كما كتب علماؤنا الماضون وهم قريبين من أحداث الغزو العماني للبحرين بعض الإشارات القليلة عنه فإنَّ بعضهم الآخر استمر في تكرار الإشارات فيما بعد من خلال كتاباتهم سواء فيما دونوه في كتب تراجم جديدة [1] أو في دراساتهم التحليلية المتأخرة حتى وإن كان تناولهم لحوادث الغزو جزئياً في شكل إشارات عابرة، ومع ذلك فإن هذه الإشارات هي جزء من دراسات بحرينية معاصرة [2] رصدت بعض ما جرى على البلاد سواء بكتابة وجهة نظر مؤرخي السلطة بالمفهوم الذي حددناه في حلقة سابقة [3] أو نظر مؤرخي الحركة العلمية لعلماء البحرين الذين عاشوا أحداث الغزو العماني على امتداد قرنين من الزمان (12، 13) الهجريين.
ونقصد بالدراسات البحرينية المعاصرة مجموعة الدراسات التي كتبها باحثون بحرينيون متأخرون في زمانهم عن قضايا تاريخية خاصة بتاريخ البحرين أو بالمنطقة، وكذلك الحوادث التي تمت في تاريخهما الحديث والمعاصر كحوادث الغزو العماني المتكرر للبحرين، ولا نقصد من ذلك أن تكون هذه الدراسات بالضرورة مستقلة أو مستفيضة عن هذا الموضوع أو عن أية قضية أخرى، ويكفي في نظرنا تناول هؤلاء الباحثين لقضية ما تناولاً جزئياً ومعرفة آرائهم فيها وطريقة تعاملهم منهجياً.
إنَّ عدداً من هذه الدراسات البحرينية تصدى لحادثة الغزو العماني على امتداد قرنين هجريين متصلين هما (12 -13) اللذان شهدا أحداث الغزو العماني ووقائعه المريرة إمَّا بإشارات قصيرة أو مطولة إلى حد ما، ولكن حتى اللحظة الراهنة لم نعثر بعد على دراسة بحرينية مستقلة أو مستفيضة قامت ببحث حادثة الغزو العماني للبحرين من جوانبها المتعددة وآثارها المتعددة، وكل ما نراه في مجموعة من هذه الدراسات التاريخية هو مجرد إشارات ((قصيرة أو مطولة نسبياً)) لحوادث الغزو العماني بخاصة في القرنين الهجريين المذكورين قبل مجيء العتوب وخلال فترة حكمهم للبلاد وبخاصة في مطلع القرن الثالث عشر الهجري حتى العقد السادس منه الذي لم تحدث بعده هجمات عمانية، وقد استهدفت هذه الحوادث المأساوية الظالمة وطننا بأسره إنساناً وانجازات في فترات تاريخية أغلبها في القرنين الهجريين المذكورين، ونحن في هذه الحلقة من دراستنا المستفيضة عن حوادث الغزو العماني الآثم للبحرين وحملاته القاسية عليها نحاول تناول جهود بعض الباحثين البحرينيين المعاصرين إزاء هذه المسألة التاريخية، ونأخذ من كتاباتهم نموذجين لدراستين على سبيل المثال لا الحصر، وقراءتهما وتحليلهما والتركيز على بعض الأخطاء فيهما.
ونحيط – القارئ الكريم – علماً بأن مطالعاتنا المستمرة لعدد من كتب التراجم عن السيرة الذاتية وحياة علماء البحرين الأبـرار وقراءة بعض مصادر دراسة تراثهم العقائدي والثقافي والتربوي أوقفتنا على بعض الموضوعات التي تستحق فعلاً البحث والدراسة، ويأتي الغزو العماني في صدارتها، فهذا الموضوع من أبرز الحوادث الرهيبة التي وقعت في تاريخ المنطقة وهزت المجتمع البحراني خلال القرنين (12 – 13) الهجريين، وقد أثارت هذه القضية الوطنية اهتمامنا كما أثارت اهتمام باحثين آخرين فتوسعنا في البحث عن تفاصيلها في كتب التراجم، وفي مصادر دراسة التراث الثقافي لعلماء الشيعة الإمامية في البحرين، بيد أن العلم – كما يقال – لا حدود له، فوجدت نفسي مهتماً بالموضوع أكثر من ذي قبل، مما اضطرنا إلى متابعته في مصادر معاصرة كتبها باحثون بحرينيون وغير بحرينيين، وعرضناه مع رأينا في حلقات متتابعة من هذا الكتاب سواء تقدمت على هذه الحلقة أو تأخرت عنها.
نموذجان من دراسات الباحثين البحرينيين المعاصرين
كثرت إشارات الباحثين البحرينيين للغزو العماني لبلادهم، فمن الصعب على باحث يكتب في تاريخ البحرين أن يتجاوز ذكر الغزو أو لا يذكر شيئاً عن بعض وقائعه، ولكن كما تقدم من قبل لم يكتب – في حدود ما نعلم – أحد من الباحثين دراسة كاملة عن الغزو العماني للبحرين لا من البحرينيين ولا من غيرهم سواء في زماننا أو في عصور سابقة، حيث تطرقوا إلى حوادثه – هنا وهناك – في عدد من صفحات دراساتهم، وقد تبلغ هذه الصفحات فصلاً كاملاً في أقصى حد أو أقل بقليل لدى بعض الدراسات التاريخية وبنحو متناثر، ولكن حتى اللحظة الراهنة لم نتمكن بعد من العثور على دراسة مستقلة ومستفيضة بهذا الشأن، ونحن نعتبر هذا النقص هو أحد دوافعنا المعرفية في إعداد دراستنا الموسعة عن الاحتلال العماني للبحرين.
وفي سياق الحال القائم الآن سوف نحاول المرور بإشارات، وعرض جملة حقائق تاريخية متوافرة في بعض الدراسات البحرينية وقراءة أفكارها بطريقة نقدية لنموذجين من الدراسات التي تناولت موضوع الغزو العماني لبلادنا البحرين فاخترناهما مع اعتزازنا بجهود الباحثين، وسنكتفي بعرض مبسط لهذين النموذجين من دراسات الباحثين البحرينيين الذين ذكروا حادثة الغزو العماني، وهما:
- دراسـة المؤرخ البحريني الأستاذ ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري وإشاراته هنا وهناك لحادثة الغزو وبعض حملاته في صفحات متناثرة من كتابه المشهور (قلائد النحرين في تاريخ البحرين)) وسنلقي الضوء عليه بصورة مجملة.
- دراسة الأستاذة الباحثة ((مي محمد الخليفة)) وما دونته بيراعها من إشارات تاريخية في كتابها ((محمد بن خليفة.. 1813 – 1890، الأسطورة والتاريخ الموازي)) عن حادثة الغزو العماني للبحرين واحتلالها من قبل عساكر سلاطين عمان وجنودهم بدعاوي مختلفة لا تسوغ لهم ظلم شعبنا الآمن وإيذائه في موطنه الأصلي.
النموذج الأول
دراسة المؤرخ ناصر خيري
أشار المؤرخ البحريني ((ناصر بن جوهر خيري)) إلى أحداث الاحتلال العماني للبحرين في أكثر من أربعين صفحة متفرقة من كتابه ” قلائد النحرين في تاريخ البحرين ” الذي نشرته دار الأيام البحرينية كمخطوط بخط يد مؤلفه، وقد ذكر المؤلف عدداً من الحملات العسكرية العمانية التي استهدفت احتلال البحرين بغرض ضمها للإمبراطورية العمانية في فترات متباعدة إلى حد ما إبان القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين اللذان شهدا التدخل العماني في شئون البلاد والعدوان عليها بشكل ملفت للنظر، وقد تناول الأستاذ ناصر بن جوهر الخيري بإشارات قصيرة لبعض هذه الحملات في صفحات متصلة حيناً، ولحملات أخرى في صفحات متفرقة مع ذكر بعض التفاصيل عن هذا الحدث والسكوت عن تفاصيل أخرى بالرغم اتصاف كتابه بدقة موضوعية إلى حد ما في وصف بعض ما جرى من وقائع، والحملات التي ذكرها يمكن تقسيمها إلى ما قبل مجيء آل خليفة وما بعد قدومهم هي كما يأتي:
أولاً: حملات قبل مجيء آل خليفة قبل عام 1197هـ / 1783م وهما حملتان كبيرتان:
- الحملة الأولى سنة 1711م، سنة 1129هـ.
- الحملة الثانية سنة 1151هـ.
ثانياً: حملات بعد مجيء آل خليفة:
- الحملة الثالثة سنة 1215هـ.
- حملة المقطع سنة 1240هـ.
- حملة ” قزقز ” عام 1244هـ.
أولا: حملات ما قبل مجيء آل خليفة في كتاب قلائد النحرين
هناك حملتان عسكريتان قبل أن يسيطر العتوب على البلاد عام 1783م، 1197هـ، وكانت الحملة الثانية لا تبعد عن نظيرتها الأولى سوى عشرين عاماً هجرياً، لكنهما تركا بصمات خطيرة على مستقبل البحرين ونهضتها الثقافية والروحية حتى زماننا بالرغم من مضي ثلاثة قرون هجرية متتالية، وقد أشار الخيري للحملتين الدمويتين في بضع صفحات متصلة مع بعضها [4]، وسننقل من دراسته التاريخية بعض النصوص التاريخية بمقدار ما نحتاجه.
الحملة الأولى:
تحدث مؤرخنا المرحوم الأستاذ ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري عن حادثة الغزو العماني الأولى في بداية العقد الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي الموافق سنة 1130هـ كما ذكر صاحب اللؤلؤة [5] عليه الرحمة وهو المعاصر لأحداثها ومتضرر من وقائعها مباشرة، فأشار الخيري في نص تاريخي من كتابه ” قلائد النحرين في تاريخ البحرين ” إلى وقوع الغزو الأول سنة 1711م (1129هـ) في أجواء ضعف واضطرابات وعدم استقرار عانت منه الدولة الإيرانية الصفوية فنزع ” الأمير سلطان بن سيف بن مالك بن يعرب النبهاني القحطاني سلطان مسقط وإمام عمان واغتنم هذه الفرصة، فملك بعض شواطئ بلاد إيران في الخليج وشيء من الجزر البحرية، وفي جملتها جزائر البحرين ملكها في سنة 1711م الموافقة لسنة 1129هـ، فكره الأهالي حكم السلطان المذكور لبلادهم، وأنَّى للأباضي أن يتفق مع الشيعي، وذلك يبالغ ويسرف في بغض علي بن أبي طالب، بينما هذا يبالغ في مودته، ويكاد أن يجعله إلهاً، فهم لهذا على طرفي نقيض، ومحال أن يجتمع الضدين ويأتلف النقيضدين [6]، فلذلك استصرخوا بإخوانهم في المذهب وهم صاحب شيراز ” السوير وي خان [7] ” وطلبوا منهم أن يمدهم بالقوات لطرد عدوهم المذهبي عن بلادهم التي هي في عرف الشيعيين من الأماكن المقدسة [8]، ففزع إليهم في قوة عظيمة مؤلفة من أجناس مختلفة بقيادة خاجا معين الدين الفالي، فلما حلوا بالبحرين حاربوا نائب سلطان عمان ومن معه من جنود الأباضيين، فكسروهم شر كسرة وأخرجوهم من البحرين على رغم أنوفهم، وفرح الأهالي بخروج عدوهم من بلادهم، وتولى أمور البحرين الشيخ ناصر آل مذكور [9] “.
الحملة العسكرية الثانية [10] سنة 1151هـ:
وفي نص آخر متصل بالنص التاريخي السابق تحدث ناصر الخيري رحمه الله عن حملة عسكرية دموية ثانية أدمت قلوب أهالي البحرين وتركت جراحاتهم غائرة حتى أن مؤرخنا الكبير الشيخ محمد علي التاجر صاحب كتاب ” عقد اللآل في تاريخ أوال ” عليه رحمة الله سبحانه قال بشأن هجمات العمانيين المتتالية وغيرهم من القوى العدوانية الغاشمة ما مفاده: ” إنَّ التاريخ اختزن من الأذى لشعبنا ما جرح عواطفنا جرحاً غائراً ” وكان عدوان العمانيين المتكرر أحد نتوءات هذا الجرح النازف حتى اللحظة الحاضرة.
لقد وقعت هذه الحملة بعد عشرين عاماً هجرياً من الحملة السابقة وعلى يد الابن السيد سيف بن سلطان الطموح لاستعادة مجد والده، وتحت تأثير الشعور بأخذ الثأر التاريخي من هزيمة سابقة مريرة تجرعها في أرض البحرين، فأراد الابن ((سيف بن سلطان)) بوهج هذا الثأر وضغطه غير السوي تحقيق طموحات شخصية مّرَضيَّة تماثل طموحات والده أن يضم البحرين بالقوة تحت حكمه في إمبراطوريته، ويستثمر خيراتها كما أوضح المؤرخون بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل أو التدليس، وهذا ديدن الطامعين في أراضي غير بلادهم، ويقول المرحوم الأستاذ ناصر بن جوهر الخيري عن الحملة الثانية للعمانيين ووصف ما جرى من وقائعها في سياقها التاريخي:
”ولما آلت سلطنة مسقط وعمان إلى سيف بن سلطان في سنة 1140هـ، وفرغ من ضم أطراف بلاده والقضاء على المناوئين له فيها دار في خلده إعادة البحرين إلى حضيرة [11] سلطنته والانتقام من أهلها الذين تجاسروا على القيام في وجه عساكره وطردهم لهم منها، وفعلاً جهز عساكره وقواته وغزاهم في سنة 1151هـ، وحين وصوله البحرين حارب أهلها وتغلب عليهم وأمر بالقتل والنهب العام مدة ستة أيام كاد في أثنائها أن يجعل البحرين خالية على عروشها، وقد انتقم من الأهالي شر انتقام وأذاقهم من العذاب والاضطهاد أشكالاً وألوان، وقتل كثير [12] من مشايخهم وعلمائهم وكبرائهم، ودمر البلاد أشد تدمير، ولما قضى ما بنفسه ضبط البحرين وتولى شؤونها، وولى عليها رجلاً من خاصته لتدبير أمورها على ما يحب، ثم أبحر إلى بلاده، وقد بلغت نفسه كل [13] تتمناه [14] “.
وتابع المرحوم ناصر بن جوهر الخيري قوله:
”ولما بلغت مسامع الشاه نادر الأفشاري الذي كان قد اتصلت إليه سلطة بلاد إيران، وتوج بتاج الصفويين ونزع الملك من الأمير تهما سب نجل الشاه سلطان حسين في سنة 1149هـ خّبِرَ تعديات سيف بن سلطان على الخليج وجزائر البحرين أمر محمد تقي خان مأمور الخليج الفارسي بالذهاب كلبعلي خان في قوة عظيمة للنظر في أمور الدين ومجازات [15] المعتدي السفاح على سوء أعماله واسترجاع جزائر البحرين إلى أحضان الدولة الإيرانية، فصدع هذا بأمر مولاه وجهز الجنود والعساكر وسار بهم إلى البحرين، ولما بلغت حركته مسامع نائب سيف بن سلطان المقيم بالبحرين ترك الجزائر بعد أن حمل منها من الأموال والتحف شيء كثير [16]، وفر من وجه الجنود الإيرانية، وعلى أثره وصل محمد تقي خان إلى الجزائر وشاهد آثار الظلم والخراب، فطيب خاطر الأهالي وولى على البحرين كلبعلي خان وسافر هو بالقوات بطلب قتال سيف بن سلطان، حيث أن أوامر نادر شاه له بذلك صريحة، واتفق أن التقى به في بحر عمان يجوس الديار بأسطوله الكبير فقاتله وتغلب عليه وكسره أفظع كسرة وقتل سيف بن سلطان نفسه ونهب ما أمكنه من أـسلابهم، وهنالك في سنة 1152هـ [17]“.
ثم قال ناصر الخيري عليه الرحمة والرضوان:
”ولسوء حظ أهل البحرين أن الوالي الإيراني كلبعلي خان الذي تولى أمر بلادهم كان فظاً جائراً غشوماً كثير البغي والفساد، وقد عناه الشيخ أبو الحسن سليمان بن عبد الله الماحوزي في قوله:
لمَّا تعّدَّوا طورهم
وغدوا يحاكون الكلا
ولي عليهم حاكماً
فرمى نبال وباله
أهل أوال في المعاصي
بـ بلا انتفاع واقتناصي
كلب الهراشي بلا خلاصي
بين الأداني والأقاصي
وهو الذي يقول عن نفسه أو قيل عن لسانه:
كلب أهل الكهف من النار
نجا كيف لا أنجو وأنا كلب علي
ولما أسرَف ((أي كلبعلي)) في مظالمه وتعدياته تعددت الشكاية من أهل البحرين ضده فعزلته حكومة إيران عن البحرين، وسلمت رياسة البلاد إلى الشيخ غيث وأخيه الشيخ نصر من آل مذكور، ثم مات الشيخ غيث فصار الشيخ نصر هو الحاكم المطلق التصرف في البحرين تحت رعاية الدولة الإيرانية الأفشارية [18] “.
ثانياً: حملات ما بعد مجيء آل خليفة
أشار الأستاذ ناصر الخيري في كتابه ” القلائد ” إلى ثلاث حملات بعد مجيء آل خليفة وسيطرتهم على البلاد سنة 1197هـ، وكانت المعركة الأخيرة ” قزقز ” قرب الجفير آخر الأطماع العمانية في نظره، وقد حقق آل خليفة والعشائر القبلية المتحالفة معهم نصراً على العمانيين باستثناء حملة سنة 1215هـ التي أدت إلى احتلال كامل للبحرين وتسليمها من قبل الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة بعد تخاذل العشائر المتحالفة عن نصرته وعن مقاومة الغزاة العمانيين، وباستثناء حملة 1215هـ سنعطي إيجازاً للقارئ الكريم تجنباً للتفصيل المطول للوقائع التي أوردها صاحب القلائد، ونحيله للكتاب المذكور للاستزادة والاطلاع.
وقد وقعت جميع هذه الحملات الدموية المقصودة في القرن الثالث عشر الهجري، وبالتحديد سنوات (1215، 1230 أو 1240 كما يقول ناصر الخيري، وكذلك في سنة 1244 هـ)، وقد زادت هذه الحملات من هموم الشعب البحراني بمزيد من قتل علمائه وتشريد أبناء البحرين في دول الجوار الإقليمي، والانتقام منهم من قبل الطامعين المتكالبين على بلادهم البحرين والسيطرة على خيراتها، وضياع المزيد من التراث الثقافي لعلماء البحرين وأدبائها، ولكن حقق العتوب في الحملتين الأخيرتين كما يذكر المؤرخون نصراً مهماً على العمانيين أنهى أطماعهم في البحرين على حد تعبير ناصـر الخيري.
الحملة الثالثة عام 1215 هجرية:
وعن هذه الحملة كتب ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري نصاً مطولاً في صفحات من مخطوطه ” قلائد النحرين [19] ” نأخذ منه مقتطفات مختارة بما يأتي.
يقول الخيري أنه: ”قد وافقت مكاتبات ومخابرات هؤلاء (بعض ما راسلوه من آل الشيخ نصر وأنصارهم) هوى في نفس السيد سلطان لأنه طالما كان يُمنِّي نفسه بالاستيلاء على بلاد قطر والبحرين وإدخالهما ضمن حدود سلطنته الواسعة، فوعدهم خيراً ومنَّاهم بأنه سيعمل على استرداد البحرين وإخراجها من أيدي العتوب وإرجاع هؤلاء إلى بلادهم الأصلية.
فلما كانت سنة 1215 جهز الجنود والمقاتلة وحملها على ما ينوف على خمسة وخمسين مركب ملأها بمعدات الحرب والقتال، وأبحر هذه القوة العظيمة قاصداً بلاد البحرين، فلما بلغت أخباره أهل البحرين هالهم أمره وحسبوا له ألف حساب، ولمَّا ندب الشيخ سلمان الناس وأمرهم بالاستعداد لصد غارة صاحب عمان عن بلادهم قابلوه ببرود وفتور، محاولة على أن عزائمهم فاترة عن الحرب، وقد تسرب إلى أفئدتهم خوف السيد سلطان وجموعه الجرارة، وقد بلغتهم أخبار حروبه وانتصاراته في أفريقيا وبلاد العجم وغيرها.
فكدَّرت الشيخ سلمان حالتهم وساءته ما بدى [20] منهم من الخوف والجبن، وخشي على نفسه وأهل بيته أنْ هو أجبرهم وحملهم على ما يكرهون لئلا يجهرون بالعصيان، وتنشق رابطتهم، فلا تلتئم أبداً، وربما مكنوا منه العدو ففضل مسالمة الغزاة [21] وانتضار [22] الفرص الملائمة.
ولما وصل السيد سلطان إلى البحرين بجموعه الكثيرة لاقته رسل الشيخ سلمان بن أحمد حاملة مراسم الطاعة والانقياد وطلبوا منه النزول إلى البر لملاقات [23] الحكام وعقد شروط الصلح والسلام، فخشي أن يغدر به وامتنع عن النزول، وطلب أن يأتي إليه الشيخ سلمان وأخوته فامتنع هؤلاء وأرسلوا له العهود والمواثيق مع من يثق بهم بأنهم لا يضمرون الغدر به، وما غايتهم إلاَّ السلام وحقن دماء الأنام، ففرح السيد سلطان بذلك ونزل من سفينته إلى المنامة، وقابله الشيخ سلمان وإخوته وأكابر أهل بيته وعشيرته وسلموا عليه، وتقدم إليه رؤساء العشائر، فهنوه (أي هنئوه) بسلامة الوصول، ثم شرعوا في مفاوضات الصلح وقرروا ما كان نتيجته عودة آل خليفة إلى الزبارة في قطر وتكون جميع ما لهم من الأموال والأملاك مصونة لا يتعرض أحد لها بسوء طالما كان آل خليفة محافظين على شروط الوفاء بمضمون نصوص عقود الصلح.
ولكي يأمن دوام محافظتهم عليها طلب السيد سلطان أن يسلموه أحد إخوة الشيخ سلمان ” الشيخ محمد بن أحمد ” ليبقى عنده كرهينة وضماناً لحفظ العهد، فرضي الشيخ سلمان بذلك مكرهاً، ونُقِل من ساعتها إلى الزبارة بأولاده وأخوته وعشيرته وغالب الناس ممن رضي بصحبته، وتم للسيد سلطان التغلب على البحرين فحكم فيها المراكز الحربية، وبدلاً من أن يولي عليها الشيخ نصر حاكمها الأول كما أوعدهم بذلك ولَّى عليها سيد ماجد، وقيل أخيه السيد سالم وترك معه قوة كافية من العساكر والمقاتلة للدفاع عنها حين الحاجة، علاوة على مائتين غلام من النوبة أقوياء البنية وأسطول بحري ورجل خبير بإدارة شؤونه، واستوزر له محمد بن خلف البحراني الذي كان واسطة التفاهم بين البحارنة وسيد سلطان، وبعد أن أتم ترتيب نظام الأمور على ما أحب قفل راجعاً إلى بلاده، وبهذى (أي وبهذا..) الأثناء جاء الشيخ نصر إلى البحرين مؤملاً نوال ما يتمناه كما أوعده السيد سلطان فرأى أن الأمر بخلاف ما أمَّل، فاكتفى بأن تقلد بعض خدمات سيد سالم.
أما الشيخ سلمان ومن معه من العشائر فإنهم لما رجعوا إلى الزبارة أخذوا يتلاومون، وكلاَّ يلقي تبعة الخذلان على الآخر، وقد ندموا أشد الندم على تفريطهم في تسليم البلاد وانسحاب العدو والحسَّاد، وأقاموا يدبرون التدابير لاسترجاع البحرين من يد صاحب عمان، وبعد الأخذ والرد قدروا أن يستنجدوا بإمام نجد الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود، وفعلاً ذهب الشيخ سلمان إلى الدرعية والتقى بالإمام عبد العزيز وطلب منه النجدة والمساعدة لاسترجاع البلاد المغصوبة، فأجاب هذى طلبه (هكذا في المخطوط) وأوعده بالمساعدة واشترط عليه الخضوع لأمره، وعيَّن مبلغاً من المال يدفعه سنوياً له فقبل الشيخ سلمان بذلك وهو يتمثل بقول الشاعر:
ربَّ من ترجو به دفع البلاء
سوف يأتيك البلا من قبله
فلما رضي الشيخ سلمان بالشروط المذكورة جهز له الإمام قوة عظيمة غالبها من حظ أهل العارض وأرسلها معه في جماد أول سنة 1216هـ بقيادة سليمان بن سيف بن طوق فوصلوا الزبارة وحين وصولهم ركبوا السفن التي قد أعدت لهم، وعبروا البحر وهجموا على البحرين وأقاموا الحرب على رجال السيد سلطان فتغلبوا عليهم بعد أن افنوا منهم مقداراً كبيراً من الرجال وفر الباقين [24] على سفنهم قاصدين بلادهم وفيهم السيد سالم الحاكم والشيخ نصر ومحمد بن خلف وغيرهم [25] “.
ثم جرت حوادث – كما يقول صاحب القلائد – في أثناء عودة حاكم مسقط وسلطان عمان السيد سلطان بن أحمد بن سعيد إلى البحرين لإعادتها بالقوة إلى حظيرة إمبراطوريته فالتقى في البحر ” بشرذمة من قرصان البحر والاشتباك معهم بعد هاجمت سفينتهم سفينته وقتلوا السيد سلطان وكثيراً ممن كانوا معه، و” لما علموا بعد ذلك أن ضحيتهم هو السيد سلطان بن أحمد تركوا السفينة وولوا هاربين، وهكذا كفى الله أهل البحرين شره إلى حين [26]“.
أما بالنسبة للبحرين بعد انتهاء الهيمنة العمانية فقد تحررت من سيطرة العمانيين لتقع من جديد تحت نير احتلال آخر هو السيطرة السعودية في سنوات ثلاث تقع ما بين من سنوات (1216 – 1218 هج)، إذ رفض القائد السعودي سليمان بن سيف آل طوق تسليم البحرين للشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة، حيث ” منع آل خليفة من النقلة إلى البحرين إلى أن يصدر له أمر آخر فتكدَّر آل خليفة من ذلك، وصاروا كما قال ناصر الخيري ” كمن يهرب من الدب ليقع في الجب [27] “.. أي أبقاهم في الزبـارة بقطر بعد انتهاء سيطرة العمانيين وانفرد بالبقاء والسيطرة على الجزيرة فأصاب آل خليفة كدر وضجر نفسي.
رابعاً: حملتان دمويتان [28]:
وهما حملتان وقعتا جميعاً كما ذكرنا في عهد حكم آل خليفة أيضاً، وتمت الحملتان على مرحلتين تقعان في النصف الأول من القرن الهجري الثالث عشر، وقد وقعتا بدقة في سنوات (1230هـ أو 1240 – وكذلك سنة 1244هـ) كما تشير إلى ذلك المصادر التاريخية، وكانت الحملتان في الغالب مواجهات قتالية دامية مع قوات آل خليفة مثل معركة ” المقطع [29] “، وهو الفاصل البحري ما بين الساحل الشرقي لقرية العكر والساحل الغربي لجزيرة سترة، وكذلك معركة ”قزقز” بالقرب من الجفير.
وقد أشار الأستاذ ناصر الخيري لبعض الحملات العمانية كحالات صراع ونفوذ على البحرين بين سلاطين عمان وبين البحرين وحكامها من آل خليفة، فأفاض الخيري في الحديث عن كثير من تفاصيل وقائعها، لكنه ببالغ الأسف لم يذكر شيئاً عن الجرائم ضد الشعب البحراني من قتل واعتداء على دور العلم ومؤسساته ومراكزه بالرغم من توافر مصادر كاللؤلؤة وأنوار البدرين وغيرهما توثق الجرائم حتى بعبارات مجملة معبرة.
أ. واقعة المقطع [30] سنة 1240هـ:
وسببها أن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين أنف من دفع الإتاوة للسيد سعيد بن سلطان إمام عمان وسلطانها فكان هذا الامتناع مدخلاً لإعادة التوتر في العلاقات بين الطرفين وبخاصة أن ارحمة بن جابر الجلاهمة كان يشجع سلطان عمان على غزو البحرين انتقاماً من أغرامه آل خليفة، فجهز سعيد بن سلطان جيشاً جراراً إلى البحرين فوصلها صباحاً ودخل مضيق القليعة واحتل جزيرة سترة وقتل وأسر حاميتها، ثم أعيدت مطالب دفع الإتارة وتكرر الرفض في المفاوضات، فجرت معارك ضارية بين الغزاة وقوات آل خليفة المنتشرة في البحر وبين أشجار النخيل وفق خطة مرسومة مسبقاً، وانتهت المعركة التي عرفت بوقعة ” المقطع.. مقطع العكر” بهزيمة مريرة للعمانيين وفرارهم إلى بلادهم وهم ينوون الثأر من آل خليفة والعشائر المتحالفة معهم.
وغالباً ما يؤرخ المؤرخون لهذه الواقعة في مصادرهم بسنة ((1230هـ)) كما في التحفة النبهانية [31] وغيرها، ولكن الأستاذ ناصر الخيري انفرد برأي آخر تبدو عليه الوجاهة، حيث اعتمد فيه على مضمون قصيدة لأحد شعراء آل خليفة، ونقل في كتابه ” قلائد النحرين ” خمسة أبيات من قصيدة للشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة قد أرَّخ فيها البيت الخامس من القصيدة لواقعة المقطع [32] المشهورة.
والأبيات التي نقلها الخيري عن الشيخ محمد بن الشيخ عيسى آل خليفة هي:
ومناهل العليا قديم وحاضر
وأيامنا مشهورة في عدونا
وسل عن مزايانا أوال وسوحها
تصوَّر مناعير على سيف سترة
ترى ذاك عام الأربعين وقبلها
.. الخ
لنا الفخر في عربان مصر وشامها
فسل كل أرض يخبرونك أنامها
وحوت البحر ماذا تصور طعامها
ضحى الكون فاخت هامها من أعظامها
ألف وخُمْس الألف هاذاك عامها
والبيت الأخير من القصيدة المتقدمة – كما يقول ناصر الخيري – شاهد على وقوع الواقعة في سنة 1240هـ. ولا عبرة بمن جعلها في سنة 1230هـ كما في التحفة النبهانية [33] وعقد اللآل للشيخ التاجر وغيرهما من الباحثين والمهتمين بدراسة تاريخ البحرين.
ب. وقعة ” قزقز ” سنة 1244 هـ:
بعد أربع سنوات من واقعة ” المقطع ” يعيد التاريخ نفسه تحت تأثير الهزيمة السابقة والرغبة في الثأر، وتتكرر أسباب معركة المقطع في ظروف مماثلة [34]، فبعد انتهاء معركة المقطع بفرار سلطان عمان سعيد بن سلطان وخسارته لأخيه سالم وجانب كبير من سفنه وأسلحته وانكسار جيشه أمام شرذمة قليلة [35] على حد تعبير ناصر الخيري لم تهدأ نفسه، وظل يفكر في استعادة هيبته المفقودة بمعاودة غزو البحرين والثأر لنفسه من أهلها وإعادة الأمور إلى مجراها السابق، لذلك انتظر الفرصة المناسبة والسانحة فاقتنصها بمرور الشيخ عبد الرحمن بن راشد الفاضل على سفينته ” الجابري ” عائداً من بلاد الهند وهو لا يعلم بشيء مما حدث بين البحرين ومسقط، وكان بصحبته على ظهر السفينة جماعة من وجهـاء وأعيان البحرين منهم ” محمد بن مقرن آل خليفة وسيار بن قاسم ومحمد بن صقر المعاودة ”فقبض عليهم جميعاً وأودعهم في السجن وحجز سفينتهم الجابري، وحاول قتلهم انتقاماً من مشائخهم آل خليفة، لكن أخته الأميرة ((موزة)) بنت السيد سلطان الملقبة بـ ”الجلالية” اتخذت موقفاً أكثر حكمة ورشداً، فنصحته بأن لا يأخذ البريء بجريرة المذنب، ودعته إلى المساومة بهم لا أن يقتلهم فيفقد القوة في المراوغة فاستصوب رأيها.
ثم حدثت مراسلات ومكاتبات بين السلطان والشيخ عبد الرحمن الفاضل من جهة وبين آل خليفة من جهة أخرى، فعقد آل خليفة مجلساً للنظر في مطالب السيد سعيد بن سلطان، وانقسم المجتمعون إلى أغلبية تدعو إلى محاربة السلطان في عقر داره وفك الأسرى وعدم الإذعان لما يريد، ولكن الشيخ أحمد بن سلمان خالفهم فيما عزموا وأظهر خطأهم وبين لهم عاقبة سوء ما فكروا به بغرور، واقترح عليهم دفع شيء من المال كفدية عن الأسرى، ثم عقد صلح سلمي مع سلطان عمان، وجرت مكاتبات ومفاوضات في جزيرة قيس بين وفدي الطرفين ودفع دية (16000) ألف ريال في فكاك الأسرى، وتعهد بمثلها سنوياً يدفعه أهل البحرين إلى السلطان فرضي بذلك، فأمر بفك الأسرى (الفاضل ورفاقه)، ثم أعطى المحبوسين الهدايا السنية، كما أرسل أيضاً ” هدايا للشيخ عبد الله بن أحمد وأولاده والشيخ خليفة بن سلمان وإخوته، وتمت الأمور وانحسم الصلح ورجعت المياه إلى مجاريها [36]“.
وبموت الشيخ أحمد بن سلمان مات الصلح المبرم بين آل خليفة وبين السيد سعيد بن سلطان صاحب عمان، حيث نقض هؤلاء ما كانوا أبرموه وامتنعوا عن أداء ما قرروه، وقالوا عار علينا أن ندفع إتاوة إلى الحكام طالما كانت سيوفنا حداد ورماحنا مداد، فكان ذلك الامتناع داعياً لإشهار الحرب بين الإمارتين وقطع العلائق السلمية بين الطرفين، ويقال أنه في هذا الأثناء ذهب بشر بن أرحمة إلى مسقط وعرض خدمته على السيد سعيد بن سلطان وحرضه على غزو البحرين ومحاربة أهلها كما كان يفعل والده متخذاً امتناع آل خليفة عن تسليم المبلغ المقرر عليهم ذريعة لإيغار صدر السيد سعيد وإغرائه على الإقدام والحرب أخذاً بثأر والده.
فيقال أن السيد سعيد أخذ يستعد لغزو البحرين مدة شهر كامل حتى أنه لم يترك من يقدر على حمل السلاح من جميع بلدان عمان وصحار وغيرها إلاَّ وقلده إياه، وجمع من السفن ما ينوف على 300 سفينة، وأركب جموعه عليها وسار بنفسه على رأس ذلك الجيش الجرَّار.
ولما بلغ المشائخ آل خليفة خبر ركوب السيد سعيد لمحاربتهم وإخضاعهم لسلطته بقوة السلاح وكثرة الجحافل جمعوا رؤساء العشائر وكبراء القبائل وتشاوروا في أمرهم، فأشار البعض بالاستنجاد بالأصدقاء والأحلاف وامتنع الآخرين وقالوا والله لا نقاتله إلاَّ وحدنا لكي لا يقال بأن أهل البحرين استعانوا بسواهم واتكلوا على غير خالقهم ثم أخذوا يجمعون جموعهم ويتأهبون للقاء عدوهم ويعدون عدتهم ويصلحون شأن أسطولهم فاجتمع لديهم من الفرسان عدة 300 خيال، ومن المشاة مقدار ألفين وثمانمائة مقاتل وماية وستين قطعة من العمارة البحرية [37] “.
وعاد التوتر في العلاقات بسبب عدم دفع المال المتفق عليه وانفراط عقد اتفاقية الصلح بين آل خليفة (حكام البحرين) وبين السيد سعيد بن سلطان إمام مسقط وعمان، وعلى إثره بدأت محاولات من العمانيين لاستمرار دفع المال وإلاَّ الحرب وذلك عندما وصل العمانيون إلى البحرين، وطلبوا من الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة دفع مبلغ الفدية فامتنع عن ” مجاوبة السيد سعيد وشمرت الحرب عن سواعدها وكشرت حالاً عن أنيابها وبدأت المهاجمات الحربية وازدحمت سفن البوسعيد عند رأس قزقز وصدرت الأوامر لمن فيها بالنزول إلى البر فنزلت الكتائب وتتابعت المواكب لمقاتلتهم فرقة المشاة التي أمرها الشيخ خليفة بن سلمان بأن تقاتل متقهقرة [38]، وانتهت المعركة الضارية بين الفريقين بانتصار العتوب ((آل خليفة)) وحلفائها من العشائر والقبائل.
وفي هذه الواقعة – واقعة قزقز – كانت نهاية الأطماع العمانية كما يذهب المؤرخ ناصر بن جوهر الخيري، حيث يقول في أحد نصوص مؤلفه قلائد النحرين: ” والحقيقة أن هذه الواقعة كانت واقعة عظيمة جداً، وصار لها دور عظيم في كافة البلاد العربية منها يجاور الخليج من البلاد، وتأثيرها في أهل عمان كان كبيراً جداً، حيث قد استأصلت جذور المطامع من قلوبهم ومنعتهم من معاودة تمني غزو البحرين وحملتهم على احترام العتوب ” أهل البحرين ” والخوف منهم واجتناب مفاجأتهم في كل الأحوال [39] “.
ملاحظاتنا على النصوص
ونسجل على النصوص التاريخية السابقة بعض ملاحظاتنا وهي كما يأتي:
- أنه ورد في النص الأول بعض الأخطاء اللغوية الواضحة سواء كانت إملائية أو نحوية، وتكرر ذلك في النصوص التاريخية الأخرى، ومن ذلك قوله على سبيل المثال في النص الأول: ” وذلك (يقصد العماني الأباضي) يبالغ ويسرف في بغض علي بن أبي طالب، بينما هذى (ويقصد الشيعي البحراني) يبالغ في مودته ويكاد أن يجعله الآهً فهم لهذى على طرفي نقيض ” وكذلك قوله: ” ومحال أن يجتمع الضدين، ويأتلف النقيضين “، وكذلك ورد في النص التاريخي الثاني أخطاء مماثلة.. إملائية ونحوية، ولم نأخذ من النص إلاَّ بعض الأخطاء الشائعة في النص بالرغم من تعديل كتابتها من قبل أثناء نقلنا لها من المخطوط، كما تكررت الأخطاء وأشرنا إليها في الهوامش حيناً وفي باطن النص أحياناً في عدد من النصوص التاريخية التي شرح فيها المعارك بين العمانيين وأهل البحرين.
- أن المؤرخ ناصر الخيري أخطأ في تقدير تاريخ حادثة الغزو عندما حدده في سنة 1711هـ الموافق 1129هـ، فقد ذكر الشيخ يوسف البحراني في كتابه ” لؤلؤة البحرين ” أن تاريخ الغزو هو عام 1130هجرية، وهو الأقرب والأكثر دقة لأن الشيخ يوسف آل عصفور عاش الأحداث بنفسه ومباشرة واكتوى بآلامها ومتاعبها كموت أبيه الفقيه الشيخ أحمد بن إبراهيم آل عصفور البحراني غمَّاً وهمَّاً في الخارج بالقطيف وتبعثر عائلته وحرق مكتبة آل عصفور في الشاخورة وتلف بعض كتبه وتشرده خارج وطنه في شيراز وقصبا وكربلاء والقطيف، فقد ذكر الشيخ يوسف في كتابه ” لؤلؤة البحرين ” ما يؤكد تاريخ الغزو واحتلال البحرين الأول من قبل سلطان عمان في أكثر من موضع وذلك بعد محاولتين من الغزو في سنتين متتابعتين للعدوان العماني على البلاد، ومنها ما ذكره من استشهاد الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي البحراني، حيث قال صاحب اللؤلؤة: ” وأنَّه.. أي الضبيري.. بعد أن كان فيها ((ويقصد بلدة القطيف)) مضى إلى البحرين وهي في أيدي الخوارج لضيق المعيشة في بلدة القطيف فاتفق وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم، وقتل جميع عسكر العجم وجرح هذا الشيخ.. أي الضبيري.. جروحاً فاحشة، ونقل إلى القطيف فبقي أياماً قليلة، وتوفي إلى رحمة الله، ودفن في مقبرة الحبَّاكة وذلك في شهر ذي القعدة سنة الثلاثين بعد المائة والألف [40] “، أي أن تاريخ الاحتلال الأول سنة 1130 هـ بعد محاولتين سابقتين ومتتابعتين في سنتي (1128 – 1129 هـ).
- أن شيعة البحرين، وهم سكانها الأصليون عندما غزا العمانيون بلادهم كانوا منذ العقد الأول لظهور الإسلام يحبون علياً عليه السلام ويظهرون مودته ويقدسون شخصيته العصماء استجابة لأوامر قرآنية ونبوية واضحة ويحترمونه ويبالغون في مودتهم ويتشيعون له ويعتبرونه مرجعهم الروحي والمعرفي والأخلاقي، ولكنهم لم يجعلوه إلهاً أو كادوا كما يقول ناصر الخيري، فأمير المؤمنين علي عليه السلام هو في نظرهم عبد الله الصالح الذي فرض الله مودته على سائر المؤمنين لولايته عليهم ولانجازاته وخدماته للدين والإنسانية، فالتعبير السابق للأستاذ ناصر خيري في غير محله مع يقيننا بنزاهته وعدم حساسيته من مودة الشيعة لعلي عليه السلام، ولذلك وجب تنبيه القارئ الكريم بأن هذا المؤرخ قد أخطا في تشويه العلاقة بين الإمام علي وشيعته من أهالي البحرين.
- أن كراهية أهالي البحرين للسلطان العماني وقواته وعساكره ليس من باب الكراهية لكونهم أباضيون، فالشيعة كالبشر – وبخاصة أهل البحرين – لا يكنون لأشقائهم العمانيين سوى المودة والحب، وإنما تولدت كراهيتهم للسلطان وجنده لأنهم في البداية والنهاية غزاة جاءوا بالبطش والقوة والعنف وسفك الدماء وانتهاك الحرمات وفرض الإتاوات المالية بالقوة وإلاَّ القتال لأهل البحرين، فكرهوا تصرفاتهم استجابة لشعورهم الطبيعي في النفور من المتسلط عليهم بالقوة والحديد والنار ولرفضهم الداخلي للمذلة التي أراد العمانيون فرضها على شيعة البحرين، كما أن اتجاه الأهالي في البحرين لإخوانهم في شيراز ليس لتناغم في شعورهم المذهبي أو لكون البحرين آنذاك تحت سلطة الفرس، فتلك فرية ظهرت في شكاويهم من جور بعض الولاة الإيرانيين أمثال كلبعلي، بل وكانت فرصة الأهالي ذهبية للتخلص منهم لولا أن العرب الآتين من مسقط عمان لم يقدموا لهم حماية، بل كانوا قساة، وقد تسلطوا عليهم وسفكوا دماءهم، ولهذا وصف صاحب الحدائق الشيخ يوسف آل عصفور البحراني عدوان العمانيين بعبارات قاسية كما أشرنا في تضاعيف دراستنا، ويمكن للقارئ الكريم مراجعة كتابه ” لؤلؤة البحرين ” في ترجمة الشيخ الضبيري [41]، وترجمة الشيخ عبد الله السماهيجي، وترجمته الذاتية في آخر الكتاب، بينما تعامل معهم بعض الولاة الفرس على نحو أقل قسوة وأكثر سماحة، وقد ذكر الأستاذ ناصر الخيري نفسه أنّ والي الفرس محمد تقي خان طَّيب (خواطر) أهالي البحرين بعد أن رأى ظلم العمانيين وما تركوه من خراب في البلاد، وقد يكون ذلك ذكاء في العمل السياسي وإدارة الناس، وهذا ما افتقده أشقاؤهم العمانيون حين اقتحموا البحرين فأباحوها في الحملة الثانية ستة أيام دون رحمة بإخوتهم في العروبة والدين والجوار التاريخي والجغرافي أو على الأقل لم يكونوا أكثر رحمة من حكام الجور الفرس وولاتهم الظالمين.
- نعتقد بأن مؤرخنا الكبير ناصر بن جوهر الخيري قد أخطأ في قوله بأن ((ناصر آل مذكور وهو من قبيلة المطاريش العمانية)) كما تذكر المصادر التاريخية قد تولى أمور البحرين مباشرة بعد هزيمة العمانيين على يد الفرس سنة 1711م (1130 هجرية) لأنَّ المسافة بين الاحتلال العماني الأول وبين فترة حكمه بعيدة، ويبدو أنه خلط سهواً بين هذا الوالي الذي أسقط حكمه تحالف قبلي بين قبيلة العتوب وقبائل آل بوعلي والجلاهمة وغيرهم سنة 1783م عند مجيئهم للبحرين وبين تولي أحد أسرته السابقين عليه أمور البحرين، وقد يكون الأقرب إلى ذلك أخوه الشيخ غيث آل مذكور أو أخوه الشيخ ناصر آل مذكور، ونتصور أن الأستاذ ناصر الخيري لم يتح له مراجعة مخطوط كتابه، ولهذا نميل إلى أنه قصد أخاه الشيخ غيث أو الشيخ ناصر الخيري، فبقي الخطأ موجوداً في الكتاب لعدم مراجعته فيما بعد لظروف نجهلها.. ربما موته أحدها.
- وقع مؤرخنا الأستاذ ناصر بن جوهر الخيري في نفس الخطأ الذي وقعت فيه الأستاذة مي الخليفة عندما ربط بين جرائم الوالي الفارسي كلبعلي وبين أبيات أبو الحسن الشيخ سليمان الماحوزي، فهذا الوالي الفاسد عاش ببغيه وطغيانه فيما بعد سنة الغزو (1151هجرية)،بينما توفي الماحوزي قبل حادثة الغزو بحوالي ثلاثين سنة، أي في سنة 1121هـ، وبالتالي فإن أبياته قيلت لنقد واقع سياسي أو اجتماعي قبل تولي كلبعلي وما قام به من جور وبغي وفساد وفظائع بزمن ليس بقصير، ومن هنا فإن قول الخيري بأن الماحوزي عناه في الأبيات التي مرت غير صحيح إطلاقاً، وهناك احتمال بأن كلبعلي كان معروفاً لدى أهالي البحرين بالظلم والجور والفظاظة، وقد ولي أمرهم في فترة سابقة قبل وقوع حادثة الغزو العماني سنة 1151هـ حينما كان الماحوزي حياً، ثم أعادت الدولة الإيرانية الصفوية تعيينه والياً من جديد بعد هزيمة العمانيين على أيدي الفرس عام 1151هـ، وقد عناه الماحوزي في أبياته الشعرية في تلك الفترة قبل حادثة الغزو 1151هـ، أما أنه عناه بعد وقوعها من مماته بثلاثين عاماً وهو غير حي فأمر لا ينسجم مع التأكيدات التاريخية وحقائقها لأنه توفى سنة 1121هـ، وإجمالاً يمكننا القول بأن إثبات هذا الاحتمال ما يزال صعباً ولم يحسمه التحقيق، وعليه يبقى خطأ مؤرخنا ناصر الخيري وارداً.
- أنه في النص التاريخي الخاص بحملة السيد سلطان بن أحمد بن سعيد سنة 1215هـ وصف لوقائع محددة من الغزو، لكنه ببالغ الأسف لم يذكر بعض الجرائم التي ارتكبها العمانيون ضد شعب البحرين وسكانه الأصليين من قتل وسفك دماء، وأهمل تماماً حادثة استشهاد العلامة الكبير الشيخ حسين بن محمد آل عصفور الذي كان آنذاك المرجع الروحي الكبير لشعب البحرين، كما أنه أهمل بعض الوقائع الجسام كالاعتداء على جزيرة النبيه ومدرستها الفقهية وتدميرها بالمنجنيق وحرق كتبها وقتل عدد من علمائها وطلبة العلم فيها، وكذلك ما جرى على أهالي سماهيج والمجزرة التي ارتكبها العمانيون، ولم يدون شيئاً مما كتبه الشيخ يوسف والبلادي وغيرهما من كتب التراجم لدى علمائنا البحرانيين بشأن وقائع الغزو العماني للبحرين وآثاره التدميرية، وقد يجد البعض مسوغاً له بعدم علمه بهذه المصادر أو لم يطلع عليها، وباختصار نقول أن الحقيقة لا تموت حتى وإنْ غفل عنها مؤرخ هنا أو هناك عمداً أو سهواً، وسوف يجد القارئ الكريم بعض التفصيلات لهذه الوقائع والفواجع في صفحات الحلقتين الثامنة والتاسعة وفي مواقع مختلفة من كتابنا عن الاحتلال العماني للبحرين.
- كما أنه لم يشر مطلقاً لهجوم العمانيين على جزيرة ” أُكُل ” أو جزيرة النبيه صالح، وحدث فيها ارتكاب العمانيين لجرائم عديدة كهدم مدرسة الشيخ داوود بن حسن الجزيري بالمنجنيق، وقتل مجموعة علماء وطلبة علم تراوحوا كما يؤكد صاحب الأنوار الشيخ علي بن حسن البلادي بين (40 – 70) قضوا أبرياء لا ذنب لهم وشهداء على طريق الحق [42]، وحرق مكتبة المدرسة ونقل بعض كتبها ومخطوطاتها، ويقال لدى بعض الباحثين أنها وقعت في سنة 1258هـ كما وجدنا في ترجمة حياة الشيخ داوود بن حسن الجزيري عند الأستاذ عبد العزيز بن محمد راشد العرادي، ولم نتمكن من توثيق هذا القول.
النموذج الثاني
دراسة الأستاذة مي الخليفة
كانت الأستاذة (مي محمد آل خليفة) في دراستها ((محمد بن خليفة.. 1813 – 1890، الأسطورة والتاريخ الموازي)) إحدى الباحثات المعاصرات التي أشارت في كتابها المتقدم الذكر لحادثة الغزو العماني للبحرين، فقرأنا بإمعان ما كتبته الباحثة بأكثر من مرة عسى أن استزيد علماً بالموضوع، وبتفاصيل أكثر عن الاعتداءات العمانية المتكررة على البحرين وأهلها الأطياب، ومما لا شك فيه أن ذلك قد تحقق فعلاً، فبعض ما قرأناه كان مكروراً لاتفاق المؤرخين على وقوعه، ولكن كتاب الأستاذة مي بالرغم من إيجابياته قد وردت في ثناياه بعض الأخطاء استبطنت بين دفتيه كتحديد خاطئ في زمن بعض حوادث الغزو والخلط بينهما، وأخطاء في الأسماء تربو على (11) خطأ تاريخي لا بد من إبداء الرأي فيها عسى أن تقوم الباحثة بمراجعتها وإعادة النظر فيها من جديد.
ومع أني – بادئ ذي بدء – لست من ذوي الاختصاص في علم التاريخ ولا الضليع بوقائعه وحوادثه إلاَّ أنَّ موضوعاً كحادثة الغزو العماني أكثر المؤرخون والفقهاء وعلماء الدين من الحديث عنه قد استثار تفكيرنا وأمدنا بأفكار تفصيلية على نحو تدريجي من مصادر عديدة، وقد استبطنت دراسة الأستاذة الباحثة ((مي الخليفة)) بعض الأخطاء التاريخية كانت بارزة بالنسبة لنا حتى وإنْ كنت من غير ذوي الاختصاص بعلم التاريخ، فالعلم بتاريخ بلادنا وما جرى عليه من وقائع وحوادث قضية وطنية تأخذ بألبابنا.
ومن الصعوبة أن نبقى جاهلين بوقائعه وحركته إلى الأبد، ومن هنا نعتقد أن الباحثة مي لم تكن موفقة في بعض ما كتبته من أفكار عن وقائع الغزو العماني للبحرين بالرغم من مجهودها الكبير، كما أن قضية حدث كبير كالاحتلال العماني للبحرين هي قضية رأي واجتهاد في فهم ما جرى، وهي في الوقت نفسه قضية نصرة لوطن استهدفه غزاة من غير أبنائه فآذوا ذويه بأنواع الآلام وساموه أشكال العذاب.
ومما لاحظته أن الباحثة لم تعتمد على مصادر أولية كتبها مباشرة علماء البحرين وفقهاؤها عن هذا الحدث إلاَّ قليلاً، وأن اعتمادها لبعض هذه المصادر لم يمنعها من الوقوع في أخطاء تاريخية لا ينبغي الوقوع فيها، بل أنها صاغت بعض ما كتبته من عبارات تاريخية من دون مراجعة لهذه المصادر بنحو يغني دراستها بأفكار مباشرة من علماء وفقهاء عاشوا الأحداث عن قرب وشاركوا في وقائعها، ولم توفق في التدقيق في بعض حوادث الغزو وسنواته، وفي أسماء علماء بحرانيين ذاع صيتهم في الأوساط العلمية حتى في خارج البحرين كالشيخ سليمان بن عبد الله بن علي الماحوزي البحراني المعروف لدى علماء الإمامية في البحرين وخارجها بـ ”المحقق البحراني“.
أخطاء النموذج الثاني
- قالت الباحثة مي آل خليفة أن المؤرخ الفارسي فريدون آدميات لم يكن يعنيه من أمر البحرين إلاَّ الفرس الشيعة [43]!! عندما نقلت عبارته التالية: ” في عام 1717م هاجم إمام مسقط البحرين وضرب المنامة واستباحها، وقام بقتل مجموعة من الفرس الشيعة [44]“، ثم علقت على هذه العبارة بقولها السابق أعلاه الذي عابت فيه حميَّة المؤرخ الفارسي حول القتلى من الفرس الشيعة، وهذا حقها بالتأكيد، ولكن لنا كذلك أن نتساءل.. ما الذي فعلته الباحثة من كشف لجرائم الجيش العماني الغازي بأهالي البحرين من الشيعة العرب؟ لماذا صمتت عن بيان وكشف بعض الحقائق التي سجلها علماء بحرانيون عايشوا الأحداث وتألموا من وقائع الغزو العماني عن قرب كما في كتاب لؤلؤة البحرين وأنوار البدرين ومصادر أخرى؟. ألم يتكلم علماء البحرين ومؤرخو الحركة الثقافية آنذاك عن مآسيهم مع الاحتلال العماني؟، فما هي مسوغات الباحثين البحرينيين في الصمت عن مظلومية تاريخية اكتوى بأوضارها البحرينيون قبل مائتي سنة وما تزال الكثرة الكاثرة منهم متناثرة في بلاد المهجر والغربة منذ أكثر من قرنين وهم يحملون ألقابهم البحرانية حفاظاً على هويتهم الوطنية والحضارية؟إنَّ المؤرخ الإيراني تفاعل مع قومه الفرس بقدر ما أخذته حميته القومية، وقد تقدم خطوة أكثر حين قال باستباحة العمانيين لمدينة المنامة، ونحن لا نتعاطف مع آدميات فمن الطبيعي بالنسبة إليه أن يلتحم بمشاعره القومية ويدافع عن بني جلدته، ولكن طالما أن البلد بلدنا، وأهلها من لحمنا ودمنا، وكان المفترض أن تبذل الباحثة مي جهداً أكبر لتوضيح بعض الحقائق المغيبة من مصادر علماء البحرين الذين عاشوا وقائع الغزو وابتلوا بمتاعبه لتزيح بعض المشاعر بالمظلومية عن أهلها، وهي تملك القدرة على الوصول إليها لتوفر المصادر ولإيمانها بالبحث العلمي بموضوعية وشجاعة، وهذا لا يكلفها شيئاً بذي بال أو يؤذيها.. يجب – إذن – أن يعنيها من أمر البحرين التعبير عن هموم الإنسان البحريني ومآسيه الناجمة عن الغزو كما فعل المؤرخ الإيراني عندما تفاعل منحازاً مع مشاعره القومية.
- وفي إحدى صفحات كتابها تنقل الباحثة الأستاذة مي الخليفة نصاً تاريخياً للمؤرخ الإيراني عباس فروغي يقول فيه أن البحرين تعرضت للخراب حتى قيل أنه كان بها (360 [45]) قرية ومدينة لم يبق منها بعد ذلك إلاَّ (90) قرية مهدمة [46] “.والملحوظ أن الباحثة شككت بهذا القول ووجدته غير صحيح فنسفته بكلام للمؤرخ اللبناني إسحاق الخوري عندما نقلت رأيه واستعانت به لنقضه مع اختلاف بينهما في عدد القرى والمدن البحرينية المثبتة في كتابه ((القبيلة والدولة)) فقال خوري: ” وهذا العدد 360 يتكرر ذكره في التراث الشعبي الشيعي، إلاَّ أن ذلك لا يستند إلى حقائق تاريخية [47] “، ولنا أن نتساءل عن الأدلة التاريخية التي ساقها هذا المؤرخ لإسقاط هذا الرأي؟، فهناك نص مطول نسبياً من هذا القبيل ورد في كتاب (الذخائر) للشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي العصفور قال فيه: أن القرى والمدن المعمورة الآن تزيد على المائتين [48] عند كتابة النص سنة 1319 هجرية، ونحتاج في كلا الموقفين إلى أدلة وحقائق للإثبات التاريخي.
