بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم ،
والحمْد لله رب العالمين حمدًا يستحقه كثيرًا ، وصلى الله الكريم على نبيه المصطفى ، ورسوله وحبيبه خير خلقه ، وأفضل المبعوثين وأكملهم للناس ، وبعد قال الله تعالى في محكم ( قرآنه المجيد ) : ” كل نفس ذائقة الموت ، و” كل من عليها فان ” ، و” إنَّا لله وإنَّــا إليه راجعون ” ، وبعد فقد فقدت قريتنا العزيزة في فترة انتشار ( جائحة الكرورنا .. كوفيد 19) كوكبة من المؤمنين الأعزاء بلغ عددهم ( 40 ) ، وتوفى بعضهم متأثرًا بالمرض نفسه ، وتوفى رب العباد آخرون بأمراض أخرى خاصة كالمرحوم العزيز الحاج والأستاذ ( عبد النبي بن الحاج هلال بن محمد هلال ) رحمهم الله ، وحزنت القرية لفقده ، وأصدقائه ومعارفه لهذا الخبر المؤلم ، لكن قضاء الله سبحانه وقدره المحتوم فوق كل شيء ، فـ “كل نفس ذائقة الموت ” في حكمة الله وقدره ، وإنَّا جميعًا إليه راجعون .
وكما هي عادة مجلس الحاج عيسى بن عبد الله النسك المعروف ( بو عبيد ) أطال الله في عمره ، يتم تأبين منذ أمد بعيد أموات المؤمنين من أبناء القرية ومعارفنا ، ويتطلَّب تأبينه ذكر شيء من سيرته ، ومناقبه الذاتية مشاركة من صاحب وأفراد المجلس في التعبير عن آلامهم وأحزانهم ، ومواساة عائلته الكريمة كما أمر الله ، رحم الله تعالى فقيدنا العزيز ، وألهم ذويه وأهله وأصدقاءه بالصبر والسلوان ، وحشره مع نبي الهدى وآله الكرام .
وسنتوقف بإيجاز شديد عند محطات مضيئة من تاريخ هذا الفقيد المؤمن على النحو التالي :
وُلِـدَ فقيدنا الفاضل الأستاذ عبد النبي هلال سنة 1957م في بيت كريم من بيوتات قريته ” النويدرات ” الشامخة ويوافق يوم ( 29 من جمادى الأولى سنة 1376هـ ) ، واعتمدنا في تحديد ولادته على ما جاء في جوازه الرسمي ، وهو – بلا شك – تقدير زمني لتاريخ ولاته ( ره ) .
ينتسب فقيدنا الأستاذ عبد النبي لعائلة آل هلال الكرام المعروفين بالفضيلة والاحترام والتقوى ، وحب الخير، والده المرحوم الحاج هلال بن محمد بن هلال صاحب الابتسامة ، وكانت تميز محياه الكريم، أمَّا والدته فهي المرحومة الفاضلة الحاجة ( فاطمة بنت إبراهيم بن محمد بن ناصر) ، الأم الرؤوم التي احتضنته بدفء عاطفتها وشحنات حنانها .
نشأ الفقيد ( ره ) في ظلال عائلة كريمة ، ومؤمنة ، وشاء الله أن يكون الفقيد هو الإبن الأكبر لوالديه ، وتربى في أحضان الخير وحب الفضيلة والإيمان الديني وتقوى الله ، ومن أبوين كريمين ، فأبوه المرحوم الحاج الذي عرفناه بالاستقامة الأخلاقية وابتسامته المشهودة على محياه الكريم ، وقد أورثها أبناءه جميعًا ، وأمهم المرأة الصالحة ( فاطمة بنت إبراهيم بن ناصر ) ، وقد غذته منذ رضاعته الأولى بحب الله ونبيه وأهل بيته الكرام ، وبقي وفيًا لهم .
كان الأستاذ عبد النبي هلال أول الذكور في عائلته الصغيرة ، ولم تتقدم على ولادته ، بين أفراد أسرته من الإناث سوى أخته الأولى (حسينة ) التي كانت تكبره سنَّا، ثم رزق الله عز وجل ( أبويه الكريمين ) نعمة الأولاد ( ذكورًا وإناثًا ) ، وهم من الإناث : ( حسينة ، وخديجَـة ، مدينـة ، وسَـارة ، وزهراء وأمينة ) ، ومن الذكور : ( عبد النبي ، وإبراهيم ، ومحمد جميل ، وجعفر) .
التحق الحاج والأستاذ عبد النبي هلال في باكر صباه بصفوف (مدرسة المعامير ) في سنوات النصف الأول من عقد الستينات ، وعمره بين السادسة والسابعة ، وبقي فيها ست سنوات ، والتحق نهاية الستينات بمدرسة سترة الابتدائية – الإعدادية لمدة عامين ، وأكملها بنجاح ، ثم درس بمدرسة مدينة عيسى الثانوية ( 3 سنوات )، وتابع تعليمه الجامعي بجامعة الرياض في المملكة العربية السعودية ، وتخرج من قسم ( الاقتصاد ) صيف سنة ( 1978 / 1979م ) .
كانت للفاضل فقيدنا الغالي الأستاذ عبد النبي بن الحاج هلال بن محمد ( ره ) فرصَـة سانحة للعمل بمجاله المهني التخصصي، فاشتغل بادئ الأمر– محاسبًا ماليًا – بجمعية مدينة عيسى التعاونية ، وهي مؤسسة أهلية ، فأعان والده على تحمل مسئوليات عائلته ، ثم بعد فترة زمنية التحق بالحقل التعليمي والتربوي في سلك التدريس معلما بوزارة التربية والتعليم ، واستفاد خلال فترة عمله التربوي من بعض الدورات التخصصية في مجال التربية الخاصة ( صعوبات التعلم ) فنال شهادته ( دبلوم التربية الخاصة ) في الموضوع ذاته ( صعوبات التعلم ) ، وتابع المرحوم أستاذ عبد النبي ( أبو أحمد) عمله التعليمي في القسم المذكور رغم مشقته التربوية لمعالجة ( بطء التعلم وصعوباته ) لدى بعض تلاميذ المرحلة الابتدائية في عدد من المدارس الرسمية .
وتسنى له في فترة عمله التربوي أخذ فرصة تدريب وتدرب مهني خارج تخصصه المهني في مادة الاقتصاد ، فدرس بعض علوم التربية الخاصة ، وحاز مؤهلاً علميًا آخر هو الحصول على شهادة ( دبلوم عالٍ في التربية الخاصة .. تخصص التخلف العقلي ، وبطء التعليم ) من جامعة الخليج العربي بالبحرين للعام الدراسي ( 90 / 1991م ) .
ونذكر من هذه المدارس ( مدرسة المأمون الابتدائية للبنين بين الحورة ورأس رمَّان ، ومدرسة المعامير الابتدائية ، ومدرسة اليرموك الابتدائية بسترة ، ومدرسة الإمام الطبري بمدينة عيسى ، ومدرسة خالد بن الوليد الابتدائية ، ومدرسة مالك بن أنس الابتدائية للبنين في الرفاع الشرقي)، وتحمل مسئولياته المهنية والتربوية في تعليم جيل من أبناء وطنه وتربيتهم ، ونال في فترة عمله شهادات تقدير لتفانيه ، وإخلاصًا في مجهوده ، وكانت من جهات متعددة كقسم التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم ، والمؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين ، وجمعية النويدرات الخيرية ، وبعض المدارس التي عمل فيها ، والمكتب الخاص بصاحب السمو الأمير بدر بن سعود بن محمد بن عبد العزيز آل سعود ، وكلها مؤرخة بتواريخ أثناء فترة وجوده بالعمل التربوي والتعليمي ، وهي مجموعة في أرشيف منزلي خاص .
وتزوج خلال فترة عمله المبكر في سنة 1983م من الفاضلة أم أحمد السيدة ( عفيفة بنت السيد خليل بن السيد هاشم الهويدي السماهيجي من فريق الحيَّاك بالمحرق )، وأنجب منها بحمد الله ذرية صالحة من الأولاد والبنات ، وهم على التوالي : ( إيمان ، أحمد ، محمد ، محمود ، وآخرهم فاطمة )، وتزوج منهم بحمد الله ( إيمان وأحمد ومحمد ) ، وقد رزقهم الله سبحانه بذرية طيبة ، أما محمد فينتظر رزقه تعالى من الذرية ، ولم تتزوج فاطمة حتى الآن ، فما تزال في المدرسة الثانوية .
وبعد معاناة مع مهنته التربوية الشاقة طلب التقاعد عن عمله ، وتقاعد فقيدنا العزيز الأستاذ عبد النبي هلال (ره ) قبل إتمام الحد الأقصى بخمس سنوات فترة العمل اللازمة ، ولكنه ( ره ) آثر التقاعد وطلب الراحة من عمله لظروفه الخاصة ، وتفرغ لانجاز بعض أنشطته الخاصة ، وكانت مدرسة ( مالك بن أنس الابتدائية للبنين ) آخر مراحل عمله التربوي .
وشارك فقيدنا العزيز الأستاذ عبد النبي هلال ( ره ) منذ نعومة أظفاره في أعمال البر والخير، أداءً لواجباته الشرعية ومستلزماتها ، ونذكر من هذه الأعمال ما يأتي :
أعان والديه في فترة ضعفهما بخاصة في الإعانة المعيشية ، وساعد أبيه في بيع السمك ، والعمل بأحد دكاكين التجارة في بيتهم الواقع بسوق النويدرات القديمة .
وداوم الأستاذ ( ره ) لسنوات طويلة ، ومنذ الصف الرابع الابتدائي وسائر أيَّام طفولته وشبابه على قراءة القرآن الكريم وتلاوة آياته الكريمة في ليالي شهر رمضان المبارك ببيت المرحوم الحاج علي بن عيسى بن مدن .
وبعد وفاة المرحوم الحاج علي بن عيسى استمر لفترة محددة في قراءة القرآن في مجلس المرحوم المذكور ، ثم حدثت فترة انقطاع .
ومن علامات الخير في سلوكه الشخصي أنه اقتسم المبلغ الذي يأخذه من الوزارة في فترة دراسته الجامعية مع أخيه الأصغر الأستاذ إبراهيم أثناء دراسته بجامعة الكويت ، وكان يرسل نصف راتبه خلال هذه الفترة في رسائل موجهة لأخيه وشقيقه إبراهيم ، وهو يدرس في جامعة بدولة الكويت ، وهو درس قيمي وأخلاقي نتعلم منه في مواقف العطاء والإيثار.
عرف بين أهل الخير والقائمين على مؤسساته أنه بكفالة بعض الأيتام ، واشترك في دعم بعض المضايف في قريتنا بخاصة في أيام الله كالمواليد ، وفترات التحاريم ومناسبات وفيات المعصومين ( ع ) بخاصة في فترة ما عرف بأيَّام ( عشرة محرَّم ) .
عشق المرحوم – كسائر المؤمنين ( الحسين عليه السلام ) وأهل البيت ( ع ) ، وكان محبًا للحسين وأهل البيت ومواظبًا على حضور مجالسهم ، والمشاركة في تذكر مأساتهم المؤلمة والمفجعة ، وشهدت له بعض الأماكن في مآتمنا الحسينية بحضوره المستمر لمناسبات أهل البيت في الأفراح والأتراك ، وكان يحضر” مجالس العزاء ” في هذا المجلس المعمور تأسيًا بمصاب الحسين ( ع ) وأهل بيته .
كان الأستاذ الفاضل عبد النبي بن الحاج هلال بن محمد مصداقًا تطبيقيًا للقول النبوي الشريف ( ابتسامتك في وجْـه أخيك صدقة)، وقد تعلم هذا من قيم دينه وسلوك أبويه، وهي في مجملها أحد أهم مظاهر أعمال البر والخير والإحسان، وبناء أواصر العلاقة الشخصية الطيبة التي أرسى تعامله مع مجتمع المؤمنين وأبناء قريته ، وجميع أصحابه وأصدقائه على قواعدها الإيمانية والأخلاقية والإنسانية، فطيب الله ثَـراه وأسبغ عليه شآبيب رحمته، وسحائب رضوانه .
توفي الأستاذ عبد النبي هلال محمد (ره ) يوم الجمعة ( 6 من نوفمبر سنة 2020م ) ، الموافق ( 20 من شهر ربيع الأول سنة 1442هـ ) ، وأقيمت على روحه الطاهرة مجالس العزاء من ذويه ومحبيه وأصدقائه بالرغم من جائحة وباء الكورونا .
كتب هذه البيانات يوسف مدن يوم الأحد 30 نوفمبر سنة 2020م ، ويقْـرأها أبو ياسر في مجلس الحاج عيسى بن الحاج عبد الله بو عبيد ، أو عبر قناة البث الصوتي الالكتروني .
وآخر دعوانا أنْ ( الحمد لله رب العالمين ) ، ورحم الله أستاذنا الفقيد بلطفه وعفوه ، ورحم الله من قرأ الفاتحة له ، وللمؤمنين .
أعده :
يوسف مدن