برز السيد فضل الله قدس سره مرجعا مجددا في هذا العصر، وفتح آفاقا متعددة في طرحه لبعض المسائل. وناقش قضايا كثيرة من زوايا مختلفة فكانت آراؤه في بعض المسائل جريئة وقوية، مما رآها البعض أنها انحراف عن المذهب. وثبت السيد رحمه الله رغم كل تلك المواجهات التي شنت ضده.
وبعد رحيله ظهر بعض العلماء بأنهم مجددون ومنتقدون لواقع المراجع والحوزة والإفتاء. وهذا عظيم فالتجديد والتطور لا يقف عند شخص ما، ولا في زمن معين، فعجلة الحياة لا تتقدم بدونه.
لكن هناك أمر يجب الالتفات له وهو أن بعض هؤلاء الذين يريدون التجديد وتطوير الفقه والتشريع والحوزة، اختلفوا عن السيد فضل الله رحمة الله عليه في محور مهم في غاية الأهمية.
هذا المحور هو أن السيد فضل الله رضوان الله عليه لما قام بالتجديد وسعى إلى التطوير كان يناقش الأفكار والمسائل الفقهية والتشريعية ومدار الحكم فيها، لا يناقش أفرادا أو ينتقد طريقتهم ومدارسهم الفقهية، بينما هؤلاء بعضهم ينتقد مراجع وفقهاء بشكل معلن وصريح في الفضائيات. صحيح طريقة انتقادهم ليس فيها هجوم أو تسقيط لأولئك المراجع والفقهاء لكن فيها إشعار بضعف منهجهم وخطأ استنباطهم للحكم الشرعي. بل ذهب بعضهم للنيل من المدرسة الإخبارية وكأنها والعياذ بالله مدرسة رجعية ومتخلفة. فكل ذلك كان على الفضائيات وليس في مقاعد البحث الخارج في إطار الحوزة.
التجديد والتطوير لا يعني الانتقاص من الآخرين، بل هو عمل في تجارب الآخرين واستكمال لها وتقنينها، وهذا ما يميز السيد فضل الله فهو لم ينتقص من الآخرين ولم يخطئ أحدا من المراجع والفقهاء ولم ينتقص من مدرسة فقهية أبدا، فهو يرى نهجه امتدادا للسابقين وأن دوره هو استكمال ما وقف عنده من سبقه من الفقهاء والمراجع وإعادة النظر في بعض المسائل بما هو يراه من أدوات الاستنباط ومصادره. وهذا هو نهج كل المجددين الحقيقيين في كل عصر.
أما ما يقوم به أولئك من تجديد بانتقاص الحوزة ومراجعها وعلى مرأى ومسمع من الناس في الفضائيات فهو إيعاز بقصد أو غير قصد للنيل من الفقهاء والمراجع والحوزة بدون تحفظ. فمثلا بعضهم انتقد السيد الخوئي رحمه الله في تفسير بعض الآيات وقال ان هذا المنهج عند الخوئي منهج أخباري، وكأنه يعيب على السيد الخوئي الأصولي أن ينهج المنهج الأخباري، مما يوحي كلامه كأن المدرسة الأخبارية متخلفة والعياذ بالله.
ولا يعني كلامي أن المراجع والفقهاء والحوزة فوق النقد أو لا يجوز الاختلاف معهم، بل النقد والاختلاف ظاهرة طبيعية وصحية، ولكن فلتكن مثل المجدد السيد محسن الأمين والشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد فضل الله رضوان الله عليهم جميعا، فهؤلاء مثلا للتجديد والتطوير الذي يسير بامتداد الزمن السابق ومن عمق التراث الزاخر ليستقروا في مستقبل الزمن بعدهم لا في زمنهم.
هؤلاء اختلفوا مع فكر وتوجهات وواجهوا الفكر بفكر دون أن يتعرضوا إلى أشخاص وحتى لما انتقدوا الحوزة ظل انتقادهم في إطار الحوزة بعيدا عن العامة، بمعنى أنهم كانوا ينتقدون بعملهم ضمن الحوزة بفعلهم دون أن يتكلموا أمام الملأ كلامهم في الحوزة فقط.
هذا التجديد هو التجديد الديناميكي الحركي الفاعل الذي ينطلق من أساس قوي ويبقى مستمرا حتى بغياب أصحابه أما التجديد بانتقاص الآخرين فهو تجديد لا يجد له صدى قويا ولا مؤثرا في العمق وإن كان صحيحا.