أدب الموكب الحسيني ( ٦ ) بقلم الأستاذ حسن كاظم

الأستاذ حسن كاظم

انطلقت قصيدة الموكب من بنائها الشكلي المشابه للموشحات الأندلسية إلى عناصر المضمون بفلسفة خاصة وهذه العناصر التي شكلت تلك الفلسفة هي:

اللغة:
تتميز لغة الشعر في قصيدة الموكب بمميزات كثيرة أهم هذه المميزات:
– البساطة والوضوح في المفردات والعبارات: فلا تجد هناك تعقيدا في فهم المعاني والدلالات حتى وإن كانت هناك رمزية وتلميحات فيها. وهذه البساطة والوضوح تنسجم تماما لما هو هدف الموكب، حيث هو أدب جماهيري ووسيلة تعبير عن جماعة فالقصيدة لا تمثل كاتبها وقائلها بل الأمة، فهي لسان حال عن الجميع. لذلك يجب اختيار المفردات والعبارات بدقة بحيث تناسب وعي الأمة، وألا تمثل رؤية الشاعر فقط.

– الازدواجية: رغم البساطة والوضوح في لغة قصيدة الموكب إلا أننا نجد ازدواجية في لغة القصيدة إذ تكتب بالشعر الفصيح أو بالشعر العامي. حيث إن القصيدة كلها تكون فصيحا أو تكون كلها عاميا، فلا تجد رادودا يلقي بالفصيح فقط أو بالعامي فقط فمرة هذا ومرة ذاك، فلا نستطيع أن نقول أن أدب الموكب أدب فصيح ولا هو أدب عامي.

بل أحيانا تجد في قصيدة واحدة هذا الازدواج فمثلا في قصيدة ((دم عاشوراء فيكِ يا حوراء)) للرادودين الكبيرين عبدالشهيد الثور والشيخ حسين الأكرف تجد مقطعا بالفصيح ومقطعا بالعامي. وفي رأيي أن تكون القصيدة كلها بنمط واحد فصيح أو عامي لا مانع منه، لكن أن تكون الازدواجية في قصيدة واحدة فيها فصيح وعامي، ليس مناسبا، حيث تجد قوة في جانب دون الجانب الآخر.

– العلاقات الثنائية: حيث تجد بعض المفردات أو العبارات ما إن تذكر إلا وتذكر معها مفردات وعبارات أخرى تشكل حقولا دلالية تكاد تكون خاصة بتلك المفردة، فمثلا عندما تذكر مفردة كربلاء إلا ومعجم الحزن والدمع الدلالي يذكر مع هذه المفردة، وكذلك ما إن يذكر الدم إلا ومعجم التضحية والفداء والانتصار، وكذلك مثلا عندما تذكر زينب ذكر معجم الصبر والأسى، والوحدة.

وهذه الثنائية بين الكلمات ومعاجمها الدلالية ليست خاصة بقصيدة الموكب، بل هي من مميزات أدب الطف كاملا.

– شكلت لغة القصيدة في الموكب سياقات متعددة، هذه السياقات هي التي تجعل النص في موضع قوة أو ضعف.

وتنطلق هذه السياقات من السياق اللفظي، الذي من خلاله يتشكل السياق المعنوي للقصيدة كلها، فتجد السياق اللفظي يختلف من مقطع إلى مقطع لكن لا يختلف في السياق المعنوي للنص، خاصة مع القصيدة ذات الألحان المتعددة. فمثلا في قصيدة دم عاشوراء فيك يا حوراء تجد السياق اللفظي يختلف في المقطع الواحد لكن يظل السياق المعنوي متماسكا ومرتبطا بسياق المقطع الثاني، بحيث تشكل كل مقاطع القصيدة سياقا واحدا للمعنى، إلا أن ازدواجية الفصيح والعامي في هذه القصيدة جعل معنى سياق الفصيح مختلفا عن العامي.

فاللغة في قصيدة الموكب شكلت هوية خاصة، أعطت هذه الهوية مجالا خصبا للدراسات النقدية المتخصصة بشكل واسع.

شارك برأيك: