أدب الموكب الحسيني ( ٩ ) بقلم الأستاذ حسن كاظم

الأستاذ حسن كاظم

من أبرز السمات والخصائص الفنية التي جعلت قصيدة الموكب تؤثر في الفكر والعاطفة:
التصوير الفني:
يُــبْــرِز التصوير الفني قصيدة الموكب لوحة فنية ترسم ببراعة وخيال يجعل الذهن يعيش بإحساسه وفكره ما جرى على أهل البيت عليه السلام.

والعجيب في هذا التصوير، أنه لا يقتصر على التشبيه والاستعارة والمجاز، بل تجد التصوير في قصيدة الموكب تأتي من التشبيه والاستعارة في جزئيات من الأبيات، ثم يأتي تصوير مشهد من مشاهد الطف أو مشهد من مشاهد الأئمة ع. فمثلا في قصيدة الرادود مهدي سهوان يوم العاشر ((يا كربلاء لا زلتِ كربا وبلاء يا كربلاء)) في كل مقطع تصوير للمواقف العصيبة التي مر بها الإمام الحسين ع وزينب. فلاحظ التصوير في هذا المقطع:

ويفطم الطفل الرضيع من ســهام حرمله
وترفع رؤسنا عــــلى الرماح الزاجله
وترتمي اجســــادنا على التراب ذابله
لاغسل لاتكفـــين في حر الثرى معطله

إنه تصوير يحرك العاطفة بمأساة ذلك اليوم العظيم خاصة في ذلك البيت الذي يصور مأساة عبدالله الرضيع بأن يفطم من سهم حرملة اللعين صورة الفطام بالسهام تفطر القلب، وتسحب الدمع من العين طواعية، وإلا أي طفل يفطم بالسهام فهذه الصورة تبين بشاعة القوم في قتلهم الرضيع.

وفي مقطع آخر من القصيدة يصور موقف الإمام الحسين ع لما رأى أصحابه صرعى وقال من يقدم جوادي وتقدمت بأبي وأمي أم المصائب زينب ع ويأتي التصوير المفجع في المقطع لما طلبت زينب ع من أخيها الحسين ع أن تقبل نحره فيقول:

وأقبلت تقـوده الحــــــوراء بالـتـفـجـعِ
لهفي لها مثكولة تشـــكو ببحر الادمعِ
دعني أشم صـــدرك ياذا الفؤاد المجزعِ
أقـبـل النحـــر الذي سيرتوي منه الــدعـي

حيث إن هذا النحر الطاهر سيرتوي منه الدعي الشقي الزنيم بالقتل، فالتصوير أن القتل ارتواء لذلك الدعي الشقي يُبين مدى حقدهم وبغضهم لأهل البيت ع وأن قتلهم يشفي غليلهم وهو بمثابة الارتواء لمن هو متلهف عطشان.

فالتصوير يستمد خياله من مواقف ومشاهد كربلاء وحياة الأئمة، ومن إبداعات التصوير في أدب الموكب قصيدة لباسم الكربلائي في الأربعين يصور فيها حوارا بين رأس الإمام الحسين ع وجسده لما تلاقيا في الدفن وأخذ الجسد يروي للرأس ماذا جرى له بعد فصل الرأس عنه بأنه ظل عار ثلاثا وكيف داست عليه الخيول ورضضت صدره، والرأس يرد على الجسد أنه لم أحسن حال منه فهو مرفوع على القنا ويطاف به من بلد إلى بلد وعيون الشامتين تنظره، ويكفي أن وجوده على القنا مع السبايا كيف يكون حال السجاد ع وزينب.

فهذا تصوير مفجع وخيال تذوب فيه العاطفة، ويقطع المهج.

التصوير في قصيدة الموكب غرضه الوصف لكن وظيفته تحريك العاطفة، واستلهام الدمعة، وتوجيه الفكر وتقريب صورة المأساة في أرقى صور الخيال المبدع.

شارك برأيك: