بربورة القرية البحرانية المندثرة (كتاب توثيقي) – ٥ – علماء بربورة في كتب التراجم

يوسف مدن

علماء بربورة في كتب التراجم

مدخل عن أهمية التراث الثقافي:
من الحقائق الاجتماعية الكبرى الممتدة في العمق التاريخي للشعوب أنها تترك في حياتها تاريخاً يمتد إلى حاضرها نتيجة تأثير مجموعة من التراكمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والتفاعلات المباشرة وغير المباشرة بين الناس في هذا المجتمع وفي غيره من المجتمعات الإنسانية، ويطوي كلاهما، التاريخ والحاضر، في داخلهما مكونات تراث إنساني لكل مجتمع على حدة، ولهذا فإن التراث الثقافي لشعب معين يمتد من عصر لعصر لاحق ويكون حاضراً في التأثير في الناس لمجرد أن تراث هذا المجتمع لا يزال له بصماته، ولا يزال يحفر في أفكار الناس وتصرفاتهم ومشاعرهم خطوطاً مؤثرة في حياتهم الحاضرة، وربما في مستقبلهم.

ولولا هذا الامتداد لنسي الناس كل تاريخ طوى نفسه ولم يعد أحد منهم يرتبط بماضيه، ولما حدثت علائق تفاعل اجتماعي بين شعوب في عصر ما وآخرين من البشر في عصر سابق أو لاحق، ولما عُرِفَ شيء في مجال المعرفة بـ «علم التاريخ » وفلسفته التي تتضمن قوانين لضبط حركة المجتمعات ومسيرتها التاريخية.

فالتراث الثقافي الإنساني هو الأفكار والآداب واللغات والممارسات السلوكية المادية والمعنوية الذي خلفه شعب في فترة معينة وامتد في حياة شعب آخر أتى بعده في حركة الزمان، وهو بلغة بسيطة عنصر ضروري لصقل الشخصية الإنسانية إذا ما استثمر الإنسان العناصر الإيجابية في التراث الذي تعرف عليه وعاش في سياقاته التاريخية والنفسية والثقافية والروحية وغيرها.

وهذا التراث الثقافي – كما يعلم الجميع – تم نقله بأساليب متنوعة عبر زمان طويل عاشه الإنسـان كالتناقل الشفهي، والكتابة التاريخية المدونة، وكتب التراجم وغيرها من الآثار المادية، وكذلك بالصور والآثار المادية مثل الكتابات على القبور، بالتالي فإن مصادر نقل التراث الثقافي والاجتماعي لهذا المجتمع أو ذاك هو ما يحفظه وتراثه في حركة الزمان، وهنا تكمن أهمية مصادر الإمامية في الحفاظ على جزء من التراث الثقافي لعلماء بربورة وغيرها من الأماكن التي شهدت حركات ثقافية لا بغرض تدوينه فحسب، وإنَّما استحضاره وانتقاء المناسب منه لتوجيه الإنسان في حياته الجديدة والمعاصرة، فلا يوجد – بالأمس واليوم وغداً – تراث ثقافي لجماعة بشرية بلا مصادر احتضنته وحفظته، ولا يوجد إنسان بلا تاريخ، وبالتالي من الصعوبة بمكان التعرف على التراث الثقافي لمجتمع (بربورة) بدون وجود هذه المصادر، وأننا قد واجهنا صعوبات في التعرف على هذا التراث بسبب نقص وقلة المصادر، بل وعدمها أحياناً، ولكن الإنسان قادر على أن يقطع مسافة الألف ميل بالإرادة والتحدي، وبإصراره على البدء بتجاوز الخطوة الأولى من هذه المسافة.

مكونات التراث الثقافي عند علماء بربورة:
تجسد التراث الثقافي لعلماء بربورة – كما جاء في مصادر التراجم – في مجموعة من المكونات المتداخلة يمكن حصرها بما يأتي:

  • الإنسان.
  • الدين.
  • التفاعل بين الإنسان والدين.
  • المكون الزمني والمكاني.
  • المكونات المادية.
  • الناتج المعرفي للتفاعل الثقافي.

1. الإنسان:
بالرغم من محدودية مصادر دراسة التراث الثقافي لعلماء بربورة في كتب التراجم وفي غيرها أيضاً فإنها قد حرصت – بالقدر المتاح – على تأكيد دور الإنسان واهتمامه في طلب العلم والمشاركة في عملياته كالتدريس والمهام والعمليات الثقافية الأخرى، وتوظيف القدرات العقلية للناس على إشباع حاجاتهم المعرفية والروحية عن طريق تعلم الأحكام الشرعية ودراسة علوم الشريعة وما يعززها من العلوم العقلية السائدة في عصرهم، وكانت أدوار الإنسان البربوري أبرز مكونات التراث الثقافي الذي لايزال بعضه بأيدينا، فما نجده من رسائل ومخطوطات ومراكز علم ومعرفة هي من إنجازاته.

2. الدين:
الدين في نظر علماء بربورة، وعند كل علماء الأمة هو ضرورة روحية – عقلية للإنسان يجب دراسته كمعرفة موجهة للفكر والمشاعر والسلوك للناس، وهو جهة تنظيمية ضابطة لحياتهم، وبدون الإيمان بالدين كمصدر للمعرفة يصعب الإفادة من محتواه الفكري والروحي في تكوين وعي بقيمته في حركة الحياة، ويصعب فهم أثره في تكوين التراث الثقافي والروحي للمجتمع البربوري.

لهذا اجتهد علماء بربورة – كعلماء روحانيين – تحت ضغط ظروفهم الصعبة وتوجيهات المشرع الإسلامي في توليد تراث ثقافي خاص بهم وموصول بالدين وقيمه وعلومه وأحكامه لضبط حياة الإنسان، فهو دعامة دينية وبُنْيَة تحتية لهذا التراث، وقد رأينا في مصادر التراجم الإشارات الواضحة في خدمة الدين وتوظيفه في خدمة الإنسان المسلم.

3. التفاعل بين الإنسان والدين:
يمثل عقل الإنسان – كما يقرر الإمام علي – شرعاً من داخله، ويمثل الدين في الوقت نفسه عقلاً من خارجه، ولا يمكن أن يتصل العقل الداخلي بالعقل الخارجي ما لم يباشر الأول مهمته في استثمار الأفكار التي يختزنها الدين كمصدر للمعرفة وتعلم الأحكام الشرعية ذات البعد الثقافي، وبالتالي يجسد الدين عملا ثقافياً خلاقاً وإبداعياً وتفاعلياً للإنسان، وبذلك يكون الدين حركة تفجيرية للقدرات العقلية الذاتية لدى الإنسان، قد ترك علماء بربورة آثارهم في الثقافة كدليل على تفاعلهم النشط مع الدين، فما تركوه من علم وتراث فكري في كتب منسوخة ومخطوطات هو تعبير حي عن هذا التفاعل بين العقل البربوري واهتماماته الدينية في توليد المعرفة التي كان يحتاجها في حياته ولتوجيه مجتمع قريته.

4. المكون الزمني والبعد المكاني:
للزمان والمكان – كعنصرين متجاورين – تأثيرهما في صنع نسيج التراث الثقافي وخيوطه الإنسانية، وينسحب هذا التأثير على النسيج الثقافي للقرية التي نشير إلى نسيجها الاجتماعي وتراثها الثقافي، فالتراث الثقافي لعلماء بربورة من مخطوطات ورسائل وعمليات وأدوار للتفاعل الثقافي قد ولدت كآثار معرفية ومادية في فترة قيام القرية منذ القرن الحادي الهجري، وربما لفترة أبعد واستمر حتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري، فالزمن مكون حيوي في حركة الحياة بالقرية وبانجازات أهلها على امتداد وجودها التاريخي.

أما العنصر المكاني فتم إنتاج تراثها في القرية نفسها وفي قرى أخرى تعلم فيها علماؤها كقرية «مقابة » التي تعلم فيها على يد شيخه المقابي، وكذلك تلقي علماء بربورة العلم والمعرفة في خارج البحرين كما في مدينة «شاهجهان » الهندية.

5. المكونات المادية:
ونعني بها كل الأدوات المادية التي استخدمت في إنتاج تراث بربورة الثقافي وساهمت في تقدمه ونشره، أو كل أثر مادي دلَّ عليه كالرسائل والمخطوطات، ويمكن أن نلحظ هذه المكونات في منجزات مادية أخرى كالمساجد والحوزات ومراكز التعلم التي لايزال الناس يتناقلون أقوالهم بشأنها حتى الآن، وقد أعيد بناء بعض هذه المساجد في موضعها التاريخي السابق لتظل شاهدة على وجودها التاريخي.

6. الناتج المعرفي للتفاعل بين الإنسان والدين والعلوم السائدة:
وتجلى ذلك في توجه علماء بربورة نحو المعرفة وقيام حوزات تدريس علمية وفقهية لتعلم وتدريس علوم الشريعة والحكمة العقلية، وممارسة أنشطة وعمليات ثقافية كالتدريس وتصنيف الكتب وتأليفها، وكتابة مخطوطات ونسخ رسائل عبر تاريخ ثقافي معين، فما نتج عن التفاعل هو عنصر تطبيقي وثمرة للتفاعل الحي بين الإنسان البربوري ودينه الذي آمن به واعتقد بتأثيراته على حياته الشخصية والعامة والاجتماعية.

المصادر كمفهوم معرفي:
أصل كلمة «مصدر» المفردة مشتقة من كلمة أو فعل » صَدَر ».. أي موضع الصدور، ويراد بالمصدر هنا كمصطلح معرفي، وكما جاء في أحد معاجم اللغة هو (ما يصدر عنه الشيء) ‘ فالعلم على سبيل المثال «مصدر الرقي والتطور »… أي أن الرقي كشيء مادي صدر عن العلم، فالمصدر أساس وجود الشيء وقوته الفاعلة، وإذا قلنا إن التاريخ مصدر للمعرفة فقصدنا أن حقائقه المتجسدة في أحداث ووقائع هو مصدر بوجود شيء ما في فترة سابقة كالعلم بحقائق أحداث معينة، إذن فالتاريخ المسجل والموثق هو مصدر العلم بما جرى من أحداث وما تولد عنها من حقائق تاريخية في الزمان والمكان، وينسحب هذا المعنى على كتب تراجم العلماء وسيرتهم الذاتية كأحد مصادر هذا التاريخ، فالكتب هي مصدر العلم بالحقائق المتصلة بأفعال الناس وبتاريخ حياتهم وتعاقب الأحداث التي عاشوها، ولا يشذ علماء بربورة عن هذه القاعدة، وبالرغم من محدوديتها بالنسبة للتوفير مادة معرفية عن علماء بربورة – إلاَّ أنها كتب التراجم تمثل مصدراً لما اتصل بحياتهم من أحداث وحقائق ومعلومات في فترة وجودهم بالبحرين وفي خارجها.

كتب التراجم:
تحفظ الأمة جهودها العلمية وإنجازاتها الثقافية من خلال مجموعة الكتابات المتعددة التي خطها «العلماء » في علوم عصرهم، ومن فنون هذه الكتابات ما سمي بـ «علم التراجم » كحقل معرفي من حقول التاريخ الثقافي للمسلمين، إذ اتجه عدد كبير من علماء المسلمين على مختلف مذاهبهم إلى تدوين السيرة الذاتية لآلاف العلماء الذين سبقوهم في أزمنة متعاقبة أو عاصروهم، فهذا الحقل من المعرفة يهتم بترجمة حياة كل عالم على حدة، وتعريف الناس بسيرته الذاتية بقليل من القول أو كثير، وذلك بحسب شهرة هذا العالم عن ذلك.

وفي هذه الكتب جمع علماء التراجم سجلاً ضخماً من علماء الأمة، فسهل علينا معرفتهم والاتصال بهم والتعلم عنهم بالرغم من حركة الزمان التراكمية الصاعدة دائماً، وقد يترك علماء التراجم لسبب ما الإشارة دون قصد منهم أو الحديث عن سيرة بعض العلماء غير المعروفين لهم لأسباب مختلفة، فمن المنطقي أن لا يحيط علماء التراجم بسيرة كل عالم، وأن لا تكون لديهم فرصة كتابة ترجمة الحياة العلمية الذاتية لبعض العلماء، لذلك برزت في كتب التراجم الكتابة عن علماء مشهورين أو مميزين في إنجازاتهم، فأخذوا حظوظهم من التدوين وتوثيق أسمائهم في سجل العلماء البارزين بمختلف مستوياتهم الثقافية وتفاوت إنجازاتهم وتنوع شهرتهم وذيوع صيتهم، أما العلماء الأقل شهرة أو من لا دراية لعالم الترجمة بحياته فحظه أقل.. إما بالإشارة الموجزة غير الوافية أو السكوت الكامل وعدم الذكر، ولكن ذلك لا يعني أنهم غير بذي بال عند علماء تراجم آخرين، فقد شاء الله أن يأخذوا حظهم من العلم والتدوين والتوثيق عند أحد علماء التراجم كالطهراني أو الشيخ جعفر السبحاني، وهكذا لم نجد على سبيل المثال إشارات لعلماء بربورة في بعض كتب التراجم ومصادرها البحرينية كاللؤلؤة والأنوار، بينما وجد هؤلاء إشارات محدودة عن بعضهم في كتب تراجم إمامية مهمة كطبقات أعلام الشيعة والذريعة وموسوعة طبقات الفقهاء.

وقد غطت بعض كتب التراجم ترجمة السيرة الذاتية (بقليل أو كثير من الكلام) لعدد من الأسماء العلمائية البارزة في مراكز العلم السائدة في العالم الإسلامي، ومنهم علماء «البحرين» الذين عرفوا في كتب التراجم ومصادرها بلقب «بحراني» مرفقاً به أسماء قراهم واسم بلادهم البحرين، فكثيراً ما نقرأ اسم عالم فلاني بـ «الماحوزي البحراني، البلادي البحراني، التوبلاني البحراني، الدرازي البحراني، الساري البحراني، البربوري البحراني، الجدحفصي البحراني، الكرزكاني البحراني»، وهكذا يذكر اسم القرية التي انتسب لها العالم.

ومن الصعوبة حصر كتب التراجم لكثرتها في مجال التاريخ الثقافي لعلماء البحرين، فذلك خارج موضوعنا، ويمكننا الآن الإشارة إلى بعض كتب التراجم عند علماء الدين التي اهتمت بتدوين كتابات عن السيرة الذاتية لبعض علمائنا، وإلى كتب علماء التراجم الذين كتبوا جانباً من تاريخ بلادنا الثقافي وحفظوه على مدار التاريخ الإسلامي الثقافي، وساندهم في ذلك كما تقدم ذكره علماء أجلاء في العراق وإيران والهند ولبنان وشرق الجزيرة العربية كبلاد القطيف والإحساء، فنسجوا من ذلك العمل الثقافي موسوعات «التراجم » ومصادرها المعروفة.

ومن كتب «التراجم »:

أولاً : نماذج من كتب التراجم:

  1. أعيان الشيعة، محسن الأمين.
  2. أمل الآمل، الحر العاملي.
  3. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني.
  4. طبقات أعلام الشيعة، آغا بزرك الطهراني.
  5. تراجم الرجال، أحمد الحسيني.
  6. تكملة الأمل، حسن الصدر.
  7. أعلام العوامية، سعيد آل أبي المكارم.
  8. روضات الجنات، محمد باقر الخوانساري.
  9. رياض العلماء وحياض الفضلاء، الميرزا عبد الله أفندي.

ثانياً : نماذج من كتب التراجم عند علماء البحرين:

  1. فهرست آل بابوية وعلماء البحرين، سليمان الماحوزي، تحقيق أحمد الحسيني.
  2. فهرست علماء البحرين، تأليف سليمان الماحوزي، إعداد وتحقيق فاضل الزاكي البحراني.
  3. لؤلؤة البحرين، الشيخ يوسف آل عصفور.
  4. الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر (تاريخ البحرين)، الشيخ محمد علي آل عصفور.
  5. أنوار البدرين في تراجم علماء الإحساء والقطيف والبحرين.
  6. منتظم الدرين في تراجم أعيان الإحساء والقطيف والبحرين، محمد علي التاجر..
  7. تتمة أمل الآمل / محمد آل شبانة.
  8. أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين خلال 14 قرناً، سالم النويدري.
  9. بعض فقهاء البحرين، علي محمد العصفور.

أهمية كتب «التراجم» كمصدر معرفي للحقائق التاريخية:

  1. تمكن كتب التراجم الباحثين من الحصول على معرفة مكتوبة، وربَّما موثقة وصحيحة بقدر ما عن السيرة الذاتية لكل عالم على حدة، والعلم بحقائق تاريخية قد يعتمدها الدارسون كمعرفة أسماء قادة، علماء، وكذلك التعرف على حيثيات وتفاصيل حوادث، وتواريخ، ومواقع أو أماكن، وعمليات ثقافية وأدوار اجتماعية ذات صلة بها صاحبت هذا الفعل التاريخي أو ذاك.
  2. تعتبر كتب التراجم بالنسبة الدراسات كبحوث يقوم بها الباحثون لـ «دراسة السيرة الذاتية للعلماء » خطوة تأسيسية للتاريخ الثقافي لمنطقة معينة وبخاصة إذا كانت مجهولة مثل منطقة «بربورة» لمعرفة علمائها والاطلاع على تراثهم الثقافي.
  3. تعتبر كتب التراجم كأحد أبرز مصادر دراسة التراث الثقافي للعلماء التي تمنح الباحثين القدرة على مواجهة التاريخ بحقائق التاريخ نفسه، وتمدهم بأدلة إثبات تدحض أقوال المزورين لحقائق التاريخ الإنساني في منطقة معينة وفي فترة محددة.
  4. تسمح كتب التراجم بدراسات تراكمية تعطي الباحثين فرصاً أفضل للحصول على بيانات مطلوبة بالنسبة لهذا العالم أو ذاك، وإثراء تجربتهم في أية دراسة تاريخية كما نحاول أن نفعل في دراستنا عن بربورة.
  5. يمكن عن طريق كتب التراجم ومطالعتها الاتصال بجوانب خفية من التاريخ الإنساني لفهمه ومعرفة أحداثه لاتخاذ مواعظ وعبر مربية، وينطبق ذلك على المجتمع البربوري وتراثه الثقافي وأدوار علمائه ومسئولياته تجاه الناس.

اللقب البربوري للعلماء في المصادر:
ما يهمنا كثيراً في هذا الموقع من البحث التأكيد على تداول «اللقب البربوري» والانتساب به إلى قرية «بربورة» بشكل واضح في المصادر البحرينية أو لباحثين ورجال علم غير بحرينيين، لأن في اللقب دلالة تاريخية، وكل إشارة له في هذه المصادر أشبه بوثيقة وثيقة معتبرة يُؤسس عليها إثبات تاريخي للقرية التي وجدت لعدة قرون ثم لظروف تاريخية مليئة بالصعاب والاضطهاد قد أصبحت غير قائمة منذ العقد الثاني من القرن العشرين ما عدا خضرتها وبيئتها الزراعية الحية، لكنها ظلت هذه القرية في ذاكرتنا الوطنية، ولاتزال بصماتها موجودة في تراثنا الثقافي، ومن الصعب التنكر لذلك، وكل شيء يوحي بوجودها مزهوة بانجازاتها بالرغم من ظروفها الصعبة.

لقد ورد «اللقب البربوري» في مصادر التراث الثقافي لعلماء بربورة سواء كانت داخلية كما في مخطوطاتهم الموجودة في البحرين، ومنسوخة بأيدي نساخين من أبناء المجتمع النويدري، أو مصادر خارجية كما في كتب التراجم أو في بعض المواقع الإلكترونية المشار إليها في هذا الكتاب، وفي هذا الموقع من بحثنا سنمر باللقب في هذه المصادر معززاً بلقب و «بحراني» أو «الأوالي»، وبألفاظ مصاحبة للقب هي موضع اشتباه أو تحتاج إلى بيان توضيحي للقارئ الكريم.

لقد اعتاد الطهراني في كتابيه الذريعة والطبقات ذكر لقب «البربوري البحراني» متلازمين مع بعضهما أسوة بألقاب البلادي، الجدحفصي البحراني، الكرزكاني البحراني، الماحوزي البحراني، الدونجي البحراني، السماهيجي البحراني، المقابي البحراني، الدرازي البحراني، الكَتَكَاني البحراني» وغيرها من الألقاب التي ينسب إليها علماء البحرين لقراهم وموطنهم، وجميع الألقاب السابقة دالة على أسماء قرى أصلية كانت متداولة في لغة علماء التراجم والسير، فهذه الألقاب جزء من المناخ الثقافي لعلماء التراجم في إشاراتهم لسيرة علماء البحرين وترجمة حياتهم الذاتية، وبخاصة في فترة نهضتهم إبان القرون الهجرية الأربعة الهجرية من (10 – 13)، فيذكر علماء التراجم اسم العالم وينسبونه لقريته أو موضع سكنه ثم يضاف إليه لقب «البحراني» لتأكيد هويته الوطنية.

والملفت للنظر أن الطهراني عليه الرحمة كان يذكر ألقاب علماء بربورة وغيرهم بتلازم اللقبين فيقول »البربوري البحراني» أو «الماحوزي البحراني»، وعندما استخدم هذه الطريقة يكون قد قطع الطريق على من يثير الإشكاليات أو الشبهات، فتلازم لقب «بربوري » مع لقب «بحراني» يعني أنه قد حدد بوضوح لا لبس فيه ولا غموض الهوية الواضحة لأي عالم بربوري يترجم لحياته، فتكرار الطهراني أو غيره من علماء التراجم بلازم لقب «بربوري» مع لقب «بحراني » يحمل الدلالة الواضحة على الهوية الوطنية لعلماء بربورة وتحديد نسبهم أسوة بغيرهم من علماء البحرين في فترة نهضتهم أو ما قبلها.

في إحدى المخططات التي بأيدينا عنوانها (وفاة النبي يحي بن زكريا) ينسب أحد علماء بربورة نفسه بأنه هو الشيخ علي بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي، ويقرن نسبه لقب «البربوري» بلقب آخر شائع في كتب التراجم هو «الأوالي»، ولم يذكر الشيخ علي البربوري في تحديد هويته لقب «بحراني» وهما لقبان متداولان، وفي كلا اللقبين (بربوري وأوالي) عبَّر تماماً عن هويته التاريخية والوطنية، فالبربوري لقب دال على النسب للقرية التي ولد فيها، ولقب «الأوالي » إشارة إلى الوطن الكبير كله الذي عاش في كنفه، فأوال هي جزيرة البحرين، وإليها ينسب المواطن فيقال أوالي، أو يقال «بحراني» نسبة للبحرين، وبهذه الألقاب عرَّف علماء البحرين أنفسهم للآخرين، وبتسمية «بربوري » في أي مصدر تاريخي نميز أبناء (بربورة) وغيرهم داخل الوطن وفي خارجه، وهذا ما وفقنا الله إليه في دراستنا التي بين يديك بالرغم من بعض الزيادات اللفظية مثل زيادة كلمتي أو لقبي (الزيوري والبارباري).

ومما ينبغي التنويه إليه أن لقب «أوالي » مع تداوله لم نعثر عليه حتى الآن في غير مخطوطة واحدة هي ما كتبه الشيخ علي البربوري عن نفسه في مخطوطته أو كتابه (وفاة النبي يحي بن زكريا) عليهما السلام، وقد يتكرر في مخطوطات أخرى، أما في مصادر أخرى ككتب «التراجم » فقد تعرفنا على ألقاب عديدة متداولة أمثال (بربوري، أوالي، بحراني) كما في عدد من أمهات المصادر الشيعية الإمامية المعتبرة في علم التراجم، وبعض مخطوطات علماء بربورة أنفسهم، وفي ذلك تحديد واضح ودقيق لهوية علماء بربورة من خلال الانتساب لألقابهم الشائعة في بيئتهم الثقافية والاجتماعية والوطنية.

لقد تكرر استخدام لقب «بربوري» في تراجم علماء بربورة بلا استثناء، فعند الإشارة لذكر الشيخ جعفر البربوري تم تعيين نسبه للقرية التي ولد فيها، وعاد آغا بزرك الطهراني في ترجمة الشيخ سليمان الربعي عند الإشارة إلى ابن أخيه ناصر البربوري بن أحمد بن علي بن جعفر إلى استخدام لقب البربوري مع لقب بحراني أيضاً، فاللقب الأخير «بحراني» استخدمه الطهراني أكثر من مرة على علماء البحرين سواء من بربورة أو غيرها، فكثيراً ما كان يقول: «سليمان البحراني، وسليمان الأوالي البحراني، وسليمان الدونجي وغيرها، وإنْ كان في مواقع أخرى يشير مراراً إلى كل عالم من علماء بربورة بلقب «بحراني » كقوله : الساري البحراني ، الجدحفصي البحراني، المقابي البحراني، وهكذا.

وذكر الطهراني في (الطبقات) لقب البربوري حين بدأ بترجمة سيرة الشيخ عبد الله بن ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري، وأضاف عليها اشتباهاً أو تصحيفاً لقب (البارباري)، فالمصطلح الأخير لا يسمى به إلاً مواطن بحريني ينتسب لقرية باربار، وهي قرية قائمة حتى الآن، وبعيدة جغرافياً عن قرية «بربورة »، ولكنه اختلط عليه الأمر (أي الطهراني) أو بسلل تصحيف فاستخدم لقبي بربوري وبارباري للدلالة على أنهما لفظ بمعنى واحد مع اختلافهما الواقعي في التعبير عن قريتين منفصلتين.

وعند حديث الطهراني في كتابه (الذريعة) عن الشيخ عبد الله البحراني قال الطهراني عنه كذلك في الطبقات : «أنه ابن الحسين بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن حعفر البربوري، وأضاف على اللقب الأخير لقبين هما (الزيوري والبحراني)، فالزيوري لفظ غير شائع في البحرين، فلا قرية تعرف باسم » زيورة »، وقد يكون لقب زيوري اسماً لعائلة، وقد يكون هذا اللقب تصحيفاً للقب «بربوري » الذي أكده الطهراني في كل موضع ذكر فيه علماء بربورة، فحدد هويتهم بوضوح، ومن المفيد الإشارة إلى أن الشيخ آغا بزرك الطهراني اكتفى بوصف الشيخ عبد الله بـ«البربوري » كما ذكر ابيه الشيخ حسين البربوري دون أية إشارة للزيوري عندما تكلم عن إجازة الشيخ المقابي لتلميذ الشيخ عبد الله البربوري، فلقب الزيوري لم يتكرر، مما يدل على وضعها غير الطبيعي، وعدم شيوعها وأنها قد تكون تصحيفاً للقب الحقيقي (البربوري).

وفي إشارة عابرة للسيرة الذاتية للمقدس الشيخ علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني «عميد العائلة» قال عنه الطهراني في طبقات أعلام الشيعة :
«ابن جعفر البحراني البربوري»، ثم ذكر أولاده الثلاثة أحمد ويوسف وسليمان، وفي هذه الإشارة ربط الطهراني بين كلمتي «بحراني وبربوري» معاً لتحديد هوية نسب عميد أسرة الربعي البربورية، وقبل أن يختم الترجمة القصيرة استخدم لقب البربوري مرة أخرى في تحديد نسب الشيخ ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري.

ولم يختف لقب «البربوري» أيضاً عند ترجمة السيرة الذاتية للشيخ يوسف بن علي بن جعفر الربعي، إذ كرر الطهراني لقب «البربوري » عند إشارته لابن أخيه ناصر البربوري بن أحمد بن علي بن جعفر البحراني، فوصف ابن الأخ بأنه بربوري، وهذا يعني أن عمه بربوري أيضاً.

وقد كتب الأخير لقب «البربوري » وأطلقه على عمه الشيخ يوسف بن المقدس الشيخ علي بن جعفر البحراني البربوري عندما كتب في آخر ما كتبه بأمره من نسخة (شرح فروع الكافي) لآغا هادي الموجود اليوم كما يقول الطهراني في مكتبة محمد علي الخوانساري بقوله : «أستاذي وشيخي وعمي العلامة الفاضل الفهامة العالم العامل وحيد عصره وفريد دهره الشيخ يوسف بن المقدس الشيخ علي بن جعفر البحراني البربوري، وفرغ منه ضحى الجمعة 13، جمادى الثانية، (سنة 1134 هـ – 1721م) في دار السلطنة والخلافة شاهجهان آباد، فيظهر أنه كان في التاريخ نزيل الهند.

وخلاصة ما تقدم من الاستخدامات السابقة للقب:

  1. تأكيد الطهراني وهو مؤرخ كبير على لقب عائلة الربعي البربورية التي نزلت مدينة شاهجهان الهندية بعد هجرتها من بلادها البحرين، وهو لقب «البربوري »، ويضيف عليه أحياناً لقب بحراني لتأكيد الهوية وحسم أي جدل حوله.
  2. وأنه رضوان الله استخدم لمرة واحدة، وفي مورد واحد لقبي (البارباري، والزيوري)، ولم يلتفت إلى أن لقب » بربوري » يعني انتساب مواطن بحريني إلى قرية بربورة، ولقب «بارباري» انتساب آخر يطلق على مواطن بحريني أصله من قرية باربار، وهما نسبان يختلفان تماماً عن بعضهما لأنهما قريتان متقاربتان لفظياً متغايرتان في الاسم، ومتباعدتان في موقعهما الجغرافي، ومتشابهتان في ظروفهما الثقافية، أمَّا لقب «الزيوري » فإنْ كان صحيحاً فقد يكون اسماً لعائلة لا اسم قرية بحرينية، فلا توجد منطقة في البحرين تعرف بهذا الاسم وإلاّ ذكرت في مصادر دراسة التراث الثقافي لعلماء البحرين كسائر القرى التي يعرف بها علماء مشهورين من البحرين، كما أنَّ الطهراني لم يذكر لقب » الزيوري » إلاَّ في موضع يتيم ذكرناه.
  3. إن المتداول إجمالاً بالنسبة لمؤرخ كبير له دراية بعلم الرجال هو لقب «بربوري » فقط، وهو ما أكدته مصادر التراجم الأخرى قديماً وحديثاً، فاللجنة العلمية لمؤسسة الإمام الصادق بمدينة (قم المقدسة) التي يشرف عليها العلامة الشيخ جعفر السبحاني استخدمت لقب (البربوري البحراني) عند الإشارة لعالم من علماء بربورة هو الشيخ عبد الله بن الحسين بن أحمد البربوري البحراني، فلم يرد في كتاب موسوعة الفقهاء وهي تشير إلى عالم من بربورة سوى لقب «البربوري البحراني»، حيث لم يذكر (بارباري ولا زيوري) وإنما اللقب الصحيح «بربوري».
  4. يدل إطلاق لقب «بربوري» على عدد من الشخصيات العلمائية في كتب التراجم على وجود القرية نفسها، وعلى انتسابهم إليها بأكثر من ثلاثة قرون على أقل تقدير بحسب التواريخ المحددة في كتب التراجم، فالنظر إلى بعض التواريخ يستفاد منه أنَّ تاريخ اللقب بعيد، وكذلك مؤشر على العمق التاريخي للقرية، فالسنة التي توفي فيها عبد الرؤوف بن الحسين بن أحمد بن عبد الرؤوف الجدحفصي كانت (سنة 1113هـ – 1701م)، ولكن كان بينه وبين الشيخ جعفر البربوري مكاتبات قبل أن يتوفى الأول، وقد ذكرت في ديوان الجدحفصي كما يقول آغا بزرك طهراني في طبقاته، وهذا يفيد بأن المكالمات التي تمت قبل وفاة عبد الرؤوف الجدحفصي (أي قبل سنة 1113 هـ 1701 م) تحدد بشكل واضح تقدير افتراضي للوجود التاريخي لبربورة التي ينتسب إليهما أحدهما وهو الشيخ جعفر البربوري الذي وصفه الجدحفصي بـ (الشيخ الأكمل الشيخ جعفر البربوري)، وأنَّ هذا الوجود أبعد من فترة المكاتبات، ومن حياة الشيخ جعفر البربوري نفسه وزميله السيد عبد الرؤوف الجدحفصي بمدة تتجاوز الثلاثمائة وسبعة عشرة عاماً هجرياً بسنوات لا نعلم عددها فعلياً، فالمستفاد من الإشارة للمكاتبات بين الشيخ جعفر والجدحفصي أنَّ «بربورة» كانت موجودة في الخريطة الجغرافية للبحرين من تاريخ بعيد لم نستطع تحديده إلى ما بعد منتصف القرن الرابع عشر الهجري بسنوات، فقد صعب علينا تعيين النشأة التاريخية لقرية «بربورة» على هذه الخريطة، وإذا دخلنا في الموضوع بالفرضية القائمة على تاريخ وفاة أبي المكارم وما حدث قبلها من مكاتبات فإن عمر «بربورة» يتجاوز القرن السابع عشر الميلادي أو الحادي عشر الهجري بكل تأكيد، ويحتمل أن يكون عمرها عدة قرون قبل وفاة السيد عبد الرؤوف الجدحــــــفصــي (سنة 1113 هـ – 1701 م).

صعوبات البحث عن علماء بربورة وتراثهم الثقافي:
عندما كنَّا نبحث في التراث الثقافي لعلماء قرية بربورة وأعلامها واجهتنا فعلياً مجموعة من الصعوبات التي شكلت بالنسبة إلينا تحديات ثقافية ليست هينة، إذ لم نستطع تخطيها بسهولة، ولكن البحوث الجادة عادة ما تتمخض عن ظروف صعبة، حيث تولد من أرحام المعاناة، لهذا أضفت هذه الصعاب حيوية على دراستنا للسيرة الذاتية لبعض أعلام هذه القرية البائدة، الحية في التاريخ والحاضر هذه العقبات، فمعاناتنا – مع صعوبات بحثنا – وليدة أرحام خصبة.

ومن هنا صنعت المعاناة من جهدنا عملاً ثقافياً يستحق أن يقرأ ويفحص بالعلم والمعرفة، فالصعاب التي واجهتنا – ونحن ندرس السيرة الذاتية لأعلام الثقافة من بربورة – منحتنا القدرة على مواجهة التحدي بمثله ومقابلته بإرادة الوقوع فيما نتهيبه، ولذلك صممت قدرتنا على مواجهة التحدي هدفاً لها تبتغي الوصول إليه بقدر ما هو متاح، فقد أوصانا سيد الموحدين ابن أبي طالب أن » نَصْعَب إذا واجهنا الصَّعْبُ » وأن «نقع فيما نتهيبه لأن شدة توقيه أعظم من الوقوع فيه » ولأن «الخيبة قرنت بالهيبة »، ولأننا ركبنا الصعاب طوعاً وقاومناها بجهد ذاتي فقد تمخض عنها عمل ثقافي برز في بعض دراساتنا وأبحاثنا عن بربورة وتراثها الثقافي والاجتماعي.

وكنَّا ندرك منذ البداية أن الصعوبات أمر لا فكاك منه وبخاصة في بحث تاريخي كنَّا للأسف مقطوعي الصلة به بالرغم من قربنا الجغرافي والتاريخي والنفسي بقرية «بربورة » وما عرفناه عن أهلها، ولكنَّ بالنسبة للباحث تعتبر هذه الصعاب ضرورة عقلية ليتبين لنا أنها كانت تحديات مثيرة، صنعت لنا فهماً إيجابياً كان سبباً فاعلاً في صقل الشخصية وتنمية قدراتها الوجدانية والعقلية، ومغالبة الاحباطات وتفعيل إمكاناتنا لتحويلها من معوق سيكولوجي وعقلي إلى عمل ثقافي مبدع أو عنصر مجدد لنشاط العقل الإنساني.

ومما نلفت نظر النظر إليه أنه قد واجهتنا في إعداد مادة بحثنا عن مصادر معلوماتنا الأولية عن علماء «بربورة » بعض الصعوبات التي تفاوتت في شدة إيقاعها على حركة بحثنا لهذا الموضوع، فالانطلاقة كانت صعبة، وعشوائية، ولكننا – بحمده تعالى – أدركنا أنها خطوة أولى لتكوين مادة تعلم جديد، وأخذنا نجمع في وسط الضغوط التي صاحبت هذه الصعوبات اللبنات التأسيسية لهذا العمل الثقافي ومادته المعرفية، ولكتابنا المستقل عن الوجود التاريخي لقرية بربورة الذي أسميناه «بربورة وشهادة التاريخ » ولأبحاث أخرى ذات صلة بموضوعنا الذي ندرسه عن جوانب التراث الثقافي لعلماء بربورة وأعلامها في فترة وجودها التاريخي قبل أن يهجرها آخر عوائلها في ظروف قد تكون مماثلة إلى حد ما لظروف هجرة أهالي » الفارسية » في العشرينات من القرن العشرين.

وكانت البداية – في دراسة التراث الثقافي لعلماء بربورة – بطيئة، ومحيرة كما أشرنا، بل وغامضة في بعض الأحيان، وتبين من إصرارنا على متابعة نشاطنا أنه كلَّما استغرقنا مزيداً من الوقت والجهد اقتربنا أكثر مع قليل من التكيف مع هذه الصعاب وتهيئة أنفسنا للحصول على معرفة أفضل بشأن هذا التراث، واكتسبنا قدرة أقوى وأنضج على الحفر وإضافة مادة معرفية جديدة لاحقة على مادة سابقة مستمدة عن المصادر التي ساعدتنا في تكوين معرفة أولية عن أعلام «بربورة » وتراثهم الثقافي، ومع ذلك كان يصاحبنا دائماً إحساس بالقصور، وأن الإضافة لم ترفع هذا الإحساس بعد، فما نزال نشعر بتحدي آخر يحفزنا لمزيد من النشاط حتى تجاوزت محاولتنا البدايات الصعبة، ووضعنا أيدينا على بدايات الطريق، وشعرنا أننا نتجاوز العشوائية بنظرات أنضج وأدق.

ومع أن الصعاب متنوعة ومتفاوتة في قوتها، بيد أن العمود الفقري لها هو المصادر العلمية التي تجعل عملنا الثقافي معتبراً وذا قيمة علمية بقدر ما، فالطاعنون في السن (وإنْ كان الاعتماد على آرائهم يحتاج إلى شيء من الحذر والتدقيق في القضايا الثقافية) إلاَّ أنهم عارفون بكثير من الأمور عن تاريخ القرية باستثناء جانبها الثقافي قد مضوا إلى ربهم، وتوسدوا التراب وأصبحوا في ذمة التاريخ ورحمته سبحانه، والباقون منهم قد فقدوا الكثير من ذاكرتهم بسبب تقدمهم في السن أو تغير الأحوال والاهتمامات أو انقطاع صلتهم مع ماضيهم، بل وبروز شعورهم بالضيق أحياناً مما يجري الآن في حاضرهم من تحولات وتغيرات اجتماعية لا تعجبهم وتصادم مرجعيتهم القيمية والثقافية والروحية التي عاشوا في كنفها.

كما أنَّ المهتمين بالشأن الثقافي المحدود – كالنساخين ومعلمي الكتاتيب – لم يتناولوا لا من قريب ولا من بعيد جوانب النشاط الثقافي القائم في بربورة ،ولم يكتبوا لنا شيئاً عما خلفه علماؤها في الداخل وفي خارج البحرين، واكتفوا بعمليات ثقافية مرهقة ولكنها محدودة كعمليتي النسخ وتعليم الصبيان القرآن الكريم وقراءة بعض الكتب التاريخية التي تستخدم في إحياء مواسم التحاريم بالمأتم والتي تسمى حينذاك بـ «قراءة الحديث »، وحتى الكتب التي نسخوها لعلماء من بربورة وهي قليلة لم يذكروا فيها شيئاً مفيداً عن أحوال هؤلاء العلماء الأبرار، بحيث يفيدنا نحن اليوم في كتابة السيرة الذاتية لهم وتدوين بعض المعلومات الأولية التي تتيح لآخرين فيما بعد زماننا أن يتقدموا بها ويتوسعوا فيها.

بل وزادت الصعاب علينا عندما توجهنا لمصادر دراسة التراث الثقافي لعلماء البحرين التي كتبها علماء كاللؤلؤة للشيخ يوسف آل عصفور، وأنوار البدرين للمؤرخ والعالم الجليل الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني، فلم نجد فيها أية إشارات واضحة عن علماء بربورة، وبقيت أمامنا فرصة تاريخية متاحة لنا أن نستفيد منها بقدر ما هو مستطاع، وهي أن نبحث عن مصادر إمامية كتبها علماء غير بحرينيين، فوجدنا بتوفيقه تعالى بصيصاً من الأمل لا نعتقد أنه يلبي الحاجة كاملة، ولكنه – كما يقال – هو أول الغيث قطرة، وهو أول جهد ثقافي معتبر يمكن توظيفه للتغلب على بعض الصعاب التي واجهتنا في هذا العمل الثقافي، فالحفر قد تعمق، ولم نر في السطح شيئاً، وبعد تقدم في عمق ما نحفره ظفرنا بقليل من مادة البحث، فسمحت لنا في القراءة والتحليل والكتابة والنشر، وتعلم الجديد عن أعلام الثقافة الإسلامية في قرية «بربورة ».

وباختصار فإن صعوبات هذا البحث تتركز فيما يأتي:

  • قلة مصادر البحث.
  • نقص في المعلومات وتداخلها.
  • وجود حالات تصحيف في أسماء بعض علماء بربورة وأعلامها حتى بنسبه لمؤلف واحد في مصدرين كتبهما آغا بزرك الطهراني.

تطور البحث عن مصادر دراسة موضوع التراث الثقافي لعلماء بربورة:
ساعدنا أحد أصدقائنا حينما سمع برغبتنا في إعداد دراسة عن الوجود التاريخي لقرية بربورة، فقدم لنا معلومات بسيطة في هذا الشأن، ولكننا اعتبرناها معرفة أولية شكلت لنا مدخلاً للدخول في التاريخ الثقافي لعلماء هذه القرية، وكانت البيانات الواردة في هذه الإشارة الواردة في أحد مصادر الإمامية التي جمعها علماء التراجم من غير البحرينيين فرصة للبناء المعرفي، وهو عبارة عن مقال مكون من أربع صفحات سرد ترجمة لسيرة عالمين من علماء البحرين هما الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي المقابي البحراني، والشيخ أحمد بن عبد الله بن حسن بن جمال البلادي البحراني.

وتم بواسطة هذا الصديق العثور على المقال في موقع إلكتروني لمؤسسة من مؤسسات «الإحياء للتراث الإسلامي » هي مؤسسة الشيخ كاشف الغطاء بمدينة النجف الأشرف بالعراق، واضطررنا للتأكد من صحة المعلومات بالرجوع إلى المصدر الأساسي الذي استقى منه الموقع الإلكتروني أفكاره عن الشيخين المقابي والبلادي وتلاميذهما ومنهم الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني، وبعد معاينة ما نشره الموقع الإلكتروني وما جاء في الصفحات الأربع المدونة في المصدر الأصل وهو كتاب «موسوعة طبقات الفقهاء » ج 12 تبين لنا كامل المطابقة بين المصدرين.

وتضمن المقال إشارة لمعلومات محدودة جداً عن الشيخ عبد الله بن الحسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني من قبيل أن الشيخ الأخير قد تتلمذ على يد هذين العالمين الجليلين، وأنه حصل على إجازة متوسطة في 17 من ذي القعدة (سنة 1147هـ – 1734م)من شيخه المقابي رضوان الله، كما أنه انتقل لقرية «مقابة » ليتلقى المعرفة وتحصيله ثقافته الإسلامية على يد أستاذه الشيخ المقابي، كما تضمن هذا المقال تلقيه العلم على يد شيخه أحمد بن عبد الله بن حسن بن جمال البلادي البحراني.

وقد استخدمت هذه المعلومات على قلتها ونقصها، ومحدوديتها كبداية في التعرف على جوانب خفية من التاريخ الثقافي لعلماء بربورة، ولم نتوقف عند هذا الحد لأن جوانب كثيرة من هذا التاريخ المطوي لا تزال مجهولة حتى اللحظة الراهنة، فلجأنا إلى بعض مصادر التراجم عند الإمامية في البحرين ككتابي «اللؤلؤة» و«أنوار البدرين » فتعثرت المحاولة بشكل ذريع، إذ لم نعثر مطلقاً على شيء نستطيع أنْ نبني عليه في التوسعة والإضافة أو تجربة معرفية مفيدة تثري جهدنا في هذا الصدد.

وتبع هذا الجهد البسيط بوقت غير طويل إطلاعنا في الموقع الإلكتروني «لمؤسسة كاشف الغطاء » على إشارة لوجود نسخة من مخطوطة أصلية عن فقه الحج لأحد علماء بربورة المتأخرين الذين عاشوا بين قرنين هما القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، فالرسالة كانت واضحة في تحديد مؤلفها ومصنفها، ونسبها للعالم البربوري عندما ختم مقدمة رسالته المطولة بكلماته بقوله تم وكمل بعون الله وحسن توفيقه بقلم الأقل الجاني ناصر بن عبد الله بن ناصر البربوري البحراني ».

ونحن لم نتمكن من اكتشاف الرسالة بجهدنا الذاتي، فقد أعاننا صديقنا المشار إليه في العلم بنسخة«أصلية » لفقه الحج للعالم البربوري الشيخ ناصر بن عبد الله بن ناصر البحراني، وهي كما عرفنا من الموقع الإلكتروني لمؤسسة كاشف الغطاء رسالة مكونة من (254) صفحة مكتوبة بخط المؤلف.

وبمرور بعض الوقت اطلعنا على موقع إلكتروني آخر «منتدى النويدرات» فوجدنا فيه مقالاً عنوانه «علماء بربورة الحبيبة » بقلم مستعار يحمل اسم خادم تراب المؤمنين فنقلناه من الموقع على صفحات مستقلة بغرض دراسته والإفادة من معلوماته في وضع معلومات جديدة عن التراث الثقافي في حياة علماء بربورة ممثلين في أسرة علمية بربورية وعلماء آخرين.

ووجدنا هذا المقال يضيف جديداً، وقد اعتمد على مصادر السير وتراجم الرجال عند أحد علماء الإمامية الكبار المعروف باهتماماته بدراسة «التراجم » ومصادر التراث الثقافي لعلماء الإمامية، وكالعادة رجعنا إلى المصدرين الذين اعتمدهما الكاتب في إعداد مادته المعرفية وهما كتابي:

  1. «طبقات أعلام الشيعة / ج 6 المسمى بالكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة.
  2. وكذلك كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

وقد صنفهما العالم الكبير والبحاثة الجليل آغا بزرك الطهراني، وتمت مطابقة مادة المقال ومحتواه المعرفي بما جاء في صفحات الكتابين المرقمة في جدول أسماء علماء بربورة في مصادر الإمامية، فوجدنا سلامة النقل وصحة البيانات أو المعلومات باستثناء ما ذكره عن ابن للشيخ عبد الله بن الحسين البربوري اسمه أحمد، حيث لم نجد له ترجمة في المصدرين السابقين.

لقد تمكن صاحب هذا المقال من الإشارة لعدد من علماء بربورة بلغ عددهم (10) شكلوا سبعة منهم أسرة علمية كما ذكرنا، ونتصور أن أحد الثلاثة من هذه المجموعة قد أشرنا إليه وهو الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد البربوري البحراني الذي درس في البحرين على يد شيخيه المقابي والبلادي، أما العالم الآخر وهو الشيخ جعفر البربوري فاسم جديد كأسماء أفراد الأسرة العلمية السبعة يضيف جوانب مضيئة على التراث الثقافي لعلماء بربورة.

ومع أن المعلومات كانت قليلة كعادة علماء التراجم في عرض مادتهم عن هذا العالم أو ذاك فإن بيانات الطهراني في كتابيه (الذريعة وطبقات أعلام الشيعة) لا تتجاوز سطرين أحياناً في ترجمة سيرة علماء بربورة، وقد تصل أحياناً لبضعة أسطر، وهذا كما قلنا ديدن رجال التراجم لا يكتبون في الترجمة بإسهاب إلاً نادراً لا يتعدى صفحتين، فالعلماء الذين يكتبون عن حياتهم وسيرتهم كُثْرٌ، وتقتضي الإحاطة بهم الإيجاز وبخاصة إذا كانوا غير مشهورين كبعض علماء بربورة الذين ورد ذكرهم.

أما مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله البربوري الأوالي عن وفاة «النبي يحي » عليه السلام فلها قصة مثيرة، ونحكي الآن باختصار قصة العثور على مخطوطة وفاة النبي يحي للشيخ علي بن الشيخ عبد الله البربوري الأوالي البحراني:
إنَّ لمخطوطة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي المتوالي في كتابه (وفاة النبي يحي بن زكريا) عليه السلام قصة مثيرة، وهي ثمرة معاناة التقصي والبحث عن المعرفة، فقد كنت ممن يبحث عن وجود شخصيات علمائية من بلدة «بربورة».

ومن مقدرات الموقف الإلهي عليَّ أن وقعت عيني فجأة وبدون مقدمات منتظرة على ترجمة قصيرة وعابرة لسيرة عالم من بربورة هو الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد البربوري البحراني والد الشيخ علي صاحب المخطوطة التي نحن بصدد الإشارة إليها، وكانت الترجمة مكونة من صفحة واحدة مكتوبة ومرفوعة على جدار بالمدخل الداخلي لمبنى مسجد الشيخ مؤمن بمنطقة بربورة، ومذيَّلة بقلم صديقنا الأستاذ عبد العزيز سلمان بن محمد راشد العرادي المهتم بتراجم علماء البحرين.

وأسرعت – بالتأكيد – إلى قراءتها بسرعة وتمعن واستيقاف بين لحظة وأخرى بالرغم من أنها مرفوعة على جدار المبنى داخل المسجد، وبعد الفراغ من قراءتها داخلتني رغبة قوية باقتنائها شخصياً، فتحدثت على وجه السرعة مع القائم على إدارة المسجد (قيومه) الأخ سعيد ماجد بن حبيب بن يوسف بن أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، وهو أحد أحفاد الخطيب الحسيني المعروف المرحوم الحاج حبيب يوسف ناسخ المخطوطة المذكورة للشيخ علي بن عبد الله البربوري الأوالي البحراني، ووعدني الأخ سعيد بتسهيل الأمر عليَّ مع كاتب الترجمة، ثم استخرج تلفونه النقال الخاص وفتش عن بعض الأرقام داخله وسلمني بعد برهة قصيرة رقم تلفون كاتب الترجمة.

وبعد مضي قليل من الزمن بادرت شخصياً في الاتصال بالأخ عبد العزيز العرادي على فترتين، وفي المكالمة الثانية تم تحديد موعد للزيارة والمقابلة الثنائية والاتفاق على الاستفادة من مضمون الترجمة ومحتواها الثقافي – التاريخي، وأتذكر أنه تم ترتيب المقابلة المطلوبة بيننا في صباح يوم السبت الموافق 16 أغسطس/آب 2008م ببيته في قرية «عراد».

وطلبت في هذه المقابلة من الأستاذ عبد العزيز العرادي أمرين هما:

  1. معلومات أوسع عن صاحب الترجمة.
  2. لحصول على النسخة الكاملة المصورة من المخطوطة التي لاتزال حتى الآن بحوزته عن وفاة النبي يحي عليه السلام تأليف للشيخ علي بن عبد الله البربوري فاعتذر لي لاتفاقه المسبق مع الشخص الذي أعطاه المخطوطة فاشترط عليه عدم تسليمها أحداً غيره، فاحترمت وعده واتفاقه وقبلت بالأمر الواقع وتفهمته عن طيب خاطر.

والحق يقال إن الأخ عبد العزيز لم يبخل علينا بشيء مما كان يستطيع، ولم يحرمني رغم قبوله للشرط بينه وبين صديقه من المساعدة في أقل حدودها، حيث أعطاني صفحة مصورة من المخطوط تحمل اسم المؤلف الشيخ علي بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي، وتحمل في مدخلها عنوان «موضوعها الأساسي » وهو قصة وفاة النبي يحي عليه السلام، ولكن لا تتضمن الصفحة اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ لأن ذلك يكون عادة في آخر صفحات المخطوط، وإنما أبلغني بأن الناسخ شخص بحريني قد نسخها من أربعين عاماً لم أتمكن من معرفة اسمه، وهي كما علمت منه مكونة من سبعين صفحة تقريباً، ووجدت في هذا القدر من العطاء المبذول قدراً مقبولاً من العطاء والتعاون بيننا الذي يعيننا على معرفة شخصية جديدة لأحد علماء بربورة.

نعم قبلت الأمر… ورتبت نفسي على توافر صفحة مصورة من المخطوطة شيئاً ثميناً، فأدرجت الصفحة المصورة على نواقصها ضمن ملاحق الدراسة التي كنت أكتبها عن تاريخ بربورة، كما مكنتني هذه الخطوة الأولية من الكتابة وتقديم معرفة مبسطة وأولية عن مصِّنف الكتاب (المخطوط) وهو الشيخ علي بن عبد الله البربوري الأوالي البحراني، فما تحقق كان مفيداً إلى حد كبير.

غير أني لم أقتنع بما تحقق من خطوة سابقة، فالمعرفة تراكمية ولا بد من إضافة اللاحق على السابق للوصول إلى الأفضل، كما أنَّ في الزمان متسع للحصول على تقدم في هذا المجال، وآثرت البحث عن المخطوطة بأكملها من مصدر آخر طالما تأكدت من وجودها فعلياً بالعين المشاهدة مع أن الأستاذ العرادي لم يطلعني على المخطوطة، ولكن رؤية الصفحة المهمة في المخطوط أقنعتني بذلك، إضافة إلى صدق رغبة الأستاذ العرادي في تقديم خدمة علمية في هذا الشأن.

ومن جهة أخرى خشيت – في الوقت نفسه – أن يذهلني ذلك الانشغال بالمخطوطة والتمركز حولها عن أمور تفصيلية أو مجملة أخرى يمكن بواسطتها إثراء دراستنا عن جانب من تاريخ بربورة وبخاصة بعض مظاهر الحركة الثقافية فيها التي صنعها أجدادنا وعلماؤنا الأبرار، فصرفت النظر عنها مؤقتا وفي النفس شوق وتوق عسى أن أوهب فرصة أفضل في قابل الأيام.

ولكني – بعد انتهاء المقابلة – أخذت فوراً بالنصيحة التي أسداها إليَّ صديقنا الأستاذ عبد العزيز العرادي بضرورة الاطلاع على المخطوطات والكتب المكتوبة بخط اليد التي يحتفظ بها عدد من أحفاد بعض النساخين أو القائمين على إدارة المآتم الحسينية كالفخري والوفيات والمواليد التي نسخها أبناء بربورة والنويدرات في فترة سابقة وبخاصة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين الماضيين، فما كتبه هؤلاء النساخون ذات أثر علمي يمثل بالنسبة للواحد منا وثيقة تاريخية.

وبحثت بجدية عما يمكن جمعه من المخطوطات حتى أصبحت الكتب المنسوخة باليد من أهم المصادر التاريخية الأساسية لدراستي عن بربورة وعن حركة النساخين في النويدرات خاصة وأن اللجنة التي أخذت على نفسها كتابة تاريخ قرية النويدرات قد كلفتني بدراسة وتدوين بعض مظاهر الحياة الثقافية فيها كحركة النساخين وعمليات نسخ الكتب والمخطوطات التي تقرأ عادة في المآتم قبل بدء الخطابة الحسينية المعتمدة في النشاط الثقافي والروحي للحسينيات بالقريتين وبقرى البحرين بوجه عام، فوجدت ضالتي في بعض هذه المخطوطات التي كانت تعكس حالة من تاريخنا الثقافي – الروحي للقريتين اللصيقتين بلا فواصل.

ومما أود التأكيد عليه أني بقيت فيما بعد هذه النصيحة أتعقب بعض القائمين على إدارة المآتم في النويدرات واحداً بعد آخر للحصول على كتب ومخطوطات كانت تستخدم منذ سنين تمتد لقرن وأبعد، وكانت النية منعقدة على متابعة هذه المهمة الثقافية حتى لو اضطررت لمتابعة هذا النشاط مع قائمين على إدارة المآتم بقرى مجاورة كالعكر والمعامير وسند، فتحققت – بعد هذه المتابعة – ثلاثة أمور كنت أحتاجها كباحث في إنضاج دراستي وجني ثمارها العلمية، وهذه الأمور الثلاثة هي كما يأتي:

  • العثور على مزيد من النساخين من النويدرات وبربورة وقرى بحرينية محيطة بهما أو بعيدة، وقد توفقت في العثور على أكثر من (11) ناسخا تحملوا مشاق الكتابة بخط اليد ونسخ الكتب للمآتم أكثر من ثلثيهم من أهالي قريتي النويدرات وبربورة، وأتينا على ذكر بعضهم في تضاعيف البحث.
  • العثور في مخطوط كبير ضم أكثر من خمسة كتب مخطوطة باليد على نسخة كاملة لمخطوطة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي في وفاة النبي يحي عليه السلام التي كنت أبحث عنها فترة من الزمن، ومما زاد من شعوري بالارتياح والثقة بالذات أنها كانت بخط ناسخ من النويدرات هو الخطيب المعروف المرحوم الحاج حبيب بن يوسف بن أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، وهي نسخة فرعية وليست أصلية، وتعود إلى (سنة 1338 هـ – 1920 م)، أي أن عمرها الآن يقارب (92) عاماً هجرياً، فحمدت الله سبحانه كثيراً أن سهَّل عليَّ اقتناء المخطوطة كاملة والعثور عليها بخط واضح يمكن قراءته بيسر، وقد خَُِتمَت المخطوطة في ظهر آخر صفحاتها بصيغة مألوفة، وهي صيغة «وقف شرعي » للمخطوط مذيلة بتاريخ الثامن من شهر رجب الأصب (سنة 1338 هـ – 1920 م)، وقد أملى صيغة العقد وكتبها المرحوم محمد بن سلمان بن عبد الله البحراني، وذيَّله بختمه ومهره.
  • والمخطوط الكبير الذي عثرنا في صفحاته علي مخطوطة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله البربوري ضم بالإضافة عدداً من كتب الوفيات التي نسخت مع بعضها وجمعت في مخطوط واحد بخط ناسخ واحد هو الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، وكان هذا المجلد المخطوط محفوظاً في مأتم المرحوم علي بن أحمد بن إسماعيل لدى حفيده عبد النبي جاسم الذي لم يتردد في مساعدتنا بمطالعة مخطوطات المأتم والإفادة منها في تتبع نشاط النساخين بالقرية، وبعد الاطلاع والتدقيق في المخطوط المشار عثرنا فجأة دون قصد موجه على مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله البربوري الأوالي في وفاة النبي يحي بن زكريا وعدداً من الكتب التي ضمها «المخطوط الكبير» في مجلد واحد قد نسخها بخط يده المرحوم الحاج حبيب بن يوسف النويدري، وهي على التوالي:

أ. مخطوط وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام مرفقاً بصيغة عقد وقف شرعي للمخطوط مؤرخة سنة 1338هـ، وهي وثيقة مستقلة تحدد تاريخ النسخ وتاريخ وقف الكتاب على مأتم علي بن أحمد آل إسماعيل.
ب. مخطوط وفاة أولاد مسلم مرفقاً بصيغة الوقف الشرعي للمخطوط مؤرخة سنة 1338هـ.
ج. مخطوطة وفاة السيدة مريم العذراء مرفقاً بعقد الوقف الشرعي للمخطوط مؤرخة (سنة 1338هـ – 1920م).
د. مخطوط «وفاة الإمام السجاد أو زين العابدين » عليه السلام للشيخ حسين آل عصفور مرفقاً بصيغة عقد الوقف الشرعي مؤرخة (سنة 1338هـ – 1920م).
هـ. مخطوط وفاة النبي «يحي بن زكريا » للشيخ علي بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي.

مصادر معرفة علماء بربورة وتراثهم الثقافي:
مما ذكرنا في سياق بحثنا عن التاريخ الثقافي لعلماء بربورة وتطور خطوات الكشف عن بعض جوانبه تمكننا أن نكون قد حددنا عدداً من المصادر الأساسية من كتب التراجم عند الإمامية، وتم بواسطتها التعرف على عدد من علماء «بربورة » وجوانب من تراثهم الثقافي والديني الذين بلغوا عشرة عاش بعضهم في الخارج لأسباب ليست واضحة إلينا، ويمكننا الآن حصر هذه المصادر كما يأتي:

  1. المواقع الإلكترونية كموقع مؤسسة كاشف الغطاء لإحياء التراث الإسلامي في النجف الأشرف.
  2. كتب مصادر الإمامية في تراجم الرجال وسيرتهم الذاتية مثل كتاب (موسوعة طبقات الفقهاء، ج 12، وكتابي الذريعة إلى تصانيف الشيعة، وطبقات أعلام الشيعة، ج 6 المسمى الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة، وأعيان الشيعة، الجزء العاشر).
  3. مخطوطات علماء بربورة كرسالة الشيخ ناصر بن عبد الله بن ناصر البربوري في فقه الحج، ومخطوطة الشيخ علي بن عبد الله بن الشيخ حسين البربوري الأوالي البحراني في وفاة النبي يحي بن زكريا.
  4. النساخون للكتب المخطوطة باليد كالحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف بن الشيخ أحمد النويدري البحراني الذي حفظ لنا بعمله هذا أحد الأنشطة الثقافية لعالم من علماء بربورة هي مخطوطة وفاة النبي يحي بن زكريا.
  5. مقابلات بعض الباحثين من الشخصيات التي تهتم بالتراث الثقافي لعلماء البحرين.

المصادر نوعان… أولية وثانوية:
تحسب الآثار الثقافية لعلماء بربورة كإنجازات واقعية من خلال ما تركوه من المخطوطات التي وقع بعضها في أيدينا، ولانزال نبحث عن غيرها، والزمن كفيل بتحقيق هذه الأمنية، وقد شكلت بعض جوانب تراثهم الثقافي، واعتبرت كأحد المصادر التي تم بواسطتها العلم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة بهذا التراث حتى لو كانت المعرفة في بعض جوانبه جزئية وضئيلة.

وبالاجمال يمكن الاستفادة – مما تقدم – في تأكيد أن مصادر تعرفنا على علماء بربورة وتراثهم الثقافي تنقسم إلى نوعين أساسيين:

١. مصادر أولية:
وهي ما تسمى بالمصادر الأصيلة كالكتب والمخطوطات التي صنفها علماء بربورة أنفسهم، ومن أمثلة ذلك مخطوطة الشيخ ناصر بن عبد الله بن ناصر البربوري البحراني في «فقه الحج » وأحكامه، وهي كما عرفنا مخطوطة أصلية بخط المؤلف نفسه التي كانت محفوظة في مؤسسة كاشف الغطاء لإحياء التراث الإسلامي بالنجف الأشرف، وكذلك مخطوطة الشيخ علي بن عبد الله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي البحراني في «وفاة النبي يحي بن زكريا »، وقد نسخها (سنة 1338هـ1920 م) المرحوم الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، وكذلك مخطوطات أخرى نحن على علم بوجودها، لكننا لم نطلع عليها بأعيننا، فاضطررنا إلى الإشارة لها فحسب.

٢. مصادر ثانوية:
وهي أقل اعتباراً من سابقتها، لكنها ذات قيمة في إحياء التراث الثقافي لعلماء بربورة وتحديد هويتهم، ومن قبيل ذلك ما كتبه علماء التراجم الإمامية عن علماء بربورة في مصادرهم حتى بمادة معرفية محدودة وغير مستفيضة مثل كتابي الطهراني» الذريعة إلى تصانيف الشيعة، وطبقات أعلام الشيعة، ج6 المسمى بـ «الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة »، وأيضاً كتاب «موسوعة طبقات الفقهاء / ج 12 »، وكذلك البحوث والمقالات التي كتبها المتأخرون من الباحثين عن بربورة وتراثها الثقافي، ويعتبر الجدول التالي خير مثال على هذا النوع من مصادر البحث عن التراث الثقافي لعلماء بربورة، ولولا هذه المصادر لكان بعض هذا التراث في ظرف صعب أشد مما هو عليه الآن.

المصادر والأسر العلمية البربورية:
تعتبر كتب «التراجم » إحدى آليات التعرف على التاريخ الثقافي لعلماء الإسلام وأعلام الثقافة الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي، ومع أن هذه المصادر قد تمكننا في بعض الأحيان من تحقيق أهدافنا في معرفة جوانب هذا التاريخ إلاَّ أن الباحثين قد يخفقون في الاستفادة منها في الحصول على معرفة جزئية حتى لو كانت حيوية لأن الذين يكتبون هذه التراجم هم في النهاية بشر يعتريهم النقص ويلازمهم القصور، ويفوتهم العلم ببعض الأمور، فلا يجدون ضالتهم في هذه المصادر مع دورها الكبير كآلية تكوين معرفي وثقافي في رصد جوانب من الحركة الثقافية لهؤلاء العلماء، ولهذا يتجه الباحثون إلى استخدام هذه المصادر عسى أن تفيدهم في تحقيق أهدافهم العلمية.

ومن خلال التأمل في المعلومات التي قدمتها كتب التراجم وما وجدناه من المخطوطات والمقالات عن علماء بربورة تبين لنا انتساب غالبية علماء بربورة في مصادر التراجم إلى أسرتين علميتين إحداهما سكنت البحرين ولم تغادر ديار وطنها، وظلت تمارس وظائفها الثقافية والروحية بين أبناء الوطن، بينما اضطرت العائلة أو الأسرة العلمية الأخرى الهجرة إلى خارج البلاد لظروف نجهلها، حيث نزلت بمدينة شاهجهان بالهند كما أشارت كتب التراجم المشار إليها في هذا البحث.

والأسرتان بحسب ما تعرفنا عليه في مصادر الإمامية التي أشارت إليهما هما:

  1. الأسرة العلمية التي عاشت داخل البلد مكونة من الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الذي وصفه صاحب » الذريعة» بأنه »شيخ»، ولا تطلق هذه التسمية إلاَّ على عالم دين، وللشيخ حسين ابن هو الشيخ عبدالله صاحب الإجازة من شيخه المقابي، وللأخير كما يرجح البعض ابنان هما الشيخ أحمد بن عبدالله بن الشيخ حسين البربوري البحراني كما ذهب إلى ذلك صاحب مقال »علماء بربورة الحبيبة» المسمى خادم تراب المؤمنين (انظر الملحق الخامس من الحلقة الثامنة)، وللشيخ أحمد شقيقه الأصغر، والله أعلم، هو الشيخ علي بن عبدالله بن حسين بن أحمد بن جعفر الأوالي البربوري البحراني كما وصف نفسه في مخطوطته عن مصرع النبي يحي بن زكريا عليهما السلام.
  2. والأسرة العلمية نزيل شاهجهان بالهند مكونة من سبعة علماء، يأتي المقدس الشيخ علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني عميداً للعائلة التي هاجرت إلى الهند، وللشيخ علي ثلاثة أبناء علماء دين هم الشيخ يوسف الربعي وأخواه أحمد وسليمان، وقد وصف بعض المشتغلين بالتراجم علماء من هذه الأسرة كالشيخ يوسف بن علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني بأنه «فقيه ومحدث وفاضل»، والأسماء الأخرى لأفرادها وعلمائها هم (الشيخ ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري، والشيخ عبدالله بن ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري، والشيخ ناصر بن عبد الله بن ناصر البربوري البحراني) وهم جميعاً من أسرة الربعي.

ما قيل عن علماء بربورة في بعض كتب التراجم:
كان من الأفضل وضع نصوص التراجم القصيرة التي كتبها بعض علماء التراجم

علماء آخرون لم يفرد لهم ترجمة خاصة:
بالرغم من اتجاه علماء التراجم إلى إفراد ترجمة لكل عالم يطلع على سيرته فإن بعض العلماء لا يفرد لهم ترجمة مستقلة مع الإشارة إليهم في تراجم علماء آخرين، وهذا ما انطبق على تراجم حياة بعض علماء بربورة، فقد ذكر بعضهم في سياق ترجمة هذا العالم أو ذاك، ولم يحظون بترجمة سيرتهم على انفراد، وقد التقطنا بعض الإشارات عن علماء من بربورة تمت ترجمة حياتهم بقليل من الكلام، ولكن علماء آخرين وردت كلمات عنهم أو إشارات ولم يفرد لهم ترجمة خاصة بسيرتهم، ولهذا سنحاول إعطاء فكرة مأخوذة من بعض التراجم لسيرة علماء آخرين وردت أسماؤهم في تراجم علماء آخرين لهم بهم علاقة قرابية أو علمية أو علاقات شخصية.

ومن هؤلاء العلماء الذين لم يفرد لهم تراجم:

  1. الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني:
    يذكر أصحاب التراجم أن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني صاحب الإجازة من شيخه (المقابي) في 17 من ذي القعدة 1147 هجرية (1734م) هو ابن لعالم جليل اسمه الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر بن أحمد البربوري البحراني، ومع ذلك لم يفردوا للوالد الجليل ترجمة خاصة بسيرته الذاتية حتى بإيجاز، بيد أن تسمية والد الشيخ عبدالله صاحب الإجازة من المقابي بـ «شيخ حسين» وخاصة في كتاب «الذريعة» تعني في التقليد الديني أنه عالم دين وشريعة، ويبدو أن الشيخ حسين عاش مخضرماً في قرنين متصلين هما (القرن 11، 12) لأن ابنه الشيخ عبدالله حصل على إجازة شيخ المقابي سنة 1147 هجرية، أي قبل منتصف القرن الثاني عشر الهجري بثلاث سنين، وتفيد هذه الإشارة بأن الوالد المتقدم عليه في الوجود والعمر نرى أنه قد عاش سنوات متصلة من القرنين المذكورين (11، 12)، وقد أغفل أكثر من مصدر في التراجم ذكره، ولم تفرد له ترجمة خاصة بحياته، ولم تقدم عنه معلومات حتى بقدر محدود أو قليل.
  2. الشيخ أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني:
    لم يفرد صاحب كتابي (الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج9، وطبقات أعلام الشيعة، ج6) ترجمة خاصة به أو لم نتمكن نحن خلال البحث من العثور عليها لقصور ذاتي، ولكنه أشار إليه في سياق ترجمته لسيرة أحد أفراد أسرته، فقد ذكره كواحد من الأخوة الثلاثة للمقدس الشيخ علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني، وقد عرفنا من سياق الترجمة لأفراد هذه الأسرة أن الشيخ والد الشيخ ناصر بن أحمد بن علي بن جعفر الربعي البربوري البحراني، وأنَّ الشيخ عبدالله بن ناصر الربعي البربوري البحراني هو حفيده، ولم نتمكن من التعرف على وجود آثار فكرية له كالرسائل والمصنفات والكتب… إلخ.
  3. الشيخ أحمد بن الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر البربوري البحراني:
    ذكر صاحب مقال خادم تراب المؤمنين أنَّ الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن أحمد بن جعفر بن أحمد البربوري البحراني كان له ابن اسمه أحمد بن عبدالله بن المرحوم الشيخ حسين البربوري البحراني، حيث كتب له الشيخ محمد بن الشيخ علي المقابي رحمه الله في إجازته (سنة 1147 هـ 1734 م)على ظهر كتاب «غاية المأمول في شرح زبدة الأصول» بخط صاحب الترجمة الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين صاحب الترجمة وهو يخاطب ابنه الشيخ أحمد بقوله: «الشيخ الأنبل الأوَّاه أحمد بن عبدالله بن المرحوم الشيخ حسين البربوري».
    ومع أن الكاتب الذي يسمي نفسه بـ «خادم تراب المؤمنين» لم يحدد مصدراً معيناً بعينه لما ذهب إليه من قول وجود ابن للشيخ عبدالله البربوري (الزيوري بالتصحيف) اسمه أحمد أو الشيخ أحمد، إلاَّ أننا بمراجعة كتابي الذريعة أو الطبقات للطهراني في الجزأين (9، 6) لم نعثر على ما يؤكد ذلك، ويبدو أنه وقع في اشتباه أو خطأ غير مقصود، فما ذكره الطهراني في كتابه الذريعة أنه قال على ظهر كتاب غاية المأمول في شرح زبدة الأصول بقلم صاحب الترجمة: «الشيخ الأنبل الأوَّاه عبد الله بن المرحوم الشيخ حسين البربوري» ولم يذكر ابنه أحمد من قريب ولا من بعيد كما ذهب صاحب المقال.
    وإذا صح ما قاله صاحب مقال (خادم تراب المؤمنين) فإنه يستفاد من هذه الإشارة أن الشيخ أحمد هو الشقيق الأكبر الشيخ علي بن عبدالله بن حسين بن أحمد بن جعفر البربوري الأوالي صاحب كتاب أو مصنف «وفاة النبي يحي بن زكريا» المنسوخ في أكثر من نسخة بخط أكثر من ناسخ، منهم الحاج حبيب بن يوسف بن الحاج أحمد بن الشيخ يوسف النويدري البحراني، فعادة ما يطلق الآباء على أبنائهم البكر أسماء آبائهم، ومع ذلك لا نجزم بصحة هذا الافتراض لمخالفته أحياناً إطلاق بعض الآباء أسماء أخرى على الأبناء غير أسماء الآباء، وكل ما في الأمر أننا نفترض لوجود ممارسة بالاستفادة من أسماء الآباء وإطلاقها على الابن البكر، ولكننا لا نجزم بصحة وجود الابن المسمى الشيخ أحمد نفسه حتى نتبين له إشارة له في كتب التراجم.

شارك برأيك: