الشهيد السعيد الاستاذ الفاضل احمد حسن عيسى مال الله

الشهيد أحمد حسن عيسى مال الله
الشهيد أحمد حسن عيسى مال الله

بقلم الأستاذ عيد الهدي

من مواليد ١٩٦٣ وهو من أنداد أخي الاستاذ جعفر وكان قرينه، اذ تخرجا سوياً من جامعة الرياض في نفس التخصص (اللغة العربية) وكان ذلك عام ١٩٨٤.

شاب تميز بالبساطة في المعيشة وشفافية الروح والقلب بعيد عن كدر الحياة وملوثاتها، يلبس البسيط من الثياب فيبدو فيها كالدراويش، ولربما كان هذا هو سره الكبير الذي جعل منه محلقاً في فضاء الفكر والتأمل ،فكان نتاج تأمله فيضاً من الاسئلة الشفافة في العقيدة والكون ووجود الله وخلق الانسان.

والجميل فيه انه لم يكن ليعجز عن الاجابات التي تطمئن لها نفسه، فكان راسخ الايمان مطمئناً في اعماقه بمصيره المحمود.

انا شخصياً تدارست معه بعض الاحاديث من كتاب الاربعون حديثاً للامام الخميني وبالطبع كان هو الاستاذ وانا الطالب ولم اكن لاجاريه فلقد كان واسع الاطلاع مما مكنه ذلك من طرح فهماً عميقاً لكنه يتسم بالوضوح والاقتاع، تحبه لايمانه واخلاصه وحبه للناس وشفافيته وصدقه.

عاش معنا شاباً حلو المعشر يضحك كثيراً لا يكتفي بالابتسامة مفعمٌ بالحيوية والنشاط لكننا نراه رغم كل هذا كبيراً بعلمه وسعة اطلاع وتنوع ثقافته وعمق ايمانه.

انا شخصياً كنت اقدر له (وهذا رأيي الشخصي)، ان يفوق جميع المبرزين في النويدرات في تلك الفترة، فقد كان على حداثة سنه يقارن ويقارع كبار المثقفين من المتدينين وقد شهدنا ذلك من خلال الندوات والمحاضرات التي كنا نحضرها، وقد شهد له الجميع بالتفوق والتميز بما فيهم الكبار كالاستاذ عبد الوهاب حسين  الله يحفظه ويفرج عنه.

ورحل على عجل دون ان يعطينا فرصة للوداع  فقد كان واضحاً انه يستعجل الرحيل دون ابطاء ويسرع للوصول الى مبتغاه فاختار مكاناً حيث يكون اقرب الى ربه، هناك في المشاعر المقدسة، مخفّاً (فاز المخفّون يا سلمان) مرتدياً كفنه مستخفاً بالمتمسكين بالحياة، تاركاً الدنيا وما فيها وراء ظهره.

يوم عيد الحج من عام ١٤١٠ هـ اي بتاريخ العاشر من ذي الحجة ١٤١٠هـ  الموافق صباح يوم الاثنين ٢ / ٧ / ١٩٩٠م، سمعنا خبراً مفاده ان كارثة حصلت في الحج راح ضحيتها العديد من الحجاج وشيئاً فشيئاً راحت تتكشف خيوط الحادثة، والاخبار تصلنا تباعاً، الحادثة حصلت في نفق يسمى نفق المعيصم وهو يقع في طريق الحجاج من خروجهم من الخيام في منى الى حيث الجمرات، كعادة الحجيج في هذا اليوم خرجوا من الصباح الباكر وما ان اشارت عقارب الساعة الى السابعة صباحاً الاٌ وهم يعبرون نفق المعيصم، ولم يكن النفق كما عليه الآن مقسم الى قسمين للذاهبين قسم والعائدين قسم منفصل عنه، كان طريق واحد يمشي فيه الجميع، يقول احد شهود العيان وهو الذي يعتبر الشهيد الحي فهو احد المتواجدين في النفق لكنه نجى بقدرة الله، يقول: انه ومن معه وصلوا للربع الآخير من النفق وكان الوضع طبيعياً حتى بدأت الحركة تتباطئ شيئاً فشيئاً للتوقف حركة الناس داخل النفق ويزيد الزحام وتقترب الاجساد من بعضها البعض وتلتحم، يزداد الضغط على جسدك من الجهات الاربع، يحس الناس بالخطر المحدق فيحاول كل منهم التخلص من المأزق لكن اقل حركة من اي مكان في النفق تزيد الضغط، فتتولد موجات من الضغط تصنعها اقل حركة من اي جسم، موجات ضغط عنيفة تضغط على الاجساد وكانها موجات ماء المحيط، يزيد الخطر اذ ان الضغط الشديد يفقد الحجاج المنهكين القدرة على التنفس، حاولوا اخراج رؤوسهم الى الاعلى ليحضوا بشئ من الهواء لكن دون جدوى، وبدأ بعضهم باخراج اجسامهم الى الاعلى مرتقين على اجساد المحيطين بهم وتسلقوا ومشوا على الاجساد في محاولة للخروج من النفق القاتل، تجمدت اجزاء الجسم السفلية، لا يشعرون بالجزء من جسمهم وكانها قد قطعت، وبدأت الاجساد تتهاوى الى الارض ومنهم من توفي وهو واقف تشده الاجساد من حوله وهي اما حية تنتظر مصيرها او ميته.

يقول بعض من نجى من الكارثة: بعض الشهداء ممن توفي امامي اراه فاتحاً عينية صالباً عوده في هيئة الحي لكنه بلا نفس قد فارق الحياة، كانت كارثة بحق.

يقول احد شهود العيان ان الشهيد السعيد احمد كان مع مجموعة يمشون خلفه لكنه افتقدهم في الزحام، اعتقد ان احمد قد وجد ضالته في هذا النفق، وعلى ما يذكره بعض من شهد الحادثة ان شهيدنا السعيد كان من اوائل من اسلموا الروح لبارئها.

السلطات السعودية تدخلت لتنتشل الجثث التي اختلفت الروايات في تقدير عددها بين ١٨٠٠ شهيد حسب الرواية الرسمية الى ٥٠٠٠ شهيد حسب روايات غير رسمية، وهنا فصل جديد من المأساة، فكثير من الناس يعتقدون ان هناك احياء رفعوا مع الموتى ووضعوا في اكياس وتركوا فاما ان الاجل وافاهم وهم في الاكياس او دفنوا احياء، فهذا احد شهود العيان يقول انه غاب عن الوعي وكان ذلك يوم الاثنين وبقي في المستشفى الى يوم الخميس لا احد يعلم عنه شيئ ولم يخبروا اهله ولم يساله احد ولم يتلقى اي علاج، وكانوا يعطونه حبوب مسكن للالم، لكننا لا نعرف مدى دقة هذه المعلومات والثابت ان السلطات السعودية استعجلت دفن الشهداء واخلاء النفق، وفيما بعد اتبعت سياسة التعتيم الاعلامي على الحادثة والتقليل من عدد الشهداء ولم تراجع اهالي الشهداء للتعرف عليهم ودفنتهم اما في حفرة واحدة او في قبور جماعية وطمرتهم لكي لا يستطيع أحد الوصول لقبورهم.

وقدر عدد الشهداء البحرانيين بثلاثين شهيد أحدهم شهيدنا الغالي ومعه الشهيدة اخت زوجته ابنة الحاج محسن بن سند اخت جاسم محسن سند.

وفجعت النويدرات عند سماعها الخبر الاليم، واقيمت الفاتحة ثلاثة ايام على روحه الطاهرة ويوم كسار الفاتحة توجه اهالي النويدرات في موكب حاشد مهيب يضم الكبار والصغار النساء والرجال الى مقبرة القرية حيث قبر والد الشهيد ووقفوا هناك وقفة وداع وتقدير واجلال لروح الشهيد ومن معه.

هناك الكثير من الاحاديث والقصص التي ارتبطت بحادثة استشهاد الاستاذ احمد حسن عيسى مال الله احداث واحاديث لعل الفرصة تتاح لي فاطلعكم عليها لكنني ساتوقف هنا واتمنى ان اكون قد نقلت صورة ولو بسيطة عن الحادثة والاجواء المحيطة بها في تلك الفترة.

اسال الله لي ولكم التوفيق وحسن الخاتمة
والسلام عليكم ورحمة وبركاته

تمت بحمد الله
الجمعة ٢٠١٢/٤/٦
عيد الهدي

شارك برأيك: