الفيروسات الأشدّ من “الكرونا” 1:(حب الظهور)

 

كتب : علي سامي الدولابي


فيروس كرونا الذي جاب بلدان العالم متخطيًا الحدود و حاصدًا للأرواح، الفيروس الذي لم يجد له الطب علاجًا حتّى الساعة، يبقى عاجزًا أمام كثيرٍ من الفيروسات النفسية التي تلوثت بها القلوب و أصبح التشافي منها مسألةً أصعب من التشافي من الكرونا نفسه! هي ليست فيروسات مختزنة في جسمٍ واحد، بل انتشرت حتى أصبحت تطرق باب المجتمع و تتغلغل فيه ناشرةً أعراضًا مؤذية للمريض و لكل المجتمع، هذه الفيروسات تعيش معنا، فينا ربّما و ربّما بمن هم حولنا، أينما كانت، يجب التخلص منها و علاجها قبل أن نصبح ضحايا هذه الفيروسات..

بمناسبة حلول شهر رجب و شعبان ثم شهر رمضان المبارك و من باب الحرص على الأخلاق الحميدة و الأبتعاد عن القبيحة، نتناول في سلسلة مقالات “الفيروسات الأشدّ من الكرونا” مجموعة من الملوثات القلبية و الأخلاقية التي هي منتشرة في مجتمعنا و ما زال خطر الإصابة منها محتمل..

يحتاج الإنسان ليكمل كل نقص بداخله، فيسعى دائمًا نحو الأفضل، ولا يكتفي بما هو لديه فقط في الوقت الراهن؛ ليست عدم قناعة بل مواصلة لعجلة التطور التي يحتاجها كل فردٍ منا و ذلك على اختلاف المراحل العمرية، مهما فعلنا سنبقى ناقصين و مفتقرين للكمال، لكن ذلك لا يعني عدم السعي أو محاولة الوصول له..

الفيروس رقم 1 الأشد من الكرونا هو فيروس “حب الظهور” و له مسمى آخر هو “فيروس النقص”، أعراضه هي: شعور الشخص برغبة في افتعال حدث أو حديث يلفت النظر له/محاولة الشخص الدائمة للسبق في الأمور/حب الظهور الإعلامي عبر وسائل التواصل/قلة النشاط و العطاء في غياب الإعلام و الخمول في ظل اختفاء “الكاميرا”/الإستأناس بالمديح و الإطراء و الإعجاب السلبي بالنفس.

عند وجود هذه الأعراض أو بعضها فإن هذا الفايروس قد تخطى حدودك الخاصة و بدأ يعبث بتفكيرك و بعض أنماط حياتك وتوجهاتك! و قد كشف لنا فايروس “كرونا” بعض ممن فيهم هذه الأعراض؛ من كانوا يسعون دومًا للسبق الإعلامي و غيره، من يتحدثون عن قضية الكرونا في مواقع التواصل الإجتماعي بشكل غريب و ملفت، من يستغل طبيعة عمله أو وضعه من أجل الحصول على متابعين! و غيرهم..

كيف يتم تشخيص هذا الفايروس؟ لن تحتاج لجهاز لذلك ولا حتى لفحص دم شامل، ستحتاج فقط لملاحظة وجود هذه الأعراض، و ستكتشف أن البعض حقًا مصابين بهذا المرض..
قد يتفاقم المرض ليتجاوز حده الطبيعي و ربما يقوده لوادٍ مظلم اسمهُ “الغرور”. و قد تغرقه موجة تنمر مجتمعية حادة و رفيعة، كما من الممكن أن يتأثر نفسيًا أو ينكسر في حال الفشل، فليس النجاح مصير كل من بهم هذا الفايروس!هل هو مميت؟ لين يوقف عقلك عن العمل و لكن، سيكون قادر على التحكم في الكثير من تصرفاتك -و تلويثها- و ربما تكون عاجز في لحظةٍ ما من أن تصلّح الخراب الذي أحدثه فيك.

و لمعالجة هذا الفايروس فإن المضاد الأنسب له هو إيجاد البديل في سد النقص، و الصراحة مع النفس في حال اكتشافه فيها. قد لا أوفق لطرح علاج مثالي -و يمكن لكل منا البحث عن علاج هوس الشهرة أو حب الظهور- فمناعات الأشخاص اتجاه هذا الفايروس مختلفة و متفاوتة القوة، و كل شخص يعرف كيف يتخلص من هذا الفايروس حتى بطريقته الخاصة، و من المؤسف أن لا يتخلص الشخص من مثل هذا الفايروس إلا بعد أن يحدث فيه ندب لا ينساه أبدًا.

كما لا ننسى العلاج الديني فهو من أنفع العلاجات لمثل هذه الحالات، فالمرء في هذه الأيام -أيام شهر رجب- يكثر من الدعاء و طلب المغفرة له، و أن من آداب الدعاء أن يتذلل العبد أمام ربه، و هذه الحالة تربي النفس كثيرًا اتجاه معالجة حب النفس و الظهور.

لا يحملنّ أحدٌ هذه المقالة محملًا شخصيًا فهي موجهةٌ لي قبل الجميع، حب الظهور مرض منتشر في مجتماعتنا لدى البعض و قد يجعله يتصرف تصرفات تؤذيه هو و تجعله عرضةً للتنمر و الإنتقاد اللاذع الذي لا يتحمله! أن يكون لديك فكرٌ و محتوى تريد طرحه أمر و أن تسعى لتكون ذا أهمية بين الآخرين لتسد نقصًا تحسّهُ فيك ذا أمرٌ آخر، عافاني الله و إياكم من هذا الفايروس و نسألكم الدعاء.

“ليس من العيب أن نصارح أنفسنا بذمائم الخلق و نقاط الضعف، فهو أول ما يجب أن نفعله لنرتقي سعيًا إلى الكمال”


على الهامش :
حب الظهور له ارتباط كبير جدًا جدًا بجذب انتباه الآخرين و الذي يصنف طبيًا على أنه اضطراب نفسي؛ Histrionic personality disorder (HPD).. -ابعده الله عنا و عنكم-

شارك برأيك: