كتب:علي سامي
“ليس للطبيب علاقة بهذه الأخطاء الطبية”
قد يبدو عنوان المقالة غريبًا بعض الشيء؛ فكيف يُبعد اللوم عن الطبيب في ما يسمى بالخطأ الطبي و هو أحد أهم عناصر الطاقم الطبي إذا لم يكن بؤرته ! لكن في نهاية المقال ستتوضح الصورة ، و ستتمكن من الإجابة على هذا السؤال : “هل الطبيب هو وحده من يتسبب بالخطأ الطبي ؟” .. و في هذا المقال أنا لا أحاول تبرءة أي طبيب من خطأ ارتكبه أو المدافعة عن الأطبّاء بشكل عام.
ما هو الخطأ الطبي -بدايةً- ؟ هو الخطأ الناتج من الطاقم الطبي المتمثل في الطبيب و الممرض أو غيرهم و الذي يتسبب في تدهور حالة المريض غالبًا و إلى الوفاة في بعض الحالات. و سمّي طبي نسبةً إلى مرتكبي الخطأ. و هذا ما شهدته العديد من الدول حتّى المتطورة منها على مستوى العالم و الأخطاء الطبية تسجّل نسبة وفيات مما يجعل الجميع يصيغ سؤالًا محيرًا ! لماذا ؟! ما سبب هذه الاخطاء ؟ و كيف نوقفها ؟ إن الوعي بأسباب هذه الأخطاء هو السبيل الأمثل لمحاربتها و تقليلها و أثرها ..
إهمال الطبيب الذي يُسبب التشخيص الخاطئ أو وصف دواء سيزيد حالة المريض سوءًا بدل أن يُشافيه ، عدم اتباع الإجراءات اللازمة أو الاختبارات الصحيحة في عملية معالجة المريض و غيرها مما يخطر على بال أي إنسان أو ما قد مر به البعض في تجربتهم مع خطأ طبي سابق حصل لهم ، صحيح .. كل هذا سببه الطبيب و هو المخطئ و الذي يتحمل المسؤولية و يستحق المسائلة القانونية لذلك و اتخاذ اجراءات معينة في حقه عقوبةً لهُ على ما فعل. لكن .. ليست كل الأخطاء سببها الطبيب !
الممرض كذلك ؛ قد يتسبب في خطأ اثناء المعالجة مما يُسبب للمريض مشكلة أخرى ، كذلك الأشخاص في غرف الأشعة السينية ، بخطأ قد يضرون المريض ! الجرّاح الذي يقوم بعملية فيُخطئ بشيء ما قد يضر المريض أو حتى يتسبب في موته، و هذا أيضًا خطأ طبي و ليس الطبيب من يتحمل عبءه ! اذًا علينا تصحيح هذا المفهوم عند البعض : “أن الخطأ الطبي يُسببه الطبيب و سببه الطبيب فقط” .. بل الطاقم الطبي بمختلف كوادره.
و هذا شيء مألوف عند البعض و مفهوم ربما ، لكن ثمة شيء آخر يغيب عن الأذهان و لابد من تسليط الضوء عليه لأنه بطريقة أو أخرى يتسبب في “الأخطاء الطبية”.
من المنطقي جدًا أن تكون الأخطاء سببها الطاقم الطبي ، و لكن من غير المنطقي أن تتسبب جهات أخرى بالأخطاء الطبية !! كيف يحدث ذلك ؟ هل من الممكن أن تتسبب جهة غير الطبيب و من معه بخطأ طبي للمريض ؟!
الجواب “نعم” و هذا ما يرمي المقال تسليط الضوء عليه .. فقد تستغرب عندما تسمع أن حتّى المريض نفسه يتسبب في خطأ طبي و يقع اللوم نهايةً على الطبيب و الطاقم الطبي ! و في ما يلي بعضٌ منها ..
عندما يتم توظيف طبيب يفتقر علميًا و عمليًا إلى معايير الطبيب فالخطأ الناتج من هذا الطبيب لا يُوقع اللوم عليه فقط بل على الجهة التي قامت بتوظيفه أيضًا ؛ فهي واقعًا من تسببت بهذا الخطأ الطبي لا هُو ، عندما يحصل تساهل أو تهاون في تعيين الأطباء و توظيفهم و عند ازدياد عدد الأطباء من غير ذوي الكفائة فإن هذه المشكلة حتمًا ستقع ، هؤلاء ليسوا مؤهلين بعد لتولي وظيفة الطبيب و هم كذلك مُلامين اذا صدر الخطأ الطبي منهم. و لذلك هناك تشديد في اختبار الأطباء قبل توظيفهم في الدول التي تهتم لهذا الجانب و هذا يحد من هذه الظاهرة عندهم ، فالتساهل شيءٌ مرفوض في القطاع الصحي ؛ لأن في وجود هؤلاء الغير مؤهلين خطر على المرضى بل و يعرقل العملية العلاجية التي يسعى الطاقم الطبي القيام بها على أكمل وجه.
و قد يتسبب غياب أو قلة البرامج التي تؤهّل طلبة الطب لهذا العمل في هذا أيضًا فوجود مثل هذه البرامج يُكسب الخبرة لطلبة الطب و يُعوّدهم على الإنخراط في العمل بشكل أكثر سلاسة فضلًا عن تطبيق ما تموا دراسته و اختبار مقدار ما درسوا مقارنة بما يشاهدون في المشفى ، كما أن للأطبّاء داخل المشفى دور في اعداد هؤلاء الطلبة و مساعدتهم و تزوديهم من خبراتهم في العمل تأهيلًا لهم ليكونوا مستقبلًا في مكانهم و هذا كُله من باب الحرص على هذه الوظيفة العظيمة و ضمان سيرها في أرقى حال. فهذا كله يعتبر كبرنامج تأهيلي للطبيب الناشئ قبل العمل ، كذلك البرامج للأطباء الموظفون نفسهم التي تهدف إلى تنمية مهاراته كطبيب و تجديدها ؛ فهذه البرامج مهمة إلى حدٍ ما أيضًا.
من أكبر المصائب أن يتسبب المريض نفسه بالخطأ الطبي ! بكل تأكيد سمعت عن شيء مشابه لما سأعرضه الآن هذا اذا لم تقم اساسًا بفعله ! و إن لم يكن فهيّأ نفسك للصدمة مما سيُطرح الآن .. هل شاهدت على نفسك اعراض معينة كإرتفاع درجة الحرارة و حكة أو احمرار أو ترجيع و دوار رأس و ما شابه ثم قمت بالدخول إلى محرك البحث “Google” و كتابة الاعراض و تشخيص نفسك بنفسك ، ثم اخذ وصفة طبية من الموقع الذي قرأت عن اعراضك فيه و كأنّك اصبحت الطبيب !!! -خير ؟!- .. اذا ساءت حالتك و ذهبت للمشفى أو حصل لك أي مكروه فهل للطبيب دور في هذا ؟؟ أم إنَّ تشخيصك الذاتي هو السبب ! و قضية التشخيص الذاتي قضية حساسة و مشكلة مجتمعية صحية تحتاج لمقال خاص للتحدث فيها ..
كذلك المريض الذي يخفي عن طبيبه أي معلومات مهمة تساعد الطبيب في فهم حالته ، و هذا يساهم بشكل كبير جدًا في التشخيص الخاطئ ، هل الطبيب هو السبب في التشخيص الخاطئ هنا أن المريض ؟! و الأعظم من ذلك هو المريض الذي يزور الطبيب و لا يتبع ما يقول له الطبيب ، من أعمال يجب تقليلها أو تركها أو حتّى عدم اتباع تعليماته في شرب الدواء ! كل ذلك ليس بالكيف و الأهواء ، و أنت كمريض اذا لم تقم بما يقول لك به الطبيب فلا توقع لوم ما يجري بعدها عليك على الطبيب !
على المريض أن يكون متعاونًا مع الطبيب لإنجاح العملية العلاجية ، ففي النهاية الطبيب هنا لخدمته و مساعدته.
إذا قل توفير المراكز و المستشفيات الصحية بالأدوات و الأدوية اللازمة فالخطأ الطبي وارد أيضًا ، في هذا المجال قمت بسؤال أحد الممرضين الذي اوضح لي أن نقص المعدات قد تتسبب بالأخطاء الطبية لحاجة الطاقم الطبي للجوء إلى البدائل في عميلة المعالجة ، و تتنوع الأخطاء الطبية حتى يأتي المجتمع و القانون ليلعب دورًا كبيرًا فيها ، ففي بعض الدول لا يتم محاسبة الطبيب على خطأه و يُعتبر ما يبدر من خطأ منه حادث عرضي و جائز الحصول ! و مثل هذا قد يساهم في أن يكون الطبيب مهملًا لبعض الجوانب كونه يأمن العقاب ، فسنّ القوانين التي تعاقب الطبيب المستهتر على أخطاءه حق للمريض و ذويه.
و من الجدير بالذكر المجتمع أيضًا ، المتمثل في الأصدقاء و العائلة أو حتى المجتمع الصغير كالقرية مثلًا ، تظهر و تنتشر فيه بعض الظواهر التي لابد من الإشارة إليها كونها تساهم بطريقة غير مباشرة و غير مقصودة في الخطأ الطبي ! إنَّ العلاج الذي يوصفه الطبيب بناءًا على خبرته و علمه بالمرض هو علاج يجب عليك كمريض أن تتبعه حتى و إن أثّر عليك المجتمع المحيط بكلامٍ ينافي و يضد ما يقوله الطبيب ! فهل سمعتم قبلًا عن مسن ترك علاجه مستبدلًا إيّاه بـ”كركم” لأن فلانًا أشاد بأهميته في العلاج !! أو مريض اخبره صديقه أن هذا الدواء لا ينفع و خذ هذا عوضًا عنه !! لا يمكن تقبل مثل هذه الظواهر في المجتمع المتطور ، لا يعقل أن يقوم الكثير بالنصائح الطبية و إرشاد مريض لتناول دواء معين فقط لأنه نفع فلانًا أو يتوقف عن أخذ دواء لأنه ضرّ فلانًا ، هناك حيثيات في الموضوع يجب أخذها بعين الإعتبار ، الطبيب .. الطبيب .. الطبيب وحده هو من يشخص و يوصف الدواء ، ليس استنقاصًا من الطرق العلاجية التقليدية التي يتبعها القدماء أو الطب البديل ، لكن البعض يضعون عبء هذه التصرفات على كتف الطبيب و هذا خطأ !
عزيزي المريض .. حتى و إن لم تتقبل العلاج ، حتى و إن كان وقع اسم المرض الذي اصابك ثقيلٌ عليك ، أنتَ في النهاية تريد التخلص من المرض و بعض الأمراض لا يتحمل علاجها التأجيل ..
أنت كصديق أو كأخ أو كأبٍ أو أم ، شجّعه على العلاج وتعاون مع الطبيب سيكون ذلك أفضل من تحريضه على ترك علاج أو وصفه بعديم الفائدة !! طلب الإستشارة الطبية من الطبيب نفسه و ليس من أحد غيره !حتّى من طلبة الطب الذين تعرفهم ..
عزيزي طالب الطب اترك مزاولة عملك كطبيب مبكرًا .. سيأتي يوم و تكون فيه صاحب المسؤولية ، اطلب ممن يحدثك عن استشارة أو ما شابه أن يعود للطبيب ، ما زلت في موضع عزيزي لا يسمح لك بذلك ، و لأنك تحب هذا المجال اطلب من المريض أن يذهب لرؤية الطبيب.
قد لا يكون كل ما ذُكر أعلاه موجود في وطني ، لكنّ وجود بعضه حقيقة كالشمس التي لا تُخفيها السُحب ، اتمنى أن تكون قد وصلت أيّها القارئ لجواب على السؤال في بداية المقالة ! و أكرّر لست مدافعًا عن أي طبيب قام بخطأ طبّي و لا مبرءًا لساحة الطاقم الطبي من حدوث الأخطاء الطبية ، في النهاية هم بشر .. وظائفهم لا تحتمل الخطأ .. صحيح .. و محاسبتهم على أخطائهم حقّ ، لكن .. علينا أن لا نشيح بوجهنا عن الأمور الأخرى التي تسبب الأخطاء ايضًا ، فالموضوع حساس و بحاجة لدراسة و اجراءات تحدّ من تفاقمه و انتشاره ، إن كنت تساهم في خطأٍ طبّي بطريقة ذُكرت أعلاه بغير قصد فعليك بتركها الآن فأنت تعرف أنّها تُسبب الخطأ.
يدًا بيد .. نحو مستقبلٍ خالي من الأخطاء الطبّية.