القرى البحرينية المندثرة (عسكر والفارسية نموذجان)

اعداد جعفر يتيم
27 / 3 / 2015م

أقيمت بمركز جدحفص الثقافي محاضرة تاريخية تحت عنوان (جوانب من تاريخ القرى المندثرة) تحدث فيها الباحث في تاريخ وتراث البحرين وصاحب موقع سنوات الجريش أ. جاسم آل عباس وذلك في يوم الجمعة ليلة السبت بتاريخ 24-3-2013 في صالة أ. صالح بمركز جدحفص الثقافي وبحضور مجموعة من الباحثين والمهتمين بالتراث التاريخ، وقد أدار الحوار الباحث التاريخي أ. عبدالله العمران.

في البدء تحدث الباحث آل عباس بنبذه مختصره عن القرى البحرينية القديمة المندثرة وعدَد أسماء بعضها، وأوضح أن هناك مجموعة من الكتاب والباحثين العرب والأجانب كتبوا عنها في كتبهم ومدوناتهم مستشهداً بكتاب (حاضر البحرين) للمرحوم الشيخ المبارك الذي دون في مخطوطه أسماء بعضها (سلبا، شباثة، الفارسية، بربورة الخ)، ولضيق وقت المحاضرة اختار الباحث نموذجين لقريتين بحرينيتين واحدة لا تزال موجودة وحيةً بأهلها وشاهده بآثارها (عسكر) والأخرى مندثرة (الفارسية).

27-3-2013


النموذج الأول: قرية عسكر

انطلق الباحث في حديثه عن هذه القرية الساحلية لحبه لها باعتبار انه وعائلته ينحدرون منها تاريخياً بعد ان نزحوا منها حتى استقروا في القرية الحالية وهي قرية (المعامير)، موضحاً أن قرية عسكر هي قرية من قرى البحرينية القديمة وقد سكنها البحارنة منذ قرون عديدة إلا أن الظروف الصعبة والقاسية التي مرت على ساكنيها فرضت عليهم النزوح والتشتت في الداخل إلى قرى (المعامير – النويدرات – سند – العكر الخ) والبعض منهم أضطر للعيش في المنفى والهجرة الى المناطق المحاذية والقريبة من جزر البحرين والعراق والسواحل الايرانية، ويؤكد الباحث آل عباس أن بعد نزوح أهلها عنها استوطنتها مجموعة من القبائل العربية القادمين مع آل خليفة من الزبارة وشبه جزيرة قطر والقبائل هي (البوعينين – آل البنعلي – الذوادي – السيسي – الكعبي – العازمي) وغيرها من القبائل العربية التي سكنتها برهة من الزمن وغادرتها ثم رجعت اليها واستوطنتها مرةً أخرى وكذلك استوطنها بعض من العرب والأجانب والمقيمين الجدد.

(عسكر الشهداء):
أما بخصوص التسمية لهذه القرية البحرينية القديمة يوضح آل عباس أن هناك مجموعة أسباب واجتهادات أوصلته إلى سبب تسمية عسكر أو عسكر الشهداء، منها على سبيل المثال عسكرة بعض المجاميع الذين نزحوا إلى البحرين من بلاد العراق بعد مقتل الامام الحسين (ع)، موضحاً أنها تدعمها رواية صاحب كتاب (لؤلؤة البحرين) العلامة الشيخ يوسف البحراني في حادثة تجهيز الجيش (العسكر) لمواجهة جيش الحاكم الأموي عبدالملك بن مروان، ويضيف الباحث أن التسمية أيضاً مرتبطه بمعسكر شجرة الحياة الموجودة في بر جزيرة البحرين الذي كان معسكراً قديماً، وهذا ما أكدته التنقيبات الاخيرة التي عثر فيها على بعض الأدوات العسكرية.

نزوح أهالي عسكر من القرية:
أما عن فترات النزوح لأهالي عسكر الأصليين من قريتهم ومحل سكناهم يوضح آل عباس أن هناك عدت فترات لنزوح أهلها وتفرقهّم في القرى والبلدات في أرخبيل البحرين بسبب الظلم والنهب والسلب وأهم تلك الفترات:

1. هجوم العمانيّين على البحرين: ينقل عن كبار السن أن قرية عسكر كانت بها حوزة علمية ومساجد قد خرّبها ودمرها العمانيون الغزاة قبل عام 1811م.

2. في حكم سلمان بن أحمد (1811م): بعد هذا التاريخ في عام 1811م هجرت عسكر لحوالي 8 سنوات ثم تغيّرت هويتها مما كانت عليه من قبل ولم يعد لأهل القرية البقاء فيها إلا أن القريه بقت محتفظةً بآثارها كالاضرحة والمساجد.

مهنة أهالي عسكر:
ويؤكد آل عباس أن أهالي عسكر قديماً كانوا من الذين يستعيشون على صيد الأسماك ويركبون البحر لصيد اللؤلؤ أو من الفلاحين والمزارعين الذين يستعيشون على زراعة النخيل والأشجار في القرى المجاورة كقرية (أبو جرجور) أو (الفارسية) لاستحصال الثمر ومن ثم بيعه وذلك لكون (عسكر) قرية بحرية بامتياز وتخلوا من المزارع والنخيل.

علماء عسكر:
يوضح الباحث آل عباس أن قرية عسكر كان فيها علماء وفقهاء منهم (الشيخ يوسف العسكري البحراني) ويضيف أن أكثر العلماء ينتسبون الى عوائل (الشاطري – آل فاضل – والعسكري) ويؤكد أن بعض هؤلاء العلماء لهم كتب ومخطوطات مشهورة، ومن علماء عسكر مابعد النزوح علماء عائلة آل مهزع.

آثار قرية عسكر:
وعن آثار القرية القديمة يوضح الباحث أن هناك عدت آثار قديمة عُرفت بها قرية عسكر القديمة وما زالت موجودة كمقام وضريح صعصعة بن صوحان ومقام ابراهيم ابن مالك الاشتر، ويضيف أن هناك قبر لأحد الصحابه الكرام من العبديين اسمه (حيان العبدي) ويقع جنوب قرية عسكر في منطقة رأس حيان وتحويه مقبرة تعود للقرية نفسها، وعن الأضرحة والمقامات يوضّح أن في القرية ضريح منسوب لصعصة بن صوحان وآخر للشيخ ابراهيم المدفون بالجزيرة القريبة من عسكر، وعن شخصية الشيخ ابراهيم الذي وقعت علامة الاستفهام عليه يوضح الباحث أن هناك عدت آراء تحدثت عن هذه الشخصية مستشهداً برأي الباحث الناصري وهي أن هذه الشخصية تنسب لشخص آخر (بحراني) غير ابراهيم بن مالك الأشتر المدفون بمنطقة (الدجيل) بالعراق، ويضيف في ذات الموضوع أن هناك رواية ذكرها الطبري في حادثة قيام بعض أهل الكوفة والبصرة بالاحتجاجات والثورة بعد مقتل الامام الحسين (ع) ضد الحكم الأموي في فترة يزيد ابن عبد الملك بن مروان وبعد هزيمتهم هربوا من ظلم الدولة الأموية من الكوفة الى البصرة ثم ركبوا البحر حتى وصلوا جزر البحرين وكان معهم مالك ابن ابراهيم ابن مالك الاشتر والتقوا بحاكمها ومثل هذه التفاصيل يذكرها المسعودي وأنه يمكن أن يكون المعني بالشيخ ابراهيم المدفون بالجزيرة هو من ذرية مالك ابن ابراهيم ابن الأشتر، ويذكر الباحث أن هناك بعض الأسر والعوائل البحرينية يقال انها تنحدر من ذرية مالك الأشتر ومنهم (عائلة عبدالحي بالسنابس – وعائلة الفرج بجزيرة المحرق – عائلة سند في قرية جدحفص).


النموذج الثاني: قرية الفارسية

وعن النموذج الثاني من القرى البحرينية تحدث آل عباس عن قرية بحرينية اندثرت حديثاً تُدعى (الفارسية) موضحاً أن موقع القرية جغرافياً يقع جنوب غرب شركة نفط البحرين الوطنية (بابكو)، وانها قديماً كانت محاذية لقرى بحرينية أخرى، وأن لديه صور فوتغرافيه التقطت في منتصف القرن الماضي.

تسمية القرية:
وعن سبب التسمية يوضح الباحث أن هناك عدت آراء متعددة مطروحة ومنها:

1. تنسب الى مقر قائد الجيش الفارسي في عهد نادر شاه الذي استولى على البحرين وكانت معسكر للفرسان والحامية.

2. تنسب الى شخص اسمه عبدالله الفارس وهو قول ضعيف لايستند الى دليل.

3. تنسب الى امرأة فارسية (زوجة نادر شاه) ويلقبها الأهالي بالفارسية وذلك للحط والاستهانه بالحاكم العسكري الذي كان خاضعاً لقرارات زوجته.

ويؤكد الباحث أن التسميه الأقوى تعود لكونها معسكراً كان يتمركز فيه الفرسان جغرافياً ولذلك سميت بالفارسية نسبة للفرسان.

طبيعة القرية:
اما عن جغرافية وطبيعة القرية يؤكد الباحث أن القرية كانت تطل على البحر وأن بها أربع عيون ذات مياه عذبة، ويضيف الباحث نقلاً عن كبار السن أنها كانت دوحة خضراء متشحه بالنخيل والأشجار وقد اتخذها بعض الحكام في فترات حكمهم مصيفاً ومتنزها لهم للراحة والاستجمام، كما كانت مقراً مؤقتاً للقائد العسكري نادر شاه الذي استمتع بجمال طبيعتها الخلابة.

مهنة أهالي قرية الفارسية:
يوضح الباحث أن أهل قرية الفارسية كانوا صيادوا أسماك ولؤلؤ وأن البحر المقابل للفارسية يوجد به خور، أما عن المهنة الأخرى كما هي مهنة أهل القرى الزراعة والفلاحة لاشتهارها بالنخيل والأشجار.

آثار الفارسية:
وعن آثار القرية يؤكد الباحث أن القرية المندثرة كانت فيها عدت آثار منها ما جاء في سجل السيد عدنان في تسجيله للأوقاف أن فيها مسجد تحت اسم (مسجد العين) ومن الآثار أيضاً مسجد (العبد الصالح) ويوجد بها مقبرة، كما في القرية آثار النخيل (جذوع النخيل) واطلال البيوت القديمة ويضيف أنه تم مؤخراً الحصول على رصاصة (فشك) تعود لما قبل العام 1925م.، ويذكر الباحث حادثتين حدثتا قبل عدت سنوات قريبه في إحدى المشاريع التي تقوم بها شركة بابكو وفي أثناء الحفر التوسعه وجد العمال قبور في ذات القرية المندثرة وذلك في عام 2006م وقبل ذلك في عام 1981 م تم الحفر من قبل العمال ووجدوا بعض الهياكل البشرية، مؤكداً أن المنطقة وهي القرية المندثرة قد تعرضت لبعض الوقت لجرف وتغييب وتضييع للكثير من الآثار والشواهد والمعالم الشاهدة على وجود القرية تاريخياً.

فترات النزوح والإندثار:
يؤكد الباحث أن القرية تعرضت لنزوح أهلها عدت مرات وأهمها النزوح الأخير في عام 1918م ثم رجعوا اليها مرة أخرى وكان آخر نزوح لساكنيها هو في العام 1925م وقد تفرّق أهلها في سائر القرى المحاذية أو خارج البحرين.
وعن سبب النزوح والأعمال التي تعرضت لها القريه وأهلها يؤكد الباحث أن هناك عدّت أعمال مجحفة وقعت ضد أهالي قرية الفارسية منها حوادث قتل ونهب وسرقات كواقعة الفارسية الأخيرة التي قتل فيها (عبدالله بن عتيق ومحمد بن يوسف بن قمبر) وقبلها واقعة الحاج أحمد بن حرز، مؤكداً أنّ القرية كانت كثيراً ماتتعرّض لأعمال القرصنة في فترات موسم الغوص وكذلك تتعرض للسلب والنهب بدليل ما أصاب أهلها في نظامي (الإقطاع والسخرة) وهناك العديد من القصص والحكايا تروى للاغتصاب والإهانات وسرقات المزارع والبساتين من قبل الطبقة المتنفذة التي استولت على البساتين الخضراء.

علماء الفارسية:
وعن علماء وفقهاء الفارسية يوضح الباحث أن هناك علماء لم تكتشف أسمائهم لحد الآن ويحتاج الى مزيد من البحث والاستكشاف في المصادر القديمة، ويضيف إلا أن في كتاب (أنوار البدرين) للشيخ علي البلادي قد ذكر اسم (الشيخ محمد الفرساني) وهو من القرية ذاتها قد رحل إلى الإحساء وأقام فيها وله ذريه فيها حتى يومنا هذا ومن ضمنهم 22 عالماً يحملون لقب الفرساني.

قرية جو من القرى البحرانية القديمة:
وفي نهاية المحاضرة كانت هناك مجموعة من المداخلات والأسئلة للحضور أثروا بها الأمسية التاريخية، وفي رد الباحث لسؤال طُرح من أحد الحضور بخصوص عن ما إذا كانت جو قرية بحرينية قديمة ذات أثر تاريخي أكد الباحث أن قرية جو من القرى البحرانية القديمة والعريقة وقد سكنها البحارنة منذ القدم وقد تعرّضت القرية للظلم والسلب والنهب كما تعرضت قرية عسكر لذا نزح أهلها عنها وقد استوطنتها القبائل العربية إبان فترة دخول آل خليفة للبحرين، ويضيف أن القرية كانت تحوي مواقع أثرية وبنايات رفيعه كقلعة جو التاريخية، وأمّا عن أهلها الأصليون فقد نزحوا الى قرى (داركليب- شهركان) ولأهلها آثار شاهده على أصل موطنهم كمأتم (الجواونه) بدار كليب، ويضيف أن هناك قبر في قرية عسكر بجوار قبر صعصعة اسمه (محمد الجوي) وإضافةً لذلك في ذات الموضوع تحدث الباحث التاريخي الشيخ محمد المكباس مشيداً بطرح الباحث وبخدمته في حفظ الترات وتدوين التاريخ البحريني القديم، مؤكداً المكباس أنه التقى بمجموعة أشخاص في جمهورية ايران وأكدوا له هويتهم البحرانية وبأنهم ينحدرون من أصول بحرانية وأن أصول موطنهم قرية جو واسم عائلتهم (الجوي).

شارك برأيك: