صرخة الانتظار للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين
الأستاذ عبد الوهاب حسين


قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
ذكرت هذه الآية الشريفة المباركة في موضعين في القرآن الكريم بنفس اللفظ.. هما: (سورة التوبة آية 33) و(سورة الصف آية 9)

وفي آية أخرى قال الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (سورة الفتح آية 28).
في هذه الآية الشريفة المباركة: “وكفى بالله شهيداً”.. بدلاً من: “ولو كره المشركون”.

هاتين الآيتين الشريفتين المباركتين في القرآن الكريم، تشيران إلى النهاية السعيدة في التاريخ البشري، تلك النهاية التي يتطلع إليها الإنسان بفطرته التي فطر الله تعالى الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وقد عبر الإنسان عنها في تراثه بصور شتى، عبر عنها في صورة نظريات علمية – كما فعلت الماركسية المادية، وفي صورة أساطير تارة أخرى – كما في الكثير من الحضارات القديمة.

المهم: أن هذا الحلم الجميل تتطلع إليه البشرية جمعاء، وأكدته الأديان السماوية بصورة قاطعة، وخاصة الدين الإسلامي الحنيف، وبصورة أوضح في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، في إطار نظرية متكاملة الوجوه، تؤمن بالتوحيد والتدبير الإلهي، والسنن الكونية الحاكمة لمسيرة الإنسان على وجه الأرض، وعمل الإنسان وحريته.. وحركته وفق تلك القوانين، والعوامل المؤثرة فيه من الداخل مثل: الهوى والعقل، ومثل الشهوات.. والأشواق الروحية للملكوت الأعلى، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة من الخارج. وليس هنا مكان شرح النظرية وتوضيح الأوجه المتكاملة فيها، وإنما أريد فقط الإشارة إلى بعض المسائل المتعلقة بهذه النهاية السعيد في التاريخ البشري، وهي نهاية حتمية بكفالة ربانية محكومة بسنن تاريخية صارمة. والمسائل هي:


المسألة الأولى

هذه النهاية السعيد في التاريخ البشري حسب النظرية القرآنية، تأكد سقوط كل النظريات والمدارس والأطروحات والتنظيرات الفكرية الوضعية المخالفة للقرآن والإسلام في كل المجالات وعلى كل الأصعدة، حيث سينكشف زيفها للأجيال القادمة، وتظهر أحقية الإسلام وصوابيته عليها جميعاً، بوضوح الرؤية، وقوة البرهان، وجلاء التجربة، وهذا ما تشير إليه بعض الروايات التي تقول: بأن الله تعالى سوف يظهر (ودائع الله) من الكافرين، حيث سيكتشف الأبناء الذين وصفتهم الرواية بـ(ودائع الله) خطأ ما كان عليه آباؤهم في التفكير.. والأطروحات.. والتنظيرات، ويؤمنون بالدين الإسلامي الحنيف.. واطروحاته.. عن قناعة وبرهان قطعي واضح. وهذا يفرض على المؤمنين أن يعطوا أهمية كبيرة جداً للمسألة الفكرية، وأن تكون أحد المهام الرئيسية في الإعداد لظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وبهذا الصدد: أرغب في الإشارة إلى التشويش الفكري لدى بعض أبناء الجيل الحالي من المسلمين، في الوقت الذي نتطلع فيه إلى المهمة العالمية للإنقاذ الفكري والديني إسلامياً، وهذا في جانب منه.. بسبب نقص الرعاية الفكرية في الوسط الإسلامي للشباب، وعدم متابعة المسئولين عن التوجيه الفكري للجديد في عالم الفكر، وجمودهم على الماضي.. ومحاولة اجتراره، كواحدة من أوجه العجز.. التي يجب أن نتغلب عليها في هذه الأيام، فقد ضيعت الكثير من أبنائنا الأعزاء.


وهنا أذكر شباب التوحيد الأعزاء.. أذكرهم بمسئولياتهم الإنسانية الربانية الضخمة.. التي وضعها الله جل جلاله أمانة في أعناقهم.. وعلى كواهلهم، أذكرهم بذلك.. متجاوزاً العقد النفسية.. والحرب النفسية التي لا ترحم، فأنا أعلم.. بأن هناك من ينتقد هذا الطرح.. ويصفه بالطوباوية، وهناك من يجعله على قدم المساواة مع النظريات المادية البراجماتية.. في التطرف وإنتاج الإرهاب، حيث يزعمون بأن التأكيد على الثوابت والقيم والمباديء السماوية والإنسانية، يفرز الإرهاب شأنه في ذلك شأن النظريات المادية البراجماتية، فيستوي عند هؤلاء المنظرين: إرهاب بوش وشارون والحكام المستبدين، مع جهاد المؤمنين المدافعين عن الحق.. والعدل.. والكرامة الإنسانية.. وحقوق الإنسان.. والمدافعين عن السيادة الوطنية الشرعية.. والاستقلال، ويستوي عند هؤلاء المنظرين: إطروحات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم النورانية الحكيمة.. ومواقفه العادلة، مع إطروحات أبو جهل وأبو سفيان الباطلة المظلمة.. ومواقفهما العدائية الظالمة، فالجميع حسب رؤية هؤلاء المنظرين: يمارسون العنف والإرهاب.. بغض النظر عن حقيقة الأفكار.. والقيم.. والمباديء.. التي يطرحونها. ويطمح أصحاب هذه الاطروحات والتنظيرات الوهمية: إلى سلام شامل يتجاوز – حسب زعمهم – التطرف في الأفكار.. والقيم.. والثوابت، كما يتجاوز التطرف في المصالح المادية البراجماتية.. والمكتسبات غير المشروعة.

ومن المؤسف جداً: أن بعض المتدينين المتلبسين بالسياسية، قد وقعوا في فخ هذه التنظيرات والاطروحات الشيطانية المظلمة الظالمة، وقبلوا بها تحت تأثير من المصالح الدنيوية المادية.. والمعنوية، فأعمتهم عن رؤية الحق.. أو أضعفتهم عن الصدع به، وزعموا بأن الدعوة إلى التمسك بالثوابت تصب في خانة الدعوة للإرهاب، شأنهم في ذلك شأن المنظرين العلمانيين، الذين يدافعون عن الباطل.. والظلم.. والفساد.. ويدعون للقبول بالأمر الواقع.. والاستسلام إليه.. من أجل تحقيق السلام.. والاستقرار.. الموهوم.. القائم على أساس التوافق.. والاعتدال – حسب زعمهم.

والمقام لا يسمح بالعرض التفصيلي لهذه الاطروحات والتنظيرات ومناقشتها بالتفصيل، ولكن لأهمية الموضوع في ساحتنا الوطنية.. والإسلامية، فإني سأناقش الموضوع باختصار يتناسب مع الغاية من الطرح.


أقول: بأن هذه الاطروحات لا تؤمن بوجود حقائق ثابتة في الوجود تمكن معرفتها.. وإثباتها، وإذا وجدت فإنه لا قيمة عملية لها، فالمطلوب هو إيجاد حلول.. براجماتية.. وسطية.. توافقية، تحقق السلام – حسب زعمهم – بعيداً عما يدعى من الحقائق.. والثوابت من القيم والمباديء.. التي تنتج الإرهاب والعنف في العالم – كما يزعمون.

وفي تقديري: فإن هذه الأطروحات.. تعبر عن حالة قلق وتشوش فكري واضح، وشعور بالعجز عن إدراك الحقائق والصبر في البحث عنها، وتعبر عن الضعف أمام المشتهيات النفسية.. والمصالح الدنيوية.. وضغوط الأعداء والقوي المضادة، وتعبر عن فقدان الروح الجهادية.. وعدم الاستعداد للتضحية.. من أجل إحقاق الحق.. وإقامة العدل.. وصيانة الكرامة الإنسانية.. وحقوق الإنسان.. والدفاع عن المقدسات، فقام أصحابها باختلاق أفكار.. ومفاهيم.. وقيم.. ومباديء.. وهمية لا قيمة علمية لها.. ولا قيمة عملية لها أيضاً – كما سيوضح بعد قليل – فإذا كانت الحقائق الواقعية غير موجودة، أو لا تصلح لتأسيس الواقع عليها، فما قيمة الأفكار الوهمية المختلقة، وما قيمة الواقع الذي يؤسس عليها.. بعيداً عن إحقاق الحق.. وإقامة العدل.. وصيانة الحقوق.. وكرامة الإنسان وحفظ إنسانيته ؟!

وإن هذه الاطروحات والتنظيرات من الناحية الوظيفية.. تؤسس للقبول بهيمنة قوى الاستكبار والشر العالمي، وللقبول بقوى الطاغوت والظلم والاستبداد، وسلب الحقوق.. وكبت الحريات، وللقبول بالاحتلال الصهيوني لفلسطين.. وتطبيع العلاقات معه.. والسماح باختراقه لدول المنطقة، قبوله كأمر واقع.. تحت عنوان: الدعوة إلى السلم.. ونبذ العنف والإرهاب، وهي في الحقيقة موظفة.. لتحقيق تلك الأهداف الظالمة.. غير المشروعة.


ومن جهة أخرى: فإن هذه الاطروحات والتنظيرات تقوم على تصور عبثية الوجود وفصل الدين عن الحياة، فهذه الاطروحات والتنظيرات تفصل الإنسان والواقع عن المبدأ والمعاد وعن كل الحقائق والمباديء والقيم حتى الإنسانية منها، وتدعوا إلى إقامة الواقع وقيادته على أساس براجماتي وأفكار توافقية مختلقة لا واقع لها ولا حقيقة.

ومن الناحية الوظيفية إسلامياً: فإن التمسك بالحق.. والحقوق.. والمباديء والقيم السماوية.. والإنسانية السامية الرفيعة – باستثناء التوظيف المنحرف – يعني تكوين واقع إنساني يحفظ كرامة الإنسان.. ويصون حقوقه.. ويدفع بالواقع الإنساني: إلى الأمام.. نحو التطور.. والازدهار.. والأمن.. والاستقرار.. والرخاء.. والسلام الإنساني الواقعي.. القائم على الحق.. والعدل.. وحفظ الحقوق.. وصيانة الكرامة الإنسانية، ويكون التمسك بالثوابت عملية ردع للباطل.. والظلم.. والجور.. والتخلف.. وانتهاك حقوق الإنسان.. وكرامته، وبه نفسر جهاد الأنبياء.. والأوصياء.. وعباد الله المؤمنين الصالحين في الحياة. وأن ادعاء أولئك المنظرين العلمانيين وتوهمهم: بأن السلام يمكن تحقيقه بغير ذلك، ادعاء لا يمكن إثباته علمياً، ولا يمكن تحقيقه عملياً على أرض الواقع، وما هو إلا بمثابة الركض وراء السراب، ولا يمكن من الناحية العملية الفعلية.. إيجاد هذا السلام الموهوم.. في يوم من الأيام على وجه الأرض.

أيها الأحبة الأعزاء: هل تتصورون وجود سلام.. لا يقوم على حق.. ولا على حقوق عادلة.. ولا على ثوابت من القيم والمباديء. سلام يقبل بالظلم وبالجور.. وبسلب الحقوق..وبانتهاك كرامة الإنسان.. وبسحق إنسانيته ؟!
أي سلام هذا.. وما هو الطريق إليه ؟!
وأي عاقل يحترم إنسانيته وكرامته سيقبل به ؟!
إنه سلام موهوم.. لا حقيقة له.. ولا أرضية يقوم عليها، ولن يوجد في يوم من الأيام على وجه الأرض.

وهنا أرغب في توجيه ثلاث رسائل أرى أهميتها.. وهي:
الرسالة الأولى:
أوجهها إلى المتدينين المتلبسين بالسياسة، والذين دفعتهم مصالحهم الدنيوية إلى التصريح بأن التمسك بالثوابت من القيم والمباديء، يدخل في دائرة التحريض على الإرهاب، ويتعاطون على هذا الأساس..

أقول لهؤلاء: بأن عليهم أن يفيقوا من سكرتهم قبل فوات الأوان، وأن يتراجعوا عن مثل هذه التصريحات ويكفوا عن الإصرار عليها، فإن فيها من الناحية النظرية: إدانة لتاريخ الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين.. والخط ألجهادي في الإسلام، ومن الناحية العملية: تصب في مصلحة الوجود الصهيوني.. وتقبل وجوده كأمر واقع، وتقبل وجود الاستكبار العالمي، وقوى الشر والطاغوت.. والظلم والاستبداد.. وسلب الحقوق.. كأمر واقع أيضاً، ومن المتوقع أن الإصرار علي الدخول في هذه الاطروحات والتنظيرات الباطلة.. والدفاع عنها، من المتوقع..أن يؤدي ذلك إلى ترسيخ هذه التصورات الفاسدة في قلوبهم، وتتحول إلى عقيدة راسخة يموتون على الإيمان بها – والعياذ بالله تعالى من ذلك – فتكون مجارات المصالح المادية ممسحة لعقائدهم الحقة.. وأيمانهم بها، وإنه في عقيدة الإنسان المؤمن عدم الأمن من مكر الله تعالى.

قال الله تعالى: {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (سورة الأعراف آية 99).

الرسالة الثانية:
أبعث بها إلى شباب التوحيد الذين يتفاعلون كثيراً مع تلك الاطروحات والتنظيرات الباطلة المظلمة، ويتعاطون معها بحماسة الانفتاح والتحرر والتجديد، وأوصيهم بوجوب أخذ الحيطة والحذر، وأن عليهم أن يسعوا بجد ومسؤولية كبيرة أمام الله تعالى والتأريخ، لتأصيل منهج التوحيد من مصادره المقررة شرعاً.. كبديل حضاري.. وفق منهج علمي صحيح ودقيق، وأقول لهم: لا يجرمنكم بعض ما تجدونه من الأخطاء والقصور والعجز.. عند من تتوقعون منهم الهداية والرشاد، فيصرفكم ذلك إلى تبني هذه الاطروحات والتنظيرات الباطلة، فتتيهون في ظلامها الدامس.. وصحرائها الجرداء، وتحرمون من النور القرآني وبركاته، ومن النور المحمدي وبركاته، ومن نور أهل بيت النبوة عليهم السلام وبركاته.


أيها الشباب الأعزاء: إن هذه الاطروحات.. والتنظيرات.. إلى زوال حتماً – حسب الوعد الإلهي، والمنتظر منكم.. والمأمول فيكم.. أن تشاركوا في نشر نور الهداية السماوية في العالم، ولا يصرفكم عن ذلك.. شياطين الجن والإنس.. الذين يزعمون: بأن هذا التوجه توجها طوباوياً، فيحرمونكم من شرف الإعداد لظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.. الذي هو غاية كل مؤمن فطن، ويحرمونكم من المساهمة في نشر نور الحق السماوي في الأرض.. محلياً.. وعالمياً، ذلك النور الذي وعد الله تعالى بنشره وإظهاره على كل دين.. وكل فكر وتنظير أرضي، ولن يخلف الله وعده، وهو ظهور حتمي بمقتضى ذلك الوعد، وبمقتضى السنن الكونية الحاكمة في الأرض.

الرسالة الثالثة:
أوجهها إلى المسئولين عن التوجيه الفكري الإسلامي، فإن عليهم الانفتاح على الجديد من الفكر.. وهضمه.. ومناقشته بعلمية وموضوعية، وكشف زيف الانحراف.. وإحقاق الحق بموضوعية ونزاهة، فإن الحق قوي في نفسه.. ولا يحتاج إلى المغالطات والالتواءات والعنجهيات، وليس عليهم إلا تأهيل أنفسهم فكرياً.. وروحياً.. وأخلاقياً.. للقيام بهذا الدور الخطير، والانفتاح على العالم ودعوته إلى التمسك بالحق.. وأتباعه، والانفتاح على شبابنا الأعزاء ومحاورتهم، وعدم التكبر أو الاستعلاء عليهم، أو وصفهم بالجهل.. والطيش، فهذا دليل عجز.. ولن يرجع شبابنا الأعزاء إلينا، وأن الذي يرجعهم إلى أحضان الحق.. ويوظف طاقاتهم الخلاقة في خدمته، هو الانفتاح عليهم والمحاورة معهم بكفاءة.. وبكل محبة وسعة صدر، وإذا لم نفعل ذلك.. فسوف يستبدلنا الله تعالى.. بمن هم خير منا.. ليقوموا بهذا الواجب المقدس – كما هو الوعد الحق من عند الله سبحانه وتعالى.


المسألة الثانية

إن تلك النهاية السعيدة للتاريخ البشري، تقتضي زوال قوى الاستكبار العالمي وقوى الشر والطاغوت في العالم والأنظمة والحكومات الظالمة المستبدة.

إن أمريكا سوف تنتهي وتزول من الوجود، والكيان الصهيوني وقوى الشر العالمي سوف تنهزم وتزول من الوجود أيضاً، وكل الحكومات المستبدة سوف تنتهي وتزول من الوجود، ولن يبقى في الأرض إلا الحق.. والعدل.. والأمن.. والازدهار.. والرخاء.. والسعادة.. والتقدم في جميع مجالات الحياة، هذا بيان قرآني للناس جميعاً.. ورحمة للعالمين، ولن ينفع الناس إلا النزول على الحق.. والعدل.. والاستجابة الصادقة لهذا النداء القرآني العظيم، ولن ينفعهم استكبارهم بشيء.. إلا الخسران المبين. وأن هذه الحقيقة القرآنية التاريخية: تتطلب من شباب التوحيد المنتظرين لإمامهم.. وكافة المؤمنين الموحدين المنتظرين لولي الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف المبارك، وجعلنا من أنصاره.. وأعوانه.. والعذابين عنه.. والمسارعين إليه في قضاء حوائجه.. والممتثلين لأوامره.. والمحامين عنه.. والسابقين إلى إرادته.. والمستشهدين بين يديه.. عليه السلام) يتطلب منهم: رفض كل أشكال الظلم.. والاستبداد.. والاستكبار.. ومقاومته.. وعدم قبوله.. أو التعايش معه.. بأي حال من الأحوال، وتصغيره في أنفسهم.. وعدم السماح له بالتضخم.. والانتفاش في الواقع الخارجي بين الناس.

إن عقيدة الانتظار تقتضي هذا الرفض.. والمقاومة، والقضاء على الظلم.. والجور.. والفساد، الذي ملأ الأرض.. على أيدي قوى الشر والطاغوت، وقوى الاستكبار العالمي.. والحكومات المستبدة الظالمة.. المنتشرة في جميع أنحاء العالم، كما تقتضي عقيدة الانتظار: القيام بأعمال التوطئة للظهور الشريف المبارك، بمعنى: تسهيل أمر الانتصار، وتحقيق أهداف الظهور.. بإقامة دولة العدل الإلهي العالمية على وجه الأرض.. وإدارتها.. وتحقيق أهدافها الربانية العظيمة.. وطموحها في تحقيق الأمن.. والراحة.. والرفاهية.. والسعادة للإنسان في الدنيا.. والآخرة، التي هي أهداف جميع الأنبياء.. والأوصياء.. والصالحين.. في جهادهم على مدى التاريخ، وتمثل أسمى طموحاتهم في الحياة.

أيها الأحبة الأعزاء: إن للانتظار مفهومين:


المفهوم الشرعي:
الذي يعني التمسك بالأحكام.. والعمل بالطاعات، وتزكية النفس وتطهيرها من الذنوب والموبقات، والأمر بالمعروف.. والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله تعالى، ومقاومة الظلم والجور.. وانتهاكات حقوق الإنسان وكرامته، والسعي لإحقاق الحق.. وإقامة العدل.. وصيانة الحقوق المشروعة العادلة.. وصيانة حرية الإنسان وكرامته، والإعداد الإيجابي للظهور المبارك.

المفهوم غير الشرعي:
ويعني ترك فريضة الأمر بالمعرف.. والنهي عن المنكر.. والجهاد في سبيل الله تعالى، وإتاحة الفرصة للظلم.. والجور.. والفساد.. بالظهور والانتشار، بحجة أن الظهور الشريف المبارك للإمام القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لن يكون إلا بعد أن تمتلىء الأرض بالظلم..والجور.. والفساد.

وقد نسي هؤلاء: بأن للإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) له: أنصار.. وأعوان.. مجاهدين.. أتقياء.. متمرسين في الحياة.. وفي الجهاد في سبيل الله تعالى، وهم أفراد وجماعات ودول وحكومات، يقومون بدور التوطئة الشاملة للظهور – بحسب الأحاديث الشريفة المباركة المروية عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. وعن أهل البيت عليهم السلام – مما يعني قيامهم بخوض معارك ومواجهات عسكرية وسياسية وثقافية، والقيام بدور التربية الفكرية والروحية والسياسية.. والإعداد الشعبي للظهور الشريف المبارك، وهذا يعني: أن الظهور الشريف المبارك: ما هو إلا حلقة مكملة من حلقات الجهاد في سبيل الله تعالى.. القائمة والمستمرة قبل الظهور الشريف المبارك.. والموطئة له بقيادة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.. وبقيادة الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم في عصر الغيبة الكبرى.


المسألة الثالثة

إن عقيد الانتظار تفرض على المؤمنين المنتظرين تأهيل أنفسهم علمياً.. ونفسياً.. وسلوكياً.. وسياسياً، بحيث يكونوا في مستوى المهمة.. التي عليهم.. أن ينهضوا بها.. على وجه الأرض. عليهم أن يتعلموا الأطروحة الإسلامية المباركة من مصادرها المقررة.. وفق منهج علمي صحيح ودقيق، وأن يكونوا في مراجعة مستمرة للعقيدة.. من أجل تصحيحها.. والتعمق فيها، وأن يستوعبوها.. ويؤمنوا بها.. وينفذوها عملياً في حياتهم، وأن يدعوا إليها عالمياً.. ومحلياً. وعليهم أن يزكوا أنفسهم ويطهروها من الذنوب والموبقات.. ويتحلوا بالتقوى.. وبالصفات الحميدة.. وبالخصال الحسنة، وأن ينموا وجدانهم النفسي.. وذوقهم الجمالي، وأن يهتموا بالجوانب الجمالية.. والأخلاقية في الحياة. عليهم أن ينموا عاطفة العشق لخالقهم سبحانه وتعالى رب العالمين، ولنبيهم.. الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. الذي بلغ ذروة الكمال.. والجمال المعنوي الإنساني، وينموا عاطفة العشق لإمامهم.. وسيدهم.. وقائدهم.. وقدوتهم في الحياة.. الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام.. روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء.. وأن يتعمقوا في معرفة كماله المعنوي وجماله السني.. الذي يأسر قلوب العشاق من المؤمنين، وأن يعشقوا القرآن والسنة.. والكعبة البيت الحرام.. وبيت المقدس.. وكل المقدسات الإسلامية.. والقيم والمباديء الدينية.. والإنسانية، وأن يخرجوا حب الدنيا والباطل من قلوبهم، وعليهم أن يتحلوا بالشجاعة وبالروح الجهادية وبالاستعداد للتضحية من أجل إيمانهم.. وقضاياهم.. ومقدساتهم.. وكرامتهم، وأن يكونوا على وعي سياسي.. وثقافي.. كامل.. بالمحيط الذي يعيشون فيه، حتى يتمكنوا من قيادته وتوجيهه والتأثير فيه.



وفي الختام..

أيها الأحبة الأعزاء..
هل يجدر بنا، أن نرسل صرخة الانتظار المقدسة.. عالية مدوية في السماء.. وفي الأرض، فإن الانتظار الحق.. أفضل عبادة المؤمن، والإعداد للظهور الميمون.. أفضل غاياته في الحياة.

تعني وصرخة الانتظار:
أولاً: رفض الباطل والنظريات والتنظيرات المنحرفة في التفكير، والإصرار على منهج التوحيد والتمسك به.. وتحصيله من مصادره المقررة.. وفق منهج علمي صحيح ودقيق.. والدعوة إليه عالمياً.. ومحلياً.. كبديل حضاري للإنسان على وجه الأرض.. بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.


ثانياً: رفض الظلم والجور والعدوان وانتهاك حقوق الإنسان وكرامته.. ومقاومة كل ذلك بكل وسيلة مشروعة مهما كان الثمن، والإصرار على إقامة العدل والإنصاف.. وصيانة الحقوق.. وحفظ الكرامة الإنسانية.. وعدم التفريط في شيء من ذلك مهما كان الثمن أيضاً، لأنه لا قيمة للإنسان بغير ذلك، وهل يقبل الإنسان العزيز الكريم.. أن يسلب إنسانيته.. تحت أي مبرر.. أو تحت أي عنوان ؟؟

ثالثاً: تأهيل النفس.. وإعدادها.. الإعداد الشامل: فكرياً.. ونفسياً.. وروحياً.. وسلوكياً.. وسياسياً، لكي تكون مهيأة لأن تلعب دوراً إيجابياً فاعلاً في الساحة قبل الظهور.. والتوطئة للظهور الشريف المبارك، والمساهمة الإيجابية في تحقيق النصر.. وإقامة دولة العدل الإلهي العظيمة.. والمساهمة الإيجابية في أنشطة البناء والتعمير والتطوير فيها. وقد أوضحت قبل قليل السبيل إلى هذا الإعداد.

أيها الأحبة الأعزاء..
أكتفي بهذا المقدار، الذي أسأل الله الكريم.. أن يتقبله مني كمشاركة بناءة في خدمة قضية وليه الأعظم عليه السلام، وأستغفر الله الكريم لي ولكم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

شارك برأيك: