كلمة قصيرة في ليلة القدر للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين
الأستاذ عبد الوهاب حسين

أعوذ بالله السميع العليم، من شر نفسي الأمارة بالسوء، ومن شر الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة في الله ورحمة الله تعالى وبركاته

إني عادة أتجنب الحديث إلى الناس في مثل هذه المناسبات، لأني أشعر بالقزمية والقصور أمامها، فلا أطال سماءها والتحليق في عليائها، ولا أستطيع أن أوفيها حتى اليسير من حقها العظيم، وأرى بأنه لا يمكن أن يرقى الحديث إلى مستوى مثل هذه المناسبات ويوفيها حقها سوى حديث المعصوم من حجم الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام فهم أهل اليقين كله والشهود كله، وأرى بأن حديثي وحديث أمثالي من الناس في مثل هذه المناسبات لا يرقى إلى مستوى التأثير الوجداني والروحي الذي تتركه تلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام والاستغفار، والتسبيح، والصلاة على محمد وآل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم وغيرها من الأذكار، ولهذا أفضل العمل بواجب التواضع أمامها، وأن أترك المؤمنين للإنشغال بها واستلهام فيوضاتها عن الاشتغال والتلهي بمثل حديثي وحديث أمثالي من الناس، ولكني رضخت للرغبة الملحة للأخوة الأعزاء، على شرط مني بالرجوع إليها، والدوران في فلكها، وسوف أتحدث حديثا قصيرا، فإن خير الكلام ما قل ودل.

قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: 111) فليس لنفس الإنسان المؤمن ثمنا أقل من الفوز بالجنة، فنفس الإنسان المؤمن أغلى من جميع ما في الدنيا وزخرفها.

وهذه الليلة هي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، قول الله تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 3) فلنحسن التجارة فيها مع الله الغني الحميد للفوز بالجنة والرضوان، فهي أكثر اليالي بل الأوقات جميعا ربحا وكسبا من عند الله الغني الحميد، فلا يوجد وقت أكثر ربحا وكسبا في التجارة مع الله تبارك وتعالى أكثر من ليلة القدر، فهذه الليلة:

  • فرصة لجميع العاصين للتوبة النصوحة لله عز وجل والعتق من النار والفوز بالجنة.
  • وفرصة للطامحين وأصحاب العزائم الكبيرة للفوز بأعلى الدرجات وأقربها إلى الله ذي الجلال والإكرام.

وهذه الليلة تشهد ملحمة ملكوتية عظيمة لا يعلم كنهها وحقيقتها إلى الله سبحانه وتعالى وأهلها الفعليون، وأبطال هذه الملحمة ملائكة السماء، وفي مقدمتهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وروح القدس، وقطبها ولي الله الأعظم صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء قول الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ • سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر: 4 – 5).

وفي هذه الليلة تستنفر السماء قواها، وتوضع جميع المقادير لجميع العباد، من الأعمار والآجال والأرزاق ونحوها، قول الله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ • أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ • رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الدخان: 4 – 6)، وهذه الليلة هي ليلة صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ففيها ينبغي تجديد البيعة والعهد والولاء له، وتأكيد العزم على الإستقامة على منهج إمامته وطاعته المطلقة، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30).

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (الاحقاف: 13) فالذين استقاموا على منهج الله عز وجل، ومنهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وإمامة أهل البيت عليهم السلام هم الذين تدعو لهم الملائكة وتستغفر لهم في هذه الليلة، وهم الآمنون في يوم الفزع الأكبر.

ومن يعرف حقيقة ليلة القدر وقطبها الأعظم صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فهو يعيش الأمل والمقاومة والقوة والثبات على الحق والعدل دائما، فلا ييأس، قول الله تعالى: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87)، ولا يضعف أمام المغريات والوعيد، ولا يستسلم لأهل الباطل والجور مهما كانت الظروف والأوضاع والتهديدات، قول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).

شارك برأيك: