تفسير الآية : كل يوم هو في شأن
قال تعالى ( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) ( 29) سورة الرحمن
حقيقة مهمة جدًّا
إن خلْقَ الله مستمر، واجاباته لحاجات السائلين والمحتاجين لا تنقطع، كما أن إبداعاته مستمرة فيجعل الأقوام يوما في قوة وقدرة، وفي يوم آخر يهلكهم، ويوما يعطي السلامة والشباب، وفي يوم آخر الضعف والوهن، ويوما يذهب الحزن والهم من القلوب وآخر يكون باعثا له. وخلاصة الأمر أنه ( سبحانه وتعالى ) في كل يوم – وطبقا لحكمته ونظامه الأكمل – يخلق ظاهرة جديدة وخلقا وأحداثا جديدة.
فائدة معرفة هذه الحقيقة لنا
إن لمعرفتنا لهذه الحقيقة فوائد كثيرة :
- أنها توضح احتياجاتنا المستمرة لذاته المقدسة .
- ومن جهة أخرى فإنها تذهب باليأس والقنوط من القلوب .
- ومن جهة ثالثة فإنها تلوي الغرور و تكسر الغفلة في النفوس .
نعم، إنه سبحانه له في كل يوم شأن وعمل.
آراء المفسرين في تفسير الآية
وبالرغم من أن بعض المفسرين ذكروا قسما من هذا المعنى الواسع تفسيرا للآية، إلا أن البعض ذكر في تفسيرها قال :
- أنها تعني مغفرة الذنوب، وذهاب الحزن، وإعزاز أقوام وإذلال آخرين فقط.
- والبعض الآخر قال: إنها تعني مسألة الخلق والرزق والحياة والموت والعزة والذلة فقط.
- والبعض الآخر عَنْوَنَ معناها بمسألة الخلق والموت بالنسبة للإنسان وقال :
إن لله جيوشا ثلاثة : جيش ينتقل من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات، وجيش يخرج إلى عالم الدنيا من أرحام الأمهات، وجيش يساق من عالم الدنيا إلى القبور .
الآية لها مفهوم عام
إنَّ لهذه الآية مفهوم واسع يشمل كل خلق جديد وخلقة جديدة، ويشمل كل تغيير وتحول في هذا العالم . حيث في رواية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال في أحد خطبه: ” الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه لأنه كل يوم هو في شأن، من إحداث بديع لم يكن ” .
كما نقرأ في حديث آخر للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسيره الآية الكريمة
( أنه قال ) : من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين .
ما المقصود ب ( يوم ) في الآية ؟
ولابد من الانتباه لهذه النقطة أيضا : إن المقصود من ( يوم ) هو ليس ( النهار ) في مقابل ( الليل ) بل يشمل الأحقاب المتزامنة، وكذلك الساعات واللحظات، ومفهومه أن الله ( سبحانه وتعالى ) في كل زمان في شأن وعمل.
إن هذه الآية تدل على دوام الخلقة واستمرار الخلق، وأنها مبعث أملٍ من جهة، ونافيةٍ للغرور من جهة أخرى
ومما يدل على ذلك أننا نقرأ :
أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) وهو في طريقه إلى كربلاء لقي الشاعر ” الفرزدق ” عند منطقة ( صِفَاح ) ، فسأله الإمام الحسين ( عليه السلام ) عن خبر الناس خلفَهُ – إشارة إلى أهل العراق – فقال الفرزدق : الخبيرَ سألتَ :
قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء .
فقال الإمام الحسين (عليه السلام): (صدقت لله الأمر يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن ) .
————————————
راجع كتاب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – ج ١٧ – الصفحة 400