الولاية وعيٌ وموقف: دروس من سيرة الإمام الهادي عليه السلام بقلم الشيخ علي مدن

نرفع أسمى ايات التهاني والتبريك لمقام صاحب العصر والزمان وللفقهاء والعلماء الاجلاء ولكم أيها الحضور الكريم..

بمناسبة ولادة الامامين الباقر والهادي عليهما السلام..

ما أسعد هذه اللحظات التي نجتمع فيها
وما أجملها فهي مظهر من مظاهر الولاء والارتباط والمحبة بالامام المعصوم عليه السلام….

تعرفون أيها الاحبة بأنه توجد في الدين عبادات متنوعة وكثيرة، وكل عبادة تحتاج منا إلى شكر المولى سبحانه وتعالى حينما نوفق للاداء هذه العبادة

فمثلا عبادة الصوم بعدها عيد نشكر فيه الله عزوجل ان وفقنا أن صمنا وقدمنا الواجب على احسن وجه وبعد أداء الحج عيد نشكر الله فيه على توفيقنا لاداء مناسكه على أحسن وجه..

وكذلك في كل مولد مو مواليد الائمة نحن نشكر الله أن وفقنا على نكون على الولاء والمحبة والارتباط بالائمة عليهم السلام.

عَنْ زُرَارَةَ ، عَنْ الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) أنهُ قَالَ : ” بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : عَلَى الصَّلَاةِ ، وَ الزَّكَاةِ ، وَ الْحَجِّ ، وَ الصَّوْمِ ، وَ الْوَلَايَةِ ” .
قَالَ زُرَارَةُ فَقُلْتُ : وَ أَيُّ شَيْ‏ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ ؟
فَقَالَ : ” الْوَلَايَةُ أَفْضَلُ ، لِأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ ، وَ الْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ.

أيها الإخوة المؤمنون…

نلتقي اليوم في ذكرى ولادة إمامٍ من أئمة الهدى، ورمزٍ من رموز الثبات والولاية، الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام. هذه الذكرى ليست مناسبة تاريخية نمرّ عليها مرورًا عابرًا، بل هي محطة وعي وتجديد عهد، نسأل فيها أنفسنا: ما معنى الولاية؟ وكيف نعيش الارتباط الحقيقي بأهل البيت عليهم السلام؟ وما الذي أراده الإمام الهادي من شيعته في زمنٍ كان الولاء فيه امتحانًا عسيرًا؟

أولًا: الولاية… معناها الحقيقي
الولاية ـ أيها الأحبة ـ ليست مجرد محبة عاطفية، ولا كلمات تُقال في المناسبات، بل هي انتماء واعٍ، وطاعة نابعة من معرفة، وتسليمٌ نابع من يقين.
الولاية تعني أن يكون الإمام قائدًا في الفهم، ومنهجًا في السلوك، وميزانًا في الموقف.
الإمام الهادي عليه السلام عاش في زمن كانت فيه السلطة العباسية تمارس أقسى أنواع التضييق على أهل البيت وشيعتهم، ومع ذلك لم تنطفئ شعلة الولاية، بل ازدادت نقاءً وعمقًا، لأنّها كانت ولايةً قائمة على البصيرة لا على الانفعال.

ثانيًا: الإمام الهادي… هداية في زمن الانحراف
سُمّي الإمام بالهادي، لأنه كان فعلًا هادِيًا في أحلك الظروف.
لم يكن عليه السلام قائد ثورة مسلّحة، لكنه قاد ثورة وعي، ثبّت بها أتباعه، وربطهم بالله، وحصّنهم من الانحراف الفكري والعقدي.
كان يعلّمهم أن الولاء لا يعني التهور، ولا الانسياق خلف العاطفة غير المنضبطة، بل يعني:
الثبات على الحق
الصبر على الأذى
العمل بالتكليف الشرعي
حفظ خط أهل البيت من التشويه.

ثالثًا: الولاية موقف… لا مجرد شعار
من أهم دروس الإمام الهادي عليه السلام أنّ الولاية تُقاس عند الامتحان.
وهنا نصل إلى نماذج عظيمة من أصحابه، الذين جسّدوا معنى التفاني في الولاية، وعلى رأسهم ابن السكيت رحمه الله.

رابعًا: ابن السكيت… عالمٌ نطق بالولاية حتى آخر لحظة
ابن السكيت لم يكن رجل سياسة، بل كان عالم لغة وأدب، تتلمذ على يد الإمام الجواد والإمام الهادي عليهما السلام، وكان معروفًا بعلمه ومكانته.
حينما سأله المتوكل العباسي سؤالًا استفزازيًا:
أيّهما أفضل، الحسن والحسين أم أبناء المتوكل؟
كان يعلم أن الجواب الصادق سيكلّفه حياته، ومع ذلك لم يتردّد، وقال بكل وضوح:
قنبر خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن أبنائك.
هنا ـ أيها الأحبة ـ تتجلّى الولاية بأسمى صورها:
ولاية تقدّم الحق على السلامة، والمبدأ على الحياة، والرضا الإلهي على رضا السلطان.
لم يكن ابن السكيت متهورًا، بل كان واعيًا تمام الوعي بما يقول، لكنه تعلّم من الإمام الهادي أن السكوت في موضع الحق خذلان، وأن الولاية موقف لا يقبل المساومة.

خامسًا: دروس من موقف ابن السكيت
من موقف هذا الصحابي الجليل نتعلم:
أن الولاية ليست حكرًا على المجاهد بالسيف، بل تشمل العالم والمربي وصاحب الكلمة.
أن الدفاع عن أهل البيت قد يكون بكلمة صادقة، لا بسلاح.
أن الإمام الهادي ربّى أصحابه على الشجاعة الواعية، لا التهوّر، ولكن إذا دار الأمر بين الحق والباطل، فلا حياد.

سادسًا: أصحاب الإمام الهادي… مدرسة في الثبات
ولم يكن ابن السكيت وحده، بل كان للإمام الهادي أصحابٌ كُثُر:
منهم من ثبت في السجون
ومنهم من تحمل المراقبة
ومنهم من عاش مطاردًا
لكنهم جميعًا اشتركوا في صفة واحدة: الارتباط العميق بالإمام.
كانوا يرون في الإمام مرجعيتهم الدينية، وملاذهم الروحي، ومصدر الطمأنينة في زمن الاضطراب.

سابعًا: كيف نترجم ولايتنا اليوم؟
أيها المؤمنون…
قد لا يُطلب منا اليوم ما طُلب من ابن السكيت، لكن تُطلب منا أشكال أخرى من الولاية، منها:
الثبات على القيم في زمن التنازلات
الدفاع عن مبادئ أهل البيت بالحكمة والأخلاق
تربية أبنائنا على حب واعٍ، لا حبٍ فارغ من المضمون
أن نكون صورة مشرقة عن مدرسة أهل البيت في سلوكنا وتعاملنا
الإمام الهادي لم يرد شيعةً يكثرون الكلام، بل أراد شيعةً يُعرفون بالصدق، والأمانة، وحسن الخلق.

ثامنًا: الولاية مشروع بناء لا ردّ فعل
الولاية ـ كما علّمنا الإمام الهادي ـ ليست ردّ فعل على الظلم فقط، بل هي مشروع بناء للإنسان والمجتمع.
بناء للعقيدة، وبناء للأخلاق، وبناء للوعي.

ومن هنا نفهم لماذا كان الإمام يهتم بتربية أصحابه علميًا وروحيًا، ليكونوا دعاةً صامتين بأفعالهم.
خاتمة
ولهذا ركّز الإمام الهادي على
تثبيت شبكة الوكلاء لتوضيح مقام الإمامة الحقيقي وبيان أن الإمامة امتداد للنبوة لا زعامة روحية فقط.

وأن التولي العملي للإمام الهادي (ع) يتجلى في :

1-الثبات على خط أهل البيت رغم الخوف الذي يتهددك لا لشيء الا لكونك شيعي.

2- عدم الانجرار إلى الظالمة الذين يحاولون طمس الهوية الدينية.

3-الالتزام بتوجيهات الإمام عليه السلام.

4-الصبر على الأذى في سبيل الحق

كما تعلمون كثير من شيعته أُخذوا وسُجنوا لا لشيء إلا الولاية للإمام عليه السلام..

الموالاة أيها الاحبة شعور،
والولاية قناعة،
والتولي موقف.
أن الحب بلا طاعة ناقص
وأن الطاعة بلا ثبات وهم
وأن التولي الحقيقي يُختبر في زمن الضغط لا الراحة.

🔹 الولاء يحدّد:

من نقتدي به
ما الذي نقدّسه
ما الذي نرفضه
فإذا كان الولاء لله ورسوله وأوليائه
صار العدل ذا قيمة عليا
وصارت الأمانة والصدق معيار التفاضل وذابت العصبيات الضيقة (القبيلة، المال، المنصب)..

السلام على امامنا الهادي يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا يوم القيامة…

شارك برأيك: