بعد عناء يومٍ طويل ٍ جلستُ أشاهد التلفاز، ولسوء حظي أصرَّ ابني الأصغر المشاهدةَ معي ولحظي الأسوء والأسوء عرض فيلم أكشن من الأفلام المحببة لي ولكن لا تصلح لإبراهيم لما يحتويه من ضربٍ ودمٍ ومسدساتٍ وعصاباتٍ وقتلٍ وغيره.
لعل السبب المباشر والأكيد لترك ابني يشاهد الفيلم فهو تخييره لي إما مشاهدة الفيلم أو مشاهدة برنامجه والذي شاهدته ما يقارب 1935 مرة قابلة للزيادة طبعاً في الأيام المقبلة أو الساعات المقبلة.
والذي توقعته قد حدث فقد اهتزت مفاصل إبراهيم بمجرد رؤيته للدم والضرب والقتل والعنف الذي يحتويه الفيلم. وسألني باستغراب: لماذا يفعلون هذا؟
واجبته بثقة بأن هذا تمثيل وسوف يذهب الممثلون للمعلم ومن بعدها يعودون لمنازلهم، ولكنه لم يقتنع بحديثي.
قررتُ أخذه لصديقي الممثل جلال. في الحقيقة قراري هذا له ثلاث أسباب، أولها أن إبراهيم لن يقتنع مهما قلتُ له، فهو دائم السؤال وكثيرا ما أوقعني في أفخاخه التي تضعني في مواقف محرجة خصوصا مع الأهل والأصدقاء.
وثانيها حتى انتقم من صديقي جلال واسقيه من نفس الكأس الذي اشربه من إبراهيم.
وثالثها، لا داعي للسبب الثالث فالسبب الثاني يكفي…
في اليوم التالي ولحسن حظي أن صدبق جلال لديه تصوير فأخذتُ إبراهيم مسرعاً له.
لقد فَزِعَ ابني من مشاهد العنف في المشهد الذي شاهده فزعا شديداً من هول ما رأى. فتوقف التصوير وطُلِبَ من الجميع الاستراحة لمدة نصف ساعة.
سلمتُ على جلال ونظرتُ له بخبث وأنا انظر له ولأبني إبراهيم. بادره ابني مسائلا عن العنف الذي شاهده قبل قليل. فتبسم جلال وأخبره بأن ما شاهده مجرد تمثيل.
الحقيقة أن حوارهما هي البداية فقد بدأ ابني بأسئلته، وسرعان ما تزداد صعوبة فلن يجيب عنها جلال وبذلك انتقم. ههههههه.
خرجت الضحكة الشريرة رغما عني، ولكن لا يهم فما دمتُ المنتصر. قطع إبراهيم تفكيري الشرير: ولكن يا عم، إذا كان ما شاهدته تمثيلاً، فما حالكم لو كان حقيقيا؟
لم يصمد جلال شيئاً، فهذا السؤال جعله يتسمر مكانه وينظر لإبراهيم وينظر إليّ وما هي إلا لحظات حتى تجمع الطاقم بأكمله لمتابعة هذا الحوار.
زادت نظرات جلال لي، فأدرتُ بنظري جهة إبراهيم وتخاطبنا بالعيون: “أجب هيا، أجب أجب”.
بعد تردد قال جلال: “إننا نرصد ظاهرةً ما، ونقوم بتمثيلها من أجل إبراز السلبيات والإيجابيات فيها” بعد هذا الكلام خرجت نظرة النصر من عيني جلال ورمى سهامه تجاهي.
ولكن سرعان ما عاجله إبراهيم بسؤال آخر: “أليس بعملكم هذا تشجعون العنف؟ ولماذا القتال أصلاً؟”
كنت أتراقص طرباً مع كل سؤال وأرى العرق يتصبب من وجه جلال. لم ييأس جلال وأخذ يتكلم بما حضراته الجوفاء كالعادة حتى ذكر هذه الجملة (بالقتال نقضي على الخصومة).
فقاطعه إبراهيم: “أليس من الأولى إيجاد نقاط التشابه بدلاً من نقاط الإختلاف؟”
صرختُ بصمت (الضربة القاضية، الضربة القاضية) لم يجب جلال وأدار بوجهه ينظر للجميع وقد ازداد الهمز واللمز والإبتسامات الصفراء والحمراء والخضراء والزرقاء.
تعلمتُ من هذه المحادثة أن حلول مشاكلنا دائما تكون باستخدام القوة.