الشهادة طريق المجد والرضوان للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين
الأستاذ عبد الوهاب حسين

معنى الشهادة

للشهاد معاني عديدة، منها:

  • نيل نفس الشيء وعينه.
  • الإخبار عن يقين.
  • الحضور.
  • المشاهدة والمعاينة.
  • حفظ الحق وإقامته.
  • والقتل في سبيل الله.

وهذا يدل: أن الشهادة حالة وعي وجد ومسؤولية وأمانة وتحصين.


وجه التسمية

أما وجه التسمية بالشهادة:

  • قيل: لأن ملائكة الرحمة تشهده فهو شهيد بمعنى مشهود.
  • وقيل: لأنه لم يمت فهو شاهد أي حاضر.
    قول الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169).
  • وقيل: لأنه ممن يشهد يوم القيامة مع الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على الأمم والعباد.

وهذا يدل: على المكانة العالية والمنزلة الرفيعة للشهداء، وأن شهادتهم حجة على الناس في الدنيا والآخرة.


قيمة الشهادة وفضلها

فللشهادة إذن قيمة عظيمة في وجدان كل مسلم صادق في دينه ووطنيته، حتى أن أولياء الله الصالحين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام يسألون الله في صلواتهم وفي ساعات خلواتهم مع الله تبارك وتعالى أن يجعلهم في صفوف الشهداء الأبرار، وكل مؤمن صادق في إيمانه ووطنيته يسأل الله تبارك وتعتالى أن تُكتب له الشهادة في سبيل الله عز وجل، ومن الأدعية المأثورة التي يطلب فيها المؤمنون الشهادة (دعاء الافتتاح) الذي نقرأه في كل ليلة في شهر رمضان المبارك، وقد جاء فيه “وقتلا في سبيلك فوفق لنا”.

وقد وردت أحاديث عن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام في فضل الشهادة ومكانة الشهيد.

قال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “فوق ذي كل بِرّ بِرّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله، فليس فوقه بِرّ” (البحار. ج100. ص10).

وقد جاء في الأحاديث الشريفة:

  • أن الشهادة أشرف / أفضل الموت.
  • ما من قطرة أحب إلى الله عز وحل من قطرة دم في سبيل الله.
  • وأن الشهادة تمحو الذنوب.
  • وأن الشهيد في أمان من فتنة القبر وسؤال منكر ونكير ومشقات البرزخ.
  • وأن الشهيد يدخل الجنة بغير حساب.
  • وأنه في الدرجات العالية في الجنّة مع الأنبياء والأوصياء والصديقين.
  • وأن الجميع يغبط الشهداء على مكانتهم في يوم القيامة.
  • وأن الشهيد ينظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
  • وللشهيد حق الشفاعة.
  • وأن الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل لما يرى من الكرامة وفضل الشهادة.

صفات الشهيد وخصائصه

ولكي نعرف سر هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية للشهداء، علينا أن نتعرف على صفات الشهداء وخصائصهم.

يتحلى الشهداء بمجموعة من الصفات والخصائص، أهمها:

  • الإيمان الراسخ والكامل بالمبدأ.
  • الصدق والإخلاص في النية.
  • العشق للحق والعدل والخير والجمال والفضيلة.
  • الوعى الصحيح بشؤون الحياة وقضاياها واستحقاقاتها.
  • الاستعداد الكامل للبذل والتضحية في سبيل المبدأ الذي آمنوا به وصدقوه.

ولهذا: كل شهيد يقطع الصلة الروحية بينه وبين جميع العلائق المادية والدنيوية، مثل: المال والجاه والسلطة وغيرها، ويدفعه العشق للحق والخير والجمال والفضيلة وتطلعه إلى القداسة والكمال والحياة الخالدة إلى الشهادة كخيار واعي في الحياة.

ولهذا السبب: فإن الشهادة هي أقرب الطرق للوصول إلى الله ذي الجلال والإكرام، وإلى الدرجات العالية في الجنة.


الشهادة في الإسلام

فالتضحية إذن بالنفس في سبيل الدين والوطن والعزة والكرامة والدفاع عن المقدسات والحرمات والحقوق (أي الشهادة) من أعظم الفضائل في الرؤية الإسلامية، وقد حث الإسلام الحنيف عليها ورغب المؤمنين فيها، فهي غاية كل مؤمن صادق في إيمانه ووطنيته.

قال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من قتل دون أهله ظلما فهو شهيد، ومن قتل دون ماله ظلما فهو شهيد، ومن قتل دون جاره ظلما فهم شهيد، ومن قتل في ذات الله عز وجل فهو شهيد” (الكنز. ج4. ص425. الحديث: 11237).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “نعم الميتة أن يموت الرجل دون حقه” (نفس المصدر. ص 420. الحديث: 11209).

وقد أجمع العقلاء على تكريم الشهداء، بسبب:

  • ما تدل عليه الشهادة من خلق عظيم، لاسيما الصدق والإيثار.
  • وما يترتب على الشهادة من نتائج إيجابية في حياة الناس.

فالمجتمعات التي تجود بالشهداء لا تعرف الهزيمة والتراجع، والمجتمعات التي تبخل بالشهداء، لا يفارقها الذل والصغار والتخلف والاستبداد والظلم والفساد.

ويعتبر الشهيد:

  • شاهد حق على عظمة القضايا التي آمن بها وضحى من أجلها وعلى عدالتها، وتعتبر شهادته سببا لبقائها وانتصارها.
  • وشاهد حق على إدانة الظلم والانحراف الذي ذهب ضحيتهما، وتعتبر شهادته سببا للخزي والعار والهزيمة التي تلحق بالقتلة المجرمين.

أما الشهداء فلهم:

  • الذكر الحسن في الحياة الدنيا.
  • والرضوان والدرجات العالية في الجنة.
  • وتكون شهادتهم أسوة حسنة لكل الشرفاء والأحرار في العالم.

الشهداء في الإسلام

وكانت سمية أم عمار بن ياسر أول شهيدة في الإسلام، حيث قُتلت صبرا تحت التعذيب برمح أبي جهل اللعين، ثم تواصلت بعدها سلسلة الشهداء الأبرار دفاعا عن الحق والعدل والخير والفضيلة، وذلك:

  • أثناء المعارك الشريفة العادلة.
  • وصبرا تحت التعذيب وغيره في ساحة المواجهة مع حكام الجور.

أهل البيت عليهم السلام والشهادة

وكان موت جميع الأئمة من أهل البيت عليهم السلام بالشهادة.

قال الإمام الصادق عليه السلام: “ما منا إلا مقتول شهيد” (البحار. ج27. ص209).

والحقيقة أن نفوس الأئمة الطاهرة ودمائهم الزكية عزيزة وغالية جدا، إلا أن دين الله عز وجل أعز وأغلى، مما حدى بهم جميعا إلى التضحية بأنفسهم:

  • من أجل دين الله عز وجل.
  • ومن أجل نجاة البشرية وسعادتها.

فقد جعلهم الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين وسبيلا لنجاتهم، وكانوا صرخة حق مدوية في وجوه الطواغيت وحكام الجور المستبدين.


نتائج مهمة

ونتوصل مما سبق إلى النتائج المهمة التالية:

النتيجة الأولى:
تجب على المؤمنين والمؤمنات التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الدين والوطن والعزة والكرامة والدفاع عن المقدسات والحرمات والحقوق.

النتيجة الثانية:
يجب على الأمة تكريم الشهداء والإعلاء من شأنهم ورعاية أبنائهم وعوائلهم، من أجل:

  • بث روح التضحية والفداء.
  • وتخليد القيم والمباديء والقضايا التي ضحوا من أجلها.
  • ولكي يسود الحق والعدل وينتشر الخير والصلاح وتصان كرامة الإنسان في كافة المجتمعات الإنسانية.

وتتأكد الحاجة إلى الشهادة أكثر في الظروف المنحرفة الحرجة.

قال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من أعظم الجهاد عند الله كلمة حق أمام سلطان جائر”.


شهادة الإمام الحسين عليه السلام

ولنا الأسوة الحسنة في سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسيد الأحرار الإمام الحسين عليه السلام حيث كانت الأوضاع في عهده في غاية السوء والتدهور من جميع النواحي، وكان السبيل إلى إيقاظ الأمة وتصحيح الأوضاع والمسار، هو التضحية بدماء أعز الناس وأشرفهم وأطهرهم، مما جعل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه الأوفياء الأبرار رضي الله عنهم يواجهون جاهلية بني أمية بوعي واندفاع وصبر لا نظير له في تاريخ البشرية، لكي:

  • يبقى الإسلام الحنيف بشهادتهم الدامية غضا طريا يانعا.
  • ويسود العدل والخير والصلاح بين المسلمين.

وأصبحت شهادته:

  • درسا كبيرا وخالدا لكل الأحرار والشرفاء في العالم إلى يومنا هذا.
  • وظلت سنة الشهادة قائمة بين المسلمين، لا سيما في ظل الأوضاع السيئة التي تُنتهك فيها الكرامة الإنسانية وتسلب فيها الحقوق الشرعية من المستضعفين.

قال الإمام الحسين عليه السلام: “إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما” (تحف العقول. ص176).

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واعتذر لكم عن كل خطأ وتقصير
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

شارك برأيك: