“أن تحيي ليلة القدر في قرية النويدرات” بقلم مصطفى حسن عبد الله

مصطفى حسن عبد الله
مصطفى حسن عبد الله

تسبقك خطواتك إلى المسجد الذي يقع في طرف القرية محاذيًا ما تبقى من الريف، القمر نصف بدر يضيء الفضاء بهالة من الهيبة، والطريق هادئ تختلط فيه همهمات المساء بصوت دعاء الجوشن الكبير وهو يخترق الفضاء ويرجع صداه الشجي مع أصوات السيارات العابرة في هدوء، تدخل المسجد لترى كل الوجوه المألوفة، الأقارب والجيران وكل الأحبة يومضون في عينيك وأنت تعبر الدرب لتتخذ لنفسك مكانا في الأمام وأنت تشارك الجميع الهتاف: “سبحانك يا لا إله إلا أنت.. الغوث الغوث”.

تقرأ مع الجمع سور القرآن، تلهج بالذكر وأنت تراقب قلبك الذي بدأ يلين ويطلب مع الطالبين القرب والعفو من حضرة الوهاب القدير جل في عليائه، في سورة العنكبوت كان قلبك فرحا وعيناك تبسمان وأنت تتلفتت فترقب الصغار كيف كبروا والكبار كيف غيرهم الزمن، وفي سورة الروم كنت متأثرا وأقرب إلى الحزن، أما الدخان فكنت فيها تتابع وتقرأ بتركيز وتمعن، كنت تعرف أن كل هذه المشاعر المتداخلة والمتغيرة ما هي إلا خطوات على الطريق.

يبدأ دعاء التوسل ويبسط الجميع القرآن بين ايديهم وفوق رؤوسهم وتبسط أنت أمانيك، يذكركم الخطيب “اذكروا حوائجكم”، تلك اللحظة حيث الكل يخرج أمانيه من قلبه ويرسلها إلى دوحة القدس العلوية، تتلألأ الأمنيات الكثيرة وهي تصعد من أفواه الداعين إلى السماء. في دعاء التوبة تأخذك أفكارك الساذجة بعيدًا وأنت تتذكر كيف كنت تجيء طفلا إلى هذا المسجد في ليالي القدر عبر السنين، تلتفت إلى الدعاء و تنظر إلى وجوه الناس وهم يبكون ويرددون في تأثر، تتأملهم وتفرح لهم وتطمأن.

تصلي مع المصلين وتستغفر وتستمع إلى زيارة الحسين عليه السلام ثم تصلي مجددًا..

تسدل الليلة ستائرها بجلابيب الرحمة والرضوان، يتفرق الأحبة كل إلى شغله ويلتقي آخرون على الحب والخير، تهب الليلة بركاتها حتى مطلع الفجر، يؤتى الجميع ما يطلبون وتوفى لهم أجورهم بإذن رب السماء العالية.

الله يتقبل منا ومنكم ويعودكم جميعا في خير..

تعليق واحد

  1. تقبل الله منك اخي العزيز
    وسلمت يدك على المقال الجميل و المعبر عن مافي القلب

شارك برأيك: