ملخص محاضرة
“التربية الدينية للأبناء وأثرها على المجتمع”
سماحة الشيخ هاني البناء
في مطلع حديثنا عن التربية الدينية للأبناء علينا أن نُوضّح معنى التربية أولاً، فالتربية في جذرها اللغوي مأخوذةٍ من كلمة ”الرب“ والمقصود هنا رب الطفل وتقع عليه مسؤولية ولاية الطفل على مستوى الجسد والروح فهو يُغذّيه ويُربّيه ويُؤدّبه.
في المقابل يُقصد بالتربية الدينية عملية بناء الشخصية للإنسان وتكوينها لتعيش سلوك وعقيدة الإسلام وتحقّق أهدافه، ومن هذا الجانب نُركّز في بحثنا على عنصرٍ مهمٍ جداً وهو أهمية التربية.
يتحرك الإنسان بطبيعته من خلال الأفكار والقناعات التي يكتسبها في طفولته، فالإنسان يُولد وهو صفحةٌ بيضاء خاليةٌ من الأفكار لتبدأ بعدها عملية زرع الأفكار لتمتلأ صفحته البيضاء بالقناعات التي تُحدّد مسار حياته مستقبلاً، وهذا ما يُعبّر عنه حديث رسول الله (ص): [ما من مولودٍ إلّا يُولدُ على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه ويُنصّرانه ويُمجّسانه].
يتأثر الإنسان سيّما الطفل بمن حوله والأقرب إليه، لذلك ترى الإبن يتأثر كثيراً بوالديه، وهنا تأتي الخطورة ففي حال أهمل الأبوين دورهما الصحيح في التربية فإن انحراف الأبناء عن الفطرة الطبيعية سيكون كبيراً وقد تتلقّف التيارات المحيطة أولئك الأبناء، وما أخطر زماننا هذا.
في هذا الزمن أصبحت المادية هي المسيطرة واختفت الرحمة حتى على مستوى الوالدين، فترى جانب الأنانية هو الطاغي في الشخصية، فالأب يرى مسؤوليته الوحيدة هي العمل وتوفير لقمة العيش ولا يلتفت إلى تربية أبناءه، أما الأم فتراها تكتفي بطفلٍ واحدٍ أو اثنين وتتعذّر بأعذارٍ واهيةٍ وترمي حمل العناية والتربية على الخادمة لتنشغل هي بالماديات.
لهذا أكّد ديننا الحنيف أن مسؤولية تربية الإنسان المسلم تقع على عاتق المجتمع بأسره وليست مقتصرةً على الوالدين فقط، فالجميع معنيٌّ بصلاح كل فردٍ من أفراد المجتمع، ومن هذا المنطلق أوجب الإسلام وظيفة الأمر بالمعروف والالتزام بها وتأدية حقها، وليس من حق أحدٍ أن يقول للناصح ”مو شغلك“ فهذه العبارة تُمثّل رفضاً لأمر الله عزّ وجلّ.
كيف نشجع أنفسنا على تحمّل مسؤولية التربية؟ نطرح بعض الروايات التي تُشير إلى القيمة الكبيرة التي يتحصّل عليها الفرد في حال أحسن تربية أبناءه، ففي حديثٍ عن رسول الله (ص): [ميراث الله عزّ وجلّ من عبده المؤمن ولدٌ يعبده من بعده]، أي إن تعليم الأبناء الخصال الحسنة كالصلاة والصوم وغيرها من العبادات تُعطي الأبوين حسناتٍ تُوازي حسنات إبنهما القائم بذلك العمل الحسن.
التربية مشروعٌ يحتاج إلى العلم والخبرة وليس إلى الارتجال والتقليد، فليس من الصحيح أن نُقلّد طريقة تربية آبائنا لنا أو تربية أجدادنا لآبائنا، فتلك الطريقة قد ولّى عليها الدهر ولربما نجحت بسبب ظروف وتعقيدات تلك المرحلة، أما الآن فالظروف قد تغيرت وأسلوب التربية القديم بات لا يصلح لوضعنا الحالي.
الإسلام سهّل علينا مهمة التربية ورسم لنا طريقاً واضحاً ما علينا إلا السير عليه، فقد قسّم الإسلام مراحل التربية إلى ثلاث، القسم الأول سبع سنوات، والقسم الثاني سبع سنوات، والقسم الثالث سبع سنوات، وتُمثّل هذه الخطة العامة للتربية.
شبّهت الروايات الطفل في سبع سنينه الأولى بالسيد والسلطان الذي يأمُر فيُطاع، فمنذ نشأته الأولى يُعطى الحنان ويُفسح له المجال للعب ليأخذ راحته ويُكوّن علاقة حبٍّ متينة مع أبويه.
المرحلة الثانية والتي تكون ما بين سنّ السابعة والرابعة عشر يختلف الوضع مع الطفل فبعد أن كان سيداً أصبح الآن عبداً عليه أن يسعى في تعلّم القرآن والأحكام الشرعية، ويُعبّر عن هذه المرحلة بأنها مرحلة الجد، فلا يُترك الطفل على هواه بل يجب أن يُتابع ويُلاحظ.
المرحلة الثالثة والأخيرة والتي يُعبّر عنها بسنّ المراهقة يُصبح ذلك الولد وزيراً يحب أن يشعُر برجولته، وهذا الأمر لا يكون إلا بإعطاء فسحةٍ كبيرةٍ لهُ بإبداء رأيه وتقديم ملاحظاته حتى يتسرّب له شعور القوة، وهذه المرحلة من أخطر المراحل فما إن يُهملها الأبوين يلجأ الولد إلى القيام بتصرفاتٍ ليشعر الطرف الآخر برجولته.
الأولاد يختلفون في طريقة تفكيرهم ومهاراتهم ولكل واحدٍ منهم صفاته الخاصة، لهذا يجب أن نتوقّع ارتكاب الأخطاء منهم إما بسبب الجهل أو قلّة الخبرة أو لجوانبٍ أخرى، هنا يأتي دور الأبوين في التوجيه والتعليم لاكتساب المعرفة وتنمية المرونة وتحويل الصفات الذميمة إلى الحسنة.
الحب يُمثّل حاجةً ضروريةً عند الطفل، فلا يصلُح التعامل مع الأولاد من منطلقٍ عسكري، لذا يجب أن يعرف الأبوين إن كل طفلٍ يحمل صفاته الخاصة المختلفة عن الآخرين، فليس جميع الأطفال أذكياء وشجعان، وهنا يأتي دور الوالدين في معرفة صفات الطفل ومعاملته حسب الصفات التي يمتلكها.
في حديثٍ عن النبي الأكرم (ص): [ويلٌ لأولاد آخر الزمان مِن آبائهم، فقيل يا رسول الله مِن آبائهم المشركين؟ فقال: لا مِن آبائهم المؤمنين، لا يُعلّمونهم شيئاً من الفرائض وإذا تعلّموا أولادهم منعوهم ورضوا عنهم بعرضٍ يسيرٍ من الدنيا فأنا منهم بريءٌ وهم منّي براء].
الحديث النبوي الشريف يكشفُ لنا العديد من الوقائع التي نمرّ بها في الفترة الحالية، وهي إن بعض الآباء يمنعون أبائهم من الذهاب للتعلّم الديني في المساجد بحجّة حرصه على تفوّق إبنه أكاديمياً، وهذا ما يُبيّنه رسول الله (ص) بأنهم رضوا بعرضٍ يسيرٍ من الدنيا.
النقطة الأخيرة وهي إن التعليم الديني في بعض القرى يكادُ أن يكون مهملاً تماماً نظراً لبعض الأسباب التي سألخّصها في النفاط التالية:
– التركيز على الجانب الدنيوي وإهمال الجانب الأخروي.
– الوضع السياسي الصعب الذي تعيشه البلاد.
– عدم تفاعل رجال الدين مع مشاريع التعليم الديني.
– تفضيل التفوّق الأكاديمي على التعليم الديني.
– قوانين وأنظمة الدولة الصعبة التي تُربك العمل الديني.
– الانكماش عن تحمّل مسؤولية التعليم الديني.
– غياب الدعم والتفاعل من أهالي القرى.
– تحديات الزمن وظهور العديد من المُلهيات كالهواتف.
طبعاً لنعالج تلك المشاكل علينا القيام ببعض التعديلات لنُجابه تلك العوائق ونتغلّب عليها، أولاً علينا تطوير النمط المُتّبع بما يتكيّف مع الزمن الذي نعيشه، ثانياً محاولة التواصل مع الأهالي والقائمين على العمل الديني في القرى لإشراك أكبر عددٍ في مجال التعليم الديني، ثالثاً على الجميع تحمّل مسؤوليته من رجال الدين والأهالي فهذه مسؤوليةٌ مجتمعيةٌ غير مقتصرةٍ على الوالدين.