مختارات في شهر رمضان -رحلة الملكةِ إلى سليمان – الاستاذ حسن المطوع

رحلة الملكةِ إلى سليمان

” قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين (38) قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى أمين (39) قال الذي عنده علم من الكتب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم (40) “ النمل

عودة مبعوثي ملكة سبأ إلى بلدهم
وآخيرًا عاد رسلُ ملكةِ سبأ بعد أن جمعوا هداياهم وأمتعتهم ( التي رفضها النبي سليمان ) إلى بلدهم، وأخبروا ملكة سبأ بما شاهدوه من عظمة ملك سليمان (عليه السلام) المعجز وجهازه الحكومي، وكل واحد من هذه الأمور دليل على أنه لم يكن كسائر الأفراد ولا ملكا كسائر الملوك، بل هو مرسل من قبل الله حقا، وحكومته حكومة إلهية.

ملكة سبأ تشد الرحال من اليمن إلى الشام
لذلك قررت الملكة أن تأتي بنفسها مع أشراف قومها إلى سليمان، ويتفحصوا عن هذه المسألة ليتعرفوا على دين سليمان عليه السلام .
فوصل هذا الخبر – عن أي طريق كان – إلى سمع سليمان (عليه السلام)، فعزم على اظهار قدرته العجيبة – والملكة وأصحابها في الطريق إليه – ليعرفهم قبل كل شئ على إعجازه، ليذعنوا له ويسلموا لدعوته…

 
لذلك التفت النبي سليمان إلى من حوله وقال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين.
وهنا أظهر شخصان استعدادهما لامتثال طلب سليمان (عليه السلام)، وكان أمر أحدهما عجيبا والآخر أعجب! إذ قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . فهذا الامر علي يسير، ولا أجد فيه مشقة، كما أني لا أخونك أبدا، لأني قادر على ذلك وإني عليه لقوي أمين.
و ” العفريت “… معناه المارد الخبيث.
وعلى كل حال فإن قصة ” سليمان ” مملوءة بالعجائب الخارقة للعادات فلا عجب أن يُرَى عفريتٌ بهذه الحالة مبديا استعداده للقيام بهذه المهمة خلال سويعات.. وسليمان يقضي بين الناس، أو يتابع أمور مملكته، أو يقدم نصحه وإرشاده للآخرين.
أما الشخص الآخر فقد كان رجلا صالحا له علمٌ ببعضِ ما في الكتاب، ويتحدث عنه القرآن فيقول: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
فلما وافق سليمان (عليه السلام) على هذا الأمر، أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالاستعانة بقوته المعنوية فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر.
الظاهر أن هذا الشخص هو أحد أقارب سليمان المؤمنين وأوليائه الخاصين، وقد جاء اسمه في التواريخ بأنه (آصف بن برخيا) وزير سليمان وابن أخته .

ما هو المراد بعِلْمِ الكتاب ؟

🔹وأما ” علم الكتاب ” فالمراد منه معرفة ما في الكتب السماوية… المعرفة العميقة التي تمكنه من القيام بهذا العمل الخارق للعادة!
🔹وقال بعضهم: يحتمل أن يكون المراد من (علم الكتاب) هو اللوح المحفوظ الذي علم الله بعضه ذلك الرجل ” آصف ” ولذلك استطاع أن يأتي بعرش ملكة سبأ بطرفة عين، ويحضره عند سليمان!.
🔹وقال كثير من المفسرين: إن هذا الرجل المؤمن كان عارفا بالاسم الأعظم، ذلك الاسم الذي يخضع له كل شئ، ويمنحُ الإنسانَ قدرةً خارقةً للعادة! .

حقيقة مفهوم الإسم الأعظم
وينبغي القول أن ” الاسم الأعظم ” ليس كما يتصوره الكثير بأن مفهومه أن يتلفظ الإنسان بكلمة فيكون وراءها الأثر العجيب، بل المراد منه التخلق بذلك الاسم والوصف، أي على الإنسان أن يستوعب ” الاسم ” في نفسه وروحه، وأن يتكامل علمه وخلقه وتقواه وإيمانه إلى درجة يكون بها مظهرا من مظاهر ذلك الاسم الأعظم، فهذا التكامل المعنوي والروحاني (بواسطة الاسم الأعظم) يوجد في الإنسان مثل هذه القدرة الخارقة للعادة .
——————————
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج 12 – الصفحة 68

شارك برأيك: