) لتكون التسمية الصحيحة العكر لا العقر، فقال لوريمر: ”العكر على الساحل الشـرقي المواجه لوسط جزيرة سترة، 30 كوخاً من العشب للبحارنة، والسكان مزارعين وصيادو أسماك، وصيادو لؤلؤ وباعة فاكهة، وتوجد (أي العكر) على أرض منخفضة، ويوجد بها ثمانية حمير، وخمسة رؤوس من الماشية، وستة قوارب لصيد اللؤلؤ، منها ثلاثة شوعي أو سمبوكات“.

أما المؤرخ البريطاني الآخر (روبرت جيرمان)) فأصدر كتاباً عنوانه ((الخرائط التاريخية للبحرين ما بين 1817 – 1970م)) فأشار في طبعته الأولى الصادرة سنة 1996م إلى مجموعة خرائط للقرى البحرانية ومنها قرى الساحل الشرقي المواجه لجزيرة سترة مثل العكر، سند، جرداب، توبلي وقراها، النويدرات، المعامير، بربورة، فارسية، عسكر، جو، وقد أوضحت إحدى الخرائط التاريخية التي تعود لسنة 1932م إلى هذه القرى وقرى أخرى، وكانت قرية العكر بارزة على الخريطة واضحة في جسم الخريطة، وتقع على رأس جسر بحري مواجه لجزيرة سترة بمسافة لا تتجاوز مائتين متر في مناطق من الممر الفاصل بينهما وأكثر في مناطق أخرى من الممر ذاته، وقد وضعنا هذه الخريطة في موضع لاحق من البحث كوثيقة جغرافية – تاريخية، وباستثناء بلدتي بربورة وفارسي فإن مجموعة القرى الأخرى المذكورة في الجزء الشرقي من الجزيرة الأم ما تزال قائمة وعامرة حتى اليوم.

وذكر قرية العكر كذلك محمد بن خليفة النبهاني الطائي في تحفته حينما تحدث عن جزيرة سترة وقراها، وعندما تحدث أيضاً عن واقعة المقطع بين سترة والعكر، وأيضاً أشار للقرية أكثر من مرة الشيخ محمد علي التاجر وذلك عندما ترجم للقرى البحرانية فمرَّ على ذكر العكر باسمها مباشرة، ثم ذكرها في مواضع أخرى كترجمة علماء من قرية العكر كالشيخ أحمد بن مانع وابنه الشيخ عبد النبي وولديه سلمان وحسن.

وتحت عنوان ((بلدان البحرين على حروف المعجم)) أشار الشيخ ابراهيم المبارك الهجيري التوبلاني لقرى بحرانية عامرة ومندثرة على حد سواء، وأشار لقرية العكر بقوله: ”العكر بضم العين وسكون الكاف، بينها وبين سترة خليج ثم وصل بينهما بجسر من أعمال الشركة”، ويقصد شركة بابكو النفطية التي دفنت جزءً من المقطع البحري الفاصل بين سترة والعكر تيسيراً لعبور شاحنات النفط إلى خزاناته في جزيرة سترة المواجهة لقرية العكر من أطرافها الشرقية،أما المرحوم الملا محسن بن الملا سلمان آل سليم البحراني فنظم قبل أربعين عاماً قصيدة مكونة من (19) بيتاً من الشعر، فذكر فيها (105) بلدة وقرية ومدينة بحرانية، ونشرها في ديوان شعر خاص به.


واقعة تاريخية في المقطع بين سترة والعكر

وقد ارتبطت الأولى (أي قرية العكر) في فترة من تاريخها الحديث بأحداث عسكرية دامية عرفت في المصادر التاريخية الحديثة بـ ”وقعة المِقْطَع أو دولة الإمام” التي حدثت بين قوات العتوب والغزاة من العمانيين سنة 1240هـ كما في قلائد النحرين للأستاذ ناصر الخيري، وسببها أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة أنف من دفع الإتاوة للسيد سعيد بن سلطان فكان هذا الامتناع مدخلاً لإعادة التوتر في العلاقات بين الطرفين وبخاصة أن أرحمة بن جابر الجلاهمة كان يشجع سلطان عمان ويحرضه على غزو البحرين انتقاماً من أغرامه آل خليفة، فجهز سعيد بن سلطان جيشاً جراراً إلى البحرين فوصلها صباحاً ودخل مضيق القليعة واحتل جزيرة سترة وقتل وأسر حاميتها، ثم أعيدت مطالب دفع الإتاوة وتكرر الرفض، فجرت معارك ضارية بين الغزاة وقوات آل خليفة المنتشرة في البحر وبين أشجار النخيل وفق خطة مرسومة مسبقاً، وانتهت المعركة التي عرفت بوقعة ”المقطع” بهزيمة مريرة للعمانيين وفرارهم إلى بلادهم وهم ينوون الثأر.

وغالباً ما يؤرخ المؤرخون لهذه الواقعة الكبرى في مصادرهم بسنة ((1230هـ)) كما في التحفة النبهانية وغيرها، ولكن مؤرخاً بحرينياً كالأستاذ ناصر الخيري انفرد برأي آخر تبدو عليه الوجاهة، حيث اعتمد فيه على مضمون قصيدة من آل خليفة، ونقل في كتابه ”قلائد النحرين” خمسة أبيات من قصيدة للشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة قد أرَّخ فيها البيت الخامس من القصيدة لواقعة المقطع المشهورة.

والأبيات التي نقلها ناصر الخيري عن الشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة هي:

ومناهل العليا قديم وحاضر لنا
الفخر في عربان مصر وشامها

وأيامنا مشهورة في عدونا
أفسل كل أرض يخبرونك أنامها

وسل عن مزايانا أوال وسوحها
وحوت البحر ماذا تصور طعامها

تصوَّر مناعير على سيف سترة
ضحى الكون فاخت هامها من أعظامها

ترى ذاك عام الأربعين وقبلها
ألف وخُمْس الألف هاذاك عامها.. الخ

والبيت الأخير من القصيدة المتقدمة – كما يقول الأستاذ ناصر الخيري – شاهد على وقوع الواقعة في سنة 1240هـ بفارق متأخر قدره سنوات عشر عن التاريخ المدون للواقعة في مصادر تاريخية أخرى، ولا عبرة في نظره برأي من جعلها في سنة 1230هـ كما في التحفة النبهانية وغيره من مصادر الباحثين والمهتمين بدراسة تاريخ البحرين، ويؤرخ لوقوع هذه المعركة مؤرخون آخرون بتاريخ آخر وهو سنة (1230هـ) كالشيخ التاجر في كتابه ((عقد اللآل))، وكذلك الشيخ ((النبهاني)) في كتابه التحفة، وهي المعركة الفاصلة التي انتهت بهزيمة قوات سلطان عمان وجنوده في المقطع البحري الفاصل بين جزيرة سترة وقرية العكر والممتد من جنوب العكر حتى ناصفة سند وجد علي شمالاً التي تواجه جغرافياً أجزاء من الساحل الغربي لجزيرة سترة.

فقائل القصيدة وهو الشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة – كما يقول ناصر خيري – قد وزع تاريخ الواقعة بين مفردات ثمان تضمنها البيت الخامس من مقاطع قصيدته فقال: ”عام الأربعين، وقبلها ألف وخُمْس الألف” أي مائتي سنة، ثم انتهى الشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة إلى تحديد تاريخ الواقعة بقوله: ”هاذاك عامها”.

وبتحويل كلماته السابقات إلى أرقام يكون عام (1240 هـ) هو العام الذي وقعت فيه حادثة ”المقطع” بين قوات العتوب والغزاة العمانيين وحلفائهم في مساحة مائية ممتدة من جنوب العكر إلى شمال سترة بمحاذاة قرى الفاصل المائي بين سترة والعكر من طرفيه، وقد أدرك ناصر خيري تاريخ حدوث المعركة من كلماته المتقدمة في آخر أبيات المقطع الشعري السابق الذكر، وقد أشرنا لهذه الموقعة العسكرية الدامية في كتابنا ”الاحتلال العماني للبحرين وآثاره التدميرية على الحركة العلمية” عندما ناقشنا بتفاصيل موسعة وقوع بعض الحملات العسكرية لسلاطين مسقط وعمان على بلادنا البحرين وما تركته من آثارها تدميرية على الحركة العلمية فيها وعلى الأوضاع الاجتماعية والثقافية والروحية لشعب البحرين وعلى مستقبل علمائها الأبرار.

untitled2_thumb_3

ولا تدلنا الوثائق الثقافية على الظروف التاريخية لنشأة كليهما.. العكر وبربورة، ولا نملك قولاً حاسماً في التأكيد على البدايات الثقافية لوجودهما، وأيهما سبقت الأخرى في الوجود، وإِنْ كان من مسلمات التاريخ أن إحداهما تقدمت بالتأكيد قبل الأخرى في النشأة التاريخية، وتبقى الحيرة قائمة هنا أسوة بكل القرى البحرانية لأنها جميعاً ذات وجود تاريخي بعيد يصعب قول كلمة صحيحة دون أدلة وأسانيد ثقافية تاريخية، وبطبيعة الحال سنترك الإجابة مؤقتاً إلى حين آخر حتى تتوافر بعض الأدلة والأسانيد، وحتى نسمع لاحقاً كلمة المؤرخين والجغرافيين المحليين والأجانب.

وليس مهماً الآن الحصول على إجابة للإشكالية التاريخية السابقة الخاصة بأسبقية إحدى القريتين قبل الأخرى في الزمان والوجود التاريخي وفي النشأة الأولى، ولكنَّ المهم – بعد تلك الإشكالية – الوقوف على حقائق من التاريخ الثقافي للقريتين، ولمَّا كنَّا قد بحثنا في دراسة مطولة سابقة جوانب مضيئة من التراث الثقافي في بلدة ”بربورة” التاريخية المندثرة منذ نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، وأعطينا إشارات أولية عن علمائها وبعض الأسر العلمية فيها فإنه لم يبق لنا إلاّ البحث عن حقائق هي الأخرى أولية عن بعض علماء العكر وتراثهم الثقافي والأسر العلمية فيها، فالتراث الثقافي للقريتين لم يأخذا حظهما من العناية والاهتمام في مصادر دراسة التراث الثقافي العلمي والثقافي والروحي لعلماء البحرين في القرون الهجرية الأربعة المتأخرة، ومن المؤكد أن بعض الكتابات القليلة جداً لم تعط هؤلاء العلماء حقهم من التقدير، ولكن المعرفة – كما يقال – ذات طبيعة تراكمية يضيف فيها العلم اللاحق شيئاً جديداً على السابق.

ونحن في هذا البحث نحاول فقط إعادة الإشارة إلى بعض (علماء العكر) الأبرار قبل ثلاثة قرون هجرية أو أقل سواء الذين ذكرهم أرباب التراجم في هذه المصادر بقدر نسبي معين أو الذين تمت الإشارة لهم في كتب التراجم أو المذكورين إجمالاً دون تفاصيل عنهم في بعض المخطوطات والكتب التراثية التي نسخها البعض من أهالي قريتي ((العكر والنويدرات)) المتجاورتين كالتي نسخها الحاج حبيب بن يوسف سليل إحدى العائلتين العلميتين، ثم التركيز – إنْ أمكن – على أدوارهم الثقافية والروحية ما يقومون به من عمليات اجتماعية وأدوار ومسئوليات لإدارة مجتمعهم، فاستحقوا الذكر في كتب التراجم ومخطوطات الأهالي.

ونحاول من جانب آخر إضافة أسماء أخرى من علماء قرية العكر بمعلومات قد تكون في بداياتها قليلة، ولكنها تتيح للقارئ الكريم شيئاً من العلم بوجودهم في هذه المرحلة التدريجية من البحث حتى تتوافر لدينا مصادر تمكننا من تقديم معلومات تفصيلية وتعززها لاحقاً بمعلومات إضافية.


الحراك الثقافي بين المد والجزر في قرية العكر

صحيح أن التاريخ الإنساني ملغوم ومفخخ بحماقات الطغاة والأشرار وأفعالهم الإجرامية، وهو في مواضع كثيرة ذو حساسية مثيرة تؤذي مشاعر الإنسان إلاَّ أنه في صفحات مضيئة تمثل كنزاً دفيناً يجهله حمقى الناس، ويستثير التحدي لدى عقلائهم، ويستضيئون بنوره قلَّما ادلهمت الخطوب، إنه ” قوة جوهرية ” يحرك الحضارات البشرية ويدير حركتها في مسارات الخير والتقدم.

وإذا ما ساد اعتقاد بفقر ثقافي لهذه القرية أو تلك في أوساط الناس فإنَّ التفتيش عن عناصر القوة في تاريخها يكشف عن كنزها المخفي الذي تجهله الأجيال الحاضرة بسبب انقطاعات غير منطقية في حركة المجتمع عن روافد الخير ومصباته، وليست قرية العكر بدعاً على ”الانقطاعات الثقافية” عن ينابيعها الأولى في تاريخها لمدة من الزمن، فلا يوجد تجمع إنساني في قرية بحرانية أو في غيرها من التجمعات البشرية لم يواجه انقطاعاً مؤقتاً عن فترة الإبداع الثقافي في تاريخه، فما تصورناه بفقر ”ثقافي” عانت منه قرية العكر التاريخية في مرحلة متأخرة من تاريخها هو كساد فكري كان يصيب قرى بحرانية بين حين وآخر، ولكنها بحمد الله عادت من جديد فاستجمعت قواها وبدأت تدريجياً تستثمر عناصر استنهاضها الحضاري والثقافي من جديد.وهذا ما حدث لقرية العكر.

فقد عرفت هذه القرية التاريخية حركة ثقافية لم يستطع المتقدمون على عصرنا تدوينها، فضاعت معالمها حتى تيَّقن البعض من المتأخرين أن قرية العكر تعاني من فقر ثقافي وكأنها معزولة عن النهضة الثقافية الوطنية والإنسانية، وهذا موقف غير إيجابي وغير سوي، وهو ليس صحيحاً في بعض مفاصله على الأقل، فالقرية في مرحلة سابقة من تاريخها مكنت نفراً من أبنائها من المساهمة الجادة في صنع نهضة ثقافية صنعت التراث الثقافي مع سائر علماء البحرين خلال القرون الهجرية الأربعة، وفي صنع حركة ثقافية مشهودة رصدها مؤرخو علم التراجم وناسخون محليون للكتب التراثية، وقد تفاجأ بأن العكر مع شقيقتيها ”بربورة وسترة” تألقت بحركتها الثقافية مع تفاوت في مستويات التألق، فهو بالنسبة للتراث الثقافي في جزيرة سترة أكثر وضوحاً، أما بالنسبة ”للعكر وبربورة” فأخفت ظروف تاريخية معينة تراثيهما الثقافي حتى بدأت ظروف استنهاض جديد في البحث عنه والكشف عن بعض خفاياه.

وقصة هذا البحث موصولة بالمد والجزر الثقافيين، فكما ضعفت الحركة الثقافية في قرية العكر خلال مرحلة متأخرة من تاريخها ككل قرى البحرين وبلداتها فإنها كذلك قد شهدت فعلياً – وفي مرحلة متقدمة سابقة – حركة ثقافية نحاول عرضها في هذه الدراسة معززة بالأدلة الثبوتية والأسانيد التاريخية.


مصادر دراسة التاريخ الثقافي لعلماء العكر

يملك الباحثون البحرانيون المعاصرون مصادر متعددة لدراسة التاريخ الثقافي للمجتمع القروي البحراني وبخاصة في العصور المتأخرة، بل إن الوقائع تؤكد أنه كلَّما اقتربنا من أقرب عصر لنا كانت الفرصة أفضل لدراسة هذا التاريخ لتوافر مصادره وتنوعها أكثر، ولكوننا كذلك قريبين أكثر من هذا التاريخ، ومع ذلك فالصعوبات تظل سمة بارزة في العمل الثقافي، ولا يجد الباحثون متعتهم العقلية والوجدانية في البحث والتقصي إلاَّ بالتحدي الثقافي الكامن في بروز مشكلات وصعوبات تواجههم في كتابة هذا التاريخ لأن هذه الصعوبات تتحدى عقولهم وتستثير هممهم، وتشحذ قدراتهم الذاتية، مما يساعدهم على تحقيق انجاز ما يرغبون في تحقيقه بالقدر المتاح.

ومن هنا يمكن القول بأن توافر مصادر دراسة التاريخ الثقافي للمجتمع القروي البحراني هو بحد ذاته قوة عمل ثقافية قادرة دائماً على تحقيق مستوى معقول من المتعة العقلية والإثارة الذهنية المتوقدة، بيد أن بعض الصعوبات التي تواجه الباحثين عادة – ونحن منهم – تثري تجربتهم وتغنيهم بالعلم والمعرفة والخبرة.

ومن هذه المصادر التي تتفاوت في أهميتها العلمية ما يأتي:
– كتب التراجم
– دراسات المؤرخين والجغرافيين
– إشارات الناسخين وكتاباتهم
– الوثائق الرسمية
– أحاديث المعمرين
– أقوال الثقاة من أصحاب العلماء


خصائص للحالة الثقافية لعلماء العكر

يطل الباحث في التراث الثقافي لعلماء البحرين على مجموعة خصائصهم عامة تنسحب في أغلبها على التراث الثقافي لعلماء القرى البحرانية في أزمنة النهضة الثقافية خلال القرون الهجرية الأربعة المتأخرة، وتنطبق خصائص أخرى على التراث الثقافي لسائر العلماء في مناطق أخرى من البلاد، ومعنى ذلك أنه مع وجود خصائص عامة للتراث الثقافي البحراني بأكمله فإن الحالة الثقافية لعلماء قرية بحرانية كعلماء العكر على سبيل المثال يمتازون بخصائص هي جزء من الخصائص العامة للتراث البحراني.

وهذا ما ينطبق على تراثهم الثقافي مع شمولية الحالة الثقافية لعلماء البحرين واتساع خصائصها لتنطبق على حالات غير الحالة الثقافية لعلماء العكر، فخصائص الحالة الثقافية للعكر أضيق من خصائص الحالة الثقافية لعلماء البحرين بأسرها رغم اشتراكها معها في خصائص أخرى، وذلك لوجود تفاوت واضح في عدد العلماء ونوع تخصصاتهم وحركتهم وإنتاجهم الثقافي والظروف المؤثرة عليه.

والخصائص الواضحة في الحالة الثقافية لعلماء العكر تشترك تقريباً مع بعض خصائص الحالة الثقافية لعلماء الإمامية في البحرين، ولكن مع تفاوت بنسبة معينة من الاتساع والتأثير بين علماء منطقة بحرانية وأخرى، لهذا نشير فقط لبعض الخصائص العامة في مجتمع قرية العكر، وهي كما يأتي:
– التنوع الثقافي
– غلبة الثقافة الدينية
– الهجرة العلمية
– ظاهرة الأسر العلمية

أولاً: التنوع الثقافي:
مع محدودية عدد علماء العكر بما يتناسب وحجم سكانها قبل ثلاثة قرون هجرية، ومعرفة علماء التراجم بهذا العدد القليل منهم فإنه يلحظ وجود تنوع بسيط في حالتهم الثقافية خلال قرون سابقة على زماننا المعاصر، فإذا ما تأملنا بعض العمليات الثقافية الشائعة في حياتهم فإنهم اشتغلوا بالنسخ والخطابة والتأليف والتدريس وعمليات ثقافية لم تدون في أدبيات المصادر التاريخية، كما اهتم بعضهم بالفقه وعلوم الشريعة وآخرون بفنون الأدب والشعر وعلوم الأخلاق والحكمة والطب وعلم الأنساب، وتتناسب هذه المحدودية في تنوع ثقافتهم مع محدودية أعداد علمائهم، فالمرصود في بحثنا من علماء العكر وناسخيهم وخطبائهم لا يتجاوزون تسعة علماء لم نستطع رصد تراث ستة منهم على الأكثر، وقد تأثرت حالة التنوع الثقافي بهذه المحدودية.

ثانياً: غلبة الثقافة الدينية:
ركز علماء البحرين وأدباؤهم وفلاسفتهم في نهضتهم الثقافية خلال القرون الهجرية الأربعة من القرن العاشر حتى الثالث عشر على نوعين من المواد الدراسية كانوا يهتمون بتدريسها في مؤسساتهم التعليمية وحوزاتهم الدينية، ولم يخرج علماء العكر سواء في موطنهم الأصلي..قرية العكر أو في أماكن هجرتهم على العلوم الشرعية والعلوم العقلية، فالمنهج السائد في البيئة التعليمية الحرانية آنذاك يتم تنفيذه في كل الحوزات العلمية مع اختلاف بسيط في بعض التفاصيل وفقاً لظروف كل حوزة على حدة، وبالتالي فإن علماء العكر يقومون بتعلم وتعليم نوعين من العلوم، فإما دراسة وتدريس العلوم الشرعية بالإضافة لعلوم العربية كالأدب والنحو والصرف، وكذلك العلوم العقلية كالحكمة والمنطق والطب الشعبي وغيرها، ورغم ذلك كله فالغلبة السائدة في مناهج دراستهم للثقافة الدينية أو العلوم الشرعية وكل ما يرتبط بها كعلوم اللغة العربية.

ثالثاً: الهجرة العلمية.. دوافعها وتأثيراتها:
من الظواهر التي رافقت حياة علماء العكر هجرتهم الداخلية والخارجية عن قريتهم الأصلية، وهم بالنسبة لهذه الظاهرة ليسوا بدعاً، فمئات من علماء البحرين ولأسباب مختلفة وفي عصور متعددة عاشوا التجربة الذاتية للهجرة بأشكالها، واكتووا بأوضار غربتهم خارج الوطن، ونستوحي ((حدوث الهجرة)) كحالة لا فكاك منها في حياة علماء العكر من مصادر متعددة مثل كتب التراجم التي ذكرت هجرتهم أو من الإشارات الواردة في شأن انتقالهم من قريتهم العكر إلى منطقة أخرى داخل البحرين كاستقرار بعضهم في النويدرات وجد حفص والمنامة أو رحيلهم لخارج البلاد للعيش في بلاد مجاورة كالقطيف وعمان وبلاد فارس.

وكما تقدم فإن الهجرة الداخلية توزعت بين قرى مجاورة لقريتهم أو لمناطق بعيدة نسبياً عن موطنهم الأصلي كالمنامة، هذا في داخل بلادهم البحرين، أما هجرتهم الخارجية فتمت تحت دوافع مختلفة إلى بلدان مجاورة ذكرناها إمَّا طلباً للعلم ونفوراً من شيء ما قد ضايقه كما فعل الشيخ أحمد بن سرحان أو تجنباً لتفاقم مشكلة كما فعل الشيخ حسن بن الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع، والملاحظ أن هجرتهم قد تعبر في شكلها العام عن موقف وجداني مزدوج يحمل إيجابية وسلبية في آن واحد، فما أنجزه هؤلاء العلماء في خارج موطنهم من خدمات تعليمية للناس هو مفخرة لهم ولقريتهم ولبلادهم، ولكن في الوقت نفسه خسر أهالي قريتهم علمهم في ظروف صعبة كانوا بأشد الحاجة إلى خدماتهم، وهذا موقف مؤلم للعلماء وللأهالي معاً، ولا يعزيهم عن هذه المعاناة الوجدانية سوى أن علماء قريتهم يقدمون للإنسان والدين في كل مكان خدماتهم طواعية وعن طيب خاطر، فجزاهم الله خيراً.

ومما ينبغي لفت النظر إليه أنه لولا هجرتهم الداخلية والخارجية على حد سواء لبقي ذكر بعضهم هملاً وخاملاً كما هو حال علماء أسرة ”الشيخ عبد الله” المبرور جد الخطيب الحسيني ٍالحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد، ولولا إشارة هذا الناسخ إليهم لما تعرف أحد عليهم، بل كنت أنا وآلاف الناس يجهلونهم، ونحن التزاماً بما تعرفنا عليه نحيط الناس بوجود هذه الأسرة العلمائية بالرغم أن معاصريهم قد علموا بهم، ولكنهم لم يكتبوا عنهم ولم يدونوا من أنشطتهم شيئاً، لهذا بقي ذكرهم بعد حياتهم مجهولاً حتى بالنسبة لأحفادهم، أما بالنسبة للشيخ أحمد بن سرحان وعلماء أسرة بن مانع فذكرتهم كتب التراجم بقليل من المعرفة وإنْ كان الشيخ بن سرحان أوفر حظاً من غيره، ويمكن لنا في قابل الأيام أن نوسع معرفتنا بهم ونضعها في خدمة الناس.

رابعاً: الأسر العلمية:
لعل من أكثر الحقائق التاريخية وضوحاً وتجلياً في التراث الثقافي لعلماء البحرين بروز ظاهرة ” الأسر العلمية ” التي أثرت الحياة الثقافية للمجتمع البحراني وبخاصة في القرون الهجرية الأربعة المتأخرة منذ القرن العاشر حتى الثالث عشر، وجعلت لقب ” البحراني ” شائعاً في المراكز العلمية والحوزات الدينية والعلمية لدى الإمامية داخل وخارج البحرين وفي كتب علماء البحرين وتراثهم المعرفي، وقد أخذت هذه الظاهرة باهتمام بعض الباحثين البحرانيين المعاصرين، وأول من تصدى لدراستها الباحث والمؤرخ أستاذنا د. سالم عبد الله النويدري، فكتب بحثاً مطولاً نشره في مجلة الموسم بعنوان الأسر العلمية في البحرين، ثم حوله فيما بعد لكتاب كامل باسم أسر البحرين العلمية، وبعد ذلك أضاف الأستاذ يوسف مدن صاحب هذا البحث الذي بين يديك عائلتين علميتين من علماء بربورة في دراسته عن التراث الثقافي لهذه البلدة التاريخية.

وقد انتشرت ظاهرة الأسر العلمية في قرى البحرين ومناطقها المنتشرة في أرجاء البلاد وبخاصة في القرون الهجرية الأربعة المتأخرة، بحيث يصعب غيابها عن التاريخ الثقافي لقرية بحرانية مع تفاوت في عددها وعراقتها وتأثيراتها الثقافية والروحية وشهرتها العلمية، ولم يستثنِ هذا الامتداد قرية العكر بالرغم من عدم ذكر لهما في الدراستين السابقتين، وعدم تركيز علماء التراجم على لقب ” العكري البحراني ” في تراجمهم باستثناء القليل منهم، بل سلب هذا اللقب حتى من الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن سرحان!!.

ونقصد بالأسر العلمية توافر فرصة تاريخية لوجود عدد من ((العلماء الأجلاء)) المتخصصين في دراسة العلوم الشرعية والعقلية، وينتمون لعائلة واحدة إمَّا بوجود عمودي عن طريق تناسل أبنائها الذي يتم أباً عن جد أو بوجود أفقي، بحيث يكون في العائلة الواحدة في جيل واحد علماء إخوة من أب واحد أو علماء من أبناء عمومة سواء عاشوا في مكان واحد أو متفرقين في أماكن أخرى.

ومع أن معلوماتنا ببالغ الأسف ما تزال في بداياتها إلاّ أن مسيرة الألف ميل – كما يقال – تبدأ من تجاوز الميل الأول الذي هو نقطة الانطلاق عادة وبدء الحركة الأولى، وقد تقدم علينا باحثون وعلماء تراجم وناسخو مخطوطات قلائل في الإشارة لبعض علماء العكر عليهم رضوان الله تعالى، وهم أحد مصادر معلوماتنا، ولكن ما يزال البحث السابق عن هؤلاء العلماء بحاجة للإضافة التراكمية حتى بقدر محدود ليتيح لآخرين التفاعل بدرجة أفضل مع هؤلاء العلماء وتراثهم الثقافي والروحي.
– أسرة الشيخ أحمد بن مانع المكونة منه ومن ابنه الشيخ عبد النبي وحفيديه الشيخ حسن وسلمان.
– أسرة عائلة الشيخ عبد الله المبرور بن (…) المعروفة في قرى النويدرات والمعامير والعكر بعائلة الشيخ يوسف رحمه الله سبحانه وتعالى والتي أشار إليها الخطيب الحسيني المرحوم الحاج حبيب بن يوسف في إحدى الوثائق الثقافية التي رافقت كتاباً قد نسخه للناس في عصره وزمانه.


عالِم وأسرتان

نحيط القارئ الكريم منذ البداية بالموضوع الرئيسي لدراستنا بأنها سوف تركز على الإشارة لعالم جليل من عائلة كريمة ما تزال حتى اللحظة الراهنة تسكن في موطنها الأصلي وهي عائلة آل سرحان بالرغم من وجود عوائل منحدرة منها في قرى قريبة منها، بل وتكاثرت وامتدت ليسكن بعض أفرادها في القرى المجاورة للعكر كالنويدرات والمعامير، كما سنتوسع في الإشارة في الحديث عن عائلة بن مانع المكونة من أربعة علماء وحفيدها الحاج حسن بن نصر الله العكري البحراني.

أما الأسرة الثانية المعروفة في المجتمع العكراوي بأسرة الشيخ عبد الله المبرور كما أسماه حفيده الحاج حبيب الناسخ فقد تعرفنا من وثيقة 1321هـ أثبتناها في هذه الدراسة على أسماء ثلاثة منهم دون تفاصيل للأسف، وصعب علينا معرفة اسم العالم الرابع الذي يمثل الجد الأول لها، ومع ذلك لم تمكننا هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق الثقافية من عرض حتى معلومات بسيطة وقليلة عنها باستثناء معلومات عن ابنها المتأخر في التسلسل وهو الحاج حبيب لأنه كتب عن نفسه شيئاً، ونحن أيضاً أدركناه في سنوات مباركة من عمره فعرفنا بعض المعلومات القليلة عن شخصيته، وأثبتننا بعضها في الحلقة الثانية من دراستنا عن مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله البربوري في مقتل النبي يحي بن زكريا عليهما السلام.

مصادر معرفنا بعلماء الأسرتين:
أسبغ الله سبحانه وتعالى علينا فرصة التعرف على أفراد من أسرتين علميتين تنتميان لقرية العكر التاريخية وعاشتا في القرون الهجرية الأربعة وهي فترة النهضة الثقافية والروحية في البحرين، وكلتيهما.. أي العائلتين.. لم تأخذان نصيبهما من الاهتمام والعناية في مصادر التوثيق الثقافي ككتب التراجم باستثناء إشارات قصيرة لأسرة الشيخ أحمد بن مانع، وأغفل ذكر الأسرة الثانية، فالفرص التي أتيحت لعلماء ((أسرة بن مانع)) أكثر من الفرصة المتاحة لأسرة الشيخ عبد الله المبرور كما أسماه حفيده الحاج حبيب بن يوسف ناسخ مخطوطة مقتل الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث ذكر علماء أسرة الشيخ أحمد بن مانع في أكثر بأسماء وألقاب العكري والتوبلي والجدحفصي والقطيفي، بينما لم تذكر الأسرة الثانية على الإطلاق.

ويمكن القول بأن عملية بحثنا عن هاتين الأسرتين هي في حقيقتها مثال تطبيقي لاستخدام هذه المصادر وتوظيفها في التاريخ الثقافي لقرية العكر، فقد تعرفنا على أسرة الشيخ أحمد بن مانع وأسرة الشيخ عبد الله المبرور الجد الرابع للحاج حبيب بن يوسف رحم الله أفرادهما من أكثر من مصدر، فقد آزرتنا هذه المصادر في التعرف عليهما، فمصدر علمنا بأسرة بن مانع مصدران هما:

إشارات في بعض كتب التراجم والإجازات العلمية صنّفها علماء بحرانيون من القرون المتأخرة منهم الشيخ علي بن حسن البلادي البحراني في كتابه ((أنوار البدرين))، وصاحب الذخائر الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور، والشيخ محمد علي التاجر في منتظم الدرين، والأستاذ الدكتور سالم عبد الله النويدري في سفره أعلام الثقافة الإمامية في البحرين خلال 14 قرناً، وكتاب ”علماء البحرين.. دروس وعبر” للمهتدي البحراني، أيضاً قد تجد لهم إشارات في كتب ومصادر تراجم أخرى لم نتعرف عليها.

والمصدر الثاني لمعرفتنا بعلماء العكر من أسرة العالم الجليل الشيخ أحمد بن مانع هو أقوال الثقاة التي اعتمد عليها الشيخ التاجر في تجميع بعض البيانات عن علماء هذه الأسرة، فإذا كنَّا قد اعتمدنا على كتب التراجم في معرفة هذه الأسرة فإن الشيخ التاجر تعرف هو بنفسه على بعض علمائها من أقوال الثقاة الذين عاصرهم في زمانه، يقول في ”منتظم الدرين” عن عميد هذه الأشرة الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني: ”العالم الفقيه، النبيه الفاضل، الأديب الكامل الأنجد الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني نسبة إلى قرية العكر، سمعت من الثقة المؤتمن الحاج حسن بن نصر الله البحراني العكري أصلاً المنامي مسكناً – والذي ينتسب إلى المترجم – يقول: بأن الشيخ أحمد العكري المعروف بـ ”ابن مانع” كان عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً، عابداً صالحاً، وله أبناء علماء فضلاء، أدباء كًملاء، شعراء بلغاء، منهم الشيخ عبد النبي، لم أقف له على زيادة تعريف أو توصيف، أما أبناؤه فسيأتي ذكرهم في محله إن شاء الله”.

أما مصادر درايتنا بعلماء الأسرة الثانية وهي أسرة الشيخ عبد الله الجد الرابع لناسخنا المرحوم الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد فهي كذلك من مصدرين أحدهما مكتوب والآخر مسموع بنحو أصبح موثقاً لكثرة تداوله دون اعتراض من أحد، ونشير للمصدرين بإيجاز كما يأتي:

الوثائق التاريخية المدونة في المخطوطات والكتب التراثية المنسوخة، حيث عثرنا بتوفيق الله سبحانه على وثيقة ثقافية – تاريخية على درجة من الأهمية حسمت أصل عائلة هذا الناسخ ونسبها العائلي حتى الجد الخامس له.. هل هو نويدري أم بربوري، وهو جدل دار بين بعض الباحثين على مواقع الكترونية، وقد أسمينا هذه الوثيقة بـ ”وثيقة 1321هـ”، وتتضمن هذه الوثيقة كما سيرى القارئ بيانات هامة عن نسب الحاج حبيب وأصل عائلته، فبعد أن فرغ الناسخ الحاج حبيب من نسخ كتاب ((مقتل الإمام علي)) لمصنفه (…)، كتب بعض البيانات المدونة في الوثيقة كما نشرناها بالكامل في موقع لاحق من بحثنا هذا، وقد بيَّن نسبه في أجيال خمسة سابقة على وجوده، كما تضمنت بعض الحقائق الثقافية والتاريخية التي تضمنها الوثيقة، وقد أشرنا إليها في بحثنا هذا تحت عنوان ”حقائق الوثيقة الأخيرة”.

والمصدر الثاني لمعرفتنا بأسرة الشيخ عبد الله المبرور كما أسماه حفيده الناسخ المرحوم الخطيب الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد فهو “التناقل الشفهي اللفظي” المتداول بقوة في قرية النويدرات وفي المجتمع البحريني بأسره وفي حياة الناس بوجه عام في أزمنة مختلفة، حيث تداول الناس لزمن طويل، وما يزالون على هذا المنوال، وفي ثقافتهم اليومية لقب ”عائلة الشيخ يوسف” لأنهم لا يعلمون غير هذه النهاية لنسب هذه العائلة الكريمة باستثناء بعض المعمرين، فدرجنا نحن المتأخرين كذلك على استخدام مستمر لهذه التسمية منذ سنين، ولكننا من خلال مطالعاتنا للمخطوطات المكتوبة بخط اليد والكتب التراثية التي كان الحاج حبيب ينسخها تعرفنا على إضافات جديدة في نسبه وذلك كما تقدمت الإشارة في آخر صفحات كتاب ((وفاة الإمام علي)) الذي فرغ من نسخه سنة 1321هجرية وأسميناها وثيقة سنة (1321هـ) وتضمن بعض الحقائق أشرنا إليها باجتهادنا الشخصي في تضاعيف هذه الدراسة القصيرة.


أسرتان علميتان

أثمرت متابعاتنا لكتب التراجم ومخطوطات النساخين المحليين على العثور على أسرتين علميتين كما تقدمت الإشارة، وسنحاول تقديم أفكار أولية عنهما مع تسليمنا بأن المعلومات الخاصة باحداهما أوفر من معلوماتنا عن الأسرة الأخرى، ولكن لدينا أمل بالبحث والتقصي أن نحصل على معلومات أكثر تفصيلاً عنها، فالزمن كفيل بالكشف عن حالتهم الثقافية وأدوارهم بالأدلة والأسانيد الثبوتية التاريخية.

الأسرة الأولى (اسرة الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني)

ومصدر الإشارة لأفراد من علماء هذه الأسرة كتب علم التراجم ومصادره كما في منتظم الدرين للشيخ محمد علي التاجر، وكتاب ”الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر” للشيخ محمد بن الشيخ محمد تقي آل عصفور،، وكتاب ”أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرناً” لأستاذنا الدكتور سالم النويدري.

هذه العائلة كما رصدناها من كتب التراجم مكونة من علماء أربعة هم:
– الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني الذي قال عنه الشيخ التاجر بقول: ”العالم الفقيه، النبيه الفاضل، الأديب الكامل الأنجد الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني نسبة إلى قرية العكر، سمعت من الثقة المؤتمن الحاج حسن بن نصر الله البحراني العكري أصلاً المنامي مسكناً – والذي ينتسب إلى المترجم – يقول: بأن الشيخ أحمد العكري المعروف بـ ”ابن مانع” كان عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً، عابداً صالحاً، وله أبناء علماء فضلاء، أدباء كملاء، شعراء بلغاء، منهم الشيخ عبد النبي، لم أقف له على زيادة تعريف أو توصيف، أما أبناؤه فسيأتي ذكرهم في محله إن شاء الله“، ويبدو من السياق التاريخي للأسرة أنه من علماء القرن الحادي عشر الهجري.

– عبد النبي بن أحمد بن مانع العكري البحراني، ويطلق عليه أحياناً الجدحفصي في بعض مصادر التراجم كما في المنتظم للشيخ التاجر، وأحياناً ”التوبلي” كما في الذخائر، ولا يتناسى بعض الباحثين لقبه الأصلي ((العكري)) فيسميه بهذا اللقب كما في أعلام الثقافة للنويدري، والمنتظم للشيخ محمد علي التاجر، وعاش رحمه الله معاصراً للشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن الشيخ إبراهيم آل عصفور في القرن الثاني عشر الهجري الذي توفي (ونعني بن آل عصفور) سنة 1173 هجرية، واكتسب مرتبة اجتماعية عالية لعلمه بالعلوم الدينية وبعض العلوم الدنيوية كالطب والحكمة، وعلم أنساب العرب، ونظم الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع الشعر الرسالي الهادف كما يقول صاحب كتاب ((منتظم الدرين)) وبخاصة الشعر الرثائي والوجداني، حيث أورد له بعض القصائد ونشر مجموعة أبيات شعرية منها، وترجم لسيرة الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بمن مانع وأعطى نبذة قصيرة عن حياته فضيلة الشيخ محمد علي التاجر في سفره ((منتظم الدرين في تراجم علماء وأدباء الإحساء والقطيف والبحرين))، وكذلك ترجم للشيخ عبد النبي صاحب كتاب ((أدب الطف))، وأيضاً صاحب كتاب ”الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر” الشيخ محمد علي آل عصفور بقوله: ”الشيخ عبد النبي ابن الشيخ أحمد العكري البحراني، هو من أدباء عصره، عارفاً بالطب والحكمة، عالماً بأنساب العرب، مشهوراً بين فضلاء الأدب، له كتاب في تاريخ المولدين من الشعراء، لم يسبق مثله سابق”، ويقول عنه صاحب الذخائر الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور: ”هو أول من نشر الطب في البحرين، وله يد في علوم النواميس، ومن مصنفاته كتاب في تحليل التتن وشرب القهوة ومنافعهما للإنسان، ولد ديوان في المراثي متداول بين القرَّاء وأرباب المراثي“، وترجم لحياة هذا العالم كذلك مصنف ومؤلف كتاب ((أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 عشرة قرناً)) لأستاذنا الباحث د. سالم بن عبد الله النويدري، حيث وصفه رحمه الله بقوله: ”الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع التوبلي.. نسبة إلى قرية توبلي الشهيرة في البحرين، ويعرف بـ (العكري)، ويظهر أن أصله من قرية العكر بالبحرين، وينسب أيضاً إلى دار سكناه جدحفص”.

– الشيخ حسن بن الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع البحراني العكري أصلا والجدحفصي مولداً، وهو من علماء البحرين في القرن الثالث عشر الهجري، وقد ترجم لحياته منفرداً صاحب كتاب (منتظم الدرين)، حيث قال عنه في مدخل ترجمته الذاتية: ”الأديب اللبيب الفاضل، الشاعر الماهر المؤتمن الشيخ حسن بن مانع أو ابن الشيخ عبد النبي ابن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني أصلاً، الجدحفصي مولداً، القطيفي موطناً، الفارسي مدفناً”، وينقل العلامة المؤرخ الشيخ محمد علي التاجر في المصدر السابق عن مسودات أخيه الشيخ سلمان التاجر أن الشيخ حسن بن عبد النبي بن مانع هجر البحرين وسكن عليه الرحمة قصبة القطيف ثم تركها وسافر لديار العجم وتزوج فيها، وأنجب هناك ولدين، ونظم الشعر كما يقول الشيخ سلمان التاجر، إلاَّ أن الشيخ محمد التاجر صاحب ”المنتظم” اعتبر القصيدة المنسوبة للشيخ حسن هي لأبيه الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع، ونشر وغيره من الباحثين مجموعة أبيات وقصائد شعرية منها أثناء حديثه في ترجمة الشيخ عبد النبي.

– الشيخ سلمان بن الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني، وهو الابن الثاني للشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع العكري البحراني، ذكره صاحب المنتظم بأنه أديب كامل، ولبيب فاضل، ووصفه بالجدحفصي، والبحراني أصلاً، والقطيفي مسكناً ومدفناً، فأفراد من عائلة بن مانع سكنت المنامة وجدحفص وولدوا فيهما كما يبدو ومنهم الحاج حسن بن نصر الله الذي أشار في ترجمة الشيخ أحمد بن مانع، وسافر بعضهم للقطيف وبلاد فارس، وذكره الشيخ سلمان التجار شقيق صاحب ”منتظم الدرين” في بعض مسوداته كما يقول صاحب منتظم الدرين بقوله: ”كان الشيخ سلمان بن مانع القطيفي فاضلاً أديباً، توفي في القطيف” بشرق المملكة العربية السعودية، ثم يقول الشيخ محمد علي التاجر مصنف كتاب ”منتظم الدُّرين” أنه: ”لم يقع في يدي شيء من شعره، وهو من أهل القرن الثالث عشر الهجري، وربما أدرك آخره”، بيد أن الثقة المؤتمن الحاج حسن بن نصر الله على حد تعبير الشيخ التاجر قد وصف أبنـاء الشيخ أحمد بن مانع بأنهم ” أدباء كملاء، وشعراء بلغاء“.

اشكالية نسب أسرة بن مانع:
إن الاضطراب في ألفاظ الشيخ محمد علي التاجر رحمه الله عند ترجمة سيرة الشيخين (حسن وسلمان) بسبب الاختصار في الاسم وتتبع النسب قد أوقعنا في إشكالية.. هل هما ابني الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع أم أنهما أخوان للشيخ أحمد نفسه؟ فإذا كان الشيخان حسن وسلمان ابنين مباشرين للشيخ عبد النبي فإن الثلاثة (عبد النبي وحسن وسلمان) هم جميعاً أبناء الشيخ أحمد كما جاء في ترجمة التاجر للأخير وذلك بالنظر إلى أن الشيخ عبد النبي ابن مباشر للشيخ أحمد والشيخين حسن وسلمان حفيديه لأنهما ابنان للشيخ عبدالنبي المنحدر من نسله، وبالتالي فإن الجميع أبناؤه كما قال في ترجمة الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني.

أمَّا إذا أخذنا عبارتي المؤلف (أي الشيخ التاجر) بشأن نسب الشيخين (حسن وسلمان) بأنهما ابنان لـ ”مانع” كما جاء في ترجمتهما فإن الثلاثة أحمد وحسن وسلمان هم أخوة، والأخيران عمَّان للشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع، وهذه فرضية لا تعززها عبارة الشيخ محمد علي التاجر عن الشيخ أحمد بن مانع بأن له أبناء، ولكن بالرغم من هذا الاضطراب الناجم عن اختصار الاسم في ألفاظ الشيخ التاجر بالنسبة للشيخين حسن وسلمان لاختصار اسميهما فإنه يؤكد في عبارة واضحة بأن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحرالني هو عميد أسرته العلمية، حيث يقول المؤلف رحمه الله في ترجمة الشيخ أحمد بن مانع: (أما أبناؤه فسيأتي ذكرهم في محله إنْ شـاء الله).

وتوحي هذه الجملة المتأخرة التي أنهى بها الشيخ التاجر ترجمته القصيرة لحياة الشيخ أحمد بن مانع عميد هذه الأسـرة بأن الجميع هم أبناؤه إما من صلبه مباشرة كالشيخ عبد النبي أوأنهم أحفاده وفق التسلسل النسبي، ولهذا فإن الاضطراب في التعبير اللفظي عن بنوة أو أخوة الشيخين للشيخ أحمد لا يغيِّر شيئاً لذي عقل لبيب، وقد أشرنا لهذه الاشكالية لينتبه بعض القرَّاء إلى ذلك، ولا ضير لدينا أن تبقى عبارات التاجر كما هي ومقصوده أنهم أبناؤه بطبقتين.. أولى وثانية بتسلسل عائلي متصل.

ويعني ذلك أن الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني وابنيه الشيخين الفاضلين (حسن وسلمان) رحمهم الله سبحانه هم جميعاً أبناء الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني، ويؤكد ذلك عبارة أخرى للشيخ التاجر في منتظمه معززة للعبارة الأولى، إذ يقول صاحب منتظم الدرين الشيخ التاجر عن الشيخ عبد النبي وابنيه حسن وسلمان: ”وله ابنـان فاضلان وهما الشيخ سلمان والشيخ حسن”.

وفي ضوء البيانات السابقة التي أصبحت الآن أكثر تناسقاً – بالنسبة لنا على الأقل – يمكن رسم التسلسل النسبي لعائلة الشيخ أحمد بن مانع العكري البحرانيفي حدود ما عرفناه من كتب التراجم، وهي كما رأيت عزيزي القارئ مكونة من أربعة علماء دين أفاضل أحدهم (جد) الأسـرة وعميدها الأول، ثم يأتي من بعده ابن له هو الشيخ عبد النبي بن أحمد، وحفيدين للشيخ أحمد باعتبارهما ابنان لابنه الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع العكري البحراني.

ويمكن رسم التسلسل النسبي للأسرة على النحو التالي:
عميد الأسرة وجدها الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني
كما عبر عنه الشيخ التاجر، وهو من علماء الحادي عشر الهجري، وأدرك القرن الثاني عشر، وترجم له صاحب منتظم الدرين.

وابنه الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني
وعاش في القرن الثاني عشر الهجري لأنه معاصر للشيخ عبد النبي بن أحمد بن ابراهيم آل عصفور الدرازي البحراني الذي توفي سنة 1173 هجرية، وابناه الشيخان ((حسن وسلمان))، ولا نعرف تاريخ وفاته بدقة.

والولد الأول للشيخ عبد النبي
هو الشيخ حسـن بن الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمـد بن مانع العكري البحراني، وهو من علماء القرن الثالث عشر الهجري.

والإبن الآخر للشيخ عبد النبي
هو الشيخ سلمان بن الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني، وهو من أعلام القرن الثالث عشر الهجري

وابن أختهما الحاج حسن بن نصر الله العكري أصلاً والمنامي مسكناً والمعاصر للشيخ محمد علي التاجر في القرن الرابع عشر الهجري

الثقة المؤتمن.. الحاج حسن بن نصر الله البحراني:
اعتمد صاحب ”منتظم الدرين” الشيخ محمد علي التاجر رحمه الله على أقوال أحد الثقاة كمصدر في ترجمة عميد أسرة بن مانع العكري البحراني، ونقصد الشيخ أحمد، فقد كتب الشيخ التاجر الترجمة القصيرة للشيخ أحمد بن مانع معتنمداً على أقوال حفيده الثقة المؤتمن على حد تعبيره الحاج حسن بن نصر الله العكري البحراني.

وقد أشار الشيخ التاجر إلى ”ثقته المؤتمن” لديه وهو الحاج حسن بن نصر الله العكري البحراني فقال عليه شآبيب رحمته:
”سمعت من الثقة المؤتمن الحاج حسن بن نصر الله البحراني العكري أصلاً المنامي مسكناً – والذي ينتسب إلى المترجم – يقول: “بأن الشيخ أحمد العكري المعروف بـ ”ابن مانع” كان عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً، عابداً صالحاً، وله أبناء علماء فضلاء، أدباء كُمَلاَء، شعراء بلغاء، منهم الشيخ عبد النبي”.

ولكنَّ من هو الحاج حسن بن نصر الله؟
أجاب الشيخ التاجر في كتابه ”منتظم الدرين” على هذا السؤال.

فمن سياق ترجمة الشيخ حسن بن عبد النبي بن أحمد بن مانع العكري البحراني يتبين لنا أن الحاج حسن بن نصر الله العكري البحراني ينتسب لعائلة ((بن مانع)) وينحدر أصله منها عن طريق أمه بشكل واضح، فأمه رحمها الله ابنة الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع وهي شقيقة الشيخين سلمان وحسن بن عبد النبي، وجدها الأول هو الشيخ أحمد بن مانع عميد هذه العائلة العلمية، وهو لذلك ((أي الحاج حسن بن نصر الله)) حفيد الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني، ولهذا يقول الشيخ التاجر عن مسودات أخيه الشيخ سلمان بما نصٌّه: ”الشيخ حسن بن مانع القطيفي هو خال الحاج حسن بن نصر الله آل الشيخ العكري البحراني“.

والحاج حسن بن نصر الله البحراني نال ثقة الشيخ التاجر وأصبح لديه شخصاً ”ثقة مؤتمناً” لسببين كما نتصور، وهما:
أنه على ما يبدو من عبارات صاحب المنتظم توجد صداقة قوية وإيمانية معتبرة بينه وبين الحاج حسن بن نصر الله العكري البحراني جعلته يعرفه شخصياً عن قرب، وقد عبَّر الشيخ التاجر عنها بقوله: ”سمعت من الثقة المؤتمن الحاج حسن بن نصر الله البحراني، العكري أصلاً المنامي مسكناً” ومن قوله عنه كذلك: ”والذي ينتسب إلى المُتَرْجَمِ” ويقصد صلة ((قرابته النسبية العائلية)) من الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني عن طريق حفيدته بنت الشيخ عبد النبي التي هي ((أم أو والدة)) الحاج حسن بن نصر الله البحراني العكري أصلاً والمنامي مسكناً كما يقول صاحب كتاب منتظم الدرين فيما تقدم.

والسبب الثاني أن الحاج حسن بن نصر الله هو – كما تقدم – سليل أسرة علمائية متدينة (بن مانع) التي تمكنت من تربيته إيمانياً، وتكونت هذه الثقة من تجربة العلاقة الشخصية، ومن تجربة التأثير الإيماني التربوي لهذه الأسرة على ابنهم الحاج حسن، فقد عاش في كنف وأجواء الانضباط السوي على قواعد الإسلام وقيمه وتعاليمه وارشاداته، وأشرأبت نفسه على فضائل الإيمان والتقوى والاستقامة الأخلاقية وقيم النبل والشرف والعدالة والعلم.

ويستفاد من نص العبارة السابقة: ”الشيخ حسن بن مانع القطيفي هو خال الحاج حسن بن نصر الله آل الشيخ العكري البحراني أن ”نصر الله” والد الحاج حسن هو نفسه من عائلة بن مانع، فالتسمية واضحة الدلالة، وكلمات العبارة تشير إلى أن الحاج حسن بن نصر الله هو من آل الشيخ أحمد العكري البحراني، وبالتالي فإن هذه الثقة التي أولاها التاجر للحاج حسن بن نصر الله ثمرة تجربة صداقة قوية بالرجل، وقد امتزجت بانتساب لعائلة ومتدينة وعلمية جعله في نظر الشيخ التاجر ”ثقة ومؤتمناً” في توثيق المعلومات التاريخية التي اوردها بشأن الشيخ أحمد بن مانع رحمه الله سبحانه وتعالى.

صفات علماء أسرة بن مانع:
أشارت بعض كتب التراجم وبخاصة ”منتظم الدرين” لمجموعة صفات أطلقها مصنف هذا الكتاب على علماء عائلة بن مانع، أما عائلة الشيخ عبد الله فلم يأتِ ذكرها في كتب التراجم، وإنما ذكرها ابنهم الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد في أحد منسوخاته من الكتب التراثية، ولم يذكر شيئاً بذي بال عنها، حيث أشار بايجاز لأسماء عدد من علمائها فحسب، ولم يقل عن صفاتهم شيئاً، وبالتالي فإن حديث علماء التراجم عن صفات علماء العكر يعني علماء أسرة بن مانع فقط، بينما العكس تماماً بالنسبة لاسرة بن مانع فقد ذكر صاحب المنتظم صفات مختصرة، وأضاف عليها علماء تراجم آخرون بقدر محدود كذلك.

ومما لحظناه من سياق الترجمة للعلماء الأربعة من أسرة بن مانع أن صفاتهم عبرت في واقع الحال عن قدرات عقلية وروحية ووجدانية وأخلاقية، ويعني هذا أن صفاتهم تداخلت فيما بينها، فسماتهم العقلية والعلمية متشابكة مع صفاتهم الروحية والأخلاقية والوجدانية وغيرها في شبكة واحدة أنتجت شخصيات علمائية متفاوتة في مستوياتها العلمية والروحية، فعبارات علماء التراجم – وإِنْ كانت متقاربة – إلا أنها ركزت على صفات بارزة وهي السمات العقلية والأخلاقية والروحية، وتجلت في عمليات وأدوار ثقافية كالتأليف ونظم الشعر وعلم أنساب العرب ونشر الحكمة والطب في البحرين.

إن صفاتهم كما نرى من العبارات الواردة في كتب التراجم قد وزعت علماء أسرة بن مانع إلى مستويين من حيث المرتبة الدينية والعلمية وهما:
المستوى الأول هو مستوى الفقاهة وهي مرتبة علمية وروحية عليا، وقد وصف الشيخ محمد علي التاجر اثنين من علماء أسرة بن مانع بالفقيه الفاضل وهما الشيخ أحمد بن مانع وابنه مباشرة الشيخ عبد النبي بن أحمد، بالإضافة إلى سمات عقلية وصفات روحية وأخلاقية بارزة في شخصية كليهما، ويمكن للقارئ التأمل في مضامين هذه الصفات.

والنوع الآخر من الصفات اقتصر على الكفاءة الأدبية والفضل الروحي دون الفقاهة، حيث لم يوصف الأخوان (الشيخان حسن وسلمان) بأنهما فقيهان بالرغم من تقدم مستواهما الديني وفضلها الروحي، واكتفى الشيخ التاجر بوصفهما بأنهما فاضلان، وأديبان لبيبان وغير ذلك من الصفات، وإذا عدنا إلى ترجمة العلماء الأربعة تجد بوضوح عبارات الوصف المعبرة عن هذه السمات.

ومنها ما قاله المؤرخ الشيخ محمد علي التاجر عن العلامة الفقيه الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني وأبنائه: ”العالم الفقيه، النبيه الفاضل، الأديب الكامل الأنجد الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني نسبة إلى قرية العكر“، وفي نص آخر قال عنه: ”كان عالماً فاضلاً، تقياً ورعاً، عابداً صالحاً، وله أبناء علماء فضلاء، أدباء كملاء، شعراء بلغاء”.

أما عن الشيخ عبد النبي فجمع عبارته بعض صفاته نقلاً عن الشيخ محمد علي العصفور ((صاحب الذخائر)) حين قال عليه رضوان الله: ”هو من أدباء عصره، عارفاً بالطب والحكمة، عالماً بأنساب العرب، مشهوراً بين فضلاء الأدب، له كتاب في تاريخ المولدين من الشعراء، لم يسبق مثله سابق“.

وعن الشيخ حسن بن الشيخ عبد النبي بن مانع قال الشيخ التاجر: ”الأديب اللبيب الفاضل، الشاعر الماهر المؤتمن الشيخ حسن بن مانع أو ابن الشيخ عبد النبي ابن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني”.

كما وصفه الشيخ محمد علي التاجـر بأنه أديب وشاعر ينظم الشعر كأبيه الشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع، وقال كذلك في وصف بعض قدرات الابن الثاني للشيخ عبد النبي بن أحمد بن مانع: ”كان الشيخ سلمان بن مانع القطيفي فاضلاً أديباً”.


الأسرة الثانية (أسرة الشيخ عبد الله)

ومصدر الحديث عن هذه الأسرة العلمية – المؤمنة ما كتبه أحد النساخين من أفرادها قبل مائة وعشرة أعوام هجرية في وثيقة 1321 هـ هو المرحوم الخطيب الحسيني الملا الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ بوسف بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن الشيخ (…)، وهو والد الأسرة المعروفة في قرية النويدرات بـ ”عائلة الشيخ يوسف”، وقد وصف نفسه في الحاشية المكتوبة على الجانب الأيسر من صفحة وثيقة 1321هـ بـ ”العكري أصلاً والنويدرات مسكناً“.

شجرة نسب:
العائلة العلمية كما في الوثيقة
الشيخ (…) عميد العائلة واسمه غير واضح في الوثيقة المتقدمة
ابنه الشيخ عبد الله بن الشيخ (…)
ثم ابنه الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله بن عميد العائلة
فابنه الشيخ يوسف بن الشيخ محمد
صاحب العائلة المعروفة في النويدرات بعائلة ”الشيخ يوسف“
ثم ابنه الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن شيخ محمد بن شيخ عبد الله
فابنه يوسف والد الناسخ والخطيب حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد
فالخطيب الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد
وابنه من بعده الخطيب الحسيني الحاج أحمد بن حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد
وتوقف حتى الآن التسلسل النسبي العلمي

التقدير التاريخي لنسب العائلة:
ذكر خطيبنا الحسيني المرحوم الملا الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف في إحدى الوثائق الثقافية التاريخية التي كتبها سنة 1321 هجرية أنه ابن عائلة علمية موطنها الأصلي قرية العكر التاريخية القديمة، وهذه حقيقة قد يجهلها الناس حتى بعض أحفاده المعاصرين الآن.

وقد حدد الملا الحاج حبيب في هذه الوثيقة نسبه العائلي القريب في أجيال سبعة، ولكنه توقف عند جده الخامس الشيخ (…) الذي لم نستطع بأسف شديد قراءته بدقة، فظل اسمه غامضاً كما في الوثيقة المذكورة، ولم يعطنا الحاج حبيب بن يوسف مزيداُ من المعلومات عن أجداده الذي ذكرهم في تسلسل نسبه العائلي، فخسرنا علماً ومعرفة تاريخية عن هذه العائلة الكريمة وعن نشأتها وظروف نموها العلمي والأدوار الثقافية التاريخية التي قامت بها خدمة للدين والمجتمع المحلي.

ولكن مع ذلك فإن تسلسل نسب عائلته في سبعة أجيال متعاقبة تراوحت كما يبدو لنا بين ثلاثة قرون ونصف وأربعة ونصف تقريباً، وهذا يجعلنا نميل إلى تقدير عمرها التاريخي بالمدة الزمنية المذكورة إذا ما قدرنا لكل جيل من الأجيال السبعة بخمسين عاماً هجرياً أو تزيد عن ذلك ببضع سنوات، وهذا أقل تقدير زمني للجيل.

ويعني ذلك أن هذه العائلة الكريمة التي بقيت في موطنها الأصلي (قرية العكر) وفي قرى مجاورة لأكثر من أربعة قرون من الزمان قد قامت بأدوار وعمليات ثقافية وروحية سائدة تركت بصماتها آنذاك على التربية الاجتماعية والتنمية الثقافية والروحية لمجتمع العكر نفسها وللمجتمعات المحلية في القرى المجاورة خاصة بعد نزوح عدد من أفرادها لقريتي النويدرات والمعامير المجاورتين لقرية العكر كما تدل الوقائع والوثائق التي بحوزتنا، ولكون هاتين القريتين متأخرتين في الوجود الزمني عنها فالأغلب أن هذه الأسرة عاشت في موطنها الأصلي لفترة ما صعب علينا تحديدها بدقة، ثم فضَّل بعض أفرادها نزول قرية النويدرات المجاورة والسكن فيها لظروف نجهلها، كما ذهب قسم منهم للمعامير للعيش فيها، وهذا ما نعلمه من أحاديث بعض المعمرين وكبار السن وأحفاد الأسرة المعاصرين.

ومع أننا لسوء الحظ لا نملك حتى الآن من الوثائق الثقافية التاريخية ما يعزز أفكارنا عن هذه الأسرة ويؤكدها سوى القليل مما تعرفنا عليه من وثائق ثقافية – تاريخية ذات صلة بجزء يسير من تاريخ وسيرة الخطيب الحسيني الملا الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد الذي أدركنا حياته في بعض السنوات المتأخرة من عمره، وبالتالي فإنه من المتوقع أن تؤدي هذه الأسرة بعلمائها وخطبائها الحسينيين جملة من الأدوار الثقافية اللازمة لنمو المجتمع وخدمة الدين.

ونستطيع الجزم بأن الحاج حبيب بن يوسف وابنه الملا الحاج أحمد بن حبيب قد شاركا – بقدر متفاوت – في القيام بعمليات وأدوار ثقافية للأغراض المتقدمة المشار إليها سابقاً وبخاصة في الخطابة الحسينية والنسخ والتعليم القرآني وكتابة قصائد الشعر بجهود متفاوتة بينهما نظماً وحفظاً.

فوارق ظاهرة بين الأسرتين:
هي كما نلحظ فوارق في الفرص والتحديات التي واجهت الأسرتان مع اختلاف في الظروف، ورصدنا باجمال ثلاثة فوارق نوجزها، وقد لا تكون بذي بال عند البعض، وهذه الفوارق هي كما يأتي:

نلحظ في الفارق الأول أن الحديث عن أسرة الشيخ عبد الله المبرور وهو الجد الرابع للحاج حبيب موحد وصادر من رأي شخص واحد قاله قبل (110) عام هجري وهو مكتوب وموثق، فوثيقة سنة 1321هـ كتبها الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بعد أن فرغ من نسخ كتاب ”مقتل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب” عليه السلام، وهو لذلك مصدر موثق وموحد الفكرة ولا تردد في مضمونه، أما الحديث عن أسرة الشيخ أحمد بن مانع فقد لجأ الشيخ التاجر إلى اختصار أسماء بعض أفرادها فوقع بعضنا في التباس، فتفهمناه في نهاية الأمر.

والفارق الآخر أن أسرة الشيخ عبد الله جد الحاج حبيب لم تحظ باهتمام علماء التراجم ومصادر هذا العلم التوثيقي ولا العلم بها حتى اللحظة الراهنة، وقد استغل الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد حفيد هذه العائلة فرصته في نسخ أحد الكتب التراثية الدينية وهو كتاب مقتل الإمام علي فوثق تسلسل نسبه العائلي حتى الجد الخامس له، بينما حظيت أسرة الشيخ أحمد بن مانع بإشارات بعض علماء التارجم لبعض أفرادها كما رأيت، ولولا هذه اللفتة الذكية للحاج حبيب لضاعت معرفتنا بنسب هذه العائلة، ولبقينا على غير علم به.

ويمكن كذلك الإشارة إلى فرق ثالث بين الأسرتين هو أن أسرة الشيخ عبد الله جد ناسخنا الحاج حبيب بقيت كما يبدو مستقرة في العكر، ولم يؤثر على استقرارها نزول بعض أفرادها للنويدرات للعيش فيها كالشيخ يوسف بن الشيخ محمد، فهجرته ليست بذي بال، فالمسافة بين العكر والنويدرات أقل من كيلو متر والانتقال اليومي أمر سهل ويكون مشياً على الأقدام، وبالتالي لم تؤثر هجرته على أوضاع الأسرة لتشابه الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين القريتين، أمَّا أسرة الشيخ بن مانع فتوزعت بين توبلي والمنامة وجحفص في البحرين والقطيف وبلاد فارس، وهي مناطق متباعدة إلى حد ما، والحركة بينها آنذاك ليست سهلة، والأوضاع الاجتماعية متباينة نسبياً، ويبدو أن هجرة العائلة منحتها فرصة للبروز والعلم بها وتوثيق ذكرهم في كتب التراجم.

untitled3_thumb

نسب العائلة في وثيقة (1321 هـ):
من مخطوطة ((وفاة الإمام علي)) لمؤلفه (…) نسخها الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد، وفرغ منها في يوم 25 جمادى الثانية سنة 1321هـ.

((وثيقة سنة 1321 هـ)) تدل على وجود حقائق هامة تؤكد حيويتها وأهميتها، وفيها الاسم الكامل لأحد أفرادها وهو ناسخ مخطوطة هامة هي مخطوطة كتاب الشيخ علي بن عبد الله بن حسين البربوري الأوالي البحراني، وتاريخ هذه الوثيقة تاريخية كتبها بنفسه سنة 1321هـ).

حقائق وثيقة أسنة (1321هـ):
وبتأمل الوثيقة السابقة المخطوطة بخط يد المرحوم الملا الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد نستخلص منها عدة حقائق ثقافية وتاريخية وعائلية تخص في جانب منها نسبه العائلي،وفي جانب آخر تبرز لنا انتماءه لأسرة علمية لم تأخذ نصيبها أو حظها من العناية والتركيز والاهتمام، ويمكننا استجلاء الحقائق التالية من باطن الوثيقة المتقدمة ومنها:
تكشف هذه الوثيقة الثقافية ببعدها التاريخي عن عمرها الحقيقي الذي تجاوز قرناً هجرياً وعشر سنوات، فتاريخها كما هو واضح من نصها يعود إلى بداية العقد الثالث من القرن الهجري الرابع عشر وهو العام الهجري 1321 على وجه التحديد، وإذا ما طرحنا مقدار التاريخ المتقدم ذكره من التاريخ الهجري لهذه السنة (1431 هـ) التي اكتشفنا فيها هذه الوثيقة الهامة يكون عمر الوثيقة المذكورة ((مائة وعشر سنوات هجرية))، وبحساب التاريخ الميلادي يكون هذا التاريخ ونقصد سنة (1321هـ) تعادل تقريباً سنة (1903) الميلادية.

أن الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد ذكر لأول مرة نسبه هنا مطولاً بنحو لم نطلع عليه في غير هذه الوثيقة من قبل، فالعادة في وثائق أخرى مرتبطة بكتاباته ونسخ الكتب الأخرى كان الحاج حبيب يتوقف عند جده الشيخ يوسف في أقصى حد، أمّا هنا في هذه الوثيقة، وبعد أن انتهى من نسخ كتاب وفاة الإمام علي بن أبي طالب وفرغ منه سنة 1321هـ امتد بنسبه العائلي إلى الجد الخامس وإنْ كان اسم جده الخامس في الوثيقة ((غير واضح)) لنا للأسف أو أننا أخفقنا في قراءته بدقة، وتوحي كلماته في هذه الوثيقة بنسب أبعد مما اعتدنا عليه عند ما يفرغ من نسخ كتب أخرى كما في كتاب ”وفاة الإمام الحسن والنبي يحي ” وغيرهما من الكتب التي كان ينسخها، حيث يقول في هذه الوثيقة التي كتبها في نهاية كتاب (وفاة الإمام علي) المخطوط ضمن أحد المجلدات: ”وهذا آخر ما انتهى إلينا من وفاة سيدنا ومولانا وإمامنا وعمادنا وشفيعنا أمير المؤمنين عليه السلام على التمام والكمال، ونستغفر الله عن الزيادة والنقصان والسهو والغلط والنسيان، إنه غفور منَّان، والحمد لله حق حمده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، تمت وكملت الوفاة على يد الحقير الغائص في لجج الذنوب حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمد بن شيخ عبد الله المبرور المرحوم عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المؤمنين والمؤمنات، يوم الأحد.. يوم الخامس والعشرون من شهر ثاني جمادى 1321هـ، ثم استدرك تكملته نسبه بحاشية على الجانب الأيسر من الوثيقة فقال استدراكاً بعد قوله المبرور المرحوم” بن الشيخ (…)، ثم أضاف في الحاشية اليسرى من الصفحة المكتوبة فيها وثيقة 1321هـ كلمات أربع في وصف جده الخامس بأنه ”العكري أصلاً والنويدرات مسكناً”، وبذلك وصف نفسه بهذا الانتماء.

تفيد الوثيقة خلافاً لما يعرفه الناس في النويدرات بأنَّ أصل عائلة الناسخ الحاج حبيب من قرية العكر التاريخية، وعبارته في الحاشية المتقدمة الموجودة على الطرف الأيسر كانت واضحة للغاية، وبالطبع تفيد العبارة أن عائلته نزلت النويدرات في عام 1321 هـ على أقل تقدير بعد أن نزحت من قرية العكر التاريخية، وهو زمن كتابة هذه الوثيقة، ويحتمل أن نزولها بـ ”النويدرات” أبعد من هذا التاريخ، وأنه نسخ كتاب وفاة الإمام وكتب ديباجته في آخر صفحاته التي أكد فيها أن جده الخامس (عكري أصلاً والنويدرات مسكناً)، والملحوظ أن الحاج حبيب حدد تاريخ كتابة وثيقته لارتباطها بتاريخ الانتهاء من مخطوط وفاة الإمام علي عليه السلام، ولكنه لم يذكر تاريخ هجرة قسم من عائلته من قريته ((العكر)) إلى قريته المجاورة ((النويدرات))، فلعله لا علم به.

وتفيدنا كلمات الناسخ الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف العكري البحراني في حاشيته الجانبية الاستدراكية الإضافية باحتمالين، فإذا كان قد عنى نفسه مباشرة من عبارته ”العكري أصلاً والنويدرات مسكناً” فإن عمر النويدرات ما بين قرنين وبضع سنوات أو أكثر قليلاً، أمَّا إذا عنى بكلماته جده الخامس، والمراد هنا نزوله في قرية النويدرات منذ ذلك الوقت، وهذا احتمال للمناقشة والبحث يحتاج للبرهان والدليل العلمي فإن عمر النويدرات يزيد عن ثلاثة قرون ونصف وربما أبعد، ونحن نميل إلى الاحتمال الأول وهو أن الحاج عنى نفسه بأنه عكري أصلاً ونويدري مسكناً، وأن عائلته نزحت للنويدرات في زمن متأخر قبل ولادته في النويدرات، ولم يحدد لنا تاريخ هجرتها، فكلمات الحاشية تتضمن تقديراً غير دقيق لتاريخ وجود النويدرات، وهو لم يقصد سوى تعريف الناس بنسبه وأصل بلده، وليس تقدير العمر الحقيقي لقرية النويدرات.

أن هذا المخطوط المؤرخ بهذا التاريخ هو بالنسبة إلينا أقدم مخطوط نسخه قد تعرفنا عليه، ولا نستبعد أن يوجد مخطوط غيره أبعد زمناً، ولكننا هنا نتحدث بأدلة ثبوتية لا توقعات وفرضيات احتمالية، وستبقى هذه الحقيقة صحيحة حتى ينسفها دليل آخر ينطوي على حقيقة مختلفة تؤكد نسخه لمخطوط سابق قبل تاريخ 1321 هـ، فيترتب عليه حقائق جديدة.

قدم الناسخ الملا الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد في وثيقة (1321 هـ) دليلاً واضحاً ومباشراً بأنه – كما تقدم القول – ينحدر عليه رحمة الله سبحانه وتعالى من عائلة علمية، فبمقتضى مضمون هذه الوثيقة ذكر أنه من سلالة علمية، وقد توقف عند جده الخامس المسجل في الحاشية بشكل غير واضح، وجميعهم من الجد الثاني حتى الجد الخامس هم من علماء الدين، ولا يستبعد أن يكون جده الأول الحاج أحمد من العلماء غير المعممين مثله أو من المهتمين بالشأن الثقافي، والله سبحانه بحقائق الأمور وأسرارها أعلم وأدرى.


الشيخ أحمد بن محمد بن سرحان العكري البحراني

يعتبر الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن الحاج أحمد سرحان بسبب تجربته النضالية لكسب العلم أكثر علماء العكر شهرة بين العلماء والمهتمين بالتراث الثقافي لعلماء البحرين وبخاصة للأجيال الجديدة الحاضرة، وذلك بسبب نشاطه الثقافي في مجالات التعلم وطلب العلم والتأليف والتدريس والخطابة وكتابة التعليقات والحواشي على الكتب والرسائل العلمية التي يقرأها أو يطلع عليها، وهو من علماء القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، وكانت بينه وبين الشيخ التاجر مراسلات، ومنها على سبيل المثال ما كتبه الشيخ بن سرحان في ترجمة حياته للشيخ التاجر، بل كان يستخدم المراسلات مع الوجهاء وأصحاب القضايا بحسب وظيفته الشرعية كما في الوثيقة الأخيرة، ونقصد رسالته لأحد الوجهاء الذي له منازعة مع آخرين، وهي موقعة كما يبدو بختمه الخاص ومدونة بخط يده.

لقد حظي بن سرحان كعالم جليل أثبت كفاءته بأكثر من ترجمة، وأكثر حظاً ذكراً في كتب التراجم بسبب شهرته التي اكتسبها، فالشيخ أحمد بن سرحان وهو من علماء القرن الرابع عشر ابن أخت صاحب كتاب ((منار الهدى)) الشيخ علي بن عبد الله الستري نزيل ((لنجة ومسقط ومطرح)) على الساحل العماني، وقد التحق بخاله في هذه المنطقة دون علم أهله وهو ما يزال يافعاً صغيراً وذلك بغرض طلب العلم والتعلم والتفقه، ومع أن أصل الانتماء العائلي لهذا العالم الجليل من العكر وأن عائلته مشهورة في هذه القرية إلاَّ أن بعض علماء التراجم كالشيخ التاجر يذكره من ”مركوبان إحدى قرى جزيرة سترة” ولا يشير إلى موطنه الأصلي ((العكر)) لمجرد أن مولده في جزيرة سترة.

وبصرف النظر عن تجربته المثيرة فإن البحرين بأسرها وبخاصة قريته العكر فخورة بجهاده ونبوغه العلمي، فقد حفر اسمه في سجل الخالدين، ووضع اسم عائلته ولقبها في صفحة التاريخ المتألقة، فلا يستطيع أحد أرباب التراجم أن يكتب عن التراث الثقافي لعلماء البحرين ويتخطاه سهواً أو عمداً إلاَّ وقد تجاوز علماً بارزاً في المعرفة الإسلامية، فهو أحد أساطين العلم والمعرفة، فابن سرحان صاحب طموح حققه بنضاله الشخصي دون هوادة وبثورته على ذاته منذ صباه اليافع، وحق لنا نحن المتأخرين الاعتزاز بإرادته الحديدية، وقد اشتغل بعمليات ثقافية متعددة أبرزها التدريس والتأليف والخطابة وجمع المسائل العلمية وضبطها وتحمل مشقة السفر لمئات الكيلومترات للوصول إلى خاله المهاجر في الشقيقة.. سلطنة عمان، ومن هنا ذكره علماء التراجم معاصرون لزمانه كالشيخ علي بن حسن البلادي البحراني في أنوار البدرين والشيخ محمد علي التاجر في ”منتظم الدرين” ومتأخرون عن عصره أمثال الباحث الدكتور سالم النويدري في أعلام الثقافة الإسلامية وغيره من كتَّاب علم التراجم.

ومن مؤلفاته:
– الدر المنثور في مسألة علم الإمام المعصوم.
– يواقيت الإقبال في المواقيت والأعمال في مناسك الحج.
– النبذة، منسك مختصر.
– رسالة في إثبات حرمة الخمر في الشرائع السابقة.
– مسائل إلى الشيخ محمد علي بن الحاج حسن المدني البحراني.
– الأجوبة العليَّة للمسائل المسقطية.

وبالنسبة للكتاب الأخير فهو مجموعة مسائل وجهت لخاله العلامة الشيخ علي بن عبد الله الستري المعروف صاحب كتاب ”منار الهدى” فجمعها تلميذه وابن أخته الشاب الأسعد الشيخ أحمد ابن الحاج محمد بن سرحان البحراني، ورتبها على ترتيب الفقه، وهو كتاب نفيس وجامع أنيس“.


العمليات الثقافية لعلماء العكر

جوهر النشاط الثقافي لعلماء العكر وغيرهم سواء في بلادهم أو خارجها هو قيامهم بعمليات ثقافية تجسد أدوارهم ووظائفهم العبادية التي حددها المشرع التربوي الإسلامي، وهم يشتركون مع كل العلماء في أداء مجموعة عمليات ثقافية تخدم أهدافهم في حركة الحياة وإدارة مجتمعهم في مرحلة تاريخية كانت فيها النهضة الثقافية في البحرين متألقة، وإذا ما جردنا الوظائف والعمليات الثقافية الملحوظة في نشاط علماء العكر المذكورين في كتب التراجم أو في وثائق المخطوطات المنسوخة فإننا سنجد بعض العمليات موثقة ومكتوبة كوثائق تاريخية، وسنجد بعضها الآخر أشبه بأعمال تلقائية لا تحتاج منهم إلى توثيق إلاَّ إذا كان نصيب الواحد منهم أن يترجم أحد الباحثين حياته ويذكر سيرته الذاتية.

ويمكن حصر العمليات الثقافية التي تجسد أدوار علماء العكر فيما يأتي:
عملية النسخ:

بمراجعة كتب التراجم والمخطوطات التراثية لعلماء الإمامية بحرانيين أو غير بحرانيين نجد أن علماء العكر لم يعرف لهم جهد مشهور في عمليات نسخ الكتب، وهذا لا يعني أن أحداً من علماء العكر لم يقم بعملية نسخ لكتاب معين أو قصيدة أو رسالة علمية قصيرة كمهمة ثقافية مطلوبة آنذاك، ولكن الوثائق التي بين أيدينا لا تحدد اسم أحدهم كناسخ، ولا نعرف سوى الحاج حبيب بن يوسف باعتباره من أبرز الناسخين للكتب التراثية، وهو من سلالة الشيخ عبد الله، وقام بهذه المهمة في موطنه الجديد بالنويدرات، أما باقي العلماء من الأسرتين فلا نعرف عن دورهم في مجال النسخ وكتابة المخطوطات شيئاً، فالوثائق المتوافرة تؤكد عدم وجود مستند يثبت قيام واحد من العلماء المذكورين بهذه المهمة الثقافية، أما الحاج حبيب وابنه الحاج أحمد فقد اشتغلا بعملية نسخ الكتب، وانفرد الحاج حبيب عن غيره بها مع تفاوت بارز في نشاطه عن ابنه الحاج أحمد، فالمرحوم الحاج حبيب نسخ عدداً من الكتب والرسائل الثقافية والدينية والتاريخية التي اطلعنا عليها، وهي لعدد من العلماء تلبية لحاجات المجتمع وخدمة للدين، وأما ابنه الحاج أحمد فما أعرفه عنه أنه نسخ بعض القصائد، لكنه على ما يبدو لم تأخذ عملية النسخ وقتاً كبيراً من حياته، ولم يتخذها مهنة.

وممن عرفوا كذلك من خلال وثائقنا الثقافية – التاريخية المكتوبة والمتوافرة بالمهتمين بمهمة نسخ المخطوطات والكتب التراثية الدينية والتاريخية الحاج حسن بن عبد الله بن سرحان وهو من أهالي العكر أصلاً، وقد نزلت عائلته الكريمة للنويدرات وعاش في كنفها ما تبقى من سنين عمره، ونسخ عدداً من الكتب أشرنا إلى بعضها في كتابنا غير المنشور ((بربورة وشهادة التاريخ)) ونشرنا بعض ما كتبه كوثائق يدوية خطية في الكتاب المذكور.

نظم الشعر:
مررنا في سياق الترجمة بعلماء أسرة ”بن مانع” الذين وجدنا عبارات من بعض علماء التراجم تشير إلى اهتمام الشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع وابنه الشيخ حسن بنظم الشعر وقصائده خدمة للدين وتعبيراً عن وجدانهم الروحي ورثاءً لمصائب أهل البيت وبخاصة مصاب الإمام الحسين وأهل بيته في كربلاء، وقد أيَّد الحاج حسن بن نصر الله وهو الثقة المؤتمن لدى الشيخ التاجر هذه الحقيقة، أما الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن أحمد بن سرحان فنقل صاحب ((منتظم الدرين)) أنه رأى من نظم الشيخ احمد بن سرحان تقريظاً على كتاب شيخه وخاله المذكور الموسوم ”منار الهدى”، وكان في مدخل القصيدة بيت الشعر التالي:

منار الهدى يهدي لمن هو يبصر
ويكمد أعداءً إلى الحق تنكر

وقصيدته في تقريظ الكتاب المتقدم مكونة من عشرين بيت كان البيت السابق في مطلعها، وقد ختم بن سرحان قصيدته التقريظية لكتاب خاله بالبيت التالي:

لقد قلت فيه مادحاً ومؤرخاً
منار الهدى يشفي الصدور ويبهر

وقد سمعت من بعض المهتمين بالتاريخ الثقافي لقرية النويدرات أن الحاج حبيب بن يوسف المعروف كخطيب حسيني وكناسخ قد نظم بعض الشعر، ولكنه لم يشتهر به بين الناس، ويقال أن مجموعة من قصائده وأبيات الشعر التي نظمها قد جمعها واحتفظ بها أحد أقاربه المعاصرين الأحياء.

تأليف الكتب والرسائل العلمية:
من وثائقنا الثقافية المحلية نؤكد بثقة بأن الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن سرحان وهو من أبناء العكر قد ولد في سترة، والشائع عنه أنه قد انفرد وحده دون علماء العكر بتأليف الكتب والرسائل العلمية المكتوبة والمعروفة في أوساط المهتمين بالتراث الثقافي لعلماء البحرين، وقد أشارت كتب التراجم إلى عدد من مؤلفاته ومصنفاته ورسائله في علوم الشريعة، أما باقي أفراد الأسرتين (بن مانع والشيخ عبد الله) عدا الشيخ عبد النبي فلم نتعرف حتى اللحظة الحاضرة على أحدهم اهتم بالتأليف أو نسب إليه تصنيف رسالة، ومررنا من قبل على بعض مصنفات بن سرحان ومؤلفاته.

أما بالنسبة للشيخ عبد النبي بن الشيخ أحمد بن مانع العكري البحراني فقد صنَّف وألَّف بعض الكتب منها:
– ديوان شعر في المراثي للأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
– كتاب حول (حلية التتن).
– كتاب عن (شرب القهوة).

الخطابة:
لم نعرف أيضاً عن علمـاء الأسرتين عملهم بالخطابة الحسينية باستثناء الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله المبرور بن الشيخ (…) ((العكري أصلاً والنويدرات مسكناً))، ومنَّ الله علينا بحضور بعض مجالسه الحسينية أيام الصبا والشباب، وكذلك ابنه الحاج أحمد بن الحاج حبيب بن يوسف، وربما كان لبعض علماء العكر المذكورين في هذا البحث نصيب من أداء هذه المهمة في الصلوات اليومية وصلاة الجمعة والجماعة وصلاة العيدين وغيرها، بل حتى الخطابة الحسينية، ولكن لا نملك تأكيداً على ذلك، فعلماء هذه الأسرة لم يكتبوا تاريخهم أو أننا لم نكتشف بجهودنا بعض ما أنجزوه من أنشطة وعمليات وأدوار ثقافية، ومنها ممارسة الخطابة، وقد يكون الزمن فرصة لكشف جانب مضيء من حياتهم.

التدريس:
يحرمنا نقص المعلومات عادة، وفي كثير من الأحيان من الكتابة الموثقة للتاريخ حتى لو كانت الوقائع تدل فعلياً على حدوث نوع من النشاط الثقافي في فترة ما، ولكن إذا كانت غير مكتوبة فقد يشكك البعض في الاعتراف بها كحقائق، بل يطال التشكيك حتى الوقائع المكتوبة، وينسحب هذا القول على ممارسة علماء العكر للتدريس كعملية من عملياتهم الثقافية المرتبطة بوظائفهم العبادية والروحية التي كلفوا بها من قبل المشرع التربوي الإسلامي، فما أن يتخصص المرء في دراسة العلوم الشرعية حتى يداخله بالضرورة إيمان فطري وتشريعي بتنفيذ التكليف الشرعي الذي يلزمه القيام بمهمة تدريس طلبة العلم وتبليغ الناس بأحكام الدين، بيد أن الوقائع التاريخية لا يمكن التصديق بها إلاَّ بالوثائق والأدلة المكتوبة.

وإذا لم نتمكن من جمع أدلة تؤيد رأينا أو تعزز أفكارنا، فلا نملك سوى الفرضيات التي يؤمن بعض الناس كحقائق واقعة وكفرص للتحدي العقلي يواجهنا، ولأننا نعاني من نقص في معلوماتنا عن تاريخ علماء العكر ودورهم الثقافي والروحي في مجال التدريس فإننا نفترض أنه قام بعضهم بتدريس طلبتهم باعتبارها إحدى وظائفها العبادية، فالمصادر التي بين أيدينا لا تشير إلى قيام جميعهم بهذه المهمة، وثمة إشارة من أحد المصادر إلى قيام الشيخ أحمد بن الحاج محمد بن أحمد بن سرحان بإدارة حلقة درس تعليمي في أحد مساجد عمان بعد صلاة العشاء.

يقول أحد مصادر التراث الثقافي البحراني عن ممارسة العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن سرحان لعملية التدريس الديني في سلطنة عمان لفرقة الحيدرآبادية: ” كانت له حلقة درس في مسجد ابن عبَّاس بعد صلاة العشاء، ويراجعه الناس في مسائلهم[10] ” وذلك عقب عودته من دراسته الحوزوية بمدينة النجف الأشرف العراقية، فسافر مباشرة مع أعضاء من هذه الجماعة إلى سلطنة عُمَان تنفيذاً لطلب ورغبة فرقة ((الحيدر آبادية)) الذين ألحوا على دعوته لبلادهم فاستجاب لهم، وقام بتوعيتهم بأحكام الدين عن طريق الخطابة والتثقيف الحلقي والتدريس المسجدي كما أوضحت بعض مصادر التراجم وكتَّاب السيرة.

untitled4_thumb


مصادر الدراسة

أولاً: المخطوطات والكتب التراثية:

  1. (…) مقتل أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مخطوطة ((كتاب تراثي ديني وتاريخي)) نسخ المخطوط الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بنم الشيخ يوسف، تاريخ النسخ سنة 1321هـ.
  2. مدن، يوسف، وفاة النبي يحي بن زكريا، مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني، نسخ المرحوم الخطيب الحسيني الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ محمد بن الشيخ عبد الله، تاريخ النسخ سنة 1338م، توثيق وتحليل يوسف مدن.

ثانياً: كتب التراجم:

  1. البلادي البحراني، علي بن حسن بن علي، أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين، تصحيح وتعليقات محمد علي الطبسي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، العراق، طبعة سنة 1984م، 1386م.
  2. البحراني، محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور، الذخائر في جغرافية البنادر والجزائر،إعداد وتحقيق محمد بن عيس آل مكباس، آل مكباس للطباعة والنشر، المطبعة (علمية) بدون تحديد مكان المطبعة، الطبعة الأولى، 1422هـ – 2002م.
  3. التاجر، محمد علي، منتظم الدُّرَّين في تراجـم علماء وأدباء الإحساء والقطيف والبحرين، بمجلداته الثلاثة، دار طيبـة لإحياء التراث، قم المقدسة، إيران، الطبعة الأولى، سنة 1430 هـ – 2009م.
  4. النويدري، سالم عبد الله , أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال أربعة عشر قرناً، المجلدات الثلاثة،بيروت، مؤسسة العارف للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1412هـ – 1992م.
  5. المهتدي البحراني، عبد العظيم، علماء البحرين، دروس وعبر، مؤسسة البلاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، سنة 1994م.

ثالثاً: مصادر تاريخية:

  1. لوريمر، دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة، القسم الجغرافي، ج1.
  2. روبرت جيرمان، الخرائط التاريخية للبحرين ما بين 1817 – 1970م)، طبعة 1996م.
  3. التاجر، محمَّـد علي، عقد اللآل في تاريخ أوال، إعـداد وتقديم الأستاذ: إبراهيم بشمي، من إصدارات مؤسسـة الأيَّـام للصحافة والطباعة والنشـر، مملكة البحرين، المنامة، الطبعة الأولى، سنة النشـر (1994م).
  4. النبهاني الطائي، محمد بن خليفة بن حمد بن موسى، التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، بيروت، دار إحياء العلوم والمؤسسة العربية للنشر والتوزيع، المكتبة الوطنية بالبحرين، الطبعة الأولى، سنة 2004م – 1425هـ.
  5. الخيري، ناصـر بن جوهر بن مبارك، قلائـد النحرين في تاريخ البحرين (مخطوط)، تقديم ودراسة الأستاذ: عبد الرحمن بن عبد الله الشقير، مؤسسـة الأيام للطباعة والنشر والتوزيع، مملكة البحرين، الطبعة الأولى، 1424هـ – 2003م.

رابعاً: دراسات معاصرة.

  1. السهلاوي، ملا محسن بن سلمان بن سليم، ديوان شعلات الأحزان في رثاء النبي وآله سادات الزمان، طبعة جديدة، سنة 2009م.
  2. حبيل، عبد علي محمد، جزيرة سترة بين الماضي والحاضر، دراسة وتحليل، المطبعة الحكومية، مملكة البحرين، المنامة، الطبعة الأولى، سنة 1421 هجرية، 2000م.
  3. النويـدري، سالم، عبد الله، أسـر البحرين العلمية، أنسابها وتاريخها العلمي والثقافي وأعلامـها، دار المودة للطباعة والنشـر، لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، سنة الطبـع 1994م.
  4. النُّوَيدري، سالم بن عبد الله، دراسة عنوانها ((الأسـر العلمية في البحرين)) مجلة الموسم، العدد (11)، المجلد الثالث، مجلة فصلية مصورة تعنى بالآثـار والتراث الإسلامي.
  5. مدن، يوسف، بربورة وشهادة التاريخ.. دراسة في الأدلة الاجتماعية والوثائق التاريخية، دراسـة موسعة، ((نسخة إلكترونية))، غير منشورة، سنة الإعداد 2009م.
  6. مدن، يوسف، بربورة قرية مندثرة ٍ، دراسـة منشورة، وهي حلقة ضمن سلسلة ((كتاب للجميع))، ومن إصـدارات صحيفة الوسـط البحرينية، ((نسخة إلكترونية على موقع الصحيفة))، العـدد التاسع، سنة الإعداد 2009م، تاريخ الصدور 13 يوليو 2009م.
  7. مَدن، يوسف، الاحتلال العماني للبحرين وآثاره التدميرية على حركتها العلمية، دراسة تفصيلية، ((نسخة إلكترونية))، غير منشورة، مملكة البحرين، سنة 2009م.

2 تعليقات

  1. عبدالخالق إبراهيم سرحان

    أشكرك استاذ يوسف لقد رددت شيئا من الظلامة الواقعة على قرية العكر الحبيبة وفقك الله وزادك الله بسطة في العلم والإنصاف .

  2. بارك الله فيك

شارك برأيك: