إليهما وإلى براعم الوطن الذي هم أمل الغد ورهان المستقبل اهدي هذا الجهد المتواضع كومضة نور، في طريق التضحية والإيثار.
كانت فاطمة من أهل قرية ساحلية ينعم أهلها بالطيبة والهدوء و يسترزق معظم أهلها البحر وكان أبوها صاحب سفن بحرية كثيرة ومن تجار بلدته وقد عرف عنه حبه للخير والوطن ومساعدة الفقراء وأهل الحاجة وقد شاع في القرية والقرى المجاورة ذكره بأنه أهل البر والخير والتقوى.
في تلك القرية القاطنة على أطراف الوطن تربت فاطمة وترعرعت في بيت أبيها على الفضيلة وحب الخير ومساعدة الناس، وعرف عنها بعد موت أبيها أنها وريثه الخير وأمه، وفي كنف هذا البيت وأجواءه ولد ماجد لفاطمة، وكان أبوه علياً قد توفى بعد ولادته بخمس سنين على أثر نوبة قلبية مفاجأة، لذلك نشأ برعاية أمه التي اعتادت دلاله وتوفير متطلباته بل والعمل على ترسيخ الفرحة والسعادة بداخلة بتلبية كافة متطلباته، فهو وحيدها اليتيم ولكنها لم تنسى وصية والدها، فأوصت برعاية أهل الحاجة من الفقراء والمساكين ومساعدة من يمكن مساعدتهم.
كان ماجد وريث فاطمة الوحيد وهو شاب في مقتبل العمر لم يشأ أن يتزوج مبكرا في حياه أمه رغم إلحاحها وتأكيدها له على أهمية الزواج.
وتوفيت فاطمة فشاع الحزن والضجر أبناء قريتها وشيعت في جنازة مهابة بها الذِكر والثناء، وآرت القرية امرأة الخير الفقيدة وطويت صفحة مشرقة من صفحات تاريخ أبناء القرية الطيبين.
ومضت أعوام سبعة على وفاة هذه المرأة الصالحة التي كثيرا ما كانت تقف عند ابنها تذكره بفعل الخير وعمل الصالحات وتلح عليه، وكان يعدها بذلك مراراً ولكن زوجته الشابة الجميلة الحسناء كثيرا ما كانت تجعله يتردد كلما حاول ان يبادر بفعل الخير او المشاركة في مشروع كما وعد أمه! فتعارضه الحسناء مرة مدعية بلوازم السفر او استبدال الأثاث او استكمال مشروع بناء العمارة، وهكذا مضت السنون السبع دون ان يشارك ماجداً في شيء وطالما وقف مكتوف اليد حزيناً.
حتى عزف أهل القرية عن مراجعة هذا الابن شعوراً منهم بضعفه وعدم قدرته على مخالفة رأي زوجته التي سعت بإصرار على السيطرة عليه والهيمنة على الثروة التي أغرتها بالعزوف عن الناس والعمل على إدارتها بما يدر عليها من خير وفير وأرباح طائلة سعى وأهل الحظوة من أهلها ومحيطها.
وفي ذكرى وفاتها الثامنة جاءته أمه في الحلم في شكل امرأة فقيرة وقد خطت وجهها بوشاح الحزن خوفا من أن يتعرف عليها.
مدت الأم الطاهرة يدها إلى ابنها المغرور الذي يرغد في العيش وهي متخفية، رآها مبتورة الأصبع فستهاج به الشعور وتذكر موقفه مع أمه يوم وفاتها… عصفت به الظنون والخواطر.
وهام ماجد ليوغل في الحلم وهو بين اليقظة والحلم وهو يتذكر جوار الآخر مع امة وهي تقول:
(يا ماجد يا حبيبي لا تنسى ان تحتفظ بخاتمي هذا عندك بعد موتي فهو رمز الخير والعطاء وصاحب الفضل لهذا الثراء الذي نحن نعيش فيه.. لا تنسى يا حبيبي).
وتذكر ذلك اليوم يوم موتها وبعد التشييع المهيب لجنازتها كيف أنه نسى الخاتم في يدها فجاءها ليلاً تحسبا منه وطمعا ونبش القبر وعندها حاول أخذ الخاتم فامتنع عليه الأمر وصعب فما كان منه إلى أن أستل خنجره وبتر الأصبع ليحتفظ بالخاتم الذي اعتقد ان ضمن له الخير.
هاجت نفس ماجد وسألها مندهشا مرعوبا: من أنتِ بالله عليك؟
كررت بأنها فقيرة محتاجة لكنه يعرف ملامح يد أمه فسألها ثانية: بالله عليك من أنتِ؟.. من أنتِ؟..
– هل أنتِ فاطمة،، أم الخير والعطاء؟!..
– ذرفت عيناها بالدموع: نعم.. أنا فاطمة أمك الذي نسيتها ونسيت كرم الله عليك ليتذكر بعض العطاء وقطعت أصبعها وكنت مسرورا بذلك لأنك تستغني بالوعد وتحتفظ بالخاتم.
– ولماذا أنتِ بهذه الحالة الرثة؟ حزينة متألمة!
– نعم أنا حزينة فبخلك وحرصك هو من أخرجني وآلمني وقد توقعت تبرأ أصبعي إصرار منك العطاء والخير وإن كان على حسابي ففرحت يومها وسعدت ولم أكن أتوقع بأن قطع الأصبع كان طمعاً وجشعاً وجعلني فقيرة من الترحم وحسن الذكر.
ألم تعلم أن الخاتم تذكير عن الحاجة لدعم ومساندة الفقراء أين الصدقة الجارية يا ولدي..
يا ماجد! أبي من أوصاني باقتناء الخاتم وهو رب نعمتي وتراني تذكرت لها العطاء وهذه النعمة، فكأنك من طمع بالغنيمة وقطع أصبع الحسين عليه السلام يوم جاء إلى استلابه فكانت غنيمة طمع، ولكن قطع أصبع الحسين عليه السلام كان ترسيخا للمزيد من العطاء والتضحية والإيثار عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
فأي الطريقتين تختار؟!
أما أن لك ان تريحني وتجعلني سعيدة في قبري ليوم حشري؟!
أما آن لك أن تخرجني من حزني وغمي؟!
وأما أن لك ان تتحرر من الطمع والجشع وحب الدنيا على حساب الآخرين وأنت من حياة الله الخير الوفير؟!
أياك والطمع يا ولدي يا ماجد!!.
–
نعم يا أماه.. نعم يا أم الخير.. نعم يا فاطمة..
أعدك وعداً باراً أن تقري بي عيناً وتزدادي غني وسعادة وهناء في آخرتك.
نفسي وثروتي فداؤك وفداء هذا العناء الطاهر والمنهج الخير العظيم.
وأن هذه الأموال التي حصدتها وكنزتها ستكون في خدمة المحتاجين ومشاريع الخير، وأسمحي لي أيتها الطاهرة ان أقبل يديك واعترف لكي بالجميل، وأن هذا الخاتم سيبقى طوال العمر والي الأبد ميراث خير وعطاء دائم يتوارثه الأبناء القادمون وأن يكون بتر الأصبع الطاهرة عظة وتضحية في سجل الخالدين التي رسخت مبادئ التضحية وقيم العطاء.
واستيقظ ماجد وحلم فاطمة بداية يقظة و موعظة حسنة واختلط لدرب العطاء عرفانا بالإصبع المبتور الذي قبله واحتضن امة باكيا نادما قبل ان يستيقظ.
وكانت هي بداية بشارته لزوجته علياء “أم القاسم”
كتبت بتاريخ: ١١ / ٧ / ٢٠٠٦م