الأسرة المنتظِرة للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين
الأستاذ عبد الوهاب حسين

قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).

قول الله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا}.

مِّنْ أَنفُسِكُمْ: أي من جنسكم، وهو يدل على أن الرجل والمرأة من نفس إنسانية واحدة، ولهما نفس القيمة الوجودية الإنسانية المشتركة الواحدة. فلا فضل لرجل على امرأة، ولا لامرأة على رجل إلا بالعلم والتقوى والعمل الصالح.

فالمرأة العالمة أفضل من الرجل الذي يقل عنها علما.. والعكس صحيح.
والمرأة التقية أفضل من الرجل الذي يقل عنها تقوا.. والعكس صحيح.
والمرأة العاملة أفضل من الرجل الذي يقل عنها عملا.. والعكس صحيح.
َ
أزْوَاجًا: جمع زوج، وهو اثنان من نفس الجنس، يقترن أحدهما بالآخر، على أساس أن كل واحد منهما يفتقر إلى الآخر في خصائصه التكوينية ويكمله. فكل واحد منهما قبل الاقتران ناقص ومحتاج إلى الآخر تكوينا، ثم يصبحان بالاقتران كيانا واحدا متكاملا في الخصائص والأدوار، لتأدية وظائف محددة ومواصلة دورة الحياة على وجه الأرض.

لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا: لتطمئنوا إليها وتألفوا بها ويستأنس بعضكم ببعض. وهذا السكن يقوم على أساس النفس الإنسانية المشتركة الواحدة، والتجاذب بين الزوجين، والتكامل في الخصائص والأدوار، والمنافع المادية والمعنوية المتبادلة بينهما.. أما المنافع المادية: فتتمثل في إشباع الغريزة الجنسية والأولاد والخدمات المتبادلة وتقاسم العمل بينهما في داخل الأسرة.. وأما المنافع المعنوية: فتتمثل في دور الزواج في العفة والطهارة الروحية والرقي والتكامل المعنوي. وقد أشارت الكثير من الأحاديث الشريفة المروية عن أهل البيت عليهم السلام إلى المنافع المعنوية للزواج.. منها: الحديث المروي عن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه: “من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر”.

وأن التعبير بالسكن في الآية الشريفة: يوحي بالكثير من اللطائف والنكات الفكرية والروحية والأخلاقية والاجتماعية. فالسكن يوفر للإنسان الحماية والستر وهو مستودع أسراره، ويشعر فيه الإنسان بالأمن والراحة والاطمئنان.. وهكذا ينبغي أن يكون الزوجان لبعضهما في عش الزوجية.

كما استخدم القرآن الكريم عبارات أخرى توحي بالكثير من اللطائف والنكات المماثلة.. مثل قول الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} فاللباس يستر العورة ويحمي الجسم من البرد وحر الشمس، وهو زينة وجمال للإنسان.. وهكذا ينبغي أن يكون الزوجان في علاقتهما مع بعضهما البعض.

قول الله تعالى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.

المودة: هي الحب الظاهر أثره في مقام العمل.
والرحمة: هي الشفقة الناتجة عن الإحساس بحاجة الطرف الأخر إلى المساعدة والوقوف إلى صفه ومناصرته في الحياة.

هذه هي الأجواء الصحية التي ينبغي أن تتوفر في الأسرة، لينشأ فيها التفاهم والتعاون والتضامن بين أفراد الأسرة، لتنجح الأسرة في تأدية وظائفها التعليمية والتربوية والاجتماعية على أحسن وأكمل وجه. وليس الشجار والتسلط والتنافس على الامتيازات الخاوية داخل الأسرة، وحرص كل طرف منهما على فرض هيمنته وسيطرته على الطرف الآخر، مما يشكل أجواء أسرية سقيمة، تؤدي إلى اضطراب أوضاع الأسرة وفشلها بامتياز في تأدية وظائفها التربوية والتعليمية والاجتماعية. هذه هي الأجواء الصحية التي تنسجم مع الفطرة الإنسانية ويدعو إليها الدين الإسلامي الحنيف. فمن كان متأدبا بآداب الدين الإسلامي الحنيف، ويحمل رسالته في الحياة، فليكن حريصا كامل الحرص على توفير هذه الأجواء في أسرته، لكي تنجح في تأدية وظائفها التعليمية والتربوية وتحقيق أهدافها الرسالية والاجتماعية. وإنني أحذر الأزواج من رؤية كل واحد منهما نفسه في مقابل الآخر، وأنصحهما بأن يذوب كل واحد منهما في الآخر، من أجل تحقيق النجاح المطلوب لبناء الأسرة اجتماعيا ورساليا.. وأذكرهما: بأن رؤية أي من الزوجين لنفسه في مقابل الآخر، يدل على الأنانية وقمة الاستغراق في حب الذات، ويمثل الفشل في المستوى الأدنى لتربية النفس وتهذيبها، وهو الطريق إلى فشل الأسرة في تأدية وظائفها المطلوبة منها اجتماعيا ورساليا.

أيها الأحبة الأعزاء..
إن الأجواء الصحية التي يريدها الله الرب الرحيم في الأسرية، هي نفس الأجواء التي يريدها في المجتمع والدولة، لكي ينجحا في تحقيق الأهداف المنشودة لهما رساليا واجتماعيا.. وهنا أرغب في الإشارة إلى نقطتين هما:

النقطة الأولى:
بين أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة تكامل وحاجات متبادلة، ولهم حقوق وعليهم واجبات لا يجوز الإخلال بها. وأن العلاقات بين أفراد المجتمع وبين الحاكم والمحكوم، يجب أن تقوم على أساس المودة والرحمة والرضا، والتفاهم والتعاون والتضامن من أجل العيش الكريم والمصالح المشتركة، وليس على أساس الصراع وتجاوز الحقوق والواجبات والسعي لفرض الهيمنة بالقوة.. وما لم يتم الالتزام بذلك: فإن البديل هو الاضطراب والإخلال بالأمن وعدم الاستقرار، والفشل في البناء والتعمير والتقدم بالمجتمع والدولة.

النقطة الثانية:
لا يمكن أن تتوفر تلك الأجواء الصحية في المجتمع والدولة ما لم تتوفر في داخل الأسرة. لأن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، وأن الثقافة والتربية والأوضاع الأسرية تنعكس بصورة مباشرة: سلبا وإيجابا على ثقافة وأوضاع المجتمع ككل. وبمناسبة الاحتفال بالمولد السعيد لمنقذ البشرية الحجة بن الحسن العسكري أرواحنا لتراب مقدمه الفداء سوف أسعى للربط بين الموضوعين.

أيها الأحبة الأعزاء..
هناك شروط لظهور القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف منها الشروط الثلاثة التالية:

الشرط الأول:
توفر الجيش المقاتل الذي به يحرر العالم: وهذه مسؤولية الدولة الإسلامية والحركات الإسلامية الجهادية المقاتلة.

الشرط الثاني:
توفر الجهاز الإداري الذي به يدير ويحكم دولة العدل الإلهي العالمية: وهذه مسؤولية الحوزات والجامعات وسائر المؤسسات التعليمية ومؤسسات التدريب والتأهيل.

الشرط الثالث:
توفر البيئة الاجتماعية الحاضنة: وهذه مسؤولية المؤمنين جميعا، وفيها يأتي الحديث عن دور الأسرة المؤمنة، التي تحرص على أن تكون أسرة منتظرة بكل معنى الكلمة، فتتحمل مسؤولية تعريف أبنائها بالإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وبرسالته وقضيته التي ادخره الله جل جلاله من أجلها وتثقفهم بثقافة الانتظار وتربيهم عليه.. مثال:

إذا تأخر الولد أو البنت في تأدية الصلاة.. يقال له: المنتظر للإمام المهدي لا يؤخر أداء الصلاة.
وإذا قصر الولد أو البنت في أداء الواجبات المدرسية.. يقال له: المنتظر للإمام المهدي يجب أن يمتلك كفاءة وقدرات عالية.
وإذا اعتدى الولد أو البنت على أحد إخوانه.. يقال له: المنتظر للإمام المهدي لا يعتدي على الآخرين ولا يظلمهم.
وإذا قصر أحد الزوجين أو الأولاد في مسؤولياته.. يقال له: المنتظر للإمام المهدي لا يخل بالتزاماته ولا يتخلف عن أداء واجباته.

وأيضا حث أفراد الأسرة على قراءة دعاء العهد صباح كل يوم، ودعاء الندبة صباح كل جمعة، والتشجيع على القراءة الجماعية للأدعية في داخل الأسرة بتأثر وخشوع وإجلال لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء والدعاء له والحج والطواف والزيارة نيابة عنه والتصدق بقصد سلامته. فإنه من خلال هذه الأعمال وغيرها من الأعمال المناسبة التي حث أهل البيت عليهم السلام شيعتهم على القيام بها في عصر الغيبة لتأدية حق إمامهم عليهم، تخلق أواصر المحبة والعشق والتعلق والارتباط الروحي به عليه السلام وبهذا وأمثاله نستطيع أن نجعل أسرنا بحق وحقيقة من الأسر المنتظرة، التي تشارك في خلق البيئة الاجتماعية المؤمنة الحاضنة لرسالة الإمام وقضيته ثم تقوم بنصرته فعلا حين ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وفي الختام:
أيها الأحبة الأعزاء أيها المؤمنون والمؤمنات..
أسألكم وأطلب منكم بحق الله وبحق صاحب الذكرى عليكم، أن تهتموا بأسركم، وأن تحرصوا على استقرارها، وإبعادها عن التشاجر والاضطراب والتشاحن، وأن تحفظوا حقوق بعضكم البعض فيها، وأن لا يرى أحدكم نفسه في قبال الأخر، ولا تقصروا ولا تظلموا بعضكم بعضا، وأن تحرصوا على إعطاء الثقافة الإسلامية النقية الأصيلة لأبنائكم، وتربوهم التربية الإسلامية الصالحة، ففي ذلك يتجلى الحب الحقيقي والإخلاص لهم، وليس في إعطائهم أفضل الطعام والشراب والدلال، ثم تسليمهم إلى النار ليكونوا من حطبها ووقودها المستعر، مخالفين في ذلك وصية الله الرب الرحيم.. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} فإنكم إذا التزمتم بما قلت لكم: تكونوا إن شاء الله تعالى على منهج الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وتقدموا له أعظم هدية، وتثلجوا صدره، وتفرحوا قلبه، وترضوه عنكم، وتشاركوه في قضيته وتكونوا من المنتظرين والناصرين له بحق وحقيقة.

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

شارك برأيك: