وقعة الفارسية الكبرى

جاسم آل عباس
موقع سنوات الجريش – ٩ فبراير ٢٠٠٩م

قرية الفارسية هي إحدى قرى البحرين المهجرة والمندثرة، تعرضت هذه القرية للكثير من الأحداث والمآسي ووقعت فيها العديد من المجازر وربما بعضها مسجل في الوثائق البريطانية، ومن أشهر الواقعات التي حدثت فيها على سبيل المثال:

  • وقعة مأتم الفارسية التي استشهد فيه العديد من أهل الفارسية في ليلة التاسع من شهر محرم وذلك اثر تعرضهم لغارة من قبل البدو في الوقت الذي كانوا يقيمون فيه شعائر العزاء في مأتم الفارسية ويذكر بان الدماء سالت من اسفل الباب إلى خارج المأتم وهذه الواقعة ذكرت في بعض الكتب القديمة وهي مشهورة لدى اهل المنطقة.
  • وقعة احمد بن حرز وهو من اهل الفارسية وكان يعمل في مجال الزراعة وقد قتله احد البدو بمعول حديدي بالقرب من ساحل الفارسية.
  • وقعة عباس بن حرز الفرساني وسينذكرها بالتفصيل قريبا وتحوي تفاصيل حول نظام السخرة والاستعباد والظلم الذي وقع على اهل الفارسية المشردين.

وقعة الفارسية الاخيرة
وقعة الفارسية الاخيرة وقعت في أواخر العام 1925م وقد تسببت هذه الوقعة في تشريد آخر من تبقى من أهل الفارسية ويسدل الستار ايذانا بنهاية مأساوية لقرية بحرانية لها تاريخ ممتد.

881

مفاد الحادثة ان احد أهل الفارسية وهو محمد بن يوسف بن قمبر كان يملك صرمة نخيل في الفارسية والصرمة كانت مجاورة لنخيل يملكها أحد الإقطاعيين المعروفين بظلمهم للفلاحين والمزارعين وقد قام بالاستيلاء على العديد من النخيل والاراضي من اصحابها الفقراء والمستضعفين لذا كان الجميع يتقون شرّه ويجاملونه خوفا على أنفسهم وأهليهم واملاكهم من سطوته وسطوة فداويته، هذا الإقطاعي العجوز كان يسكن في منطقة الرفاع وفي كل مرة يزور فيها قرية الفارسية لمعاينة أملاكه من النخيل المنهوبة والمزارع المغتصبة من الفقراء كان يأتيه بعض الفقراء والضعفاء للسلام عليه ومجاملته ولا سيما الذين كانوا يتضمنون بعض النخيل منه وهم اصحابها في الاصل، ولكن أناسا كانوا يتجاهلونه ومنهم محمد بن يوسف بن قمبر، وذات يوم اتهم ذلك الإقطاعي محمد بن يوسف بأنه يسد مجرى النهر عن نخيله وكان مجرى النهر يمتد من عين الفارسية إلى نخيل المزرعتين ومنها مزرعته فهدد وتوعد بتأديب محمد بن يوسف، وفي ليلة من ليالي الفارسية المظلمة هجم الإقطاعي برجاله وفداويته على أهل الفارسية وقصدوا برستج محمد بن يوسف وعندما  اقتربوا من برستجه سمع محمد بن يوسف صهيل الخيول وأصوات اقدامهم بالقرب من برستجه فاختبأ بين كومة من الأخشاب والسعف الموجود في برستجه، في هذه الأثناء أحس أخيه قمبر بن يوسف بوجودهم وكان برستجه مجاور لبرستج أخيه وضن أنهم يقصدونه لذا قام بفتح ثقب في سقف البرستج وخرج من خلفهم البرستج وسط الظلام دون أن يشعروا به ولم يكن يعلم أنهم يريدون أخاه محمد بن يوسف، وبعد أن هجموا على برستج محمد بن يوسف خرجت لهم زوجته فسألها أحد الفداوية عن مكان زوجها فلم تخبرهم، في هذه الأثناء لم يستطع محمد بن يوسف الصبر عليهم وهم يقفون داخل بيته فنهض من بين الأخشاب والسعف وتعارك معهم باليد وكان كما يوصف قوي البنية وسريع الغضب فتجمعوا عليه وبعد عراك شديد استطاعوا تقييد يديه ورجليه، فأخرجوه من برستجه وسحبوه إلى برستج والده يوسف بن قمبر ووضعوه أمام والده فوجدوا انه لم يلن أمامهم وهو مقيد بالحبل رغم كثرتهم، حينها لم يجدوا وسيلة لهزيمته والانتقام منه إلا عبر البندقية التي سددوها نحو صدره وأطلقوا عليه النار أمام والده، ويذكر المرحوم الحاج حسين بن إبراهيم العقش نقلا عن المرحوم والده إنهم طلبوا منه (البراءة) فلم يتبرأ واختار أن يسقط شهيدا ولا يقر بالبراءة، بعد أن أطلقوا عليه لنار دوى صوت الرصاص في الفارسية، بعد أن سمع الناس دوي الرصاص استيقظوا من نومهم وخرجوا من بيوتهم ليعرفوا مصدر الرصاص وكان من بين الذين خرجوا إلى الطريق الشهيد عبدالله بن حسن بن عتيق الذي كان نائما فأيقظته زوجته فخرج إلى الطريق فشاهده الفداوية فأطلقوا عليه النار فأصابه الرصاص في خاصرته وبطنه فسقط شهيدا قرب بيته فذهب له أخيه علي بن حسن بن عتيق وهم بحمل أخيه إلى بيته لعلاجه فأطلقوا عليه الرصاص أيضا فأصيب في رجله وكتفه، لكنه بقي حياً وزحف إلى خلف جدران البرستج في الظلام، وحينها غادر الفداوية قرية الفارسية وهم يطلقون النار في كل الاتجاهات.

ما أن أشرق الفجر إلا والفارسية كلها تضج بالبكاء والعويل وفي صباح ذلك اليوم انتشر الخبر في القرى المجاورة فذهب الكثير من الناس إلى الفارسية وشاهدوا تلك الوقعة المؤلمة، يذكر المرحوم الحاج علي بن عبدالله بن محمد بن عبيد من أهالي قرية سند أن أهل سند وبربورة وباقي القرى ذهبوا في صباح ذلك اليوم إلى الفارسية لمشاهدة تلك الجريمة يقول إنه ذهب معهم وشاهد الشهيدان محمد بن يوسف وعبدالله عتيق بدمائهم وقد شاهد هذه الواقعة كثير من الناس من مختلف القرى، ومنهم المرحوم الحاج محمد بن عبدالله عتيق ابن الشهيد عبدالله عتيق والحاج محمد بن عتيق من مواليد 1915م. وكان عمره عشر سنوات حين قتل والده وبقت صور وتفاصيل هذه الحادثة في ذاكرته حتى وفاته في يوم الأحد الموافق 8/7/2001م.

يقول المرحوم الحاج حسين بن محمد بن علي القصاص بعد الحادثة قمنا أنا واثنان من أهل الفارسية بأخذ علي بن حسن بن عتيق -والد المرحوم الحاج حسين والحاج عون- الذي أصيب بالرصاص وبقي جريحا فحملناه على حمار وذهبنا به إلى المستشفى الأميركي في النعيم، هناك قاموا بإخراج الرصاص من كتفه ورجله وبعدها حملناه إلى المعامير، وبقي طريح الفراش لفترة حتى تعافى، لكنه بقي يعاني من بعض الآلام في كتفه حتى وفاته وبعد وفاته دفن في مقبرة الشيخ سهلان في العكر.

ويذكر الحاج جعفر بن عبدالله بن عتيق (المعامير) انه في ليلة الحادثة كان بعض الرجال من أهل الفارسية في البحر فنجوا من القتل ومنهم المرحوم عبدالله بن حسين عتيق والد الحاج جعفر، والسيد حسين بن السيد علي والد السيد جعفر وغيرهم ونفس التفاصيل يرويها العديد من المسنين ومنهم المرحوم الحاج إبراهيم العقش والد المرحوم الحاج حسين حيث كان برستجه مجاورا لبرستج يوسف بن قمبر ويقول انه في تلك الليلة سمع كل الحديث الذي دار بين محمد بن يوسف وبين الفداوية قبل قتله.

هذه الحادثة كانت آخر الوقائع التي جرت في الفارسية وبعدها بأيام قليلة رحل أهل الفارسية من قريتهم خوفا على أنفسهم وأهليهم وتفرقوا في البلدان والقرى المجاورة.

شارك برأيك: