قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} (الأحزاب: 45 – 46).
الآية الشريفة المباركة: تخاطب الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} على غير العادة في مخاطبة الله عز وجل للأنبياء سواه، حيث يخاطبهم في العادة بأسمائهم، مثل: يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا عيسى، يا يحي، ولم يخاطبهم بمثل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} و {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}. وفي ذلك تكريما له وتعظيما لشأنه عليهم جميعا، ودليل على أنه قد ملك ناصية النبوة وحقيقتها الكاملة، وأن له من الخصوصيات عند الله (عز وجل) ما ليس لغيره من الأنبياء.
وتؤكد الآية الشريفة المباركة: على أنه رسول من الله عز وجل يحمل رسالته الكريمة إلى الناس جميعا {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} وتذكر الآيتان (45 ـ 46 من سورة الأحزاب، اللتان نحن بصدد الحديث حولهما) له خمسة أوصاف تقوم عليها رسالته إلى الناس، وكلها أوصاف كمال وجمال، وهي:
الصفة (1) {شَاهِدًا}
تقول شهد الشيء: أي حضره وعاينه. وشهد على كذا: أي أخبر به عن يقين، فهو شاهد. والجمع: شهود وأشهاد. والشهيد: الأمين في شهادته.
والآية الشريفة المباركة تتناول شهادة للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذات أبعاد عديدة شاملة، منها: شهادته لله عز وجل بالوحدانية والعدل {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18) وشهادته على الأنبياء السابقين والأوصياء: السابقين واللاحقين. فالرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو شاهد على الشهود من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.
قال الله سبحانه وتعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا} (النساء: 41).
وقال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).
وهو شاهد على أمم الأنبياء السابقين وعلى أمته إلى يوم القيامة، بأنهم قد أبلغوا رسالات ربهم، وشاهد على مواقفهم منها (شاهد للمؤمنين بأنهم قد أطاعوا واتبعوا، وشاهد على المكذبين بأنهم قد عصوا وخالفوا) وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم يقدم تقريرا شاملا بين يدي الله عز وجل في يوم القيامة عن إبلاغ الأنبياء عليهم السلام لرسالة ربهم إلى الناس، وعن مواقف الناس منها.
ومن الواضح: بأن الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الصادق المصدق، فأبرز صفاته الصدق، وهو أس الفضائل وأصلها، فيستحيل عليه الكذب والخيانة والسفاهة والخطأ.. فشهادته: شهادة حق وعدل، والنتيجة: هنيئا لمن يشهد لهم حيث النجاة والنعيم المقيم والسعادة الأبدية، والويل لمن يشهد عليهم حيث الخيبة والخسارة والتعاسة والعذاب المقيم والشقاء الأبدي.
والسؤال: من المفهوم أن يكون الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) شاهدا على أصحابه، حيث أنه يعيش معهم، ولكن كيف يكون شاهدا على الأنبياء السابقين وأممهم، وعلى الأوصياء بعده وعلى أمته بعد وفاته إلى يوم القيامة وهو غائب عنهم ؟!
الجواب: أن هذه الشهادة التي يذكرها القرآن الكريم للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أنه يتمتع بحالة إشرافية وجودية تتجاوز حدود الزمان والمكان الذين يعيش فيهما، تمكنه من الإطلاع والهيمنة على مسيرة الإنسان منذ أبينا آدم عليه السلام وحتى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، بل أوسع من ذلك. وهذه الحالة الإشرافية لا تنفصل عن كماله الروحي والمعنوي وسموه العقلي والأخلاقي، فهي تتطلب كمالا روحيا يحمله إلى الأفق الأرحب ويمنحه هذه الحالة الإشرافية العظيمة. وهذا بدوره لا ينفصل عن كمال الرسالة التي يحملها وشمولها وخاتميتها وحاكميتها على جميع الرسالات السابقة، مما يدل على أن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتمتع بأفضلية وجودية واقعية على جميع البشر، بمن فيهم جميع الأنبياء عليهم السلام.
وقبل أن انتقل من الحديث عن هذه الصفة، أقول: أن كل مؤمن ومسلم يعشق الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكل عاشق حريص على كسب رضا معشوقه وأن لا يدخل الأذى إلى قلبه. وقد علمنا علما يقينيا بأن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مطلع على أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، قول الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105) فإذا حسنت أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، فإن من شأن ذلك أن يدخل البهجة والسرور إلى قلبه المقدس صلى الله عليه وآله وسلم وإذا ساءت أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، فإن من شان ذلك أن يدخل الأذى إلى قلبه المقدس صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كنا عاشقين للرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحق وحقيقة، فليكن لنا كامل الحرص على أن تحسن أعمالنا وأحوالنا وأوضاعنا الفردية والمجتمعية، وأنبه: لا يكفي حرصنا على أن تحسن أعمالنا وأحوالنا الفردية، وإنما المجتمعية أيضا.
قال الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة: 128).
الجدير بالذكر: أن الأمة التي تتبع الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحق وحقيقة، ينبغي أن تعكس أوضاعها الفكرية والروحية والاجتماعية والحضارية وغيرها صفات الكمال التي يتمتع بها، وإلا فإنها لا تتبعه حق الإتباع.
الصفة (2) {مُبَشِّرًا}
البشرى هي الخبر السار، والبشير والمبشر: هو مبلغ البشرى.
فالرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مبشرا للمؤمنين المطيعين بالرحمة الإلهية وبالكمال الإنساني والحياة الطيبة في ظل فعل الخيرات وعمل الصالحات وبالمنزلة الرفيعة والثواب العظيم المقيم والسعادة الأبدية في الآخرة.
الصفة (3) {نَذِيرًا}
تقول أنذره الشيء: أي أعلمه به وخوفه منه. والنذير والمنذر: هو القائم بعملية الإنذار. والجمع: نذر. فالرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم منذرا للمكذبين والعاصين بالانحطاط والانسلاخ من إنسانيتهم {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} وبالحياة الخبيثة القذرة في ظل فعل المنكرات والمعاصي وبضنك العيش وإن كانوا أغنياء أو ملوكا أو سلاطين أو رؤساء جمهوريات أو غيره وفي كامل صحتهم في ظل الإعراض عن ذكر الله عز وجل {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} وبالعذاب العظيم المقيم والشقاء الأبدي في الآخرة.
وهذان الوصفان: {مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} يرتبطان بحقيقة الإنسان من جهة: أن الإيمان والطاعة هما السبيل الوجودي إلى الكمال الإنساني والحياة الطيبة والسعادة الأبدية كنتيجة وجودية حتمية لهذا الطريق. وأن الكفر والمعصية هما السبيل الوجودي إلى النقص والانحطاط والانسلاخ من الإنسانية وإلى الحياة الخبيثة وضنك العيش والشقاء الأبدي كنتيجة وجودية حتمية لهذا الطريق، فالجنة: كمال روحي وقرب معنوي من الله عز وجل والسعادة حالة ملازمة لذلك، والنار: نقص روحي وبعد معنوي عن الله عز وجل والشقاء حالة ملازمة لذلك، مع التنبيه: بأن العبرة هي بالنوع في الأعمال الذي يعكس حالة الصدق والإخلاص والإيمان أو الكفر والكذب والرياء والسمعة، وليس بالكم فيها.
والوصفان يرتبطان بحقيقة الإنسان من جهة: أن الإنسان مفطور على جلب المنفعة لنفسه ودفع الضرر عنها، وهاتان الصفتان اللتان تقوم عليهما الرسالة، هما خطاب لهذه الفطرة الإنسانية، مع التنبيه إلى أنه لا توجد منفعة أكبر من المنفعة المترتبة على الاستجابة لدعوة الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون الإنسان أحرص عليها منها، ولا يوجد ضرر أكبر من الضرر المترتب على الإعراض عن دعوة الرسول الأعظم الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون الإنسان أحرص على الحذر منه ودفع ضرره عن نفسه.
الصفة (4) {دَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ}
دعاه إلى الأمر: ساقه إليه، والداعي: هو من يدعو الناس إلى دين أو مذهب أو أي أمر آخر، ودعوة الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هي دعوة إلى توحيد الله عز وجل وطاعته.
ونحن نعلم بأن هناك تكليف عام لكل مسلم بالدعوة إلى الله عز وجل.
قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).
وقال الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33).
والوصف في الآية موضوع البحث: يدل على النبوة بدلالة لفظ {بِإِذْنِهِ} فهو مكلف بالدعوة إلى الله عز وجل على أساس النبوة والوحي من الله جل جلاله. وهذه الدعوة تمثل الأساس للحياة الإنسانية الكريمة الطيبة على صعيد الأفراد والمجتمعات والشعوب والأمم، وقد بلغ رسالة ربه إلى الناس وقام بأمر الدعوة على أحسن وجه وأكمله، وقدم التضحيات الجسام: من نفسه المقدسة وأهل بيته وأصحابه، غير واهن ولا مقصر، ولم يطلب في مقابل ذلك من الناس أجر ولا شكورا.. حتى الزعامة والقيادة: كانت قضية رسالية تقوم على أساس تحمل المسؤولية والتضحية والفداء من أجل الهداية وإقامة العدل والأمن والاستقرار والتقدم والرخاء للإنسانية (الشعوب والأمم) وليس من أجل المنافع المادية والمكاسب والشخصية. وقد اجتمع له من أسباب الكمال والفضل والشرف، ما يوقع في نفوس الناس استعظامه والتأثر به، وقبول دعوته.. ونحن في مقابل ذلك: مكلفون بالاستجابة إلى هذه الدعوة الكريمة، لأن فيها صلاحنا وسعادتنا وحياتنا الطيبة في الدنيا والآخرة.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24).
وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96).
الصفة (5) {سِرَاجًا مُّنِيرًا}
السراج هو المصباح، ويطلق على كل مصدر للنور أو كل شيء مضيء. فالرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يهتدي الناس بنوره الملكوتي (تعاليمه وسيرته) ليخرجوا من الظلمات المعنوية، مثل: الحيرة والشك والكفر والضلال والمعصية، نحو الإيمان والطاعة واليقين والكمال والحياة الطيبة والسعادة الأبدية التي هي غاية وجودهم في الحياة، كما يهتدي الناس بالسراج في الظلمات المادية.
ولفظ السراج أطلق في القرآن الكريم على الشمس {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} (نوح: 16) ووصف الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالسراج، يدل على أمرين مهمين، وهما:
الأمر (1): أن هديه ونوره الملكوتي الذي يضيء الطريق للناس نحو الكمال والسعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ظاهر كالشمس لا ينكرها إلا مكابر.
الأمر (2): أن هديه ونوره ينبع من نفسه الملكوتية الطاهرة، وليس مكتسبا من مصدر آخر غير الله عز وجل، ففكره، وروحيته، وأخلاقه، وسلوكه، ومواقفه، كلها تدل على صدق دعوته وأحقيتها لدى كل عاقل بصير، كما يدل نور الشمس على وجودها.
وقد جاء الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالتصور الواضح النير ـ الذي لا شبهة فيه ولا غموض ـ للوجود وعلاقته بالموجد، ولمكانة الإنسان فيه، وللقيم التي تقوم عليها مسيرة الإنسان في الحياة، وذلك كله: بأسلوب يخاطب الفطرة والعقل والضمير، وهذا من فضل الله عز وجل ومننه الكبرى على الإنسان، بل هو أعظم نعمة أنعم بها عليه.
ومن الواضح لكل بصير: بأن هذا النور مرتبط بكماله وسموه العقلي والروحي والأخلاقي، فهو يعبر عن حالة وجودية واقعية للنور والهداية، وليست حالة اعتبارية موهومة، تخضع للأمزجة والتقديرات الشخصية.
ونحن نعلم: بأن الإنسان يشعر بالإنس والاطمئنان والراحة مع النور، وبالوحشة وعدم الاطمئنان مع الظلام.. والنور: يطرد الوحوش والسراق، والظلام يجمعهم. وهنا يكمن الدرس الأكبر الذي ينبغي أن نتعلمه في علاقتنا مع مرجعياتنا كافة: الفكرية والروحية والسياسية وغيرها، حيث ينبغي أن تكون لها صفات كمال حقيقية، وعلاقة وجودية مع الله ذي الجلال والإكرام، مما يجعل لها نورا حقيقيا واقعيا يؤهلها لحمل الرسالة وتبليغها إلى الناس وتطبيقها على أرض الواقع (تمتلك الرؤية والقدرة على التطبيق بكفاءة) فنعيش الاطمئنان التام إلى منهجها، وأطروحاتها، وسلوكها، ومواقفها العامة في الحياة، لا أن نخترع لأنفسنا مرجعيات، ونتوهم لها نورا، ثم نبرر أخطاء منهجها وأطروحاتها وسلوكها ومواقفها، ولو كانت قاتلة في الحقيقة والواقع، فنكون من التعساء الهالكين في الدنيا والآخرة.
والخلاصة: أن المؤمن يستنير في جميع شؤون حياته بالأنوار الحقيقية التي لها صفة واقعية يكتشفها بنفسه ويعلم واقعيتها، وليست الأنوار الوهمية التي يخترعها بهوى نفسه ورغباته ليضل بها نفسه وغيره، مع التنبيه: إلى أن ذلك يحتاج إلى الصدق مع الله عز وجل ومع النفس، وذلك هو السبيل الوحيد للحصول على النجاة والفوز بالجنة.
وهنا ينبغي التنبيه إلى ضرورة التمييز بين المبدأ والتطبيق، فقد يكون المبدأ صحيحا، ولكن التطبيق ليس كذلك.. مثال: طاعة ولي الأمر واجبة، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ولكن الدعوة إلى طاعة الحكام الجائرين على أساس أنهم من أولي الأمر ليس صحيحا، بل من المستحيل أن يأمر الله جل جلاله بطاعتهم، لأن ذلك بخلاف عدله وكماله، وهو بحسب الحقيقة والواقع: يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن البغي والظلم والعدوان.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90).
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ وتقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.