إبراهيم حسين: قصة عمل وإنجاز وعطاء

بقلم الأستاذ جعفر الهدي

main_prt-1في يوم من أيام الربيع وقد تعمدت أن أتخذ من ظل شجرة في حديقة كلية التربية بجامعة الملك سعود (الرياض) مجلساً وبينما كنت أقلب صفحات كتابي الجامعي، فوجئت بثلاثة شبان كثيفي اللحى يقتحمون خلوتي الصباحية بانتظار محاضرتي الثانية بسلامهم الحار وعباراتهم المتدفقة التي تتقدم خطواتهم على حشائش الحديقة الهادئة، عرفت أنني أمام ثلاثة الطلاب الجامعيين البحرينيين الدارسين بجامعة قطر وكان أحدهم ابن قريتي الذي لم أكد أتعرف على ملامحه، لكنه لمح حيرتي فقال لي: ألا تعرفني… أنا إبراهيم حسين من قرية النويدرات.

لا أزال أتذكر اللقاء الأول بوضوح، أتذكر قبضة يده القوية وابتسامته العريضة، وشخصيته الطاغية، وأسئلته المتدفقة كالسيل، أتذكر أن بريقاً كان يشع من عينية وحماساً شديداً كان يتدفق كلماته. ورغم أن الثلاثة لم يقفوا معي إلا بضع دقائق إلا أن قصة طويلة بدأت منذ ذلك اليوم.

ابن النويدرات: يصعب رسم صورة القرية البحرينية في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي لكن ما يمكن أن تأكيده إنها كانت قرى معدمة من كل شيء تقريباً، وقد بدأت حينها قوافل من الشباب تتجه للجامعات العالمية والعربية والخليجية، وكان خروج هؤلاء تسبب في حدوث ما يعرف بصدمة الاحتكاك، وفي بداية الثمانينيات كانت موجة المد الإسلامي قد بدأت وبالتحديد كانت الموجة بدأت تخرج من بين الجدران العتيقة في منازل النشطاء إلى المساجد.

قرية النويدرات كانت إحدى القرى التي انخرطت في موجة التعليم العالي مبكراً فتخرج من بين أبنائها جيل من الرواد في مجال التعليم مثل المرحوم الدكتور مكي سرحان والأستاذ عباس ربيع والدكتور عبد علي محمد حسن والأستاذ عباس هلال وغيرهم كثيرون لا يتسع المقام لذكرهم وشهدت نهاية الستينيات وحتى أواخر السبعينيات مد اليسار الذي انخرط فيه عدد من شباب القرية ووصل منهم عدد لمناصب قيادية في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الكويت ويمكن أن يقال أن الصراع بين اليسار والمد الإسلامي قد بدأ ينتقل من الجامعات وبالتحديد في الكويت والرياض وقطر إلى قرى البحرين.

ذاكرة النويدرات: حبلى بانتفاضة 64 ذاكرة النويدرات كانت لا تزال تعيش صدمة استشهاد الشهيدين عبد النبي سرحان وعبد الله مرهون في انتفاضة العمال وكان الأطفال حينها ومن بينهم أنا يتذكرون رواية الأمهات للطائرة التي تحلق على الرؤؤس، لا نعرف مدى الدقة في رواية أمهاتنا لكن رنين الرواية لا يزال قوياً.

كانت الطائرة تصل إلى منزل المرحوم محمد عبد الوهاب وهو في وسط مدخل القرية ونتخيل نحن الأطفال أن طائرة قد حطت هناك لكنها فيما يبدو كانت تقترب لدرجة أن من كان بعيداً في منزله من النساء يظن أنها قد هبطت، وفي تلك الفترة حيث كان دوي الطائرات القريبة غريباً كانت كل التفسيرات محتملة.

دوي الطائرة القوي وسقوط الرجال على الأرض جرحى وسقوط مرهون قرب جدار منزل ابن عمه ثم سقوط الشهيد عبد النبي سرحان والرصاص الذي برجل المرحوم الشيخ جاسم قمبر والذي لازمه حتى وفاته وحكايات أخرى، كانت كلها تؤدي إلى أن تبقى القرية بعيدة في العلن عن أي تحرك قد يعيد الطائرة، فقد كان الآباء يذكروننا دوماً بأن علينا أن ننتبه… كان الكلام مقتضباً لكنه كان كافياً لجعلنا ننكفئ وأن نحرص ألا تعود تلك الأيام. كان هناك بعض البصيص الذي يتراء من مقر النادي والفريق وهي قصة طويلة ليس هنا محل سردها ولا يزال طلبة الثانوية العامة يتذكرون توزيع المنشورات التي حملت شعار المطرقة الحمراء وهم يهمون بالذهاب للمدرسة صباحاً والغريب أن أحد الطلبة هو من كان يوزعها ولكن هذه التحركات التي كان لا يزال تيار اليسار يقودها ظلت محدودة بسبب الذاكرة التي حملها أهل القرية حتى أنني لاحظت في إحدى الليالي التي قصدت فيها النادي أن عدد كبير من الكتب التي كانت في حجرة المكتبة قد اختفت وعرفت لاحقاً أن حملة اعتقالات ومداهمات لنشاطي اليسار ومن بينهم بعض شباب القرية قد حدثت واستدعى ذلك إخفاء بعض الكتب.

لا أزال أتذكر رواية زميل لي من القريبين من أحد نشطاء اليسار بالقرية عن ليلة اعتقاله والحوار الذي دار بينه وبين الشرطة الذين جاءوا لأخذه فقد كانوا يفتشون عن كتب بمنزل الحاج عبد الله بن حسن (رئيس الجمعية الحسينية) إذ جاءوا لاعتقال أحد أبناءه، لم يجدوا في المنزل كتباً على ما يبدو فرغم أن أبناء الحاج عبد الله الذي كان رمزاً من رموز القرية كلهم من الناشطين إلا أنهم قد تمرسوا العمل فكانت الكتب التي تحت يدهم كلها في مكتبة النادي كما يبدو فقد كان بعضهم من قيادات النادي حينها، وقد وقع كتاب التربية الوطنية وهو منهج مدرسي استحدث في تلك الفترة ويبدو أن الشرطي لم يكن علم بذلك فبدأ في القراءة فيه وأخذ يسأل من جاءوا لاعتقاله وهو حسن سرحان عضو الهيئة المركزية لجمعية العمل الديمقراطي (وعد) حالياً عن محتوى الكتاب أو عن إيمانه بما ورد في بعضه وقد أخذ الشرطي الكتاب كدليل اتهام كما قال زميلي آنذاك وحينها لم يكن يتجاوز عمره 12 سنة.

البدايات: الشيخ يحاور السلطة أتذكر أيضاً في طفولتي الشيخ جاسم قمبر – الذي ستربطه لاحقاً بالمرحوم علاقة وطيدة – حين بدأ حواراً مع أطراف من السلطة حول وضع القرية وكان الحوار يدور في النادي وكان الشيخ يمر بالطريق الرئيسي ببزته الرسمية (العمامة والبشت والقبا) علينا ونحن نعلب (الصميدة) وكان يلاطفنا بالسلام من بعيد، كانت هيبة الشيخ وعمامته تفرض علينا إيقاف اللعب حتى يمر الشيخ ويختفي عن الأنظار آخذاً آخر منعطف يوصل للنادي وقد كنا نسمع أنه يجلس مع أحد شيوخ العائلة الحاكمة ويبدو أنه رئيس البلدية وكان الحوار يدور على التلوث وغبار الكسارات والمستنقعات بالقرية وكنا نلمح في بعض الليالي أن الشيخ يعود غاضباً في وقت متأخر وكنا نعرف أن الشيخ غاضب لأن الدولة لا تريد أن تصلح وضع القرية. يمكن أن يقال أن هذا الحوار هو أول حوار يتعلق بالشأن البلدي المعدم وإن كان محدوداً بقرية النويدرات التي كانت تعيش وضعا معدماً والذي تفاقم حتى قام رئيس الوزراء بزيارتها والنزول إلى شوارعها وأمر فوراً بعمل شبكة مجاري وإصلاح الشوارع.

في هذه الأوضاع خرج إبراهيم حسين إلى قطر محملاً بطموح كبير في التغيير وعندما التقيت به في حديقة كلية التربية كان في العام الثالث من الدراسة الجامعية وحينها برزت ملامح شخصية ذلك الشاب وقدراته على الإقناع والحديث المرتجل إلى جانب شخصيته القوية ومنذ ذلك الوقت بدأ يتحرك وبدأ يكسر بعض الجليد المعشش في الذاكرة والصورة النمطية في القرية.

يمكن أن نقول إن اليسار بدأ يتوارى أمام الضربات المتلاحقة من قبل السلطة من جانب ومد التيار الإسلامي من جانب آخر، فقد بدأت الصورة في التغيير كان لذلك الشاب الممتلئ بالحيوية بصمة في كل جانب، بدأ يتحرك بصورة كرزمية كبيرة لم تخلو من بعض المنغصات ربما بسبب سرعة الحركة التي تصل في بعض الأحيان للثورية الراديكالية في التغيير كما حدث في الهيمنة على إدارة الجمعية الحسينية حيث تم الاتفاق على إدخال عناصر شابة لمجلس إدارة الجمعية التي كانت مؤسسة مؤثرة وينظر على أنها محور التحرك الديني.

كان ذلك اليوم شديد الوطأة لأنه تسبب في استقالة عدد من قيادات الجمعية من الجيل القديم والذين عادوا اليوم في قلب العمل النشط بالقرية وأدى هذه الترك لترأس المرحوم الجمعية لعدة دورات متتالية أصبحت فيها الجمعية مؤسسة حقيقية ونشطة بالقرية. أول اجتماع تحول مدرسة قد يكون غريباً أن أقول أن أول اجتماع منتظم عقد بقرية النويدرات في موقع عام في سياق الذاكرة التي سردتها في ما سبق كان بتنسيق من المرحوم إبراهيم حسين وقد عقد الاجتماع بمسجد الشيخ إبراهيم وضم قرابة ثمانية أشخاص وبدأ بحديث للمرحوم أخذ فيه عهداً على الحضور بأن يكون الاجتماع سرياً وألا يكشف عما دار فيه لأحد خارج الاجتماع.

كان ذلك في عام 1980 تقريباً ولا أعتقد أن ذلك الاجتماع كان من الأهمية بمكان إذ أن أغلبية ممن حضروا ذلك الاجتماع كانوا من المتطوعين في تعليم الصلاة وكان ذلك النشاط قد بدأ قبل فترة بمبادرة من المرحوم الشيخ جاسم قمبر إلا أن مجموعة من الشباب تسلموا ذلك المشروع بسبب مشاغل الشيخ، ما أذكر أن أغلبية الأشخاص الذين حضروا الاجتماع خرجوا من المشروع باكراً إلا أن أهمية الاجتماع تكمن فيما أسس له من عرف تنظيمي حيث أصبح العمل الإسلامي ينتظم في اجتماعات دورية ومنتظمة خرجت كوادر من الشباب القادر على الحوار والمناقشة وطرح الأفكار وتحولت تلك الاجتماعات إلى مدرسة لتخريج الكوادر فضلاً عن العمل المنظم. لم يستمر ذلك الاجتماع سوى نصف ساعة لكنه شكل إدارة منتظمة للعمل الإسلامي بقرية النويدرات والذي أصبح قطب رحاه لاحقاً إبراهيم حسين لسنوات ثم ما لبث أن خرج منه في قصة تستحق التدوين. لكن ولأن حياة الرجل حافلة بالعطاء فإنني سأوجل الكثير مما ينبغي أن يسرد هنا لأن علي الوصول إلى مرحلة ستبدأ لاحقاً وسيبدأ معها الرجل رحلة جديدة من العمل.

يوم مؤلم: الفراق والعودة كنت معه في السيارة التي طالما تقاسمنا الحوار فيها فقد كان إبراهيم يكره الترجل ويحب الخروج في السيارة وبخاصة في الظلام حيث تشق السيارة المجهول كما قال لي ذات مرة ن في ذلك اليوم أبلغني بأن لديه حديث صعب فانتظرت أن يفصل وفاجأني أنه يعتزم الترجل عن قيادة العمل الإسلامي بالقرية دون أن يبدي سبباً، كان ذلك في أواخر عقد الثمانينيات ولم أستوعب كما لم يستوعب كثيرون غيري ذلك القرار. في هذه المرحلة لم تنقطع علاقتي بالمرحوم حيث ظل الاتصال واللقاء المستمر وإن كان التقطع قد بدأ يشوبه بسبب انشغالاته وبشكل خاص عندما افتتح معهد البيان الذي أغلق لاحقاً، وقد تأخذ بعض الانقطاعات فترة من الزمن لكنها لم تكن لتشعرنا أننا افترقنا. كالعادة لم يكن إبراهيم يطلق القرارات المرتجلة فقد كان خياره محسوماً بأن يترك الموقع ليذهب لموقع آخر وتدريجياً استوعب النشطاء الفراغ وجاءت انتفاضة 95 لتنهي مرحلة بكل ما لها وما عليها وتبدأ مرحلة جديدة.

العام 2000 كان قد مضى على خروج إبراهيم حسين من العمل الإسلامي في القرية أكثر من عقد من الزمان وفيه نشأ جيل جديد لا يعرفه جيداً ولا يعرف الكثير عن بصماته التي وضعها في القرية حيث كان قد بدا عمله في مركز مصادر التعلم للمعلمين بالمنامة وفي هذا العام بدأت بوادر الحديث عن انفراج في الأزمة وحديث الإفراج عن السجناء وعن عودة العمل بالمجالس البلدية فبدأ عودة ثانية لإبراهيم وبدأ الاتصال والتشاور حول المرحلة الجديدة ما يمكن أن نقدم فيها.

كان هاجسه ألا تسبقنا المرحلة فنصبح متأخرين عن الركب فبدأنا نلتقي في مكتبه بمعهد البيان نجمع المعلومات عن العمل البلدي ونقارن القوانين في البلدان المختلفة وحينها لم يكن قد صدر بعد أي تفصيل عن المشروع إلا أن ما جمعناه كان كافياً لأخذ صورة متكاملة عن المجالس البلدية وبالفعل كان القرار أن نبدأ خطوتنا الأولى في الاجتماعات مع ناشطي القرية لاطلاعهم على ما جمعناه حول العمل البلدي وما يمكن أن نحققه من خلاله. كانت عودة المرحوم صعبة وكنت أنا أحد المنغمسين في العمل فلذلك توليت تنسيق قرابة أربعة اجتماعات شرحنا فيها أهمية العمل البلدي وأهمية تصدينا له وبدأنا بطرح اسم المرحوم كأحد الأشخاص المحتملين للترشح لعضوية المجالس البلدية ولم يلقى ذلك الطرح اعتراض من أحد لكن بعض الأخوة أبدى ملاحظة حول خروج الأستاذ إبراهيم من القرية وحول ما إذا كان سيعود إليها كما في السابق؟

لم يكن يخطر ببالي في تلك المرحلة أن أدخل العمل البلدي بدخول إبراهيم حسين الذي ترشح بحملة نشطة فاز فيها من الدور الأول وبدأ العمل البلدي من الصفر وكنت لا أزال خارج إطار العمل البلدي حيث كنت قد دخلت مجال الصحافة واعتبرت مهمتي قد انتهت إلا أن الاتصالات كانت تتكرر بيني وبين إبراهيم حسين للتشاور حول العمل وبناء قواعده لدرجة أننا كنا نقضي الساعات في كتابة المذكرات والمشاريع. بعد مشاورات ميسرة فاز إبراهيم حسين برئاسة المجلس وكان ذلك إيذاناً بتدشينه حملة متواصلة من العمل لإرساء قواعد مجلس قوي ونجح بقدرته على الإدارة الفعالة في ذلك. المفاجأة: انخفاض شعبية إبراهيم حسين ذات يوم وبينما كنا نجوب بسيارته ظلام قرى منطقة عسكر وجو ونشم رائحة ساحل البحر قلت له: كم قضينا من العمر معاً يا أبا خليل فأجاب فترة طويلة، فقلت له: أريد أكون معك صريحاً هذه الليلة.
فقال: قل ولا تترد…
قلت له: لقد نجحت في بناء مجلس بلدي قوي لكنك لم تنجح في تنمية دائرتك وهذا ينعكس اليوم على شعبيتك فلو رشحت نفسك مرة أخرى لن تفوز.
أجابني: إنني لا أفكر في ترشيح نفسي مرة ثانية، وما يهمني هو أن أنجز شيئاً للناس، وأريدك أن تضع خطة للعمل من اليوم لتنمية الدائرة.

كان يقول لي: العمل على رئاسة المجلس يستهلك كل وقتي وأريدك أن تعمل على الدائرة.
فقلت له: لك ذلك.

بقيت مدة أسبوع بعد هذه المحاورة عاكف على إعداد الخطة وكان أول مشروع فيها إنشاء إسكان للمنطقة ومستشفى ومكتبة عامة وحديقة وردم المستنقعات بمنطقة العكر وجلسنا أكثر من مرة وبالمشاركة مع آخرين لبحث الأولويات واستقر الرأي على الخطة التي وضعت وكان إبراهيم قد شمر عن ساعديه للعمل وأتذكر أنه قال لي: هل تعتقد أننا إذا قمنا بهذه الأعمال سيتغير رأي الناس ؟
فقلت له: يوماً ما سيتذكر الناس أنك عملت لمشاريع إستراتيجية وسيكون ذلك جزء من تاريخ هذه المنطقة.

عمل بلا توقف: بدأ العمل على الخطة وكان يعمل ليل نهار حتى أجهد وأجهد من حوله وكانت باكورة الأعمال الحصول على أكثر من 100 ألف دينار لردم مستنقعات العكر ولعل سكان المنطقة يتذكرون كيف كانت تلك المستنقعات الكبيرة تنشر الحشرات في المنازل وكيف كان الوضع لا يطاق بسبب ذلك.

تدريجياً بدأت بواكير الانجاز: العمل بدأ بحديقة العكر، المخطط النهائي لتطوير قرية النويدرات (الذي يتم تنفيذه الآن) تم تسليه للمجلس، رصف طرق، تشجير، بدء العمل في المركز الصحي بالنويدرات، كل ذلك وإبراهيم لا يتوقف.

بدت عليه علامات التعب واعتلال الصحة إلا أنه يرفض كل الدعوات للراحة في المقابل المشهد الشعبي لم يتغير كثيراً، التبرم لازمة لدى الكثيرين وطلب التغيير الفوري بدأ يتزايد والثقة بالمجالس بدأت تتداعى. بدأنا سلسلة لقاءات نبين فيها الوضع وكانت المهمة صعبة إلا أنها أوجدت أرضية من التفهم لدى شريحة من الناس.

قصة إسكان القرى الأربع كان هم إبراهيم حسين أن ينجز المشروع الإسكاني ويمكن أن يقال أن المشروع الإسكاني الحلم الذي تحقق حيث أنه أسرع مشروع إسكاني من حيث سرعة الإنجاز. القصة بدأت عندما كتبنا مذكرة لإنشاء إسكان للقرى الأربع (النويدرات والمعامير والعكر وسند) وبدأنا جمع توقيعات الأهالي لدعم المذكرة التي سترفع لسمو ولي العهد القائد العام ورئيس لجنة الإسكان والإعمار ووسط تبرم الأهالي جمعت مئات التوقيعات من أصحاب الطلبات ورفعت المذكرة لولي العهد الذي رد إيجابياً خلال فترة قياسية ووجه وزيري البلديات والإسكان لاختيار الموقع.

بدأ البحث عن الموقع وجاء اختيار الموقع الحالي الذي بني عليه الإسكان وبقي إبراهيم يتابع تفاصيل المشروع خطوة بكل تفاصيلها من التصاميم إلى مسح الأرض إلى استملاك الأراضي إلى الدفان ثم إلى عملية تشييد المنازل.

خاض إبراهيم حسين خلال هذه المرحلة معارك عديدة من أجل عدد المنازل وتصمميها وفي ذات الوقت كان يحارب من أجل ترسية مناقصة تطوير النويدرات ومناقصة شبكة مجاري سند والعكر وتطوير المعامير وهي مشاريع كلها بدأ العمل فيها فيما عدا تطوير المعامير الذي ينتظر البدء فيها قريباً.

بدأت علامات النحول تتزايد عليه وبدأ التعب يتضح في عينيه حتى أنه بدأ يتكأ على كتفي حينما نصعد السلم سوية وكنت أقول له: يجب أن ترتاح. وكان يقول لي بعد أن اقتربت إجازة البلديين: سأنجز تكريم أعضاء المجلس ثم أسافر إلى إيران لزيارة الإمام الرضا. وكان يخطط لهذه الزيارة أيام العيد إلا أنه لم يدركها.

الرؤية والعمل: امتلك إبراهيم حسين رؤية ووضع إستراتيجية شاملة واسهم في تطوير ثقافة العمل البلدي عبر أكثر من 15 دراسة كتبها بيده حول الاستثمار والتنمية والمشكلة الإسكانية وغيرها من الجوانب الإستراتيجية، إضافة إلى ذلك لاحق تفاصيل العمل اليومي والطلبات اليومية للمواطنين ولا ينمكن أن ينسى أنه كان رائداً في إخراج العديد من المشاريع ومن بينها مشروع الخدمة الاجتماعية (ترميم المنازل)، ومركز التدريب البلدي وتطوير الهيكل الوظيفي للمجلس وغيرها من البصمات التي تحتاج إلى صفحات طويلة لتفصيلها.

لوعة الرحيل: بشكل مفاجئ اتصل بي أخي ليبلغني بأن هناك أنباء مؤلمة… تتعلق بوفاة مفاجأة… طلبت منه أن يسرع في إخباري فقال لي: هناك أنباء عن وفاة الأستاذ إبراهيم حسين.

ولهول الصدمة لم أستوعب ما قال فقد كان كل شيء مفاجئ ورغم أني كنت أعلم أنه مرهق في آخر فعالية نظمها المجلس وهي أسبوع الوسطى ولشدة تعبه كان يوشك على عدم القدرة على المشي إلا أن وفاته كانت صدمة. كان الخبر صادماً فالشخصيات التي تملأ الحياة عملاً يشق رحيلها على من حولها وهكذا كان رحيل إبراهيم حسين مؤلم.

اليوم كثيراً ما يبلغني ممن كان ينتقد المرحوم بأنه كان صاحب رؤية عندما خطط لتنمية المنطقة التي خرجت بالفعل من حال إلى حال ورغم إن العمر لم يمتد به ليرى مشروع إسكان القرى الأربع ومشروع مستشفى النويدرات وحديقة العكر الثانية والكثير من المشاريع التي كان يمكن أن يراها تكتمل أو يخطط لها للمستقبل فإن هذه المشاريع أصبحت شاهداً على عمله الدؤوب والمتواصل وعلى رؤيته وإخلاصه لأهله.

جاءني أحد أصحابي قبل أيام وقال: رحم الله إبراهيم حسين لقد كان رجل مخلص في عمله جاد في خدمة الناس وكان بحق رجل المرحلة وعادة ما يسبق هؤلاء زمنهم بأشواط.

تعليق واحد

  1. الله يرحمه

شارك برأيك: