بقلم الدكتور عبد علي
محمد بن أحمد بن كاظم، المنسوب لعائلة الهدي وهو لقب أخذته عائلة أحمد بن كاظم لا أعرف سر ذلك، هو أصغر الأبناء والبنات لأبيه وأمه، امتاز بذكاء متوقد وقدرات متميزة، تعلم القرآن وأجاد الكتابة بالعربية والإنجليزية من كتاب القرية والتعليم أتناء الخدمة الذي كانت شركة بابكو تقدمه لموظفيها. وتمكن من التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة،كل ذلك تم في السن المبكر من عمره.
كان صاحب خط حسن ولو كانت هناك فرص للتدريب في هذا المجال لربما كان من الخطاطين المتميزين.
عمل في بابكو مدة تزيد عن ١٥ سنة بنظام النوبات وكان له مركز متقدم في الشركة، ولكنه فجأة وبدون مقدمات اتخذ قرار إنهاء خدمته في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي دون مشاورة لأحد.
وبدأ يعمل بائعا للفواكه مدة طويلة ثم عمل سائق أجرة على خط محدد هو المنامة – النويدرات ينقل أبناء القرية منها إليها، ورفض أن يعمل خلاف ذلك، ثم انتقل إلى مجال المقاولات الصغيرة في مجال البناء واستخرج سجلا تجاريا لهذا الغرض.
امتاز بالهدوء الشديد وقلة الكلام وخصوصا عن نفسه، فلم يلاحظ عليه أنه تحدث عن نفسه أو مال إلى البروز برغم قدراته المتميزة. وكانت له شلة أصدقاء بقي محافظا عليها دون أن يعتريها شقاق أو خلاف.
لم يلاحظ عليه أبدا ميل لإثارة نزاع عائلي، ولم يشاهد أن دخل في مشادة كلامية مع أحد. كان حسن تدبير إدارة الأسرة، فبرغم كبر العائلة إلا أنه كان يكفل كل احتياجات عائلته ولم يلاحظ في عسر.
حدثني أحمد علي هلال أن محمد الهدي وشلته كانوا يعرفون في القرية لدى أحمد هلال ومن هم في سنه بجماعة الكبارية، يعني الشلة الكبيرة مقارنة بالشلل التي هي أصغر منهم في السن، لكن ذلك لم يمنع من اندماج الشلل وتكوين شلة مختلطة من الكبار والصغار.
وسأعد بعض الأسماء التي هي من نفس الشلة التي اختلط بها (الحاج) محمد الهدي ورأيته شخصيا مداوما على صحبتهم.
١. الحاج عبد الله بن حسن بن سرحان،
٢. أحمد بن علي هلال،
٣. حاج علي بن حسن بن خاتم،
٤. حاج علي مكي عمران،
٥. حاج كاظم مهنا،
٦. حاج أحمد الفرساني،
ويفوتني في هذه اللحظات ذكر الكثير منهم ونحتاج إلى إضافتهم لاحقا.
وفق الحاج محمد الهدي إلى حج بيت الله مبكرا ولا أتذكر السنة ، لكني أتذكر أنها السنة التي توفي فيها الحاج مكي بن عمران والد الأستاذ موسى حينما كان قاصدا الحج.
كما وفق لزيارة الحسين والأئمة الأطهار في العراق ومشهد أكثر من مرة في سنوات مختلفة.
تميزت شخصية الحاج محمد الهدي بالاتزان، ففي الوقت الذي كان شخصا متدينا يداوم على تأدية الفرائض في أوقاتها ويحرص كل الحرص على تأدية الصلاة في المساجد ويسعى لصلاة الجماعة والجمعة، ويسعى لصلاة الجماعة والجمعة، لكنه لم تشاهد له سلوكيات ذات طبيعة استفزازية. فمثلا لم يكن من بين الذين تعودوا على إدمان استعمال المسجلات وسماع شرائط العزاء، أو ممن ينتقدون الآخرين ويتهمونهم في سلوكهم، ومرارا ذهبت معه لصيد الطيور في براري القرية. وبمعنى آخر، لم يكن متزمتا في سلوكه الديني.
كان يقود الجماعة عند صلاة المغرب والعشاء التي تؤدى في المسجد الذي سمي الآن (الإمام الحسن) الذي هدمته أيادي الجور، ولم يكن آنذاك (النصف الأول من الستينيات) مبنيا لكن آثاره ظاهرة وبه مجموعة من المديد المصنوعة محليا، وكان ساب (المعذب) يتدفق بالماء العذب ومن حوله نهر جار متصل بعين الدباسة التي يسميها الناس (عين العودة) ببربورة وهي بدورها متصلة بعين (كبرى) في سند، ومن جهة الجنوب يواصل النهر مجراه إلى منطقة الساب ويستمر إلى الريحانية فمنطقة (شقر) التي تتصل بمنطقة (شباثة)، لكني لم أشاهد الماء في المنطقة الأخيرة وشاهدت آثاره فقط.
وكانت العادة الانطلاق من بيت الهدي الحالي إلى منطقة ساب المعذب قبل صلاة المغرب بقليل، وهناك تتم قضاء الحاجة حيث يلجأ كل محتاج إلى نخلة يتستر بها قريب من مجرى النهر، ثم يتوضأ للصلاة ويأتي للمسجد ويأخذ
مدة (سجادة صلاة) ويصلي المغرب والعشاء ومن ثم ينطلق الجمع عائدين إلى نقطة الانطلاق عبر دروب ضيقة مليئة بالحشائش.
كنت أنا وعيسى أبو عبيد نداوم على صحبة المجموعة إلى هذا المسجد وكانت المتعة تعلو وجوه الناس ولا لجاج ولا خصام بالرغم من الفقر المدقع وضيق اليد.
كانت أول سيارة اشتراها سيارة (فوكسهول) إنجليزية الصنع رقمها ٩٦٢٧ اشتغل عليها بالأجرة في نقل مرتادي المنامة، أما السيارة الثانية فكانت أوبل وعلى ما أتذكر رقمها ١.٣٠٧ عمل عليها هو وابن أخيه المرحوم الحاج أحمد الهدي، ثم جاءت سيارتا أوستن وبعدها سيارة مرسيدس.
كما ذكرت من قبل، لم أشاهد الحاج محمد الهدي منفعلا إلا في موقف واحد فقط، وكان ذلك في منطقة بيع الفواكه في الرفينري (مصنع التكرير) الذي كان مصدر رزق لكثير من الباعة الذين يتجولون ببضاعتهم. حدث ذلك عندما جاء رجل الأمن الخاص بباكو (السكورتي) وقام بالاعتداء على البائعين وبعثرة بضائعهم ومن ضمنها الفاكهة التي كان أخوه الحاج حسن الهدي يبيعها، ودخل الإثنان في مشادة كلامية طويلة باللغة الإنجليزية فهمت منها استكاره الشديد للاعتداء على البضائع وذلك ليس من حقه كرجل أمن وأنه إن كان هناك تجاوز على النظام.
قرر الحاج محمد فجأة أن نذهبع لصيد الطيور في براري القرية (بربورة وما جاورها)، ويحتاج ذلك أولا البحث عن (العناجيش) فقمنا نحن (الأطفال) نبحث عنها في مجاري المياه في الساب وأم المشوي ولم نترك مكانا إلا بحثناه وقلبناه، لكننا لم نحصل على شيئ، وفجأة برز لنا هو يحمل مجموعة من العناجيش، فتعجبنا كيف حصل عليها، المهم أننا إلى الصيد (تسمى النصابة) وأتذكر أننا اصطدنا (شرياص) يعني صقر صغير ، ولأننا لا نأكل الشرياص فقد بعناه على أحد الهواة، طبعا بثمن زهيد، يعني كم روبية فقط، وانطبق علينا المثل: اللي ما يعرف للصقر يشويه.