بقلم الدكتور عبد علي
ولد بين ١٩٠٨ – ١٩١٠م قبل ابتداء الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ – ١٩١٨) وقبل اكتشاف النفط في البحرين (١٩٣٢م)، وأخوه الشقيق هو الحاج علي الذي يكبره بحوالي خمس سنوات ولا أخوات للشقيقين ربما للوفاة عند الطفولة التي كانت تحصد أكثر الأطفال بسبب كثرة الأمراض المنتشرة التي تصيب الأطفال مثل الجدري والحصبة والسعال الديكي والسل وغيرها.
كانت السنوات الأولى من القرن الماضي تعج بالنزاعات والحروب المحلية والإقليمية والدولية، وكان الصراع بين أقطاب الحكم الخليفي على أشده ولم ينته إلا عندما تدخل الإنجليز وفرضوا عيسى بن علي حاكما على البحرين. كانت آثار الجدري واضحة على وجه الحاج محمد حسن ولكنها كانت من النوع الخفيف، أما الطفولة فكانت شاقة يشوبها الجد، فيها دخل الكتاب وتعلم قراءة القرآن والتحق بمجالات العمل (الغوص والبحر والفلاحة وغيرها). وفي مرحلة الشباب والكهولة عمل في بابكو في مجال السباكة وأنهى العمل في نهاية الخمسينات ليعمل بالأجر اليومي لدى المقاولين. أتذكر أن أجرة العمل كانت ٦ روبيات تدفع كل ١٤ يوم بمجموع ٨٤ روبية يعني ٨ دينار واربعمائة فلس، لكنها كانت كافية لإدارة الشؤون الضرورية لأسرة مكونة من خمسة أفراد (أنا وأخي وأبي وأمي وجدتي).
لم بكن البيت الذي عاش فيه يزيد عن كوخين مظلمين جدا وعريش للطبخ والأكل والجلوس، وواحد كان خاصا لجدتي والثاني لباقي الأسرة، وعندما كبرنا قليلا اضطر الوالد لبناء كوخ ثالث لنا فكتا نحن الأطفال وأبناء عمي حبيب وجعفر معنا.
وفوق ذلك كان (كندود التمر) يشكل جزءا من الكوخ، وجزء صغير منه خصص ليكون حماما لا مجال لقضاء الحاجة فيه، وإنما كانت تقضى خارج البيت في أماكن عامة مخصصة للنساء ومثلها للرجال.
وبقدر ما كانت الحياة بائسة فقيرة كانت القناعة تحولها إلى حياة ممتعة بعيدة عن اللهو والصخب والتعب النفسي.
كان والدي رحمه الله حاد المزاج جاد في الحياة لا معنى للهزو والمزاح عنده، لكنه كان جزءا من حياة المجتمع فهو مشترك في المأتم (في البداية كان مأتم زيد ثم مأتم آل كاظم) ويقيم سنويا غداء وفاة الزهراء وعشاء وفاة الحسن وعشاء وغداء وفاة النبي. وكان يشارك في تشييع الجنائز وشغل الفزعة ويحافظ على الصلاة في المسجد حتى صلاة الصبح التي يختمها بقراءة القرآن عند العردة للبيت.
كانت له صداقة مع حاج حسين بن علي والحاج زيد رحمهما الله. ثم انقطعت تلك بوفاة الحاج زيد وتحولت إلى جلسة صباحية دائمة في بيت الحاج محمد بن كاظم يشاركه فيها عبد الله الشايب وحاج حرم وعباس بن مكي وحاج كسيل وغيرهم.
أثناء التعطل حيث لا يوجد عمل كان يذهب إلى البحر مع الحاج محمد الخلاصي والد زوجة محمد هلال وكان يجلب جزءا من نصيبه في الصيد (صافي وهامور وعنفوز وغيرها) وكنت أنا الذي يتكفل ببيع ما يزيد عن حاجة البيت.
أراد الوالد أن يؤدبنا بما تعود عليه فكان يوقظني لصلاة الصبح ويلزمني بقراءة القرآن ولم يكن أخي الذي يصغرني بنحو خمس سنوات يعاني من ذلك لصغره، وكنت كثير التضايق من ذلك لكنني لا أملك حولا ولا قوة لقول لا.
في سنة ١٩٦٠ تخرجت من الابتدائية وقدمت اختبار القبول بباكو والنتيجة قبولي للالتحاق بمرستها لمدة اربع سنوات ثم العمل بها، ولكن أبي اعترض على ذلك وأصر على أن ألتحق بمدرسة المنامة الثانوية وحين عرف أنني مصمم على الالتحاق بباكو استدعى لي خالي حاج علي شرف وكنت أهابه فألزمني على إطاعته وكانت النتيجة التحاقي بالثانوية.
في سنة ١٩٦٤ وكنت على وشك التخرج من المدرسة للعمل معلما قرر أبي أن يبتي لنا بيتا جديدا وكان كل ما يملكه أربعة آلاف رربية (اريعمائة دينار) في أرض بيتي الغربي المسجلة باسمي واسمه ليكتشف أن عطية الله الخليفة قد ضخك عليه وأقنعه أن ارضه هي ١٢٠ في ستين واذا هي ستين في ستين، المهم أن عملية الشراء لبناء البيت كانت بيدي وكنت أتولى المتابعة وتم بناء حجرتين وسور هبيط وتحولنا بدون كهرباء تاركين بيت الطفولة الذي أعطاه والدي الى ابن عمي حسن.
كنا ثاني بيت في هذا الفريق بعد بيت أحمد الحمادي بدون كهرباء وماء وكنت أذاكر وأنا في ثانوية المعلمين في السنة الأخيرة على الفنر ونجحت محرزا المركز الأول.
في أثناء الطفرة الاقتصادية ( بعد عام ١٩٧٣) أتيح لأبي أن يعمل في إحدى شركات المقاولات بأجر جيد فتحسنت حالته الاقتصادية نوعا ما.