من نجالس؟ بقلم الأستاذ حميد حسن حبيب

الأستاذ حميد حسن حبيب
الأستاذ حميد حسن حبيب

من نجالس؟

عاش بيننا شاب كالملاك، أحبه الصغير والكبير، وبكته عيون الصغار والكبار.

إنه الأستاذ الشهيد أحمد حسن عيسى.
رأيته نهاية السبعينات (قبل فترة التعليم المسائي) في مسجد الشيخ خلف في فترة كان التعليم فيها في الاجازة الصيفية صباحا، ويبدو أنه حينها كان في الثانوية العامة.
كان من ضمن المعلمين الذين أذكرهم ابن عمي الحاج جاسم ماجد والأستاذ يوسف مدن وإبراهيم حسن علي.
حتى أنني أذكر أنهم أخذونا في رحلة إلى بربورة، مشيا على الأقدام أو على (قاري وحمار) بيت جمعه مهدي.

وبعد بدء التعليم في المساجد الثلاثة، أخذت أراه، كباقي الأساتذة الكرام.
وقد تميز بجاذبية بينهم، بسبب أخلاقه ولطفه، وابتسامته ورحابة صدره.
وكان مهتما في دروسه وفي قراءاته بالقرآن الكريم.
تعرفت عليه أكثر قبل استشهاده بسنتين تقريبا.
كان يفتح مجلس شقته للشباب كل ليلة جمعة. وكان في فترة قبلها، يحضر مجلس الأستاذ، وأذكر هنا أنهما قد يتخذان من المجلس طائراً يحلق بنا، وقد جلس كلٌّ منهما على جناح، فأميل بوجهي جهة اليمين تارة ثم إلى الشمال تارة أخرى، ونحن نصغي لهما بكل اهتمام ولهفة.
أذكر بعض المحطات التي جمعتني معه اتفاقاً:
– كان أستاذ علي جاسم إسماعيل مريضا، وقد انتهينا من درس الأستاذ يوسف مدن في مسجد الشيخ إبراهيم – قال: (من هو يجي وياي نزور أستاذ علي؟). ولم يجبه غيري.
وفي الطريق كعادته يحدثك عمّا يجول به صدره من تأملات.
وأذكر أنه سألني: (ليش سمي القلب قلب؟). قلت : لا أدري. فقال: (لأنه يتقلب، بينما هو فرح وإذا به ينقلب حزيناً).
وعندما دخلنا لعيادة الأستاذ علي، كان الأستاذ علي منزعجا من شغب أطفاله. فضحك أحمد قائلا: أيهما أفضل البيت مع الأطفال وحركتهم، أم  البيت الخالي من الأطفال؟.

– كنت أسمعه دائما ما يكرر .. اهتموا بدراستكم، واصلوا دراستكم، تخرجوا من الجامعة، لا تكونوا مثل أهل قرية …. يتفوقون في مراحل المدرسة ثم لا يدخلون الجامعة.

– كان معتاداً على الوقوف معنا صباحاً  عند بيت الحاج محمد بن عبد الوهاب ينتظر زملاءه من المعلمين، ليركب معهم السيارة ذاهبين إلى المدرسة. وكان يؤنسنا بحديثه ونحن ننتظر باص المدرسة.
قبل أسابيع من ذهابه إلى الحج ذلك العام، وبينما كنت واقفاً مع بقية الزملاء، جاء ذلك اليوم، ولم يكن كعادته.
مازلت أذكر كيف كانت ملامح وجهه، حيث كان سابحاً في عالم آخر، وكأنه منفصل عما حوله، يتحرك بجسده هنا وروحه هناك.
عندما وصل لنا سلٌم علينا، ووقف على يساري.
كان عادة ما يبادر بحديثه الذي يبعث النشاط والحيوية في الجسم والعقل والروح.

الشهيد أحمد حسن عيسى
الشهيد أحمد حسن عيسى

لم يتكلم بعد السلام، ولكنني أشعر الآن بأن ذلك الصمت كان أبلغ من الكلام.
قلت له: (السنه الحج أستاذ ؟).
فقال – وكأنه ينتظر السؤال – : (الحج بالشهادة).
لا أذكر ما قلت له بعدها .. إلا أنني بسذاجتي تبسمت أحسبه مازحاً.

– مررت بجانب بيتهم في الليلة التي تبعها سفرهم، وهو واقف وسط الطريق ومعه محمد عبد الله مدن وعبد المنعم موسى، وهو يصنع حركة الهرولة، وسمعته يحدثهما عن أسرار الهرولة، ويقول إن مناسك الحج لها معان وأسرار.

هذه بعض اللحظات التي جمعتني به ومازالت عالقة في ذهني.
كان رحمه الله مثالا لقول أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قالت الحواريون لعيسى: يا روح الله من نجالس؟ قال: من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.

شارك برأيك: