أدب الموكب الحسيني ( ١٣ ) بقلم الأستاذ حسن كاظم

الأستاذ حسن كاظم

يشكل أدب الموكب مادة خصبة للدراسات النقدية، التي يمكن من خلالها تحليل قصيدة الموكب.

فقصيدة الموكب نتاج أدبي غني بالظواهر الفنية إن على مستوى الشكل أو المضمون. ومن أبرز القضايا النقدية في هذه النصوص العزائية ((التناص)).

والتناص في النقد يعني: تأثر نص بنص أو نصوص أخرى. بمعنى تداخل نص في نص آخر، بحيث يستفيد النص الجديد من النص السابق له. ومثال ذلك في الأدب العربي مسرحية أهل الكهف لتوفيق الحكيم إذ استفاد من قصة أهل الكهف في القرآن والمفسرين ثم كتبها بحسب رؤيته في قضية الزمن والحب، وكذلك الشاعر أمل دنقل في قصيدة ((البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)).

فالتناص تداخل بين النصوص، وتفاعل ينتج رؤىً مختلفة، وإن تشابهت النصوص.

والقصيدة البكائية في الموكب لها حظ وافر من التناص، فكما ذكرت سابقا في العوامل المؤثرة في قصيدة الموكب وخاصة الرثاء أن النص الديني من سيرة وروايات وتاريخ هو النص الذي تستمد القصيدة بناءها ومعانيها منه. فالنص الديني يتناص مع قصيدة الموكب بشكل أساسي، هذا إذا لم نقل أنه هو العمود الفقري للقصيدة الموكبية.

ويمكن ملاحظة ذلك جليا في قصيدة الموكب التي تتخذ البنية السردية مكونا لها، حيث إن القصيدة الموكبية تعيد بنية السرد التاريخي للأحداث برؤية الشاعر وهويته. فالقصيدة الموكبية تتناص مع سيرة المقتل أو مع نص روائي. بأن تكون القصيدة مليئة بالتصوير والعاطفة الجياشة. ومثال ذلك قصائد ليلة العاشر وليلة الأربعين ووفاة الإمام علي ع والسيدة الزهراء ع.

ولا يقتصر التناص في تلك القصائد السردية فقط، بل تجده يمتد إلى أمور كثيرة، فمثلا في قصيدة الرادود العملاق عبدالشهيد الثور ((آه آه يبو الجاسم يا غالي)) وألقاها أحد رواديد السنابس الأكارم، تجد عبدالشهيد في هذه القصيدة يتناول أمر الخيانة وأي خيانة أعظم من خيانة الدين، موظفا في ذلك صلح الإمام الحسن ع مع معاوية وخيانة معاوية للصلح، فعبدالشهيد في هذه القصيدة يتناص مع النصوص التاريخية ليطرح موضوع الخيانة. كذلك نجد عبدالشهيد المتألق في قصيدة ((من حكمة السجاد خذ عبرة الأزمان من منبع الإيمان)) يطرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ع فقصيدته تتناص مع نص الرسالة لطرح موضوع أخلاقي تربوي.

وقد يكون التناص ليس مع نص ديني أو تاريخي بل حتى مع نص شعري أو حتى عبارة شعرية، كقصيدة ((سقط الفن)) الرادود الكبير القشعمي، حيث يقول في بيت منها ((ثمن الحرية الحمراء دم النحور)) وهذا يتناص مع بيت أمير الشعراء أحمد شوقي ((وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق)). كذلك تجد  في قصيدة للشاعر الكبير عبدالله القرمزي تتناص مع بيت ملا عطية الجمري رحمه الله ((ودي أوصل مصرعك وانجدل وياك وشبيدي لازمه اذيالي يتاماك)) وألقاها الرادود صالح الدرازي.

فالتناص منهج يسلكه شعراء الموكب الأفاضل من حيث لا يشعرون، فالنتاج الأدبي في قصيدة الموكب ينبعث من اللاوعي في ذاكرتهم من النصوص والروايات ليخلق نصا جديدا فيه رؤيته وأحاسيسه.

لذلك يجب على شعراء الموكب الدقة في تأثرهم في النصوص، وقراءتها قراءة واعية، ثم ليكن التناص خلاقا برؤيته وتصويره وإحساسه، بأن ينصهر النص السابق في نصه الجديد.

شارك برأيك: