قرية بربورة ومحاولة تغيير هويتها التاريخية
التسمية:
لا أحد منَّا يجزم بأصل التسمية لهذه القرية البائدة أو البلدة التي «خربت» منذ عهد قريب على حد تعبير المرحوم الشيخ إبراهيم بن ناصر المبارك الهجيري التوبلاني البحراني، فـ «بربورة» كمنطقة عمرانية قديمة اسم تاريخي جذوره ممتدة في الوجدان الشعبي لإنسان هذا البلد وخاصة أبناء المنطقة الممتدة على الساحل الشرقي من خليج توبلي حتى قرية عسكر الشهداء، وخاصة أبناء النويدرات وسند والمعامير وتوبلي وجرداب وجدعلي، وهي اسم ذائع الصيت في تاريخ بلادنا، وخاصة بالنسبة لأجيال سابقة في منطقتنا، ولا تزال تردداته اللفظية ترن في أسماعنا منذ نعومة أظفارنا كما كان مسموعاً يطرق آذان من كان قبلنا، ولا يزال اسمها يتطاول في عمود الزمان، ويسمو على المشككين الساعين إلى طمس هويتها التاريخية.
إنَّ تسمية «بربورة» بالنسبة إلينا مبهمة وغامضة، وكل ما يقال بشأنها مجرد اجتهادات لا تحسم الأمر، وثمة تساؤلات افتراضية قد تكون ذات صلة بالجذور التاريخية للتسمية، ولكنَّها قد تفتح الباب بأي قدر، وتسمح لنا بالمرور والدخول إلى عالمها، ونتساءل:
- هل اسم بربورة بلفظها التاريخي هو لقب لشخص معيَّن كان أول من بدأ العيش على ترابها منذ قرون، فنسبت تسميتها إليه؟.
- هل أنَّ التسمية معبرة عن منطقة واسعة وممتدة جغرافياً، فكان الاسم للدلالة على امتدادها في البر من الشرق تجاه الغرب؟.
- وهل «بربورة» تعني في اللغة العربية «الأرض البائرة» كما ذهب الأستاذ سالم النويدري، وهو من الباحثين الذي أصبحت بحوثه ومؤلفاته من المصادر التاريخية المهمة التي نرجع إليها كباحثين عن تاريخ بلادنا الثقافي؟.
لقد أشار الأستاذ سالم النويدري إلى معنى «بربورة» اللغوي بأنها «الأرض البائرة» في إحدى محاضراته بمجلس فضيلة الشيخ محمد جعفر الجفيري الكائن بقرية الجفير في مساء يوم الأربعاء الموافق 23 أبريل/ نيسان 2008م، وقد سبق للأستاذ سالم أن كرر هذا المعنى عندما عرض مادته التاريخية عن بربورة من خلال شريط إلكتروني مصور في تجمع ثقافي عقد بمسجد الشيخ مؤمن رحمه الله بمنطقة بربورة نفسها بدعوة من شباب النويدرات وذلك في 1428هجرية، وأعاد تحديد اسمها في محاضرته بعنوان «قرى البحرين المندثرة» بمجلس الشيخ محمد جعفر الجفيري في التاريخ المذكور.
ولكن يلحظ أن ناقل المحاضرة الملخصة لم يحدد المصدر اللغوي الذي استند إليه الأستاذ سالم في التحديد اللغوي لمعنى بربورة ومدلولها، ولعل المحاضر أوضح ذلك في محاضرته، ولم ينقله الناقل أو تجاوزه الأستاذ سالم للتركيز على محاور من البحث ذات أهمية أكبر، ولنا أن نتساءل… هل يتسق المعنى اللغوي مع واقع الحال في قرية «بربورة» من ناحية اقتصادية ومن حيث جمالها الطبيعي وخصوبة تربتها الزراعية؟.
فمفهوم «الأرض البائرة» لا يتفق مع أرضها الخصبة، ولا مع شهادة المؤرخين والمعمرين وشاهدي العيان عن جمال قرية بربورة وخضرتها، وتدفق مياهها آنذاك ووفرة إنتاجها خلال فترة ازدهارها من الرطب والتمور ومحاصيلها الزراعية الأخرى كما شهدنا ذلك بأنفسنا، فالأرض البور في معناها اللغوي (أرض غير مزروعة) بخلاف الواقع الطبيعي والاقتصادي لـ «بربورة»، ومن هنا فإنه من الخطأ الاستناد دائماً لمعنى لغوي في فهم أسماء بعض القرى، ونحن ندرك الوعي الكبير للأستاذ سالم لهذه المسألة كباحث في التاريخ الثقافي لعلماء البحرين ومتخصص في الدراسات اللغوية أيضاً، فأحياناً تطلق أسماء قرى تأثراً بأسماء أشخاص أو مواقع أو أماكن، فتحتاج منا هذه الأسماء للإشارة إليها، ولنكن منصفين فإن باحثاً كالأستاذ سالم لا يوثق رأياً كالمعنى اللغوي لاسم قرية ما إلاَّ إذا وجد دليلاَ ينهض بتفسيره واجتهاده، ولكن القصور من طبائع الناس.
وقد عبَّر بعض الباحثين عن هذا الغموض وكأنه إشكالية فعلية، ونحن لا ننفيها، يقول أحد المهتمين بالتراث الثقافي الشعبي: «الاسم بربورة قديم جداً، لا نعرف له تاريخاً، وكل ما نعلمه ذكر في القرن السابع عشر الميلادي، ويبدو أن هذه التسمية أقدم من حاضرتها وهي النويدرات إلاَّ أن بربورة اعتبرت كجزء من قرية النويدرات» بعد زوالها وبقائها مجرد مزارع وبساتين خضراء وآثار مدمرة من الحصى المتهالك شاهدة على وجودها حتى سنين طفولتنا، بل وسنوات شبابنا الباكر، وكنَّا نأمل أن نعثر على خيوط أولية لأصل التسمية دونما حاجة لإثارة أسئلة أقرب إلى الخبط منها للتسمية الصحيحة، بيد أن الغموض قد يستثير الأذهان نحو البحث والتقصي حتى تتبين خيوط ضائعة ومبعثرة للحقيقة، وقد يكون في الزمن متسع لنا لمزيد من البحث لاحقاً لحسم الأمر.
ويلحظ أنَّ البعض من المؤرخين يكتب مرة «بربورة» في مصادرهم الثقافية بتاء مربوطة كما جاء في كتاب «حاضر البحرين» للشيخ إبراهيم المبارك الهجيري التوبلاني وفي كتاب الذخائر للشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور، وحيناً يكتب الاسم من دون تاء مربوطة ويستعاض عنه بألف قد يكون نقلاً خاطئاً أو تصحيفاً أو خطأ مطبعياً، فيكتب لفظها هكذا «بربورا» كما في كتاب «الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر» للشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور، وكذلك ما ذكره التاجر في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أوال»، وقد تكررت كتابة اللفظين في بعض المخطوطات وكتب النسخ وبعض الوثائق الرسمية الحكومية بنفس الكتابات، وباختصار ساءلت نفسي…
– هل تعني بربورة (الأرض الممتدة) أو الشريط الأخضر الطويل كما يقال على لسان البعض أو هي الأرض البائرة كما نقل عن الأستاذ سالم النويدري في إحدى محاضراته أو هي قالب لفظي جميل نجهله؟
ويفسر مفهوم «بربورة» بالأرض الممتدة كلمات وردت في ألفاظ اثنين من المؤرخين البحارنة ينتميان لأسرتين عريقتين، فالشيخ محمد علي آل عصفور رحمه الله يقول في ذخائره «إن بيوت أهل البحرين من قطع الجنوب كانت يومئذ متصلة من خلف قطع الجنوب إلى بربورة وإلى كرزكان» على حد تعبيره، وقد استقى هذه المعلومة من جده الشيخ يوسف آل عصفور صاحب الحدائق «قدس سره» في كشكوله.
ويفيد هذا الكلام بامتداد حدود «القرى المسكونة» جنوباً بين القريتين من بربورة شرقاً إلى كرزكان غرباَ، فإذا وقف الإنسان في بربورة ومدَّ بصره فسوف يجدها أرضاً ممتدة من جهات مختلفة، ولعل ما نفهمه من كلام الشيخ إبراهيم بن الشيخ ناصر آل المبارك بأن بربورة في الزمان القديم «بلاد كبيرة» تأكيده على هذا الامتداد الجغرافي ربما في شريط أخضر طويل، ولكنها نقطة البداية من خلف القطع الجنوبي على حد تعبير الشيخ يوسف العصفور، ومن هنا يحتمل امتدادها من الشرق تجاه الغرب أو جهات أخرى جنوباً وشمالاً بتداخل مجموعة قرى وتشابكها في حدود متصلة أو متقاربة، وبالتعبيرين يرسم المؤرخان خريطة للمناطق الآهلة بالسكان في جنوب ووسط البحرين آنذاك تمتد بين بربورة وكرزكان.
وقد يعني ذلك (وهو أيضاً مجرد افتراض) أن أرض الرفاع بموقعها وحدودها اليوم (قبل تأسيسها) كانت مسكونة في تلك الفترة ثم خربت، وبقيت أرضاً خربة فيما بعد حتى سكنها قبل قرنين من الزمان مجموعات من أبناء القبائل وتحديداً بعد وقوع معركة «أخكيكرة »، حيث «أسس الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة مدينة الرفاع وبنى قلعته فيها، وأصبحت مقراً لسكناه» من بعد انتقاله من سكناه بقرية جو الواقعة على الساحل الشرقي من جنوب البلاد.
ذلك أيضاً مجرد افتراض يتداوله البعض، وبعضهم علماء دين وآخرون من المعمرين المخضرمين الذين أدركوا العيش في سنوات بين قرنين، وهذا يؤكد العمق التاريخي لوجود منطقة بربورة وامتدادها الترابي، فالأرض الممتدة من بربورة حتى كرزكان قد تكون منطقة سكنية تربط بربورة (في فترة ازدهارها) بمنطقة كرزكان في جهة غرب البحرين وخاصة إذا قبلنا بامتداد ما عرف بـ «عالي ثمود» إلى منطقة الرفاع، وهذا بخلاف اليوم حيث امتدت حدود الرفاع إلى عالي واقتربت من حدود القرى التي تجاورها من الجهة الشرقية، أمَّا سكان هذه القرى من مجموعات القرويين، وهم سكانها الأصليون.
وخلاصة القول إن مفهوم «بربورة» قد تعني أرضاً ممتدة أو شريطاً أخضراً طويلاً، وهو مجرد نظرة افتراضية لا نجزم بدقة معناها حتى يتوافر لنا الدليل القاطع، ولكنها على كل حال فرضية منطقية تقبل الجدل والأخذ والعطاء وتبادل الرأي، وتتناسب مع الشريط الأخضر لامتداد بربورة، أو كما ذهب الأستاذ سالم النويدري بأنها الأرض البائرة، والله في كل هذه الاجتهادات أعلم بالحقيقة.
موقع بربورة:
يعيننا على تحديد موقعها الجغرافي خريطة لمملكة البحرين وأقوال المؤرخين من بحرينيين وأجانب وخبرتنا الشخصية في معرفة القرية بعد أن خربت وبادت، وبقيت ذكرياتها عالقة في الأذهان والوجدان الشعبي.
يقول الشيخ إبراهيم آل مبارك وهو يحدد بطريق غير مباشر موقع بربورة ويقر بوجودها التاريخي والجغرافي «إنَّ موقع النويدرات بين العكر وبربورة»، وإذا كانت النويدرات تقع غرب العكر فإنها (أي النويدرات) تحد بربورة من جهة الشمال والشمال الغربي حتى آخر أطرافها الجنوبية الممتدة من جنوب سند إلى جنوب النويدرات ذاتها، وإذا أجلنا النظر في الشريط البري المحاذي للساحل الشرقي من البحرين بالقرب من غرب جزيرة سترة سنجد «بربورة» مرسومة الموقع بوضوح في الخريطة، فهي تحد النويدرات شمالاً وفي جهتها الغربية الشمالية، وتقع حدودها أيضاً جنوب سند بمنطقة بدائع الشيخ حسن، أما جنوب بربورة كما يقال فيمتد لمنطقة شباثة، وقد فصلها الآن عنها شارع رئيسي عام سمي في فترة قصيرة بشارع مجلس التعاون، ثم أعيدت تسميته بشارع الشيخ جابر الصباح.
ومما يلحظ أن الحدود بين قريتي (بربورة والنويدرات) متداخلة دون انقطاع، حيث تتشابك فيها النخيل على نحو يوحد أراضي النويدرات وبربورة، ويوحد كذلك العلاقة بين أهالي القريتين ويوثقها كما يتبين من الخريطة ومن واقع العلاقات التاريخية المستديمة.
وبالتالي فإن «بربورة» تقع جنوب سند لتصل النويدرات الآن بقرية سند، كما يحدها من جهة الغرب منطقة الرفاع الشرقي بعد تأسيسها على يد الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة في مطلع القرن التاسع عشر مع شارع يفصل الرفاع عن بربورة، وهي على بعد (ميلين) كما جاء في دليل الخليج للمؤرخ البريطاني لوريمر، وبالتالي تقع بلدة بربورة في شمال وغرب قرية النويدرات ممتدة حتى أطراف حدودها الجنوبية المتجهة نحو الشارع العام المتجه من دوار ألبا نحو سترة، ومحاذية في شمالها لجنوب قرية سند.
ولتحديد موقعها الجغرافي بدقة سنعرض خريطتين للبحرين منقولتين عن موقع الأستاذ حسين محمد حسين الجمري، حيث توضح الخريطة الأولى موقع قرية بربورة على البر الشرقي من المملكة بالقرب من النويدرات، وهي بعيدة عن الرفاع الشرقي في حدود ميلين كما قال المؤرخ البريطاني لوريمر، ولصيقة بالنويدرات في جهتيها الشمالية والشرقية، أما الخريطة الثانية فيحدد فيها مواقع القرى في البحرين قديماً قبل ثلاثة وأربعة قرون، وتوضح الخريطة وجود بربورة مع قرية العكر بالقرب من الساحل الشرقي المواجه لجزيرة سترة، وتبين إحدى الخريطتين (الخريطة القديمة المرسومة قبل أربعة قرون تقريباً) عدم وجود قرى ومدن أخرى قائمة الآن أو أية قرى بين العكر وبربورة بالجهة الشرقية من البحرين وبين قرية كرزكان غرباً.
جغرافية بربورة:
نظراً لأهمية الطبيعة الجغرافية لقرية بربورة، وحاجتنا لدراسة تخصصية يقوم بها من له دراسة بعلم الجغرافيا فقد اتفقنا مع الأستاذ محمد أحمد سرحان على انجاز هذه المهمة وتزويد دراستنا بأهم خصائص الطبيعة الجغرافية لبربورة،، وقد كتب لنا هذا الجزء من الدراسة مشكوراً.
هوية بربورة:
إنَّ (بربورة) إحدى المدن الحبلى في ماضي جزائر البحرين لها تاريخها وجغرافيتها وعمقها الطبيعي والب، بمعنى أنَّ لها هوية واضحة تعبر عن وجودها المكاني وهو مدار طرحنا، كما لها إضافة لذلك عمقها التاريخي الذي أثر في ثقافة أبنائها، فالذاكرة الجماعية لديهم تحكي ما عايشوه في جغرافية المكان إن كان على مستوى السرد الوصفي لها أو ما اختزنه واقع البيئة من زراعة وعيون عذبة وتجمع حضري من مفردات وأحاسيس أثر في أدبيات وثقافة المجتمع، وباعتبار بربورة جزء من الجزيرة الرئيسية من جزر البحرين فإن تاريخها مرتبط عضوياً بالتاريخ الطبيعي والعمراني في هذه الجزر وخاصة أن بها المقومات الطبيعية كمثيلاتها من واحات وسهول ساحلية للعيش وقيام الأنشطة الاقتصادية القديمة، كما أن وجود الماء على هيئة العيون والينابيع شكل عنصراً مهماً في تعزيز الثقة بالعمق التاريخي لهذه المنطقة.
الحدود المكانية:
بربورة تقع في وسط الطرف الشرقي من الجزء المأهول من الجزيرة الأم على شكل شريط طولي يبلغ امتداده ثلاثة كيلومترات، وحدودها المكانية قد أشار إليها إجمالاً المؤرخ الشيخ محمد علي التاجر في عقد اللآل لبلدة بربورة، وحدّها بقوله (وغربيها «يقصد قرية العكر» قرية بربورة وهي ذات بساتين من النخيل الباسقة وعيون الماء الدافقة، وشرقيها آثار قديمة، وأهلها فلاحون، وشرقيها جنوبا قرية النويدرات)، كذلك ما قاله لوريمر في دليل الخليج إن بربورة على بعد ميلين إلى الشمال الشرقي من الرفاع الشرقي، وفي إشارة أخرى للشيخ إبراهيم المبارك عند حديثه عن موقع النويدرات قال: (ونويدرات مخففاً مصغراً وموقعها بين العكر وبربورة).
ولو رجعنا واقعا لتحديد بربورة بدقة جغرافيا سنجد أن الحدود العرفية لما تواضعت عليه الأهالي القاطنين منذ القدم في المنطقة سنجدها متطابقة مع الحدود المبنية على الظواهر الطبيعية والتي تميز بربورة بشكل واضح ككيان جغرافي مميز على الرغم من بساطة سطح البحرين ومحدودية الظواهر، ففي الجهة الغربية لبربورة حيث الجدار الصخري لهضبة البحرين، أما من جهة الجنوب الشرقي والشرق فتحدها قرية النويدرات الحالية التي جزء كبير منها هو عبارة عن منخفض أقل من مستوى سطح البحر تغمره المياه في فترات موسمية سابقاً، كما تحد بربورة من جهة الشمال قرية سند عند الحد الفاصل العرفي في منطقة البدايع حيث ترى نتوءاً صخرياً وعين ماء بالقرب من المسجد هناك، وصولاً للساحل حيث نهاية الطرف الجنوبي لأشجار القرم.
أما من الجهة الجنوبية فيصل الشريط الطولي لحافة المرتفعات الصخرية عند مصنع التكرير حالياً، مما يمكننا أن نضم منطقة شباثة الواقعة داخل حدود مصنع التكرير حالياً هي الحد الجنوبي لبربورة وماعدا الجدار الصخري الفاصل بين شباثة وقرية الفارسية فلا يوجد حدود طبيعية واضحة فيمكن أن تتصل بسيحة الفارسية المقابلة لمصنع الألمنيوم حالياً، وتصل إلى قرية عسكر جنوباً. واستناداً لذلك فيمكن اتصال بربورة بعسكر وارد تبعا للإشارة التي ذكرها الشيخ يوسف البحراني في الجزء الأول من كشكوله حين قال عليه الرحمة: «وكانت بيوت أهل البحرين يومئذ من خلف قطع الجنوبي متصلة إلى بربورا وإلى كرزكان».
تضاريس السطح:
بربورة باعتبارها منطقة قريبة من الساحل الشرقي فخصائصها تتشابه وبقية المناطق الساحلية في الجزء الشمالي من جزيرة البحرين الأم، إلا أن هناك نوعاً من التميز للساحل الشرقي عن بقية السواحل الأخرى، حيث يمكن أن تلاحظ أن السهل الساحلي ضيق جداً فيكاد يلاصق هضبة البحرين كلما اتجهنا جنوب الساحل الشرقي ويبدأ بالانفراج شمالاً عند بداية ساحل الفارسية، ويتميّز جزء من الساحل الشرقي إلى جانب ضيقه بانخفاض سطحه إلى ما دون سطح البحر في بعض الأماكن، فيظهر جلياً في حالة المد التقارب الشديد بين مياه الساحل والمساحات الزراعية حيث لا يفصل البحر عن أشجار النخيل أكثر من مترين، الذي يلحظ بوضوح عند منطقة الفارسية وبربورة وسند، فهناك ترى آثار جذوع النخل القديمة قريبة جداً من الساحل مباشرة، كما يبرز هذا الانخفاض الشديد في السطح عند المنطقة الواقعة بين قريتي النويدرات والعكر حالياً حيث تغمر مياه البحر هذه المساحات التي تشكل أراضٍ سبخية، وتربة جيرية مشبعة بالمياه المالحة، ويبدأ السطح بالارتفاع كلما اتجهنا غرباً نحو هضبة البحرين كما أسلفنا، كذلك هذا التماس بين الأراضي الزراعية والأراضي السبخية من جهة والتصاقها بالمرتفعات الغربية من جهة أخرى، حصر النشاط الاقتصادي والحضري في بربورة ضمن الشريط الطولي الذي ذكرناه آنفا.
خصائص التربة:
بشكل عام التربة في معظم جزر البحرين تفتقر إلى المواد العضوية وفي أغلبها تشكل طبقة صخرية عليها طبقة بسيطة من الرمال الجافة والمالحة، وهذا الأمر ينسحب على التربة الموجودة في منطقة بربورة، إلا أن الحد الشرقي لها تشكلت أراض سبخية، تربتها شديدة الملوحة ومشبعة بمياه البحر، ومن جهة الغرب فتسيطر الكتل الصخرية الجيرية عند جرف هضبة البحرين على طول امتداد بربورة، وبين المنخفض السبخي والمرتفعات الصخرية يبقى الشريط الطولي لبربورة سهلا ساحليا ذا تربة خصبة نسبيا، مغطى بالرمال القابلة للاستصلاح وخصوصاً مع توافر المياه العذبة.
مصادر المياه العذبة:
توافرت المياه العذبة التي انتشرت على طول هذا الشريط الطولي لبربورة على هيئة عيون طبيعية عذبة، تفجرت من الطبقات السطحية، بمعنى أن المياه مختزنة في طبقات صخرية قريبة من السطح الأرض، لذا اعتمدت بربورة على المصدر المائي الرئيسي الذي يغذي سهلها من مياه الينابيع الطبيعية القادمة من شمال القرية والتي تتصل بينابيع أخرى قادمة من سند وفاران شمالاً عن طريق شبكات قنوات الري.
وباعتبار بربورة هي امتداد للسهل الساحلي الشمالي الشرقي، فعيونها تكتسب نفس الصفات التي أخذتها مثيلاتها ونرجع لموضع آخر يخصص فيه لوريمر بربورة بقوله (يوجد بها ينبوع شمال القرية تروى منه المزروعات)، كما ذكر المؤرخ محمد علي التاجر أن بربورة (ذات بساتين من النخيل الباسقة وعيون الماء الدافقة)، هذه الإشارات من المؤرخين تعطي صورة واضحة عن واقع بربورة المائي في الفترات الماضية، نضيف لها مشاهدات السكان المحليين الذين عايشوا اللحظات الأخيرة لازدهار تلك الينابيع، حيث اعتمدت بربورة بالأساس على ينبوعين رئيسين موجودين في أطرافها الشمالية وهما (عين دباسة) وهي الأكبر والأهم وتسمى محلياً عين عودة، وربما هي من قصدها لوريمر بأنها تروي المزروعات على طول امتداد بربورة، والعين الأخرى هي (أم الشويلي) وهي تقع في الطرف الشمالي الشرقي من بربورة، وبحكم اتصال قنوات الري المحفورة بدقة متناهية فهناك بعض القنوات الكبيرة التي تسمى (الساب) متصلة بالعيون الكبيرة وتستخدم من السكان البعيدين للري والغسيل والاستحمام أيضاً، أما مياه الشرب فتأخذ مباشرة من العيون، كما يوجد اتصال مباشر بواسطة هذه القنوات بالعيون البعيدة نسبياً في منطقة سند.
وقد أحصى مؤرخون وجغرافيون بحرينيون وعرب وأجانب عيون البحرين الطبيعية، وقدَّر لوريمر عدد العيون والآبار الطبيعية بحوالي (40) عيناً وبئراً وينبوعاً طبيعياً للماء، فذكرها بالتحديد كأهم مصادر المياه في عصر زيارته للبلاد مع مطلع القرن العشرين، ولكنه أهمل ذكر بعض العيون لعدم معرفته بأسمائها كإغفاله ذكر عين دباسة في النويدرات وبربورة، واكتفى بذكرها أنها «عين تروي المزروعات»، كما أنه اكتفى بذكر بعض ما اشتهر في البحرين من عيون طبيعية، أما الشيخ محمد علي التاجر فقد ذكر أسماء بعض العيون الطبيعية أثناء زياراته لقرى البحرين ودونها في كتابه «عقد اللآل في تاريخ أوال»، ونقل الباحث المصري د. عثمان غنيم رسماً لخريطة توزيع بعض العيون الطبيعية الهامة عن مصدر رسمي سنعرضه بعد في خريطة للعيون في البحرين مع مجموعة صور لعيني (دباسة وأم الشويلي).
ولا يختلف اثنان من الناس أن سر الحياة في قرية «بربورة» كغيرها من قرى البحرين آنذاك واليوم وغداً مصدره بكل تأكيد تدفق مياهها العذبة من آبارها وعيونها الطبيعية، التي تمد الأراضي الزراعية عبر جداول وقناطر وأنهر صغيرة موزعة ومنتشرة في بساتينها، كانت آنذاك تأخذ حظها الوافر من عناية المزارعين واهتمامهم اليومي، فقد صنع الإنسان في «بربورة» بواسطة تعامله اللائق مع مخلوقات الله مجده الاجتماعي ونشاطه الاقتصادي وتاريخه الثقافي والروحي.
وظلَّ نبض الحياة فيها متدفقاً بدفق المياه من ينابيعها وعيونها الطبيعية كما رأيناها بأعيننا، وكما أشار إليها باحثون سابقون ذكرناهم كالمؤرخ البريطاني ج، ج، لوريمر، والباحثة البحرينية الأستاذة هند عبدالعزيز القصيبي في رسالتها العلمية لنيل درجة الماجستير، وآخرون كعثمان غنيم ومصادر رسمية وهواة تصوير لبعض المشاهد الطبيعية الخلابة في قرية بربورة وفي غيرها.
وهذا ما شهد به د. منصور سرحان وهو أحد أبناء النويدرات بعد تجارب شخصية مع هذه العيون، فقد «كانت ينابيع المياه ببربورة ترفد الأنهار الصغيرة والكبيرة، وتندفع المياه عبر تلك الأنهار إلى جميع أنحاء قرية النويدرات التي كانت محاطة هي الأخرى بالأنهار من جميع الجهات، حيث تسقي جميع بساتين النخيل على شكل غابات كثيفة، ويتذكر كبار السن امتداد الأنهر إلى مناطق أخرى تتعدى النويدرات لتصل إلى منطقتي «شباثة» و«الفارسية» وهما من القرى التي اندثرت وحل محلهما معمل التكرير الحالي.
وكانت قرية بربورة حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين جنة غنَّاء تكثر فيها الينابيع الطبيعية المختلفة، وعيون الماء الكبيرة والصغيرة، وقد اشتهرت بكوكبها (الكوكب نبع ماء على شكل عين صغيرة) الذي يقع على الجهة الشرقية من بربورة، حيث تتكاثر في هذه المنطقة بالذات الينابيع والأنهار والجداول فتسر الناظرين، وعندما تراجعت قوة هذا العنصر في بربورة بدأت تترك أثرها على سير الحياة فيها، ومهدت لاندثارها وبعد هجرة أهلها منها كأحد الأسباب البارزة لاندثار القرى وتجمعاتها البشرية، فتراجع مستوى تدفق الماء سبب طبيعي لخراب القرية وتدهور حالها الاقتصادي والاجتماعي.
١. إنَّ حركة الحياة في بربورة ارتبطت منذ ولادتها التاريخية الأولى – كسائر التجمعات الإنسانية – بالينابيع المائية الطبيعية، وظلت حتى نهاية الستينيات كذلك مرتبطة بعيونها الطبيعية وينابيع الماء فيها التي تتدفق من ثلاث عيون أساسية وهي:
عين «دبَّاسة» وهي ما تعرف لدى الأهالي بـ «العين العودة» التي كانت أكبر وأوسع عين في مساحتها وأنقى بئر طبيعي بمنطقة النويدرات وبربورة، وتتمتع هذه العين بتدفق قوي لمياهها من خلال مخرج نهري رئيسي في أطراف جهتها الشرقية باتجاه شبكة من الجداول الموزعة على أراضٍ واسعة، وكلما تباعدت الأراضي التي تستفيد من مياه عين دباسة (العين العودة) تزايدت شبكة الجداول والأنهر الصغيرة التي تسمح بوصول الماء إلى مزيد من الأراضي المفتوحة على بعضها حتى وإنْ كانت محددة بسياجات أحياناً حتى من سعف النخيل.
وعين دباسة الموجودة بين حدود قريتي النويدرات وبربورة من العيون التي ذكرها الباحثون كالباحثة البحرينية الأستاذة هند القصيبي والجغرافي الأستاذ د. عثمان غنيم في خريطة مصدرها وزارة التجارة والزراعة كما هو مذيل في أسفلها في الجانب الأيسر، كما ذكرها لوريمر ولم يحدد اسمها، لكنه أخطأ في تحديد موقعها فهي في جنوب بربورة وشمال النويدرات، وليست كما ذكر لوريمر أنها تقع شمال قرية بربورة.
تقول الباحثة هند القصيبي:
تقع عين دبَّاسة في أقصى الشمال الغربي من قرية نويدرات، وكان طولها يصل إلى حوالي 57 متراً وعرضها إلى حوالي 12 متراً، ويقع المجرى الرئيسي عند نهاية جزئها الشرقي باتجاه قرية نويدرات، يصل عمق العين حوالي 1.8 متر في الجهة الغربية، ويقل العمق تدريجياً عند الأجزاء الشرقية، ولقد كانت هذه العين من العيون الشهيرة في منطقة نويدرات، وتستغل بشكل كبير في ري المزروعات القريبة منها، وتذكر الباحثة البحرينية هند عبدالعزيز القصيبي جفاف هذه العين فتقول: «توقفت عين دبَّاسة تماماً عن التدفق في العام 1971 مع زيادة قليلة نسبياً في نسبة الملوحة، مما أدى إلى جفاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية المحيطة بها31» وتحولت المنطقة إلى صحراء قاحلة بعد أن كانت جنَّـة غنَّاء.
وكانت مياه هذه العين قبل جفافها وتدهورها على درجة عالية من العذوبة والصفاء لدرجة فيما كنا نتذكره في طفولتنا أننَّا نشاهد بأعيننا قطع النقود المعدنية التي تسقط من أيدينا في اتجاه الأسفل من أرض العين فنعثر عليها بسهولة لأنَّ صفاء مياهها وعمقها المعتدل يساعدنا في رؤية أرضيتها وتشعرنا بالأمان أثناء السباحة فيها، فتبدو لنا نقودنا المعدنية على درجة من الوضوح إذا كنَّا مركزين النظر، كما لو أننا على اليابسة، ثم نغوص فوراً لانتشالها من قاع العين، ونحاول اقتناءها وحفظها من جديد، وقد آل أمر هذه العين الدافقة إلى مصير عيون البحرين الطبيعية الأخرى بنفس الدراما الحزينة، تتجمع الأوساخ ويتراكم الطمي مع تواصل إهمال الناس لها فتسد منابع البئر، ويبدأ جفاف العين، ويقل دفقها مع الأيام حتى تصل إلى الجفاف التام ثم الردم وتسويتها بأية أرض يابسة.
٢. عين صغيرة في شكل دائري، ويقال إنه كوكب (أبو سعود) وتقع بالقرب من عين العين العودة (دباسة) في الجهة الغربية منها، وعلى مسافة لا تزيد على مائة متر تقريباً فيما أتذكره، ونقدر مساحتها في حدود تتراوح بين (6 أمتار في جهتيها الشمالية والجنوبية و7 أمتار من جهتيها الشرقية والغربية)، وبالتالي تبلغ مساحتها التقريبية حوالي (42) متراً مربعاً، وظل ماؤها يتدفق منها حتى أحس الأهالي بتراجع مستوى دفقها منتصف عقد الستينيات، فتدخلوا بجهد جماعي تطوعي – كعادتهم – لتنظيفها وإزالة الطمي وآثاره عن ينبوعها الأساس، لكنهم لم يستطيعوا – لأسباب لا نعلمها – من إبقائها ينبوعاً قادراً على التدفق، فبدأت تتدهور شيئاً فشيئاً حتى خربت مع سائر الأيام، ثم غار ماؤها نهائياً.
٣. عين أم الشويلي: تقع هذه العين في الأطراف الفاصلة بين شمال نويدرات وجنوب – شرق بربورة، ويحيط بها الماء المالح أثناء حركة المد، كما كانت بعض الأعشاب البحرية والبرية محيطة بها من أكثر من طرف، ويبلغ طولهـــا تقــديراً (22) متراً، وعرضها يتراوح ما بين عشرة أو أحد عشر متراً، وكان ماؤها عذباً على الرغم من أن ماء البحر يحيط بها وقت المد كما ذكرنا، ولهذا فإنها تستغل في سقي أشجار النخيل القريبة منها، ويستخدمها الأهالي في الاستحمام وتنظيف وغسل الأواني.
وقد التقطت عدسة كاميرا أحد الباحثين منظرين لعين العودة قبل جفافها والأخرى بعد الجفاف، وفيما يلي عرض خريطة توضح موقع عين دباسة (العين العودة) في بربورة والنويدرات مع مجموعة صور لعين دبَّاسة أو عين العودة، وقد تمت الاستعانة في هذا الصدد بالموقع الإلكتروني للأستاذ حسين محمد حسين الجمري الإلكتروني، بالإضافة لكتاب (جغرافية البحرين) لمؤلفه الجغرافي د. عثمان غنيم في اعتماد الخريطة التالية المأخوذة أصلاً من مصدر رسمي.
مساجد بربورة:
من الصعب حصر مساجد القرية لأننا من جيل لاحق لم ندرك كل هذه المساجد التي تحولت إلى أثر بعد عين، ولم يستطع كبار السن تذكر سوى بعضها، فالمساجد الباقية البالغة تسعة ظل بعضها حتى الآن بأسمائها القديمة، وهي حوالي خمسة مساجد موزعة في مناطق متباعدة نسبياً عن بعضها، وأشهر هذه المساجد مسجد الشيخ مؤمن الذي كان يعد مدرسة دينية أو حوزة علمية للتدريس الشرعي وتدريس الحكمة وبعض العلوم العقلية المرتبطة بالعلوم الشرعية.
والمساجد القديمة الأخرى المعروفة بأسمائها القديمة بالإضافة لمسجد الشيخ مؤمن، مسجد المشرف، والدويرة أو الدوير، ومسجد الدرب الضيقة، وكذلك مسجد البداري، ومسجد الشيخ يوسف كما يقال، وأطلق على بعضها الآخر أسماء جديدة، واعتبرت مواقعها في الوثائق الرسمية ضمن النويدرات كمساجد الإمام الباقر، والإمام الجواد، وسلمان الفارسي، وأبو ذر.
ومما يلفت النظر أن الأهالي من أبناء النويدرات (وهم أكثر الناس ارتباطاً ببربورة وأهاليها) بدأوا في العمل على استعادة هذه المساجد لأدوارها العبادية والاجتماعية والثقافية كإقامة الاحتفالات الدينية والمناسبات الاجتماعية كالزواج واللقاءات الحوارية.
بربورة وإسكان القرى الأربع (النويدرات والعكر والمعامير وسند):
في العام 2008 أكتمل مشروع بناء وحدات سكنية في المنطقة التي كانت تسمى «بربورة»، والوحدات السكنية تمتد في منطقة «سيحة بربورة» و«سيحة النويدرات». وعندما أكتمل مشروع الإسكان تدخل البعض وأطلق تسمية غير موجودة في التاريخ، وهي «هورة سند»،وعليه بدأ الأهالي اعتصاماً مفتوحاً ومستمراً منذ 21 فبراير/ شباط 2008. أهالي المنطقة في القرى الأربع (النويدرات والعكر والمعامير وسند) يرون المنطقة التي أقيم عليها المشروع هي «سيحة بربورة» و«سيحة النويدرات» وفقاً لتاريخهم الطويل مع الأرض والوثائق الرسمية والمراسلات الحكومية التي يحتفظون ببعضها، والمسجل بعضها في أدبيات المجلس البلدي للمنطقة الوسطى.
وبموجب هذه الوثائق تمت تسمية المشروع لهم بوضوح تام، وأنها بالتالي تمثل امتداداً طبيعياً لدائرتهم الخامسة التي تربط بين النويدرات وسند منذ تاريخ بعيد يتخطى أربعة قرون على الأقل، إن لم يكن أكثر عمقاً من الناحية التاريخية، ويصر أبناء المنطقة على أن اسمها القديم «بربورة» وفقاً للمصادر والمخطوطات التاريخية، ولا ينبغي لأحد من الناس التنكر لهذا الاسم التاريخي المتجذر، وإلغاء تسميتها التاريخية منذ قرون متعاقبة، فهي (أي بربورة) على حد تعبير الشيخ إبراهيم المبارك، وهو أحد أبرز مؤرخي الحركة الثقافية من علماء البحرين كانت (بلاداً كبيرة ومنطقة قديمة).
وبيوت أهل البحرين على حد تعبير عملاق البحرين الكبير الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم العصفور البحراني رحمه الله تعالى «متصلة يومئذ من خلف القطع الجنوبي إلى بربورا وإلى كرزكان»، وقد ذكر هذه البيانات التاريخية بعد حديثه مباشرة عن الغزو الأموي للبحرين في عصر عبدالملك بن مروان.
ويفيد النص التاريخي المتقدم والصادر من فقيه عرف بعدالته وتقواه ونبوغه العلمي المتألق، ومؤرخ له يد بيضاء وناصعة على تاريخنا الثقافي، وموسوعي طال بعلمه مختلف علوم عصره الشرعية والعقلية بأن قرى البحرين يومذاك منتشرة منذ قرون في الجزء الشمالي من البلاد، وهي ممتدة نحو الوسط والجنوب من «بربورة» شرقاً إلى «كرزكان» غرباً، ولم يذكر أحد من المؤرخين أو الباحثين العرب أو الأجانب التسمية المختلقة «هورة سند» ضمن زياراتهم الميدانية للمنطقة أو في دراساتهم، بل إنها لم ترد أيضاً على لسان المرحوم الأستاذ ناصر بن جوهر بن مبارك في مؤلفه التاريخي عند ذكر البحرين ومناطقها، وهو مؤرخ متأخر في زمانه عاش في القرن الرابع عشر الهجري.
ومن الصعوبة بمكان قبول شيوع التسمية الجديدة «هورة سند» قبل هذا التاريخ، ولم تثبت حتى اللحظة الراهنة في سجلات المؤرخين ولا في مصادرهم أية إشارات لها حتى يقال إنه تم تزوير الوثائق بشأنها كما يزعم دعاة الهورة، وهذا بخلاف شيوع التسمية التاريخية «بربورة» وانتشارها في مصادر تاريخية عديدة وفي الخطاب الشعبي المتداول، بالإضافة إلى تسجيلها وتثبيتها في السجلات والوثائق الرسمية وخرائط البلاد على نحو قاطع لا غموض فيه ولا التباس، فلا توجد في خريطة البحرين منذ قرون خلت على الساحل الشرقي المواجه لغرب سترة سوى قريتي العكر وبربورة التي يصفها بعض المؤرخين بأنها بلاد كبيرة تبلغ حجم مدينة كما يتردد على ألسن الناس.
ولذا لم يجد أهالي القرى الأربع راحة من هذا الالتفاف على حقوقهم التاريخية، وبدأوا رعتصاما سلمياً منذ 21 فبراير/ شباط 2008 ولازال مستمراً حتى كتابة هذه السطور، تأكيداً بأن بربورة ستبقى حية في الشعور الجمعي لأبناء النويدرات والقرى المجاورة، التي توزعت في شريط أخضر طويل ممتد من جرداب حتى جنوب النويدرات أسماه الأستاذ ناصر خيري بـ «رياض ناضرة واسعة الأطراف»، ويسميه آخرون بحزام أخضر، وقد أحاط بالرفاع الشرقي من الجهة الشرقية، وقد عرف إنسان بربورة وإنسان النويدرات وكل إنسان في الشريط الأخضر معاناة تاريخية سواء في ظروف السلم أو في ظروف المحن والتدهور والتأزم الأمني فاكتوى بأوارها.