المحامي للشاعر سلمان عبد الحسين

عاشورائيات (4 -1)
معارضتي الرابعة

القصيدة اليائية الخالدة للسيد حيدر الحلي

أناعي قتلى الطف ما زلت ناعيا
تهيج على طول الليالي البواكيا


المحامي
الشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

تـقـحـمّـت دنـيـا الـمـوت بـالـشـعـر داحـيـا
فـلـم يــبــق لــي إلاَّ الأســى والـمـراثـيــا

وأيــقــنــتُ بـالــعـبـاس لـمّـا خــبــرتــه
فــزيَّــن لــي شــعــري وقــمــت مـبـاهـيـا

أجــاريــه لا عــن وقــع ســيــف بــصــولــة
ولــكــن بــإيــقــاع الــقــوافي تــبــاريـــا

يــراقــصــنـي بـالــسـيــف ضــربــاً فَــرَنَّــةٍ
فـنـظــم شـعـوري كـي يـهـيـج الـقـوافـيــا

أنــا بــعــروض الــحــرب شـعــري عـروضـه
فـعـبــاس فــي اسـتـعـراضــه كـان وافـيــا

لــه قـامـة لــو يــفـلـق الــصــبــح قـــدّهــا
غـدا الـقـدُّ مــن صــبـحـيـن فـيـه مـؤاتـيـــا

فـــصـــبــح لــعــبــاس وآخــر نـــســـخـــه
لـــلـــيـــل مــع الأقـمــار يــشــعــل واريـــا

تــهــجـيــك يــا نـاعـي الـطـفـوف مـواقــف
فـتـغـتــاظ إذ تُـلـقــي عـلـيـك الـــرواسـيــا

“وقـوف بــنــات الـوحـي عـنــد طـلـيـقـهــا”
فــمــا غــيّــر الــوقـفــات أنْ لـسـت راضيـا

وتــســـأل عــن دَيْــنِ الــوصــي بـــولـــده
وعـن حَـكَـمٍ خَـصْــمٍ وقــد كــان قــاضــيــا

أحـيــلـك لـلــعــبــاس ســيــفــا وكــفـلــة
وإعــداد طـفــل كــان فــي الـحـرب لاهيــا

تــعــوّدَ أخـــذ الــســيــف أخــذا بــــقــــوة
كــــأنَّ كـــتــــاب الله أنــــزل مــــاضــــيــــا

فـــعــوِّد بــــعــــد الاقــتــران بــســيــفــه
بـــأنْ يــصـحــب الـحــوراء رفــقــا تـهـاديــا

فَــأجِّــلْ تَــمَــامَ الــنــعــي حَـتَّــى نَــبِــرُّهُ
بـــلامـــة حــرب إذ تــقــدم فــــاديــــا

فـمـا دام أمـر الــسـيــف مـن أمـر بـأســه
فــنــعــيــك يــا حــلــيُّ قــد صــار لاغــيــا

وذي فـسـحـة أجـل الـمـبـاهـاة أشـعـلـتْ
حـمـاسـتـنـا لا تـسـتـطـيــب الـتـبـاكــيــا

فــنــعـيــك خــزن فــي الـنـفــوس مُـجـوَّدٌ
ولــكــنــنـــا لا نــرتــضـــيـــه تـــمــاديــــا

سـلام على الـعـبـاس يستشرف الحمى
ويـــذرع أرض الــطــف بــالأنـــف عــالــيــا

ويُـلـقِـي عـلـى الــحــوراء نــظـرة عــزهـا
ويــبــقــي لـهـا ظــلَّ الأمــان مـمـاشـيــا

فــعــيــنــاه فـيـهــا كـســوة لـحـجـابــهــا
كـسـاء مـن الـزهـراء فـي الـعـيـن كاسيـا

سـلام عـلـى وقــفــاتـــه دون ســيــفـــه
أقـلـت وقــوفــا أم غــدا الــطـود راسـيـا؟!

هــنــاك تــمــيــد الــحــرب أمــا خـيـامـــه
بـأنــفــاســه تــخـتــال بــالــجــو هــاديـــا

أيــا كــفــل عــاشــوراء لا كـفــل زيــنـــب
عـلـيـك سـلامـي إذ نُـصِـبْـتَ مــحــامـيــا

ولـو كـنـت مـن عـدل الـمـوازيـن حـيـنـهــا
بـطـفــك لا أخـلـيــك لـلـحــرب سـاعــيـــا

سـأبـقــيــك رعــبــا لـلــعــدو وجــيــشــه
بـــســيــرة كــــرار تــصــون الأمـــانـــيــــا

ولــكــنَّ فـي يــوم الـظـلـيـمـة بــالــضـمـا
فـلا فـرجـة فــي الـحـرب تـبـقـي بـواقـيــا

ومــدَّخــرٍ يـــبــقـــى وحــيـــدَ عــضــيــده
ولـيـس لــه مــن ذخـــره أنْ يـــواســيــــا

هـي الـحـرب مـا أبـقـت لـذخـر حصيـدهـا
يــتــرِّبُ كــفَّ الـسـبـط مـنــهـم غـوالــيــا

وآخـــرهـــم عــــبّــاس يـــا لـــخـــروجـــه
كــأنَّ جــمـيــع الــكــون أصــبــح فــانــيــا

كـأن طـلـوع الـشـمـس مـن أفـق مـغـربٍ
يــقـولـب حـال الـكـون بـالـطـلـع قــانــيـــا

ومــغــربــهــا مـن مــشـرق كـطــلـوعـهــا
بــآنٍ مـــعـــا عـكــس الــشـعــور تــوازيـــا

فـذا حال سـبـط الـمـصـطفى في عضيده
تـــســاوى خــروج كـالــبـقــاء تـــلاقـــيـــا

ومــــا أخــــرج الــــعــــبـــاس إلا وفـــــاؤه
ومــا كــان مــذخــورا لـيـــبـقـى مـحـاذيــا

ولا لــلــتــبــاهــي أو لـــزيـــنـــة حــربـــه
بــلامـتــه يــحــصـي الــرجــال أضــاحـيــا

فـذا ابـن عـلـيٍّ كـلـفـة الاسـم صــعــبــة
إذ لــم تــثــر فــي الـعـاديـات الـمـواضـيــا

ومــا أخــرج الـــعـــبـــاس إلا حـــنـــانــــه
عـلـى طـفـلـة عطشى تطيح الـتـغـاضـيـا

فــإنْ كـان ذا بــأس مــهــاب بــســيــفــه
فــأولــى بــه أن يـمـلـك الـقـلـب حـانـيــا

أبــوه أبــو الأيــتــام والـــلـــيــل ســتـــره
وفـي الـصبـح وقت الحرب قد كان صاحيـا

* * *

مـضـى الـبـطـل الـعـبـاس يـصحـب إلـفـه
حــســام مــن الأعــداء قــد كـان كـافـيــا

مـضـى يـصـحـب الـسبط الحسين بقلبـه
ويــتــرك لـلأخـــوال ســومــا مــجــافــيــا

مـضـى .. قـربـةٌ لـلـمــاء أكــبــر حــمـلــه
إذا سـلـمـت فـلـيـسـقـط الـسيـف هاويـا

أغـار عـلـيـهـم .. حــرُّ صــيـف بـجـلـدهـم
وقـــد رعــدوا خـوفــا فــأصــبــح شــاتـيــا

ومـن عـرق تــلــك الــوجــوه تــصــبــبــت
لـــعـــار بـــهـــا مــا قــد تــرويـه ضـامـيــا

ولــكــنــه يــأبـــى لـــمــــاء هـــزيــمــــة
يــريــد انـتـحــاء الـمـاء بـالـبـأس عـاتــيــا

يـــريـــد لـــهـــا مـــن قُــربـــةٍ عــلــويـــة
وداد شَـــرابٍ أن يـــكـــون مـــصـــافــيـــا

وأنَّ الألــى بــاتــوا عــطــاشــى تــعـلــلا
إذا شـربـوا أنْ يـصـبـح الــمــاء شــافــيــا

فــفــرقــهــم ذات الــيــمــيــن لــشـمـأل
وذات شـــمـــال لـلــيــمــيــن تــداعــيـــا

أحــسُّــوا بــأنَّ الــمــســتــقــر بــحــربــه
بــأن لا يـرى فــي الـكـالـحــيـن مـعــاديــا

فــكــل ريــاح الـكـون فـي أمــر ســيــفــه
تُـخِـفُّ بـهـم لـم تـبـق فـي الأرض قـالـيــا

فـهـم بــعــض مـجـتــثــيـن إن وقـفـوا لــه
يــطـيِّــرُهُــم سـيــف .. مـلأن الـنـواحــيــا

قـد انـجـاب عـنـه الـنـهـر فـالـنـهـر سـعيـه
وكـان بـهـذا الـسـعـيِ عـطـشـانَ هـانــيــا

ضــمــيــر لــه فــي الــكــف قـــال بـــرودة
بــمــاء شـتـائـي ومــا كـــنــتُ غـــافــيــــا

أنــا صــحــو هــذي الـحـرب مــدَّرع الــوفــا
وســيــفـيَ صــيــفــيٌّ لــثــغريَ صــالــيــا

ولـن يــشـرب الـعـطـشـان مـلءُ كـفـوفـــه
فــرات ومــلء الــعــيــن مـن كـان صــاديـــا

نــحــى مــثــل الــخــل يــجــفـو خـلـيـلـــه
إذا شــاءه يــعــطــي الــدنـيــة عــاصــيــــا

وقـــام وفـــي الــقــربــات كـــل رصــيــــده
تــصــاحـبـهــا نــحــو الــخــيـــام مــؤاخـيــا

تـصـاحـبــهــا مــن نــظــرة لــحــســيــنـــه
عـطـيـشـا فـلـن يـأتـي مـن الـنهـر خـالـيــا

أعـــاد كـــرار الــحــرب لـــكـــن بـــقـــربـــة
غــدت عِــدلَ روح بـــل تــفـــوق مــراقــيــا

ألـيـسـت على الـكـتـف الـذي هو هضبة؟!
فــإن صـوبـت بــالـسـهــم أصـبـح جـاثــيـــا

وإنْ أهــرقــت حــتــى غــدا عــدـم الــــروا
ألا فــاهــرقــوا مــاء الــعــيــون تــســاويـــا

وكــــف بــــلا مــــاء تـــجـــذ قـــطـــيـــعــة
يـمـيـن يـسـار قــد قــبــلـن الــتــلاشــيـــا

فــلـيــس لــهــا وصــل لـتـروي مـعـطـشــا
ولـيـسـت يـدا لـلــكــفــل تـطـلـب راعــيـــا

هـنـا سـقــط الـعـبـاس فـالـنـعـي حــاضــرٌ
وحــيــن شــغــور أصــبــح الــكــون خـاويــا

فــأنـــشــد إذ الـكــفــان شـاغــر بــأســـه
مــكــان ســقــوط يـجـعـل الـنـعـي آسـيــا

“أنـاعــي قـتـلـى الـطـف مـا زلــت نـاعـيــا
تـهـيـج عـلـى طـول الـلـيـالـي الـبـواكــيــا”

شارك برأيك: