الزهراءُ أُماًّ للشاعر سلمان عبد الحسين

سلمان عبد الحسين

لم تكملْ العقدينِ في الأبناءِ
وإذا بها أمٌّ إلى الآباءِ

هِيَ فاطِمٌ بنتُ النبيِّ وَأُمُّهُ
بحنانها التقويضُ للصحراءِ

أمُّ النبوَّةِ والإِمَامَةِ هَلْ تُرى
شَبَهٌ لها في الأرضِ أو بِسماءِ؟!

هِيَ كلُّ هذا الكونِ .. من تسبيحةٍ
عُرِفَتْ معاني الفضلِ والآلاءِ

مَنْ يَحْصُرْ الزَّهراءَ فِيْ إِرثٍ وَقَدْ
وَرِثَتْ لعرشِ الله بالأسماء

لم ْيدرِ ما الزهراءُ؟! كَيْفَ مَقَامُها؟!
هوَ طالبٌ دنياهُ باستجداءِ

* * *

يا تائهاً عن فضلِ فاطمَ سارحاً
عنها بما في الكفِّ من نعماءِ

قفْ عند من لم تبلغْ العقدين
واختصرتْ لكونٍ مُثقلِ الأَعْباءِ

أو بعد أعباءِ النُّبوَّةِ .. ثِقْلُها
بمحمَّدٍ جبلٌ من الإيذاءِ

وَهِيَ التي حملتْ لها حُباًّ بلا
كُرهٍ .. تُصَفُّ عَلى ضَمِيمِ نِسَاءِ؟!

فقد ارتضتها بالأمومةِ مَحْضناً
مَهَدَتْ بها أحقادَ ذي غلواءِ

والحقدُ في الأعرابِ ضِدَّ أمومةٍ
هُوَ من قبيلِ الوأدِ للأحياءِ

حوتْ الرسولَ وأكملتْ كخديجة
مشوارَ حصنِ محمِّدٍ بإِباءِ

حتى أتمَّ الدينُ كاملَ نورِهِ
وغدا عصيَّ الوهجِ عن إِطفاءِ

وحوى من الإفصاحِ أبلغَ نُطقِهِ
بإزاءِ ذي لّيٍّ وذي إِغْوَاءِ

اليومُ قد أكلمتُ إسلاماً لكم
أتممتُ نعمةَ مبتلىً بِجَفاءِ

وإذا بها دونَ النبيِّ تَتَرَّسَتْ
بالوحي قد شهرتْ لغارِ حَرَاءِ

لِنبوَّةٍ هِيَ أُمُّها للوحيِ وهو
نزيلُها في البيتِ باسترضاءِ

جعلَتْهُ حجَّتَها ويسندُ ظهرَها
إرثُ الأمومةِ أكبرُ استقواءِ

هي بضعةٌ مِنِّي غدا ميزَانُها
والقومُ إن رجحوا ذوو أهواءِ

لكنَّها رجحتْ بفعلِ ظلامة
إنَّ الظلامةَ وازنُ الإغضاءِ

إنَّ الظلامةَ منحةُ الإنصافِ في
من قبرُها قبسٌ مع الإخفاءِ

شاءوا لها الإخفاءَ وهي بقبرِها
قد نصَّعَتْ تُرباً من الأضواءِ

إذ أنَّها الزهراءُ يُزهِرُ نُورُها
في القبرِ أو في الليلةِ الظلماءِ

لَمْ تُفْتَقَدْ قَمَراً ولا حُجِبَتْ لنا
شَمْساً وفي الإخِفَاءِ سِرُّ جَلاءِ

في ساعةِ الإخفاءِ أو بوجُودِها
هِيَ حَشْرُ هَذا الكَونِ مِنْ إِعْفَاءِ

فالكونُ لم يُعْفَ أُمُومَتَها التي
في القبر تمنحهُ ادَّعاءَ بقاءِ

والكونٌ أبضاعٌ لها من بِضْعَةٍ
مسكتْ بلحمِ مُحمَّدٍ بِقِراءِ

فمتى غدا نفياً لها عن أفقه
هي كلُّهُ في اللحمِ للأجزاءِ

والكونُ كُسوتُها التي غَطَّتْ بها
الأبناءَ إذ هُمْ حصرُ أهلِ كِساءِ

فمتى غدا يخلو من الزهراءِ .. من
يخلو من الزهراءِ أهلُ خَوَاءِ؟!

هِيَ أُمُّ هذا الكونِ باسمِ أُمُومةٍ
لمحمَّدٍ وضجيعةٌ لسماءِ

* * *

ماذا بقي كيما تنول له وما
نالت؟! أغصب الإرث باستعداء؟!

والله قد شطرته من سهمين إذ
محقا لأسهم عصبة الطلقاءِ

سهم الأمومة في النبوة أورثت
وحيا إليه بقت كخير وعاءِ

وكذاك سهم للولاية طوله
الأبناء سر الكوثر المعطاءِ

عشرون عاما أو تقلُّ وقررت
لمصيرنا بأمامه ووراءِ

عشرون عاما والبقية زائد
من عمر هذا الكون لاستدعاءِ

فخزانة الرحمن منها إنها
خزن لكون سار بالأنباءِ

فإذا بها اسم النبي محمد
والعترة الأطهار دون مراءِ

إن كان ظلما .. أشعلوا لظلامة
فغدت لهمس أكبر الأصداءِ

ما بالها وهي الصريخ بأرضنا
قد كورَّتْ قطرا لها بحداءِ

أو كان أفراحا .. فما فرح لهم
إلا انتهى لمسامع الأعداءِ

فأغاضهم واستطرب الأحباب من
فرح وأشعل جذوة السراءِ

وسرى كمسرى الدم في الأبدان لا
تعجب إذ يُحيَا بفيض دماءِ

كان السريَّ ضرورة قصوى غدا
كيما نعيش كمثل عبِّ هواء

من ذا يؤمن كل ذا صيرورة
وبها استدامة فطرة الأشياءِ؟!

إنْ لم تكن أمٌّ كفاطم أمَّنَتْ
هذا وتهدينا إلى الأمناءِ

هي حصر هذا الكون .. إذ هو كنهها
وبها يدور كناظم الزهراءِ

فإلى جميع المدعين خلافة
وإمارة في عالم النظراءِ

ما عندكم هو حاجة طرقت على
باب لها يا جوقة الفقراءِ

إمّا تجيب فقد ربحتم فضلها
أو لا تجيب فجمعكم كهباءِ

أو لم يرضِّيها الإله بفعلكم
والأمر أعطاها مع الإِرجاءِ؟!

أو لم يميِّزْ عن مدى غضبه به
ممن يغاضبها بدون حياءِ؟!

فتميزوا قربا لها من بعده
ولتحذروا غضبا نزول بلاءِ

فهي التي جافت وقاطعت الألى
ظلموا لها فغدوا بدون غطاءِ

جهلوا طريق القبر .. صار عزاؤهم
في الحكم أنْ ظلّوا بدون عزاءِ

والقبر من روض الجنان بدونه
قد ضيعوا الجنات بالبغضاءِ

وهي التي قد أفرحت أحبابها
فغدوا لها من جملة الأبناءِ

أمُّ الكساء .. فيا ترى من خارج
من برد كسوتها لوسط عراء؟!

من لم تقله ببردها عار لو
التحف السما والأرض باستغناءِ

فهي التي تغني وتفقر وهي من
غطت لهذا الكون بالأمداءِ

وكذاك غطت من مساوئ عشقنا
ما قد صفا حبا لها برجاءِ

والخارجون على أوامر فاطم
هم خارج الأكوان باستخلاءِ

فهم السديم ولو تنصَّب باسمهم
كرسيهم ونما على الأشلاء

* * *

شارك برأيك: