الإسلام دين البرهان لا دين الأسلاف للأستاذ عبد الوهاب حسين

الأستاذ عبد الوهاب حسين

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ • الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

هذه الآية الشريفة المباركة واحدة من الآيات القرآنية التي تبين خصائص الإيمان الذي يدعوا إليه القرآن الكريم، وأول خاصية من خصائص الإيمان الذي يدعوا إليه القرآن الكريم والتي نفهمها من هذه الآية الشريفة، هي خاصية الوعي، أي أن القرآن يدعوا إلى الإيمان الواعي وهو الإيمان الذي يستند إلى التفكر والتأمل،الإيمان الذي يستند إلى الدليل والبرهان وليس إلى سيرة الآباء والأجداد، {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} 

الإسلام يستنكر هذا النوع من الإيمان {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}

الإسلام يستنكر هذا النمط من الإيمان ويدعوا إلى أن يكون إيمان الإنسان مستندا إلى الدليل والبرهان.

الإسلام الذي يستنكر على أصحاب الأمم والملل الأخرى إستناد الآباء والأجداد فهو أيضا لا يرضى لأصحاب هذا الدين الحنيف أن يستندوا في الإيمان إلى آبائهم وأجدادهم وإنما يجب أن ينشدوا إلى الدليل والبرهان، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}

فهم خلقوا لجهنم ودخلوا جهنم لأنهم لا يفكرون لأنهم لا يستخدمون عقولهم، الإيمان الذي يدعوا إليه القرآن الكريم الإيمان المستند للدليل والبرهان.

{إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}

فهم استدلوا على الله، تعرفوا على الله وارتبطوا بالله من خلال آياته.

أصحاب العقول النيرة المضيئة بالعلم والفهم لم يرتبطوا بالله جزافا وتقليدا لآبائهم وأجدادهم إنما تعرفوا على الله وارتبطوا بالله وخضعوا وأذعنوا على الله استنادا على الآيات والبراهين الدالة على ذلك.

وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان لأن الإيمان إذا استند إلى تقليد الآباء ولأجداد ولم يستند إلى الدليل والبرهان هذا الإيمان تضيع فيه قيمة الحق، لايمتاز فيه الحق عن الباطل، قوله تعالى {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا}

هنا لم يستدلوا إلى تميز الحق والباطل وإنما فعلوا الفاحشة وقالوا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، بل نتتبع ما وجدنا عليه آباءنا، حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولوا كان آباءهم لا يعلمون ولا يعقلون، تضيع قيمة الحق هنا يختلط الحق مع الباطل ولا تصبح للحق أهمية، ومن ثم الإنسان لا يحسب معيارا يستند فيه إلى تقييم سلوكه، يفعل فيه المنكرات ويفعل الفواحش ولا ويجد معيارا صحيحا يستند منه إلى تقييم سلوكه،يخلط الحابل بالنابل كما يقول المثل الشعبي، يخلط الخير بالشر تضيع المقاييس وتضيع القيم ولا يمكن بحال من الأحوال…

ويفقد الحق قيمته، لهذا تجد أن القرآن يدعوا الإنسان أن يكون في إيمانه مستندا إلى الدليل والبرهان، نحن في تربيتنا لأولادنا في البداية ومند الطفولة نطبعهم على الإيمان ونربيهم على ذلك ولكن في النهاية وفي الكبر عندما يكبرون يجب أن نسمح لعقولهم بالتحرك ونسمح لهم بالبحث ومعرفة الحق وتميزه عن الباطل ولا يجب بحال من الأحوال أن نمنع أبناءنا عن ذلك لأن ذلك خطير جدا للإيمان نفسه

فالخاصية الأولى: التي يدعوا القرآن إليها في الإيمان هي خاصية الوعي وهو الإيمان الذي يستند إلى الدليل والبرهان.

الخاصية الثانية: ارتباط بالعمل {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ما هي صفاتهم؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا}

الإمام علي عليه السلام يقول “نبه بالفكر قلبك وجاف عن الليل جنبك وأتق الله ربك” وفي حديث آخر “التفكير يدعوا إلى البر والعمل به”.

فهنا الإيمان الواعي لما كان مستندا إلى التفكير وإلى البصيرة الحق أدى إلى العمل {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} وقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ • إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ • إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

القرآن الكريم دائما يربط بين الإيمان والعمل الصالح فلا قيمة للإيمان بغير عمل وفي الأسبوع الماضي ذكرنا الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام “الإيمان عمل كله” فيجب أن يرتبط الإيمان بالعمل الصالح وإلا فلا قيمة للإيمان “العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا فلا”.

الخاصية الثالثة: والأخيرة والتي أريد أن أقف عندها كثيرا هي خاصية الشعور أن الإيمان الذي ذكره القرآن الكريم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جنوبهم} هذا العمل هذه الأنماط السلوكية، حينما تسمع هذه الآية نجد بكل وضوح أن هذا العمل ينبع من إيمان واع متلبس بالشعور حالة انفعالية موجودة، لا تجد سلوكيات عادية وإنما تجد أنه يذكر الله قياما وقعودا حالة اضطراب حالة قلق.

هذا العمل لا يستند فقط للإيمان بالوعي كدليل وبرهان لكن هذه الأعمال والسلوكيات تنبع من عاطفة وشعور وهذا هو الجانب المفقود الشعور ما هو؟ الخشوع {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}

{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} حالة البكاء {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}، {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.

هذا هو الإيمان الحقيقي، ليس فقط بالدليل والبرهان، وإنما فيه عاطفة، وشعور الإيمان فيه عاطفة وفيه شعور نحن أحيانا في حياتنا الإيمان الواعي لكن يفتقد للخاصية الثالثة، ولهذا تجد بأن ممارستنا للحياة وممارستنا للعبادات جافة لا حيوية فيها، لا حركة فيها أنضر هذا الإيمان الواعي الشعور قيمة صبغ الإنسان المؤمن بصبغة الإيمان الذي يذكرون قياما وقعودا…

حياتهم كلها جزئية من جزئيات حياتهم مصبوغين بصبغة الإيمان.

لماذا؟
لأن الإيمان مرتبط بعاطفة هنا، وعي وعاطفة وشعور، لهذا تجده يمس جميع جزئيات الحياة بصبغة الإيمان، كل حياتهم مرتبطة برباط الإيمان.

لماذا؟
لأن الحياة مرتبطة بالمصير بأشياء أخرى، القرآن الكريم يبين لنا خصائص هذا الإيمان الشعوري، فهو يستند إلى حقائق واقعية تتعلق بالله تتعلق بالإنسان، تتعلق بالمصير، تتعلق بالله، بأسمائه أو بصفاته، ليس فقط أن الإيمان عندما يتحول إلى إيمان عاطفي شعوري واعي، ليس فقط أن يعرف وجودا لله، الله موجود، السماء موجودة، الجبل موجود، لكن ما هو الفرق بين وجود الله ووجود الجبل؟ لماذا يحرك الله شعوري والجبل لا يحرك شعوري؟

لان صفات الله وأسمائه هي التي تحرك شعوري، جلال الله، جبروت الله، رحمة الله، كرم الله، هي التي تحرك الشعور، فالذي يحرك شعورنا في علاقتنا مع الله هي صفات الله، ان لله صفات عندنا نقف عندها ونتأمل فيها يتحرك فينا الشعور ويحرك الوجدان الإنساني، فنحن لا ينبغي أن نقف فقط عند وجود الله، إنما يجب أن نتعرف على صفات الله لأنها هي التي تحرك الشعور.

لا يوجد إنسان يتعرف على الله بصفاته ثم لا يخاف من الله ولا يعبده، هل يوجد إنسان يتعرف على صفات الله ثم لا يطيع الله؟! هل يوجد إنسان يتعرف على صفات الله ثم لا يكون محبا ومشتاقا إلى الله؟! فيجب أن نتعرف على الله بصفاته فعند ذلك تتحرك مشاعرنا اتجاهه سبحانه وتكون علاقتنا شعورية كذلك نعرف أنفسنا نعرف فقرنا ونعرف بؤسنا ونعرف أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله هل يملك شيئا من ذلك كلنا ومصيرنا بيد الله حياتنا بيد الله فإذا عرف الإنسان هذه الأشياء هل يمكن أن تكون علاقته بالله علاقة فاترة وعلاقة جامدة وعلاقة باردة؟! ثم نعرف مصيرنا حياة الإنسان ليست عبثا {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.

عندما نفكر في صفات الله ونفكر في أنفسنا ونفكر في الحياة نعرف أن الوجود ليس وجودا عبثا وإنما لغاية وهدف، وهذا الهدف يرتبط باليوم الآخر فالإنسان صائر إلى الله عز وجل. الإنسان من خلال ارتباطه بالله لا يوجد إنسان غير حريص على جلب النفع إلى نفسه ودفع الضرر عن نفسه، فإذا عرف أنه صائر إلى الله فماذا تكون علاقته بالله؟ هل تكون بارة وفاترة؟ فهذا الإيمان الشعوري يستند إلى حقائق واقعية تتعلق بالله وتتعلق بالإنسان وتتعلق بالحياة نفسها في الجانب الآخر من هذا الإيمان أنه يرتبط بالعمل ولا يمكن أن يقف الإنسان مكتوف الأيدي مع هذا الإيمان الشعوري فإنه يدفع الإنسان إلى العمل يبدأ العمل يبدأ بنظرة إلى الحياة نظرة جادة نظرة عمل.

ويصبغ كل حياته بصبغة الإيمان والعمل، حالة الضعف والتقصير في تعظيم شعائر الله هي نتيجة الارتباط البارد مع الله لا حيوية فيه لا حياة فيه ولكن لو كان هذا الإيمان إيمان شعوري ك حياتنا ترتبط بالله فسبب هذا البرود في حياتنا عدم إحيائنا لشعائر الله هو برود في العلاقة مع والنتيجة الأخير أن هذا الإيمان يخلق اليقين في قلب الإنسان يقول أمير المؤمنين عليه السلام عندما سئل هل رأيت ربك؟ فقال: كيف أعبد ربا لم أراه؟! فهذه الرؤية القلبية هي المطلوب.

ولن نحصل على هذا اليقين إلا من خلال الإيمان الشعوري فالإيمان الشعوري وحسب درجاته فإنه يخلق اليقين في قلوبنا ويهيئ قلوبنا للرؤية القلبية لله عز وجل فهنيئا لأولئك الذين تحصلوا على الإيمان الواعي والشعوري وصاغوا حياتهم صياغة إيمانية وربطوا كل جزئية من جزئيات حياتهم برباط الإيمان وهيئوا قلوبهم لليقين بالله عز وجل وعقائد الإسلام فهنيئا له.

والحمد لله رب العالمين

شارك برأيك: