الأثر الثقافي الثاني:
نسخ الشيخ علي البربوري لرسالة المحقق البحراني النحوية:
من أهم الأعمال التي أدركناها أثناء إعداد كتابنا ” بربورة وشهادة التاریخ ” بأن الشیخ علي بن عبد اﷲ بن الشیخ حسین البربوري الأوالي البحراني أتمَّ سنة ١١٧٣ هجریة عملیة نسخ مخطوطة رسالة النحو للمحقق الماحوزي، فقد أسفرت عملیة بحث أحد أصدقائنا في موقع إلكتروني خاص بالعلامة المحقق (آغا بزرك طهراني) عن بیانات ذات أهمیة حصلنا علیها باللغة الفارسیة تخص الرسالة النحویة للمحقق الكبیر سلیمان بن عبد اﷲ بن علي بن حسن بن یوسف بن عمار الستري الماحوزي البحراني ،وعنوان الرسالة كما جاء في وثیقة الموقع هي رسالة (أنَّ واضع النحو علي بن أبي طالب)، وعدد صفحات المخطوطة كما یقول الموقع المذكور ” ٢٣٠ صفحة “، ومؤلف الرسالة أو مصنفها هو الشیخ سلیمان بن عبد اﷲ الستراوي الماحوزي البحراني المار ذكره والذي عاش مخضرماً في القرنین الحادي عشر والثاني عشر الهجریین، ونسخ علي بن عبد اﷲ بن حسین البربوري (صاحب الترجمة) هذه الرسالة.
ویستفاد من نص الوثیقة الثقافیة ومحتواها أنَّ تاریخ التألیف یوم السبت ٨ رجب ١١٠٤هجریة، وهي نفس السنة التي كتب فیها العلامة المحقق الماحوزي رسالته في ترجمة فیلسوف البحرین الكبیر الشیخ میثم بن علي البحراني تحت اسم ((السلافة البهیة في الترجمة المیثمیة)) الملحقة بكشكول الشیخ یوسف آل عصفور الدرازي البحراني صاحب الحدائق، أما تاریخ نسخ الرسالة النحویة وكتابتها بخط الید كما حدده الموقع من قبل الشیخ علي البربوري فهو یوم ١٦ ربیع الأول سنة ١١٧٣ من الهجرة النبویة الشریفة، أي بعد تألیف الرسالة بحوالي (٧٠) عاماً هجریاً، والناسخ هو الشیخ علي بن الشیخ عبد اﷲ بن حسین بن جعفر البربوري البحراني.
ونستخلص من هذه الوثيقة (بيانات الموقع) بعض الأمور ومنها:
أنَّ مؤلف الرسالة المذكورة ((رسالة في النحو)) المعلن عنه في وثیقة الموقع الالكتروني غیر مكتمل الاسم، حیث اكتفت الوثیقة بذكره باسم ” سلیمان بحراني ” ولم تحدد الاسم بدقة، فـ ” سلیمان ” اسم یكثر بین علماء البحرین حتى في العصر الواحد، والقول بـ ” سلیمان بحراني ” لا یمیز بین بعض من تشابهت أسماؤهم من العلماء البحرانیین وبخاصة لمن لم یتعامل من الناس العادیین مع مصادر دراسة التاریخ الثقافي لعلماء البحرین، ولكنَّ تحدید تاریخ تألیف الرسالة بعام (١١٠٤ هجریة) كما جاء في وثیقة الموقع یساعدنا على حصر اسم مؤلف الرسالة ومصنفها في العلامة المحقق الشیخ سلیمان بن عبد اﷲ الماحوزي البحراني الذي عرف بكثرة مصنفاته في العلوم الشرعیة والعقلیة، فمن تشابه مع اسمه إمَّ ا تقدم على هذا التاریخ أو تأخر، فأصبح الحصر ممكناً وفقاً لمعیار الزمن الذي تم فیه تألیف الرسالة وهو عام (١١٠٤) هجري، فالعالم الجلیل سلیمان بن علي بن سلیمان بن راشد بن أبي ظبیة البحراني القریب من عصر الماحوزي قد توفي عام ١١٠١ هجریة[1] قبل أن عام تألیف الرسالة، وكذلك الشیخ سلیمان بن صالح العصفور توفي هو الآخر قبلهما في عام ١٠٣٥ هجري[2]، وبالتفتیش في مصنفاتهما لم نجد قد كتبا ((رسالة في النحو)) باستثناء العلاَّ مة المحقق الماحوزي البحراني، وبذلك استقر الرأي لدینا على أن المصنف المقصود في وثیقة الموقع الالكتروني من ” سلیمان بحراني ” هو العلامة الشیخ سلیمان الماحوزي، فبعد رجوعنا لتعداد مصنفاته في فهرست علماء البحرین – وهو من تألیفه – وجدنا أنه كتب رسالة في النحو، لكنه لم یحدد عنوانها بنفس العنوان الوارد في وثیقة الموقع الالكتروني للعلامة الطهراني.
إن ناسخ الرسالة – وهو من علماء ((بربورة)) وأعلامها – قد نسخ الرسالة المذكورة في تاریخ لاحق بعد وفاة المؤلف أو المصنف بزمن یقارب اثنین وخمسین عاماً هجریاً، وذكر الموقع المصدر اسمه هكذا (علي بن عبد اﷲ بن حسین بربوري بحراني)، وكان تاریخ النسخ هو یوم ١٦ ربیع الأول سنة ١١٧٣ هجریة.
إن الناسخ للرسالة المذكورة یقوم بمهمات وعملیات ثقافیة أخرى غیر التدریس والتألیف، وهي عملیة نسخ الكتب وإعادة كتابتها بخط الید على الرغم من مشقتها في تلك الظروف الصعبة، وهي الطریقة الوحیدة المألوفة المعتبرة آنذاك لحفظ المخطوطة وتوثیقها واستمرار وجودها في تاریخنا بلادنا الثقافي، وینتسب الناسخ وهو الشیخ علي بن عبد اﷲ البربوري لأعلام قریة ((بربورة)) البحرانیة التي شهد بوجودها علماء وفقهاء ومؤرخون وجغرافیون كالسید الفقیه عبد الجبار الحسیني التوبلاني قبل خمسة قرون[3]، لكن الموقع الالكتروني – وهو خاص بأحد علماء التراجم الإمامیة غیر البحرانیین – أثبت وجود هذه الشخصیة المنحدرة من قریة بربورة البحرانیة التي عاشت في القرن الثاني عشر وجزءً آخر من القرن الثالث عشر الهجري، وذلك من خلال نسخ مخطوطة عالم بحراني تقدم علیه وذاع صیته بین العلماء، وهذا یؤكد وجود المهمة الثقافیة (عملیة النسخ) للناسخ البربوري ووجود المخطوطة ذاتها من خلال نص الرسالة، ووجود القریة التي انتسب إلیها هذا العالم.
إن الناسخ البربوري – وهو مؤلف كذلك كما أشرنا – قد ربط نفسه بصاحب شهرة علمیة، وقام بتوثیق مجهوده في عملیة النسخ بشخصیة علمائیة ذائعة الصیت تجاوزت شهرتها البحرین إلى خارجها، ومشهورة في الأوساط العلمیة داخل وخارج البحرین وهو المحقق الماحوزي البحراني الذي عرف في مصادر التراجم وكتبها بـ ” الشیخ سلیمان بن عبد اﷲ الماحوزي البحراني “، والأغلب أن الناسخ لم یعاصر المؤلف الذي توفي سنة ١١٢١هجریة، ولكن لا یستبعد أن یكون والده الشیخ عبد اﷲ بن حسین بن أحمد البربوري البحراني الذي أجازه الشیخ المقابي سنة ١١٤٧هجریة في الروایة عنه قد عاصر المحقق الماحوزي، وربما درس على یدیه أو حضر بعض دروسه، ولم نعثر في كتب التراجم ومصادرها ما یؤكد هذه التلمذة المباشرة، وقد یكون الشیخ علي البربوري قد حصل على نسخة من الرسالة فأعاد نسخها بعد فترة من وفاة المحقق الماحوزي.
وبتعذر إثبات تلمذة الشیخ عبد اﷲ بن حسین البربوري البحراني ((والد ناسخ الرسالة)) على ید الشیخ سلیمان الماحوزي البحراني صاحب الرسالة النحویة ومصنفها بطریقة الحضور المباشر لدروسه وحلقاته التعلیمیة فإنه لیس من الصعوبة اقتناءه لرسالة المحقق المعنیة ((رسالة النحو)) التي أشار إلیها الماحوزي البحراني في ” فهرست علماء البحرین[4] “، فوجدها الشیخ علي بن عبد اﷲ بن حسین البربوري البحراني المتأخر عنه بحاجة إلى إعادة نسخ من جدید بعد مضى علیها من الزمن حوالي (٥٢) سنة هجریة، فبذل جهده في عملیة نسخها في عام ١١٧٣ هجریة، وهذه الإشارة من الموقع الإلكتروني المذكور شاهد على عملیة النسخ وتجدید الرسالة حفاظاً علیها بعد مضي زمن من تصنیفها وتألیفها.
إن عنوان الرسالة النحویة المعنیة كما جاء في الموقع الإلكتروني للعلامة طهراني بزرك هو رسالة ((في أنَّ واضع النحو علي بن أبي طالب)) علیه السلام، بینما لم یذكر المحقق الماحوزي البحراني هذا العنوان واكتفى علیه الرحمة والرضوان بإشارته إلیها ضمن مصنفاته في الفهرست بعنوانها التالي ” رسالة في النحو[5] “، ولا یستبعد أن یكون العنوان المتقدم والوارد في الموقع الالكتروني للرسالة المذكورة إمَّ ا زیادة من النساخ للتوضیح أو من وضع القائمین على إدارة الموقع الالكتروني أو من كتابة بعض علماء التراجم بدلیل أن أحد المحققین لكتاب ” فهرست علماء البحرین ” للمحقق الماحوزي البحراني وهو الشیخ عبد الجلیل الزاكي قال في آخر الكتاب: ” إلى هنا ینتهي متن الكتاب، والعبائر التالیة من الإضافات التي كتبها النساخ في آخر الكتاب وأثبتها في آخره ” ولم یذكر العنوان بالصیغة السابقة المشار إلیها في الموقع، ولكنه أشار إلى إضافات النساخ.
لقد ذكر العلامة الطهراني (الرسالة النحویة) المعنیة لمصنفها الماحوزي في الجزء الرابع والعشرین من كتابه وسفره الكبیر “الذریعة إلى تصانیف الشیعة[6]“، وهي.. أي الرسالة النحویة.. كما ذكر الموقع الالكتروني لجامعة طهران من نسخ وكتابة (العالم البربوري الجلیل الشیخ علي بن عبد اﷲ بن حسین بن أحمد بن جعفر الأوالي البحراني) الذي عاش مخضرماً كما أشرنا في قرنین هما (١٢، ١٣) الهجریین، ومع ذلك لم یترجم الطهراني لحیاة هذا العالم البربوري وشخصیته وسیرته الذاتیة كما فعل مع العلماء السبعة من ((أسرة الربعي البربوریة)) البحرانیة المهاجرة والساكنة بمدینة أو بلدة ((شاه جهان آباد)) في القارة الهندیة، ولعلنا نلتمس له العذر، إذ یحتمل أنه لم تتوافر لدیه معلومات وافیة عن هذا العالم فأشار إلیه – كناسخ لرسالة نحویة – لعالم معروف في الأوساط العلمیة عند الإمامیة في البحرین وفي خارجها، وهو أحد أعلام الثقافة في المجتمع البربوري البحراني إبان القرنین الثاني عشر والثالث عشر الهجریین اللذان عاش فیهما الشیخ علي بن عبد اﷲ بن حسین البربوري البحراني، وفاتنا بسبب هذا التغافل عدم الإحاطة بسیرته الذاتیة وترجمة حیاته الثقافیة، وإنْ كانت بعض البیانات تعطي مؤشرات عن نشاطه في الحركة الثقافیة سواء في خدمه مجتمعه البربوري أو إسداء خدماته لدینه ومجتمعه البحراني.
[1] لؤلؤة البحرین ص ١٣
[2] المصدر ٨٨
[3] أنوار البدرین ص ١١٠
[4] الماحوزي، فهرست علماء البحرین، تحقیق عبد الجلیل الزاكي ص ١٥٥
[5] المصدر ١٥٥
[6] انظر الجزء الرابع ٢٤ ص ٨٨