يقول الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور في ذخائره: ” قال بعض مشايخنا كان عدد قرى البحرين في الزمان السابق بعدد أيام السنة، فبظلمهم ما بقي الآن.. سقوفها وفروشها، فتلك بيوتهم خاوية على عروشها، والقرى المعمورة أزيد من مايتين [49] ” ثم سرد أسماء مجموعة قرى عامرة ومندثرة، ويمكن مراجعة ذلك في كتابه الذخائر، وقد رد صديقنا الأستاذ محمد بن أحمد سرحان على المزاعم التي تفي هذه الحقيقة بعدد قرى البحرين وبلداتها في دراسة غير منشورة.
- والخطأ الثالث قول الباحثة بلا تدقيق وتحقيق بأن الشيخ محمد الدرازي (هكذا أسمته) اتفق مع المؤرخين الفارسيين (وتعني آدميات وفروغي) على مرارة الغزو، لكنه خالفهما في تحديد السنة التي وقع فيها الغزو، فقد حدد ذلك في سنة (1150 هجرية) كما جاء في (ذخائره [50])، وذلك عندما نقلت الباحثة مي الخليفة رأي الشيخ محمد علي العصفور الدرازي وقوله على النحو التالي: ” أتى سيف بن إمام مسقط سلطان مع جماعة من قومه الأباضيين الخوارج فتملكوا على البحرين وقتلوا من الشيعة ما لا يحصى [51] “.. أي شيعة البحرين وهم عرباً بالتأكيد!!!، وهو نص منقول كما ذكرنا عن كتابه (الذخائر [52])، ومما ينبغي تنبيه الباحثة إليه أن الاسم الحقيقي المعروف والمتداول بين الباحثين هو الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور الدرازي البحراني وليس الشيخ محمد الدرازي كما جاء في كتابها [53]، فالاسم بهذه الكيفية نكرة وغير معروف إلاَّ لقارئ متابع ومهتم بالتراث الثقافي لعلماء البحرين وتاريخهم، وربما يشتبه عليه ما لم يكن على دراية بكتابه عن تاريخ البحرين المعروف بـ ” الذخائر في جغرافيا البنادر والجزاير “.
- ورابع أخطائها كما نعتقد أن المؤرخين الفارسيين يتحدثان عن حادثتي غزو عمانيتين مختلفتين ومتباعدتين إحداهما سنة (1130 هجرية – 1717م)، واستمرت ثمان سنوات حتى 1125م التي ربما حدث فيها تخريب مدرسة الشيخ داوود الجزيري، وأشار إليها الشيخ يوسف آل عصفور البحراني صاحب كتاب لؤلؤة البحرين، ولم يأت الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور على ذكرها إلاَّ في ترجمة حياة جده الشيخ يوسف البحراني (انظر الذخائر [54])، أما الشيخ محمد علي آل عصفور فيشير في النص السابق لحادثة غزو ثانية بعد عشرين سنة تمت في سنة (1150 هجرية – 1137م) وتمت فيها مذبحة سماهيج الرهيبة المعروفة بـ ((موقعة عبيد الصلاح [55]))، حيث دخل العمانيون البحرين من منطقتين (من قرية الفارسية بالقرب من ألبا على الساحل الشرقي من البلاد، ولم تتوافر لدينا معلومات قاطعة بشأن انتهاكات الجيش العماني في هذه القرية، وكذلك من قرية سماهيج في القرن الشمالي من جزيرة المحرق [56])، ويستفاد من كلامه أنه اتفق كمؤرخ بحراني مع رأي المؤرخ الفارسي (فروغي) في وصف ما جرى في حادثة الغزو الثانية سنة (1737م) الموافقة لسنة 1150 هجرية، ولم يكن يقصد حادثة الغزو السابقة التي تحدث عنها جده الشيخ يوسف البحراني في كتابه (لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث [57]).فما أشار إليه فريدون آدميات هي الحملة الثالثة التي وقعت في زمن الشيخ يوسف البحراني وترتب عنها احتلال كامل للبحرين سنة (1130 هـ – 1717م)، واستمر العمانيون في احتلال البلد ثمان سنوات حتى سنة 1725م، ومن الجدير بذكره أن صاحب اللؤلؤة الشيخ يوسف العصفور البحراني أشار إلى حملتين سابقتين على الحملة الثالثة التي تم فيها احتلال البحرين، وقد فشلتا في دخول البلد واقتحامه فكرر العمانيون هجومهم الثالث وحصارها بحرياً حتى استطاعوا احتلالها سنة 1130هـ (1717م)، وهنا يتفق آدميات مع الشيخ يوسف البحراني على مرارة الغزو وتحديد زمن السنة التي وقع فيها الهجوم والاحتلال الكامل معاً، أما حفيده الشيخ محمد علي العصفور فهو الآخر قد اتفق مع فروغي على مرارة الغزو وزمن الغزو سنة 1150 هـ 1137م، وبالتالي فإن مجموع حملات الغزو أربع من سنة (1128 – 1150هـ) كانت إحداها احتلال كامل والثانية احتلال جزئي، واثنتان فاشلتان.
- وتسجل الباحثة مي الخليفة على نفسها خطأ في اسم المحقق الماحوزي البحراني، ونتصور في أسوأ الاحتمالات أنها تجهله، ويبدو أنه خطأ مطبعي قد قرأت عنه ورجعت إلى مصادر متأخرة، ولم تقرأ عنه من مصادر أولية ومن كتبه المنشورة مباشرة بكثرة بعد أن أخطأت في بعض التواريخ وتحديد بعض سنوات الغزو أخطأت في اسم علم كبير من أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين هو العلامة الفقيه الكبير المعروف في أوساط العلماء الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن علي الماحوزي البحراني الموصوف بـ ” المحقق الثاني ” لدى الشيعة،في البحرين وخارجها، فبعد أن ذكرت الأستاذة مي الخليفة حديث الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور عن حادثة الغزو سنة 1150هجرية، الموافق سنة 1737م قالت: ” وعن هذا الحدث يكتب شاعرهم (تقصد شيعة أهل البحرين) الشيخ سلمان الماحوزي المعروف بالمحقق الماحوزي [58] “، ثم تذكر أبيات من قصيدة العلامة سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني في ذم الظالمين، ولكن تأثراً باشتباه وخطأ الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني ربطت أبياتها بالخوارج دون تدقيق في محتوى الأبيات وزمن حياته وزمن وقوع الغزو العماني حتى في حملته الأولى [59].ومما نلاحظه أن هنا أكثر من خطأ:
أ- خطأ في اسم هذا العالم الجليل وهو أشهر من نار على علم كما يقال، وقد تجاوزناه لاحتمال كونه خطأ مطبعياً.
ب- والخطأ الثاني أنَّ الباحثة (مي الخليفة) تذكر اعتماداً منها على مصدر آخر بأن الأبيات الأربعة للماحوزي التي قيلت ضمن قصيدة [60] مكونة من أربعة عشر بيتاً لها علاقة بعدوان وظلم الخوارج الغزاة على البحرين، وهو اشتباه وقعت فيه الباحثة لاعتمادها على رأي صاحب كتاب (علماء البحرين.. دروس وعبر)، فالمحقق البحراني الشيخ الماحوزي توفي سنة 1121 هجرية، ولم يدرك بعد حوادث الغزو العماني أبداً، فهو قد توفي قبل حادثة الغزو الأولى سنة 1130 هجرية بتسع سنوات، أما الغزو الثاني الذي وقع سنة 1150 هجرية فوقع بعد تسع وعشرين سنة من وفاة الشيخ الماحوزي، وأبياته الشعرية لا تدل على مهاجمته للخوارج العمانيين لعدم وجوده حيَّاً أثناء قدومهم، وإنما لموقفه الحازم من الظالمين، وتحسراً على صحبه الذين خطفهم الموت بالاغتيال وغوائل الدهر، ولكن لا علاقة لهم بالعمانيين ولا مظالمهم التي خلفها جيش الغزو العماني في حملاته السابقة إلاَّ إذا كان هناك حملة سابقة عليها لم نتعرف عليها، فالعلامة الشيخ يوسف العصفور ذكر ثلاث حملات للغزو العماني وقدوم اليعاربة في سنوات 1127 هـ، 1128 هـ، 1130هـ، ولم نعرف مصدراً أشار لحملة غزو عماني قبل هذه الحملات سوى الشيخ التاجر في كتابه ” عقد اللآل في تاريخ أوال ” في نهاية القرن التاسع الهجري، وهو تاريخ بعيد جداً عن عصر الماحوزي. - ومن الأخطاء الفاحشة للأستاذة مي الخليفة أنها اعتمدت على مصدر أجنبي هو كتاب (تاريخ عمان)) لمؤلفه وندل فيليبس في تبرئة العمانيين من الوحشية والقسوة المنسوبة للعمانيين على حد تعبيرها وبعبارة مختصرة، حيث تناقض ما ادعاه الشيعة من وحشية العمانيين مع ما سجله هاملتون من أن العمانيين لم يقتلوا رجلاً عمداً، وكانوا يعاملون الأسرى بأدب [61] “، بينما تؤكد هذه الوحشية مصادر علمائنا البحرينيين الذين عاشوا وقائع الحدث عن قرب، وهي مصادر أولية كان بعض مصنفيها قريبين من الحدث مباشرة وعلى صلة به واكتووا بوهج نيرانه، ووصف هؤلاء العلماء سلوك العمانيين بالوحشية كما ذهب إلى ذلك الشيخ يوسف البحراني في كتابه اللؤلؤة، وأسماهم في هذا الكتاب بـ ” الأنذال ” و” الشراة ” و” القتلة ” لارتكابهم عمليات النهب والسلب والقتل والتشريد والتهجير القسري والاعتداء على الممتلكات وحرق المكتبات وسرقة المخطوطات وهدم المدارس، ومهاجمة المساجد ودور العبادة [62]، ويكفي أن نذكر الأستاذة مي بأنهم أخذوا الشيخ محمد شقيق الشيخ سلمان بن أحمد رهينة عند حاكم مسقط ليضمن الأخير ألاَّ يغدر به آل خليفة [63] حتى مات في محبسه لديهم، فشعر آل خليفة بشيء من الاطمئنان وهو موقف غير أخلاقي، وهكذا فإن الباحثة ليست بحاجة لاعتماد رأي مؤرخ أجنبي بعيد عن الأحداث في التأكد من وحشيتهم، وبين أيديها مصادر أولية كتبها علماؤنا وبعض فقهائنا والمهتمون بعلم التراجم وسيرتهم الذاتية وهم يتمتعون جميعاً بالنزاهة والأمانة والتقوى والمعاينة المباشرة للأحداث.
- ومما يؤسف له أن الباحثة بعد أن سجلت رأي هاملتون كما نقلته عن وندل فيليبس الذي ينفي قسوة العمانيين لم تنتقده بكلمة ولا بقول، ولم تأت على ذكر مصادرنا البحرينية أبداً في الرد على هذا المؤرخ، ولم تأخذ بأقوال الشيخ يوسف العصفور البحراني وما سجله الشيخ ياسين البلادي البحراني وأستاذه الشيخ عبد الله السماهيجي وصاحب أنوار البدرين الشيخ علي بن حسن البلادي وكذلك الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور حفيد الشيخ يوسف العصفور الدرازي البحراني، وقد أوردت للأخير نصاً، كما أنها قد اعترفت بهذه القسوة عندما قالت لنا: ” ولا نعلم إن كانت تلك القسوة عائذة لأسباب طائفية أو جذور تاريخية للاختلاف المذهبي بين الأباضيين والشيعة من سكان البحرين [64] “، بينما حسم الأستاذ ناصر خيري رحمه الله الأمر بعدم اتفاق الأباضيين مع الشيعة البحرانيين وخلافهم المذهبي [65]، وكرر بعض أقواله الدالة على وحشية العمانيين.وتدل العبارة الأخيرة للأستاذة مي الخليفة على ثلاثة أمور:
أ. إقرارها بقسوة العمانيين ضد شيعة البحرين.
ب. سعي الباحثة لتبرير قسوتهم بالبحث عن أسبابها في التاريخ من خلال الخلاف المذهبي وليس عن عدوانية الغزاة الخارجيين كما هو معتاد في تاريخهم.
ت. اعترافها الضمني بالشيعة كسكان أصليين للبحرين، إذ لا يوجد آنذاك غيرهم في الجزيرة إلا مجموعات متناثرة، وبافتراض وجود غيرهم في تلك الفترة فإننا نعتبر قتلهم هو قتل ” على الهوية ” حيث استهدف العمانيون شيعة البحرين دون غيرهم. - وفي إحدى عباراتها تتحدث الأستاذة مي الخليفة عن الديمقراطية العمانية وعراقتها التاريخية وقدمها في الزمان، وقبل أن يمارسها الغرب بمئات السنين، ونحن لسنا بصدد تقويم تجربة عمان الديمقراطية منذ سنوات، فهذه تجربة بحاجة إلى ذوي اختصاص، ولكن من أوضح الأمور أن الغزو لبلد آخر هو اعتداء على هذه الديمقراطية ومحاولة لفرض تقاليد سيطرة واحتلال خارجي حتى لو قال الغزاة أنهم جاءوا للتحرير، وتخليص البحرين من سطوة الاحتلال الفارسي، فما نعرفه أن الاحتلال هو احتلال بكل مقاييسه، وهو يشبه ادعاء الأمريكان في زماننا برغبتهم في تحرير شعوب مضطهدة بالرغم من بقائهم قوى مهيمنة على مقدراتها كالذي يعيشه الشعب العراقي، فالديمقراطية تتنافى وظلم الآخرين، فحتى لو آمنَّا بوجود تجربة ديمقراطية عريقة وموغلة في القدم لدى العمانيين، فلا يجوز وصف تجربتهم العدوانية بهذا الوصف الحسن،لأنها كما أثبتت أحداث الغزو العماني للبحرين ووقائعه بأنها تقوم على التوسع وبسط النفوذ وتكريسه والاستيلاء على الموارد الطبيعية لشعب معين أو أكثر بأنه من متطلبات التجربة الديمقراطية، بالإضافة إلى جرائم تم توثيقها من قبل علماء البحرين في كتبهم ومصادرهم، ولن تغيِّب مقولة هاملتون الآثمة الحقائق المكتوبة في مصادر تاريخية معتبرة، فالناس يثقون بعالم ورع وتقي وأمين على دينه ومجتمعه كالشيخ يوسف العصفور البحراني وبخاصة أنه عايش الأحداث ويتمتع في نفوسهم بالاحترام والعدالة والأمانة في نقل ما جرى من وقائع كان هو شخصياً أحد ضحايا الغزو الآثم.
- لم تحدد الباحثة الأستاذة ((مي الخليفة)) مرادها من البحرين عند حديثها عن غزو محمد بن نور قائد العباسيين ووالي البحرين في أيام دولتهم الغابرة، حيث قام هذا الوالي كما قالت بقتل الإمام العماني (عزان بن تميم [66])، ونتساءل.. هل كان هذا الوالي العباسي قد انطلق في حملته العسكرية وزحف بها على عمان من بلادنا البحرين الجزيرة ((أوال)) أم أنه انطلق من نقطة في حركته العسكرية من ” البحرين ” عندما كانت إقليماً إسلامياً كبيراً وممتداً من البصرة حتى جنوب الإمارات بالقرب من حدود عمان الحالية؟ وهل كان الثأر من جرائم الوالي العباسي يقتضي وحشية العمانيين وإيقاع الأذى بإخوانهم في الدين والعروبة والجوار المشترك والتعايش التاريخي من شيعة البحرين؟.. إنه من المؤكد أن العباسيين قد انتهوا، وأنهم لم يحبوا كل المعارضين لهم من شيعة وخوارج وفرق أخرى، وأنهم كذلك لم يستطيعوا تسخير شيعة البحرين لمقاتلة العمانيين لتناقض مبادئهم المذهبية مع التوجه السياسي والفكري للعباسيين.إن مي الخليفة تنقل في كتابها أن محمد بن نور والي البحرين من قبل العباسيين قاد هذا الغزو واتخذ من واحة ” البريمي ” قاعدة لجيوشه ومنها تغلغل إلى قلب عمان [67] “، وتفيد العبارة المتقدمة أن حركته انطلقت من نقطة في إقليم البحرين، وليس من جزيرة أوال التاريخية، فحركته تمت في البر، ولم تأت من أهالي الجزيرة نفسها، ولا علاقة لشيعة البحرين بهذه الحملة من قريب أو بعيد؟ ثم أن جنود العباسيين من أجناس مختلفة ومن بلدان شتى، ولا مسوغ لانتقام من ناس لم يشاركوا في ظلم أحد شيعة كانوا أو غير شيعة.
ولنا أن نتساءل.. ما العلاقة الوجدانية والعقائدية والسلوكية بين الشيعة والعباسيين حتى يحاول العمانيون المؤمنين بالمذهب الأباضي أن يثأروا من شيعة البحرين بمثل ما فعلوه، ولإزاحة ما في أنفسهم من ضغط الماضي وتخفيف شحناته الانتقامية؟.. فطرح نظرية الثأر التاريخي هو بشكل ما مسوغ للسلوك العماني الأباضي فيما فعلوه من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، ووصمة عار لن تقبر أبداً في التاريخ حتى لو انتحل المسوغون لها أعذاراً مقبولة في ظاهرها كحكاية تحرير البحرين من الحكم الفارسي الجائر كما ذهب إلى ذلك المؤرخ العماني المعاصر ((السيابي)) وكذلك مؤرخون عرب كالمؤرخ اللبناني إسحاق خوري [68].
- وفي كلمات شعرنا بأن الباحثة مي الخليفة تتفهم التصرف العماني، وتراه حقاً لأهل عمان بأن يفاخروا بنصرهم على العجم، وبأفعالهم ضد شعب البحرين، وتعزز ذلك بمجموعة أبيات من الشعر قالها شاعرهم [69] يفخر فيها بقهر بلادنا وأهلها وجعلها في ملك سيد كريم كما جاء في أحد أبيات شعره، والمؤسف أن الشيخة مي الخليفة مرت على هذا الشعور دون معالجة نقدية بالرغم أن الشعب كان بالفعل ضحية للصراع بين العجم والعمانيين، وبين قوى إقليمية وخارجية، وأن شعبنا وقع بين كماشات المتصارعين المتقاتلين على خيرات بلادهم، وبالتالي فإن مفاخرة العمانيين بإيذاء إخوانهم من أبناء شعب البحرين لا مسوغ له وغير أخلاقي، ويتنافى مع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما هي جريرة شعب البحرين حتى لو كانوا شيعة تناقضت توجهاتهم العقائدية مع الأسس المذهبية والفكرية للمذهب الأباضي طالما أنهم لم يصدر عنهم فعل عدواني موجه للعمانيين؟ وما ذنب أهل البحرين بجريرة والي العباسيين محمد بن نور والثأر منهم كتعويض عن مأساة تاريخية عاشها العمانيون في فترة سابقة؟ وهل ذلك يستحق هذه المفاخرة المريضة التي تتجافى مع مبادئ الدين والقيم الأخلاقية والجوار المشترك والعروبة ومعايير الصحة النفسية؟.
- والخطأ الحادي عشر وقوع الباحثة الأستاذة مي الخليفة في استخدام مصطلحين متناقضين، ويوحي كلاهما بشيئين مختلفين، فالباحثة استخدمت مصطلح (فتح البحرين [70])، ورأت أنه مصطلح يرضي لطموح سلطان بن سيف، ويوحي تعبيرها بأن البحرين هي مسرح للراغبين في الفتح وتحقيق النصر، فمن تمكن من ظلم شعبنا وقهره أسمى نفسه فاتحاً كما جاء في المصادر العمانية، وهنا تكرر الأستاذة ((مي)) نفس المصطلح دون أن تعني بالتأكيد دلالته النفسية والفكرية، وإنما تتحدث على لسان السلطان وتعبر عن طموحه بالسيطرة على البحرين، ولكن مع ذلك لم تكن موفقة في التعبير واستخدام المصطلح وبخاصة أنها استخدمت مصطلحاً يناقضه في مكان آخر من دراستها، فإذا راجعنا مصطلح ” الفتح ” وجدناه في دلالته النفسية والفكرية تعبير عن سلوك نقي موصول بهدف حضاري كالفتح الإسلامي للشعوب دون استخدام قوة غاشمة، أما إذا كان مقترناً بجرائم غير أخلاقية كالتي وقعت على البحرانيين من الغزاة العمانيين فإن الباحثة قد وقعت في استخدام خاطئ للمصطلح، كما أنها وقعت في شَرَك ” التناقض ” باستخدام مصطلح ((الغزو [71])) العماني، فالباحثة تصف جريمة العمانيين بالاستيلاء على البحرين بـ ” الفتح ” حيناً كما تقدم وبمصطلح ” الغزو ” حيناً آخر.كما أن العمانيين سلموا البحرين للعجم كما أكد الشيخ يوسف بن أحمد آل عصفور الدرازي البحراني ومصادر تاريخية أخرى مقابل مبلغ كبير استلمه إمام الخوارج على حد تعبير ” صاحب اللؤلؤة [72] “، بل أن العمانيين فرضوا كما تقول المصادر التاريخية الصلح على آل خليفة في غزوهم البحرين سنة 1800م (1215 هجرية) واستلموا منهم مبلغاً كبيراً من المال، وتكرر هذا في ظروف أخرى أدى رفض آل خليفة لدفع الأتاوة المالية إلى معركتي المقطع وقزقز، وأقرت مي الخليفة بأن فارس استرجعت البحرين مقابل (8000) تومان بعد أن فاوض العجم العمانيين وتم الاتفاق بين الطرفين على عودة البحرين إلى دائرة النفوذ الفارسي، ونسي العمانيون ما ساقوه من دعاوي التحرير كما ذهب إلى ذلك المؤرخ السلطة العماني السيابي، وكذلك المؤرخ اللبناني فؤاد إسحاق الخوري، وبذلك فإن الباحثة الأستاذة ((مي الخليفة)) قد وقعت في تناقض بين وصفها الاعتداء العماني بالفتح، وبأنه غزو في الوقت نفسه.
ثم أن من شروط الصلح بين سيد عمان وإمامها (سلطان بن أحمد) وآل خليفة أن يضع الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة ((أخاه الشيخ محمد رهينة عند حاكم مسقط ليضمن الأخير ألاَّ يغدر به آل خليفة، وأن يتخلى عن البحرين نهائياً [73]))، فجميع هذه الشروط تتنافى وعملية الفتح في معناها الإيجابي الإنساني لأنها تعبر عن هيمنة وتسلط وفرض أوامر بالقوة، وتنسجم مع طبيعة الغزو الخارجي، فكيف تصف الأستاذة هجمات العمانيين ودخولهم عنوة ومحاولتهم فرض شروطهم بقوة السلاح ” فتحاً ” بينما لا تتلاءم هذه السلوكيات إلاَّ مع الطبيعة العدوانية لغزاة أتوا من الخارج ليبسطوا هيمنتهم على أبناء البلد الساكنين فيه أجيالاً بعد أجيال في تاريخ طويل توارثوا فيه هويتهم الدينية والحضارية، وما يزالون يتمسكون بها حتى الآن في بلاد الشتات.
[1] انظر الحلقة الثانية من هذا الكتاب وعنوانها ((الاحتلال العماني للبحرين كنموذج للاحتلال العربي))، ومواقع أخرى من حلقاته الأخرى.
[2] لم تقتصر الدراسات المعاصرة لدى الباحثين عن البحرين في زماننا على جانب معلمي معين من حياتها وحركة مجتمعها في القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فهي لم تهتم فحسب بالقضايا التاريخية وإنما توسعت جهود الباحثين لتشمل دراسات متنوعة معاصرة في مجالات مختلفة ذات صلة بالمجتمع البحريني المعاصر، فقد كتبت دراسات أدبية واجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية، ونحسب أنَّ ما كتبه باحثون عن قضايا ذات صلة بتاريخ البحرين وماضيها في موضوعات متنوعة وصياغتها بمنهجية جديدة هي دراسات معاصرة لأننا نعتقد أنه لا يشترط في كونها معاصرة إثارة قضايا جديدة على حياة المجتمع البحريني، وبهذا يدخل البحث الجديد عن قضايا تاريخية في مجالات عدية ضمن الدراسات المعاصرة بالرغم من وجود بعد زماني في موضوعاتها البحثية كموضوعات الغزو العماني للبحرين والنهضة العلمية فيها خلال القرون الهجرية الأربعة المتأخرة والهجرة الداخلية والخارجية نتيجة عوامل عديدة وغيرها من الموضوعات ذات البعد الزماني.
[3] كتبنا في حلقة سابقة أثر مؤرخي السلطة في صياغة الأحداث وتزوير وعي الناس بها
[4] انظر كتابه قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 202 – 209.
[5] ذكر ناصر الخيري في مخطوطه القلائد سنة 1229هـ للواقعة، بينما ذكرها الشيخ يوسف العصفور صاحب الحدائق في كتابه اللؤلؤة سنة 1130هـ، وكانت ثلاث حملات متتابعة لسنوات ثلاث متتالية.
[6] في المخطوط قال مؤلفه المؤرخ ناصر الخيري: ” ومحال أن يجتمع الضدين، ويأتلف النقيضين “، والصحيح ((أن يجتمع الضدان ويأتلف النقيضان)، وقد تكررت أخطاء اللغة.. إملائية ونحوية وتركيبية.. في المخطوط ربما بسبب ظروف التعجل في الكتابة أو لسبب آخر.
[7] (الاسم غير واضح في المخطوط فكتبناه هكذا اجتهاداً منَّا، والله أعلم).
[8] استخدام تعبير الأماكن المقدسة لدى الشيعيين من أهالي البحرين (إنْ صحَّ ما ذكره الخيري) هو تعبير ديني يدل على قوة حبهم لوطنهم البحرين، ولعل منشأ هذه القدسية هو كون البحرين أرض أنفال لأنها بلد أسلمت طوعاً فاعتبرها العلماء والفقهاء أرض أنفال، كما أنها بلد العلم والفضيلة والقيم منذ دخولها الإسلام في العام الهجري السابع، وقيل الثامن، لهذا اعتبروها أرضاً مقدسة، والله أعلم بذلك.
[9] ناصر الخيري، قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 203 / 204
[10] أشار إلى هذه الهجمة العسكرية العدوانية الشيخ محمد علي بن الشيخ محمد تقي آل عصفور في كتابه ((الذخائر في جغرافيا البنادر والجزائر))، وأكد قتل ما لا يحصى من أهالي شعب البحرين على يد العمانيين، ولكنه اختلف عن الأستاذ ناصر في تاريخ هذه الحملة، حيث ذهب العصفور إلى وقوعها في سنة ((1150 هجرية)) انظر الكتاب المذكور ص 29.
[11] ورد لفظ (حضيرة سلطنته) بحرف الضاد في أصل مخطوط مؤرخنا الأستاذ ناصر الخيري وليس حرف الظاء، وهو خطأ إملائي، والصحيح كتابتها هكذا.. حظيرة سلطنته، وهو واحد من الأخطاء اللغوية العديدة التي تناثرت في المخطوط سواء في هذا النص أو في نصوص تاريخية أخرى.
[12] الصحيح ((وقتل كثيراً من مشايخهم وعلمائهم وكبرائهم)).
[13] لا توجد في كتاب المؤلف ومخطوطه كلمة ((ما)) التي يفترض أن تكون بين كلمتي ” كل تتمناه “، فظهرت الجملة مقطوعة أمام القارئ الكريم هكذا ((كل تتمناه))، ويفترض أن تكون { كل ما تتمناه }.
[14] قلائد البحرين ص 204 / 205
[15] عادة ما نكتب هذه الكلمة بالتاء المغلقة أو المربوطة، ولكننا وجدناها في المخطوط مكتوبة بتاء مفتوحة في نهايتها
[16] هنا خطأ نحوي، فالصحيح أن تكون العبارة هكذا: ” ولما بلغت حركته مسامع نائب سيف بن سلطان المقيم بالبحرين ترك الجزائر بعد أن حمل منها من الأموال والتحف شيئاً كثيراً “، وهذا نموذج للأخطاء اللغوية في المخطوط.
[17] قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 205 – 206.
[18] المرجع السابق ص 206 – 207
[19] انظر هذا الكتاب ص 229 – 236.
[20] (كانت مكتوبة في أصل المخطوط بتاء مفتوحة، والصحيح تكتب هكذا.. بدا).
[21] (كانت هذه الكلمة مكتوبة في أصل المخطوط بتاء مفتوحة).
[22] هكذا كانت مكتوبة في المخطوط، والصحيح (انتظار) بحرف الظاء لا الضاد.
[23] هكذا كانت مكتوبة في المخطوط والصحيح تكتب التاء الأخيرة في كلمة ملاقاة بتاء مربوطة لا مفتوحة.
[24] (هكذا جاءت في المخطوط وهو خطأ نحوي والأصح الباقون).
[25] مخطوط كتاب ناصر الخيري، قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 230 – 234
[26] ناصر الخيري، قلائد النحرين ص 235.
[27] المرجع السابق ص 235
[28] المرجع السابق ص 251 – 277
[29] ظلت هذه التسمية الشعبية شائعة لدى الساكنين في منطقة سترة والقرى المجاورة لها كالنويدرات والعكر والمعامير حتى قُطِع هذا المقطع البحري بجسر صغير يربط سترة بهذه القرى بعد اكتشاف النفط في شهر يونيو سنة 1932م، وتطلبت الحاجة آنذاك إلى بناء جسر صغير بين طرفي المقطع بين سترة والأطراف الشمالية للمعامير وذلك لتسيير ناقلات النفط وحفظه في خزانات النفط بالمنطقة الجنوبية – الغربية من جزيرة سترة، ثم قلَّ استخدام الناس خاصة الأجيال لهذا اللفظ لدى الأجيال الجديدة، ولكن شاء الله أن يحفظ التسمية بشيوعها في المصادر التي دونت تاريخ البحرين.
[30] يمكن للقارئ الكريم الاستزادة ومعرفة تفاصيل الواقعة بمراجعة كتاب ” قلائد النحرين في تاريخ البحرين ” ص 250 – 265.
[31] قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 256
[32] انظر كتاب قلائد النحرين ص 257.
[33] المرجع السابق ص 256.
[34] المرجع السابق بتصرف ص 256 – 261.
[35] المرجع السابق ص 256
[36] قلائد النحرين ص 264
[37] المرجع السابق ص 264 – 265.
[38] المرجع السابق ص 268.
[39] المرجع السابق ص 275
[40] لؤلؤة البحرين ص 110
[41] لؤلؤة البحرين ص 110
[42] أنوار البدرين ص 60، 86
[43] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 149
[44] المصدر السابق ص 149
[45] بمراجعة كتاب (القبيلة والدولة في البحرين) لمؤلفه إسحاق خوري وجدنا نصاً يحدد رقماً أقل وهو (330) قرية ومدينة وبلدة، ونعتقد أن الباحثة مي اعتمدت على رأي فروغي، أما الشيخ العصفور فحدد العدد بـ (360) ولكن ذكر أن القرى المعمورة الآن في زمانه سنة 1319 هجرية تزيد عن (200) قرية ومدينة وبلدة.
[46] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 149 نقلاً عن مصدر آخر
[47] المصدر السابق ص 150
[48] الذخائر ص 13
[49] الذخائر ص 13
[50] المصدر السابق ص 29
[51] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 150
[52] المصدر ص 29
[53] المصدر السابق ص 150
[54] الذخائر ص ذ69 – 178
[55] سلمان داوود، سماهيج في التاريخ ص 213
[56] المصدر السابق ص 213
[57] لؤلؤة البحرين ص 444
[58] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 150
[59] الأبيات الأربعة للشيخ سليمان الماحوزي التي استشهدت بها الباحثة مي الخليفة كموقف سياسي للمحقق الماحوزي من جماعة الخوارج الغزاة وظلمهم لا علاقة لها بظلم هذه الجماعة لأن الله سبحانه وتعالى قد توفاه سنة 1121 هجرية قبل وقوع الغزو بتسع أو عشر سنين، والأبيات المشار إليها المنقولة في كتاب ((محمد بن خليفة، الأسطورة والتاريخ الموازي)) منشورة في نصها الأصلي في كشكول الشيخ يوسف البحراني المعروف بـ ” أنيس المسافر وجليس الخاطر ” ج3 ص 748، وهي مجموعة أبيات بلغ عددها (14 بيتاً) ومنتخبة من أشعار المحقق البحراني (سليمان الماحوزي) كما قال الشيخ يوسف البحراني، وانتقى منها الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني أربعة أبيات ثم ربطها بظلم جماعة الخوارج الأباضيين الذين غزو البحرين في حملات عسكرية دامية دون توثيق لمصدر هذا الربط التاريخي الخاطئ، وجاءت الأستاذة مي الخليفة من بعده، فنقلته عن الأخير بدون تدقيق في نص القصيدة وفي محتوى الفكري والوجداني، فتكرر الخطأ، والله أعلم بالحقيقة، ولو عادت إلى المصدر الأصلي لربما كان لها رأي آخر، ولكن لأن الشيخ المهتدي البحراني لم يحدد المصدر في الصفحة المنقول عنها من كتابه (علماء البحرين.. دروس وعبر) لم تجد الأستاذة مي سوى النقل المباشر عن الكتاب الأخير، والله سبحانه أعلم بالحقيقة.
[60] كشكول الشيخ يوسف، ج3 ص 748.
[61] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 151 نقلاً عن تاريخ عمان لفيليبس ص 67
[62] لمزيد من الاستزادة يمكن قراءة سيرة الشيخ يوسف آل عصفور في لؤلؤة البحرين ص 441 – 451، وكتاب الذخائر ص 169 – 178، وأنوار البدرين ص 221 – 222، وكتاب سما هيج في التاريخ ص 213
[63] مي الخليفة، محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي ص 160
[64] مي الخليفة، محمد بن خليفة، الأسطورة والتاريخ الموازي ص 151
[65] انظر قلائد النحرين في تاريخ البحرين ص 203 – 204
[66] المصدر السابق ص 151
[67] محمد بن خليفة، الأسطورة والتاريخ المتوازي ص 152
[68] انظر ما قاله المؤرخ اللبناني إسحاق الخوري في كتابه (القبيلة والدولة في البحرين) ص 33 وصفحات أخرى.
[69] مي الخليفة، محمد بن خليفة ص 151
[70] المصدر السابق ص 154
[71] المصدر السابق ص 154
[72] لؤلؤة البحرين ص 445
[73] مي الخليفة، محمد بن خليفة، الأسطورة والتاريخ ص 160