الصدقة والتنمية الاقتصادية بقلم الأستاذ جعفر الهدي

الأستاذ جعفر الهدي
الأستاذ جعفر الهدي

يركز هذا المقال على إثبات دور الصدقة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهل بالفعل للصدقة أثر اقتصادي واجتماعي حقيقي؟

النظرية الاقتصادية القرآنية تجعل من التكافل بين الطبقات الاجتماعية أساساً عاماً لتحريك عجلة الاقتصاد، في المقابل ترى النظرية الرأسمالية (المصلحة الفردية) محركاً للنمو الاقتصادي بينما حاولت النظرية الشيوعية تذويب الطبقات، أما النظرية الاسلامية فتطرح فكرة النماء المالي والاجتماعي كأثر مباشر للتكافل، قال تعالى: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ« آية ٢٦١ سورة البقرة.

هنا اختار القرآن السنبلة وكيف أن الحبة الواحدة فيها تتضاعف لتصبح ٧٠٠ حبة وهو حتماً ليس رقماً عشوائياً وإنما قصد به توضيح مقدار النمو الاقتصادي المرتبط بالإنفاق في سبيل الله.

لا شك أن الآيات القرآنية اهتمت ببيان الثواب للمنفق كقوله تعالى: «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» آية ٢٧٤ سورة البقرة، بل ركزت على مضاعفة الأجر فالله يضاعف لمن يشاء ولكن هل المضاعفة للأجر فقط؟ حتماً فالآيات الكثيرة التي تحدثت عن الإنفاق أكدت على نمو المال وصلاح المجتمع في أكثر من موضع.

ربط القرآن بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي وعالجت الآيات القرآنية فكرة استقرار المجتمع من خلال إصلاح أوضاع الطبقات المتدنية الدخل فقد أثبتت الدراسات المختلفة ارتباط معدلات الجريمة بالفقر وقد قال الإمام علي عليه السلام (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) لبيان خطورة الفقر على نهضة المجتمع.

خلاصة النظرية القرآنية أن أفراد المجتمع عندما ينفقون (يتصدقون طواعية) تتقلص الفوارق الطبقية وتزداد الطبقة الوسطى التي ترى النظريات الاقتصادية الحديثة أنها ركيزة التنمية وبذلك تبدأ عملية النهوض الاقتصادي والاجتماعي وتتطور الدولة والمجتمع معاً.

إن الآيات التي تؤكد على أن الصدقة تساهم في التنمية كثيرة ومنها قوله تعالى: «ومثل الذين ينفقون أموالهم إبتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير» آية ٢٦٥ سورة البقرة، هنا تطرح الآية نمواً اقتصادياً بنسبة الضعفين في حال التزم المجتمع الإسلامي بالإنفاق ابتغاء مرضاة الله، وهذا شرط ضروري لتصل الصدقة لمستحقيها فمن ينفقها في مرضاة الله لن يدفعها في الموقع الخطأ ولن يشوبها شائبة فساد.

من منظور اقتصادي فإن التركيز على المصلحة الفردية يكدس الثروة في يد أقلية وذلك يؤدي إلى نمو اقتصادي واجتماعي مشوه وغير متكامل وهذا ما وصلت إليه الرأسمالية الحديثة التي أنتجت ظواهر المشردين والعاطلين وهو ما تسبب في ارتفاع معدلات الجريمة.

اقتصادياً تجري الصدقة المال في الشرايين الصغيرة والبعيدة للطبقات الاجتماعية وتتسبب في دورة متكاملة للمال وهو ما يؤدي إلى انتشال جزء من الطبقة الدنيا إلى الوسطى وينعكس ذلك في شكل نمو اقتصادي واجتماعي شامل لكافة الطبقات الاجتماعية لينتج التوازن الاجتماعي.

إن الصدقة التي تدفعها تعود عليك بالنفع في الحياة الدنيا فضلاً عن ثوابها العظيم في الآخرة فالنمو الاقتصادي يعني التوزيع العادل للثروة وأداء الحقوق والرخاء الاقتصادي وهي عناصر لا تتحقق إلا بالتوازن الاجتماعي الذي أشرنا إليه.

يؤكد الطباطبائي في تفسير الميزان على مساهمة الانفاق في سبيل الله والصدقة تحديداً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إذ يقول في تفسير آيات الإنفاق (وانما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة المتدنية التي لا تستطيع رفع حوائج الحياة من غير إمداد مالي من غيرهم، ليقرب أفقهم من أفق أهل النعمة والثروة).

واسترسل الطباطبائي في بيان الأثر الاجتماعي إذ يقول (وكان الغرض من ذلك كله ايجاد حياة نوعية متوسطة متقاربة الا جزاء متشابهة الابعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادة وأضغان القلوب ومنابت الأحقاد، فإن القرآن يرى أن شأن الدين الحق هو تنظيم الحياة بشؤونها، وترتيبها ترتيبا يتضمن سعادة الانسان في العاجل والأجل، ويعيش به الانسان في معارف حقة، واخلاق فاضلة، وعيشة طيبة يتنعم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادة).

شارك برأيك: