الباحث سند: أولياء أمور يسمنون أطفالهم

الأستاذ محمد حسن سند
الأستاذ محمد حسن سند

بسهولة ويسر ترصد عيناك خلال سيرك كبر خصر الأطفال من حواليك، وقد تلحظ ذلك خلال تعديل سراويلك لأنك أيضاً تعاني من كبر الخصر. ولا تقف عيناك عند مشهد تعديل الهندام بين فترة وأخرى أو لسيطرة فكرة «جاهل مربرب وحليو» بل تتعداها لمشاكل صحية قد تبدأ في سن الطفولة المرح وكذلك في المستقبل.

منظمة الصحة العالمية تعد سمنة الطفولة إحدى أخطر المشكلات الصحية العمومية في القرن الحادي والعشرين. وتتخذ هذه المشكلة أبعاداً عالمية وهي تصيب، بشكل مطرد، العديد من البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ولاسيما المناطق الحضرية منها. وقد شهدت معدلات انتشار تلك الظاهرة زيادة بشكل مريع. تشير التقديرات إلى أنّ عدد الأطفال الذين يعانون من فرط الوزن في عام 2013 قد تجاوز 42 مليون نسمة على الصعيد العالمي. والجدير بالذكر أنّ نحو 31 مليوناً من أولئك الأطفال يعيشون في البلدان النامية.

وبحكم وقوع البحرين ضمن البلدان النامية لم يفلت أطفالها من السمنة التي بلغت 26 % بين الإناث و22 % بين الذكور بحسب بحث علمي أجرته وزارة الصحة العام الماضي لاستقصاء ارتفاع معدلات السمنة وزيادة الوزن بين فئة الأطفال والمراهقين من 6 – 18 سنة نُشِرَ في نوفمبر الماضي.

الأسباب واضحة وجلية وتنحصر في ثالوث التغذية، والحياة الاجتماعية الرتيبة منزوعة النشاط واللعب واللهو، وعشق تقنيات اللمس المجنون الذي رهن الجميع وعلى رأسهم الأطفال بين الكرسي أو السرير لساعات طوال.

دراسة السمنة اجتماعياً

ويربط الباحث في علم النفس الإرشادي محمد حسن سند بين الإهمال الوالدي وسمنة الأطفال في المرحلة الإبتدائية، وكذلك بين الحماية الزائدة والسمنة في دراسة هي الأولى من نوعها في المملكة. واختار سمنة الأطفال عنواناً لدراسته بعد نقاش مستفيض مع المشرف على الإعداد للدراسة فقد كان المحور العام الذي دار في فلكه البحث عن مشكلة صحية ترجع أسبابها لعوامل اجتماعية ونفسية.

وأوضح: «استقر الرأي مع المشرف بعد تداول الكثير من المواضيع على اختيار سمنة الأطفال موضوعاً للدراسة، لأننا لم نجد بحثاً حول العوامل الاجتماعية المسببة للسمنة وفي المقابل وجدنا الكثير من الأبحاث الطبية في هذا المجال».

وقال أن الدراسة أجريت على عينة من 95 فرداً من أولياء أمور الطلبة في المرحلة الإبتدائية في البحرين الذين لديهم أبناء يعانون من سمنة مفرطة، وتقاسمت الحالات المدروسة بين أولياء الأمور الذكور، وأولياء الأمور الإناث. وبيّن أنه توصل لهذه العينة المختارة بدقة بعد التواصل مع المدارس التي لديها بيانات حجم مؤشر كتلة الجسم BMI والتي يسجلها قسم الصحة المدرسية أو قسم الرياضة بالمدرسة.

وأكد أن بحثه تقّصد من يعاني من سمنة مفرطة، مُبدياً سعادته من تجاوب أولياء الأمور في ملء الاستبيان.

وخلص سند في دراسته إلى أن الوالدين متساوون في الإهمال أو الحماية الزائدة المتسببان في زيادة وزن الأطفال على اختلاف المستوى الأكاديمي وتفاوت الحالة الإقتصادية بينهم.

إهمال وحماية والنتيجة واحدة

ووسع في مفهوم الإهمال الوالدي، قائلاً: «حينما لا يعتني الوالدان بنوعية أكل الطفل، وكميته، وانتظامه في أخذ الوجبات الغذائية فهذا إهمال بيّن. قد يكون منشأه قلة الوعي والمعرفة بالأغذية المناسبة وتأثيرها على الحالة الصحية».

وأكمل: «في المقابل فإن الحماية الزائدة تساهم أيضاً في رفع معدلات السمنة من قبيل الضغط على الأولاد لمواصلة الأكل فوق طاقتهم، وشراء الوجبات السريعة بكثرة وغيرها». لافتاً إلى أن الغني والفقير متساوون أيضاً في هذا مع انتشار مطاعم الوجبات السريعة وكون أسعارها في متناول الجميع.

بحث سند وضع الوالدين في قفص الإتهام لتسببهما في معضلة صحية كما تصفها منظمة الصحة العالمية، وقال: «أن الغرب يعاقب الوالدين المهملين لصحة أولادهما بأخذ الطفل من أحضانهما وتسليمه لعائلة أخرى تتمكن من العناية به. وهدفتُ من خلال البحث للتنبيه على ضرورة الانتباه لهذه المعضلة وأسبابها وأبعادها الاجتماعية والنفسية».

وفي السياق أوضح البحث العلمي الذي أجرته وزارة الصحة ونُشِرَ في نوفمبر الماضي أن السمنة وزيادة الوزن من أكثر الظواهر السلبية انتشاراً بين هذه الفئة العمرية «6 سنوات إلى 18 عاماً»، ما يعني وجود خطر يحدق بمستقبل صحة الناشئة لأنها تؤدي إلى إصابتهم بأمراض مزمنة كأمراض القلب والجهاز الدوري، السكري، هشاشة العظام وغيرها.

وأرجع البحث الذي شمل طلاب المدارس إلى أن الأسباب المباشرة لذلك تنصب على كثرة تناول الأغذية الغنية بالسكريات والدهون بجانب تدني ملحوظ في النشاط البدني وإشاعة الكسل والخمول وكثرة مشاهدة التلفزيون أو ممارسة ألعاب الكمبيوتر والفيديو في الحياة اليومية.

السمين يتعرض للتنمر

ويعود سند ليلقي الضوء على المشاكل الاجتماعية أيضاً، فيقول: «يتعرض الأطفال البدناء للتنمر والمضايقات بسبب سمنتهم، فينعكس ذلك سلباً على حالتهم النفسية وتحصيلهم العلمي». وأكمل: «هناك علاقات أخرى تربط بين السمنة والحالة النفسية فقد اكتشفنا على سبيل المثال حالة لطالب كلما يتضايق يأكل. وبادرنا بالتواصل مع الأب الذي حسّن من معاملة ابنه وعرضه على اخصائي تغذية».

وأوصى سند في أطروحته بضرورة تثقيف أولياء الأمور في كل ما يتعلق بالشأن الغذائي، وكيفية تنسيق الوجبات الغذائية، والحرص على ممارسة الرياضة، وتعريف أبنائهم بمخاطر السمنة، مؤكدة على دور الإعلام في صناعة حملات توعوية لتثقيف الأطفال بمخاطر السمنة وآثارها المترتبة بطرق مبتكرة ومشوقة.

ودعا إلى توفير خدمة الاستشارات الصحية للأطفال في المدارس، خصوصاً فيما يتعلق بطرق الوقاية من السمنة والتعامل معها.

وفي رده على سؤال الوسط الطبي حول أثر التغيرات الاقتصادية على الحالة الاجتماعية ودورها في اختلال رعاية الوالدين للأبناء، فأقر الباحث سند بوجود هذه المشكلة وفصّل: «لا شك أن الحياة الاقتصادية تغيرت كثيراً خلال العقود الماضية فمن الاقتصاد البسيط القائم على الزراعة والصيد البحري، إلى الاقتصاد القائم على الصناعة والقطاع الخدمي. وهذا ما أحدث تغيرات على الصعيد الاجتماعي فأصبح العاملون يغيبون عن بيوتهم لساعات طويلة». وأضاف: «هذا حمّل الأمهات مسؤوليات كبيرة لغياب الأب، كما أن التقدم هيأ للمرأة الدخول لسوق العمل بشكل أوسع فأصبحت مع الأب خارج البيت لساعات طويلة ولذا يعوضان على أولادهم بأشياء أخرى».

ولفت سند إلى أن عمل الوالدين اللذان يغيبان عن المنزل يترك مساحة أكبر للطفل ليتصرف على طريقته فيأكل ما يحلو له، ويكثر من الجلوس أمام شاشة التلفاز، وينتقل منها للأجهزة الذكية من هواتف إلى حواسيب لوحية دون ممارسة أي نشاط رياضي وهذا من عوامل الخطورة في الاصابة بالسمنة.

وعاد ليؤكد على دور الجميع في الوقوف صفاً واحداً للحد من هذه المشكلة الصحية ذات الأبعاد الاجتماعية، مشدداً على أهمية الإعلام في عملية التثقيف الصحي.

فهل ينجح الحراك البحريني في ركنه الاجتماعي في الإفلات من فخ السمنة؟

العدد 5134 – الثلثاء 27 سبتمبر 2016م الموافق 25 ذي الحجة 1437هـ

شارك برأيك: